محاولة انقلاب الصخيرات 1971

عودة للموسوعة

محاولة انقلاب الصخيرات 1971

حدثا اتسعت دوائر التقصي أونطق أحد الصامتين أوتم العثور على وثيقة أومعلومة جديدة كشف فيها عن تصريح، يتبين من حديث حتى خبايا تاريخ المغرب المعاصر مازالت خفية، لم تعهد بعد كاملة. ففي منتصف صيف 1971، كان المغرب الشعبي في أوج غليانه، وكانت قواه الحية التواقة إلى تغيير جذري توحدها فكرة واحدة: تنحية الملكية من المغرب وتعويضها بنظام آخر! آنذاك، وبالضبط يومعشرة يوليوز، بعد إحياء سهرة فنية ضخمة في ليلة التاسع منه، قام بتنشيطها عمالقة الأغنية العربية وقتئذ، استقبل الملك الراحل الحسن الثاني ضيوفه بقصر الصخيرات في أجواء صيفية رائقة، قوامها المرح والمتعة وتقديم صنوف الأكل وغيرها من مظاهر البذخ.

احتل المدعوون حدائق القصر، حيث جميع شبر من بساطها الأخضر المؤثث بأشجار الميموزا والأوكاليبتوس المستورد من استراليا. أكثر من ألف ضيف، جلهم بزي صيفي خفيف تبعا للتعليمات الواردة في الدعوات التي توصلوا بها، بلسان العرب ولغتي موليير وشكسبير. جميع الشخصيات الوازنة، المغربية والأجنبية، المتواجدة آنذاك على التراب الوطني، كانت حاضرة ذلك اليوم بقصر الصخيرات لمشاركة الحسن الثاني احتفالات عيد ميلاده 42. منهم بورقيبة الابن، لوي جوكس، جاك بونوا ميشان، الراقص المشهور وقتئذ جاك جازو، الأستاذان "تورين" و"دوجين"، تاجر المجوهرات ذائع الصيت "شومي"، الدكتور "دوبوا روكبير" وآخرون من رجال السلك الديبلوماسي ورجال الأعمال وغيرهم.

لحظتئذ، وحده الملك الحسن الثاني كان جالسا إلى مائدة الأكل بصدد تذوق "لانكوست" ضخمة اختيرت بعناية كبيرة من طرف أحد اليهود القائمين على تحضير الأطباق الرفيعة ذلك اليوم. كانت عقارب الساعة تشير إلى الثانية و8 دقائق زوالا، حسب أكثر من شاهد عيان.. من قلب أنغام بترة موسيقية صامتة كانت تعم الأجواء، دوت طلقات الرصاص وانفجارات قنابل يدوية.. توقفت الفرقة الموسيقية عن العزف.. سقط فرنسي وتهاوى سفير بلجيكا على الأرض جثة هامدة... تناثرت القنابل في مختلف أراتى الفضاءات الخارجية لقصر الصخيرات.. جثث "لي كادي" (مساعدولاعبي الغولف المكلفين بلوازم اللعبة) منتشرة على البساط الأخضر هنا وهناك.. مئات الضيوف هرعوا مذعورين فوق الرمال المضىية موَلِّين ظهورهم إلى شاطئ المحيط الأطلسي الذي كان هادئا ذلك اليوم... أكثر من ثلاث ساعات من الفوضى والهمجية أبطالها جنود أغرار، على رأسهم الليوتنان كولونيل امحمد عبابو، الذي طلب من مرافقه الأمين، العملاق عقا تخليصه مما كان ينتظره بإطلاق رصاصة الرحمة عليه بعد إصابته البليغة بالمقر العام للقوات المسلحة... ليسدل الستار على انقلاب الصخيرات.

نهاية الانقلاب اتىت بطريقة غريبة، ظل يلفها الكثير من الغموض، حيث أثار ضجيجا كبيرا لكنه لم ينجح في الوصول إلى المستهدف الأول: الملك، وذلك رغم خطة تدبيره في الخفاء من طرفخمسة جنرالات، حسب المصادر البريطانية. توقف إطلاق النار بحلول الساعة الخامسة زوالا.. سلم الملك الراحل الحسن الثاني كافة السلط العسكرية والمدنية لرجل ثقته وقتئذ، الجنرال محمد أوفقير، ليبدأ مسلسل القمع الدموي وتصفية الحسابات، الظاهر منها والمستتر... جميع هذه الأمور وغيرها معروفة، تناولتها جهات وطنية وأجنبية، إلا حتى بعض مناطق الظل ظلت في حاجة إلى المزيد من التوضيح، ومنها الدور الذي لعبته وقفة قافلة الانقلابيين ببلدة بوقنادل والكشف على حتى الأمر يتعلق بالقيام بانقلاب عسكري مع فهم جهات أخرى بالتخطيط له، وعلى رأسها المخابرات الإسرائيلية (الموساد)، وغيرها من التساؤلات. يحاول ملف هذا الأسبوع الإحاطة بكل القضايا المتعلقة بهذه المسألة، معية المحرر محمد لومة صاحب مؤلفات اعتنت بأحداث ووقائع وجَّهت تاريخ المغرب الحديث نحوالوجهة التي سار فيها.

"لحلاسة راها تقلبات.. اجمع حوايجك" ( الحصير قد تنقلب اجمع متاعك)


من بين النوازل، التي تبين بجلاء حتى الجنرال محمد أوفقير كان على فهم بحدوث انقلاب الصخيرات قبل وقوعه، ما وقع بسجن بولمهارز بمراكش. يوم حصول المحاولة الانقلابية الفاشلة بالصخيرات كان جميع من سعيد بونعيلات وأحمد الفرقاني بسجن بولمهارز، ممنوعين من الاتصالات المباشرة فيما بينهما، إلى جانب اليازغي وآخرين. وفي يومعشرة يوليوز 1971، كان الفورقاني يقوم بفسحته اليومية بساحة السجن، وكان حدثا اقترب من زنزانة سعيد بونعيلات إلا وحاول التواصل معه خلسة لفهم ما لديه من أخبار ومستجدات، فنطق له بونعيلات بالأمازيغية : "اليوم لحلاسة راها تقلبات".. أكمل الفورقاني جولته قصد الاستفسار عن الأمر، فنطق لبونعيلات: "أش من حلاسة تقلبات؟!"، فأجابه: "لحلاسة راها تقلبات اجمع حوايجك".

حسب محمد لومة، في ليلةعشرة يوليوز 1971، اتصل أحد الذين تربطهم علاقات عائلية قوية بالجنرال أوفقير (يسمى على أوفقير، وكان يعمل بإحدى الأجهزة الأمنية وغالب الظن في "السيمي")، بأحد سجناء سجن بولمهارز، ونطق له: "اجمعوا حوايجكم، غدا راه غادي تسقط شي حاجة كبيرة ومهمة إذا شاء الله، وراه غادي تلتحقوبديوركم". ويضيف محمد لومة، لم يكن على أوفقير هذا سيقوم بما قام به دون تعليمات صادرة عن الجنرال أوفقير. لكن في مساء يومعشرة يوليوز، لما اتضح فشل المحاولة الانقلابية، قرر الجنرال تصفية جميع سجناء سجن بولمهارز الاتحاديين. آنذاك كان بلغازي، مديرا لهذه المؤسسة السجنية، وهومقاوم سابق بارز، على علاقة ببعض المقاومين وأعضاء جيش التحرير النزلاء بسجنه، ولاحظ حتى هناك فرقة من البوليس، جميع عناصرها من عين الشعير (بلدة الجنرال أوفقير) مسلحين بالرشاشات، وكان قد فهم من حديثهم أنهم يخططون ذلك اليوم لكيفية تطبيق التعليمات الرامية إلى التصفية الجماعية للمعتقلين الاتحاديين (عددهم 172)، فقام المدير المذكور برمي مفاتيح الزنازن داخل زنزانة أحد السجناء واتجه على الفور إلي مخط وكيل الملك بمراكش فأبلغه بقرب وقوع مذبحة بالسجن الذي يديره، وشرح له حتى هناك عناصر مسلحة، غرباء عن المؤسسة، أوفدهم الجنرال أوفقير للقيام بقتل السجناء الاتحاديين. وحسب محمد لومة، كما خطط الجنرال أوفقير لمسح آثار الجنرالات يوم 13 يوليوز (بتصفيتهم بدون محاكمة)، أراد كذلك حتى يمحوذاكرة 172 معتقلا بسجن بولمهارز بمراكش كشهود على فهمه بحدوث الانقلاب قبل وقوعه. ولولا لطف الله ومبادرة مدير السجن، لحصلت مذبحة بهذا السجن، أفظع من مذبحة قصر الصخيرات. وهذه الرواية الأخيرة تناقض الرواية القائلة بأن تلك العناصر حضرت إلى السجن لتكون على تأهب من أجل إطلاق سراح المعتقلين الاتحاديين وليس لتصفيتهم، كما تم الاعتقاد بذلك.

عبد الرحيم شجار

في اتصال بعبد الرحمان شجار أحد المعتقلين ضمن "مجموعة 172" بسجن بولمهارز، صرح للجريدة بأن خبر اندلاع انقلاب 1971 توصلوا به من طرف المرحوم محمد الحبيب الفرقاني، الذي فهم به عن طريق، مدير السجن آنذاك، المقاوم بلغازي. وعليه لم يتم تنقيلهم يوم العاشر من يوليوز إلى المحاكمة التي كانت أطوارها تدور بمحكمة باب دكالة. وأكد حتى التحليل الذي ساد يومها في أوساط المعتقلين إثر تواجد عدد كبير من أفراد الجيش والمخابرات والشرطة داخل السجن، رغم عدم علاقتهم بإدارة السجون، بأنها حركة يراد بها تخليص السجناء تمهيدا للاتصال بقيادتهم في الخارج، وذلك من أجل إضفاء المشروعية السياسية على واقع الانقلاب، فهما حتى هذه الرواية تناقض الرواية الأخرى القائلة إذا فرقة الأمن التي تتكون عناصرها من منطقة عين الشعير اتىت إلى سجن بولمهارز، بأمر من الجنرال أوفقير لتصفية المعتقلين الاتحاديين، كونهم فهموا بأن الجنرال المذكور كان على فهم بالإعداد لانقلاب الصخيرات. وفي هذا الصدد أكد لنا محمد لومة حتى اعبابووجماعته كانوا يتخوفون من حتى يسبقهم الاتحاديون بخصوص تغيير النظام بالمغرب، لذا نطق لرجاله :" إذا أولئك الناس يفكرون في الهجوم، علينا حتى نسبقهم ونمنح للمحكومين منهم العفوبمراكش".

لماذا لم يسقط الكثير من اليهود ضحايا بالصخيرات؟

لازال البعض يتساءلون باستغراب عن عدم سقوط الكثير من الشخصيات اليهودية يومعشرة يوليوز 1971 ضمن ضحايا قصر الصخيرات، فهل كان جهاز المخابرات الإسرائيلية (الموساد) على فهم مسبق بالحركة الانقلابية قبل وقوعها؟ لم يسقط بقصر الصخيرات سوى يهودي واحد، هوماكس مانيان، مدير شركة "كوزيمار" (معمل السكر بالدار البيضاء)، كما أصيب يهوديان آخران بجروح طفيفة. فهما حتى أكثر من جهة أكدت مرارا حتى الموساد كان على فهم بكثير من الأسرار بخصوص العملية الانقلابية وغيرها من النوازل والمؤامرات، على الأقل لم يقم بإخبار اليهود المقربين من القصر الملكي والعاملين به، وهم كثر، إضافة إلى الضيوف المدعوين من اليهود، بعدم حضورهم ذلك اليوم أوعلى الأقل تنبيههم!!؟ فاليهود هم الذين كانوا وقتئذ يؤطرون الحفلات والمأكل والمشرب بقصر الصخيرات، ومن هؤلاء شقيق شمعون ليفي، وزير الشؤون الخارجية الإسرائيلية، وهوصاحب مرقص "أمنيزيا" الكائن بشارع علال بن عبد الله بالرباط، والذي كان ولي العهد يقضي به بعض أوقات فراغه رفقة شلته في طور الشباب المبكر.

ومن المعلوم حتى ترقية الأخوين محمد وامحمد اعبابو(الأول أصغر من الثاني بثلاث سنوات)، تمت في يوم واحد (3 مارس 1971) وذلك استعدادا للانقلاب، وهي ترقية مخدومة من طرف الجنرال المذبوح، كما أمر هذا الجنرال بزيادة تسليح مدرسة اهرموموقبيل الانقلاب. لقد تم اعتماد طريقة القيادة من فوق، فالجنرال المذبوح (الذي يعتبر قائد الانقلاب)، لم يجلس إطلاقا مع الكولونيل محمد اعبابو، وكان حواره دائما مع امحمد أخ المعني الأول. وكان القبطان الشلاط، الذي وعد بالترقية آنذاك، وتحت إمرة هذا الأخير، حسب الأقدمية، القبطان بلكبير والقبطان غلول، وهما اللذان قادا القافلتين من اهرموموإلى فاس ثم زكوطة فسيدي قاسم، إلى سيدي سليمان وسيدي يحيى، مرورا بالقنيطرة، وصولا إلى بوقنادل (على بعد بضع كيلومترات من مدينة سلا)، وهناك (ببوقنادل) تغيرت قيادة القافلتين، آنذاك حملت أغطية الشاحنات ولُقِّمت الأسلحة وتم إخبار الجنود بالاستعداد للدخول إلى منطقة حرب، مما يعني وضع الأصبع على الزناد والاستنفار لإطلاق النار حال صدور الأوامر.

التصريح الذي ورط جميع المتهمين

من أبرز التصريحات التي كبلت المتهمين بقاعة المحكمة العسكرية الدائمة بالقنيطرة، ما أدلى به محمد اعبابو، شقيق امحمد اعبابو، مدير مدرسة اهرمومو، إذ اتى في محضر استنطاقه حتى الجنرال المذبوح حدد بمعية شقيقه تفاصيل خطة الهجوم على القصر الملكي بالصخيرات، وعملا معا على ضمان تنسيق تحركات المجموعتين المتدخلتين في هذه العملية، كما توافقا على تعيين الأشخاص اللازم تصفيتهم وأولئك الواجب احتجازهم إلى حين النظر في حالتهم جميع واحد على حدة، واتفقا أيضا بخصوص الضباط الغرباء عن مدرسة اهرمومو، الذين سيلتحقون بالعملية وهم: - الليوتنان كولونيل القادري - الكومندار المالطي - الكومندار المنور - الكومندار البريكي - الكومندار الرياني (صهر المذبوح) - الكومندار الحرشي الكومندار مليس وذلك من أجل حتى يبرز للانقلابيين حتى مختلف مكونات الجيش مشاركة في العملية. وكان هؤلاء الضباط الغرباء ينتظرون القافلة ببلدة بوقنادل بلباس مدني صيفي خفيف، وبعد خلوة قصيرة مع امحمد اعبابو(داخل سيارة مدنية)، ارتدى جميع واحد منهم اللباس العسكري وحملوا أسلحتهم، بما فيهم ضابط شرطة كان يرافقهم. هذا ما أنكر فهمه المرزوقي (صاحب كتاب تازمامارت/ الزنزانة رقم 10) في التحقيق، لكنه لم ينكره بعد نجاته من جحيم تازمامارت. وعملا، قلة جدا، هم الذين أقروا بأن امحمد اعبابوأبلغ ضباطه ببوقنادل حتى الأمر يتعلق بالقيام بانقلاب، ومن هؤلاء، إضافة إلى محمد اعبابو، عبد العزيز بين بين (نجل مؤنس الحسن الثاني) والذي أدلى في التحقيق بما يلي: [...] تجمعنا حول الليوتنان كولونيل امحمد اعبابوونطق لنا: "أيها الضباط الشباب تعهدون، حق الفهم، وضعية الضابط بقواتنا المسلحة [..] القيادة العليا قررت القيام بانقلاب.. علينا مهاجمة قصر الصخيرات على الساعة الواحدة زوالا.. وفي نفس الساعة ستتدخل وحدات في مدن أخرى.. سنقوم بمحاصرة القصر وعليكم إطلاق النار على جميع من سيحاول الفرار...". ويعترف محمد اعبابومنذ البداية حتى شقيقه امحمد فاتحه مبكرا في الإعداد لمحاولة انقلاب لتغيير الوضع بالبلاد، إذ تشاور معه بخصوص الكمين الذي كان ينوي نصبه للموكب الملكي بضواحي إفران بمناسبة حضور الملك الحسن الثاني لمناورات الحاجب في غضون شهر أبريل سنة 1971، شهورا معدودة قبل انقلاب الصخيرات، وقد عمل محمد على تني أخيه عن المغامرة لعدم توفر شروط نجاحها. ومما يبين حتى امحمد اقتنع بملاحظات شقيقه ما صرح به هذا الأخير، حيث نطق: " [...] حال وصولنا إلى فاس، هاتف أخي مدرسة اهرموموونطق للقبطان بلكبير بصوت مرتفع: ".. التمرين المقرر قد ألغي نظرا لظروف الطقس السيئة.. لا تغادروا المدرسة لتجنب أخطار الحوادث..". واتى في تصريحات محمد اعبابوأيضا حتى شقيقه امحمد حاول اقناعه بأنه التقى أكثر من مرة مع الجنرال المذبوح، آخرها بمدينة فاس، إذ نادى على "البلانطو" الذي كان يعمل بمنزله هناك، حيث نطق محمد في المحضر: "وجدت شقيقي وحده في منزله بفاس.. تناولت معه فنجان قهوة.. ثم نادى على "البلانطو" لحسن فسأله أمامي: "من كان جالسا على هذه الأريكة البارحة؟". تردد لحسن، فأمره محمد بالإجابة، فنطق لحسن: "كان هناك الجنرال المذبوح...". أما بخصوص النظام الذي كان يرغب الانقلابيون القيام به، يقول محمد اعبابو: "من خلال الحوارات التي أجريتها مع شقيقي امحمد فيما بينسبعة و10 يوليوز تبين لي حتى الجنرال المذبوح كان ينوي إحداث نظام يرتكز على القوات المسلحة.. لذلك فكر في توسيع دائرة اختصاص وزارة الدفاع لتشرف على القوات المسلحة والدرك والقوات المساعدة والأمن [وكانت ستؤول إلى أخيه] [...] وكنت أنا مرشحا للاضطلاع بالقيادة العامة للجيش.. أما "مجلس الثورة"، فكان سيضم ضباطا يتم اختيارهم من الذين أثبتوا انخراطهم في قلب النظام..". ويضيف محمد اعبابو"يبدوحتى اجتماعا أقيم بفيلا كان يملكها شقيقي بشاطئ "كابونيكرو" بالشمال، أسبوعا قبل الانقلاب، وربما تقرر جميع شيء خلاله...". وهذا ما أشار إليه كذلك، على بوريكارت في مذكراته، حيث خط: "لقد فهمت على لسان "لاجودان شاف" عقا حتى أوفقير، أسبوعا قبل الهجوم على قصر الصخيرات، زار الكولونيل اعبابورفقة الدليمي بفيلاته بـ "كابونيكرو" شمال البلاد. واتى أيضا في محضر محمد اعبابو: "[..] خلال محادثة شقيقي مع الجنرالات بمقر المخط الثالث بالقيادة العامة سقط نظره على الكولونيل بنعيسى [الحرس الملكي] فالتفت إليه ونطق: "موكولونيل".. مع الأسف أقول لكم بموت رئيسنا، الجنرال المذبوح.." (ثم توجه إلى جميع الحاضرين) ".. نعم، الجنرال المذبوح هورئيسنا، لكنه مع الأسف الشديد لقي حتفه..". وجوابا على سؤال القاضي نطق محمد اعبابو: "[..] عندما سلم شقيقي "السلطة" للجنرالات بمقر المخط الثالث اتصل بي بعض الضباط الشباب، أذكر منهم أخليج والفكيكي وآخرين، حيث نطقوا: "لقد قام شقيقك باقتراف حماقة كبيرة.. السلطة يجب حتى تعود لنا نحن..". وأضاف: "[...] آنذاك فكرت في الهروب وقررت استفسار شقيقي عن المكان الذي يخبئ فيه المال لأخذه وأغادر البلاد.. إلا حتى الفرصة لم تتح لي..". وبالرجوع إلى ما قيل بخصوص المحاولة الانقلابية الفاشلة، وما تم الكشف عنه من معطيات وإلى تقاطع جملة من التصريحات، مضى مجموعة من المحللين إلى الاعتقاد بوجود خلاف بين الجنرال المذبوح والليوتنان كولونيل امحمد اعبابو، إذ كان الأول عاقدا العزم على اقتحام القصر الملكي وتجريد الحرس الملكي من السلاح ووضع اليد على الملك لدفعه إلى التخلي عن العرش وتسليم السلطة إلى "مجلس الثورة" المكون من ضباط شباب، أي القيام بانقلاب "نظيف" دون إراقة دماء. أما امحمد اعبابوفقد عقد العزم على اغتيال الملك وتهجير العائلة الملكية والإعلان عن إقامة نظام عسكري. ويظل أحمد رامي الوحيد الذي يقر بأن محمد المذبوح تحدث مع الحسن الثاني بعد الهجوم على القصر وأبلغه بأن لا مخرج إلا بالتخلي عن السلطة مع إمكانية اللجوء إلى فرنسا عبر الرباط أوالدار البيضاء.. وافق الملك وسقط كتابا بهذا الخصوص، وِجد بحوزة الجنرال المذبوح وهوجثة هامدة. وهذه النازلة لم تتم الإشارة إليها من قبل.

كيف تحرك 1400 جندي مدججين بالسلاح دون إثارة الانتباه؟

سؤال ظل يردده الكثيرون، كيف من الممكن أن تمكن 1400 جندي من التحرك على امتداد مئات الكيلومترات دون إثارة انتباه السلطات العسكرية والمدنية ورؤساء المناطق العسكرية وعمال الأنطقيم الأربعة التي اخترقوها آنذاك (1971)، كان: - امحمد باحنيني وزير الدفاع بعد حتى عوض الجنرال مزيان فيخمسة فبراير 1971. - الجنرال المذبوح مدير الديوان الملكي. - الجنرال محمد بلعالم المحرر العام بوزارة الداخلية. - أحمد الدليمي مدير الأمن الوطني. - الكولونيل بولحمص قائد الدرك الملكي. - الجنرال مصطفى أمحراش مدير المدارس العسكرية. وكان على رأس المناطق العسكرية التي اخترقتها قافلة الانقلابيين جميع من: - الجنرال بوغرين : رئيس منطقة فاس - تازة. - الجنرال عبد الحي بلبصير : رئيس منطقة مكناس. - الجنرال حموأمحزون : رئيس منطقة الرباط - القنيطرة. وكان على رأس عمالات الأنطقيم التي مرّت عليها القافلة جميع من: صلاح زمراك : تازة. عمر بنشمسي : فاس. عبد الله الشرقي : القنيطرة. عبد السلام الوزاني : الرباط. ضمن جميع هؤلاء تأكد، بما فيه الكفاية، تورط جميع من الجنرال المذبوح والجنرال أوفقير والجنرال بوغرين والجنرال حموأمحزون.


ضحايا طالهم الإهمال

بعد انقلاب الصخيرات، مباشرة، أمر الملك الراحل الحسن الثاني بإحداث لجنة للقيام ببحث، بخصوص الأحداث الدامية بقصر الصخيرات، ولجنة لرعاية الضحايا وإحصاء أملاك وأموال المتمردين قصد مصادرتها لتمويل صندوق حديث يضطلع بتعويض الضحايا وذوي الحقوق. عملا تم إحداث هذه اللجنة بعضوية جميع من وزارة الداخلية ووزارة الشؤون الإدارية ووزارة الشغل والتكوين المهني، غير حتى قراراتها ظلت حبرا على ورق. آنذاك كان الجنرال محمد أوفقير عضوا رئيسيا في جميع اللجن المحدثة بعد فجيعة الصخيرات. يوم السبتعشرة يوليوز 1971، ما بين الساعة الثانية والرابعة زوالا سقط الكثير من الضحايا من مختلف الشرائح، عسكريون ومدنيون، جنرالات، أطباء وموظفون سامون وفنانون وخدم وأناس بسطاء، كانوا يعيلون أسرا متعددة الأفراد، أغلب هذه الأسر عانت من ضيق اليد رغم حتى أربابها سقطوا وهم في ضيافة الملك أوأنهم كانوا يزاولون مهامهم في القصر الملكي. وزادت حسرة هؤلاء بعد تناسل موجات الكشف عن الحقائق بخصوص المحاولة الانقلابية الأولى الفاشلة واعترافات المشاركين فيها بعد نجاتهم من جحيم تازمامارت، ويجمع ضحايا الصخيرات حتى الدولة تناستهم وتخلت عنهم، وتجاهلت الحكومات المتتالية مطالبهم، بل إذا حكومة عبد الرحمن اليوسفي لم تحترم مشاعرهم. كما ظلت أسر ضحايا الصخيرات تعتبر حتى منح تعويضات سخية، للناجين من جحيم تازمامارت، من الأخطاء التاريخية الجسيمة، اعتبارا لكون الأموال الممنوحة، تم اغترافها من الأموال العمومية اقتطع جزء منها من مال أسر ضحايا الصخيرات وذويهم كدافعي الضرائب، فهما أنها لم تتوصل سوى بتعويضات هزيلة، بالكاد غطت مصاريف العزاء والدفن، ولا وجه لمقارنتها مع ما أغدقت به الدولة والحكومة على من كانوا سببا في ترميل نساء وتيتيم أطفال، وبذلك شعرت عائلات ضحايا الصخيرات بغبن عظيم نظر تعرضها لحيف وظلم كبيرين. فأرملة كولونيل - أحد ضحايا الصخيرات - على سبيل المثال لا الحصر، لم تتوصل إلا بمعاش لا يتجاوز 1500 درهم، أما أرملة عمر غنام، مدير المركز السينمائي المغربي، فاستفادت من معاش لم يتعد 736 درهما شهريا. بسبب الإحساس بالغبن تجاوز لجمعية ضحايا الصخيرات حتى طلبت من دار الافتاء بالديار المصرية فتوى في الموضوع، وعملا أصدرت الدار فتوى، أكد فحواها حتى من له حق العفوعن قاتل النفس المؤمنة بغير حق، هم أولياء المقتول الشرعيين.وقد استندت الجمعية إلى هذه الفتوى لدعم دعواها المدنية والمطالبة بالحق المدني، سيما وأن الفتوى المصرية أقرت بأن الدعوى في جرائم القتل العمد لا تسقط بالتقادم.

فرحة غالية الثمن

عندما تلقى صاحب حانة شهيرة بشارع محمد الخامس بالرباط، خبر انقلاب الصخيرات، بادر فورا، على مرأى الحاضرين، إلى تكسير صورة الملك الحسن الثاني التي كانت معلقة فوق "الكونطوار"، ثم أمر بتقديم جميع أنواع الخمور حسب طلب الزبناء الحاضرين في البار لحظتئذ، مجانا، تعبيرا عن فرحته واستبشاره بما سقط، إلا حتى فرحته لم تكتمل، إذ اضطر للفرار من قبضة الأمن شهورا بعد ذلك. وعند إحداث الهيئة الأولى لتعويض ضحايا سنوات الجمر والرصاص، قدم هذا الأخير طلبا للتعويض، بخصوص ما لحقه من خسائر وعن المدة التي نطق إنه قضاها بإحدى المعتقلات السرية، إلا حتى طلبه قد تم رفضه من طرف الهيئة الأولى، وكذلك من طرف هيئة الإنصاف والمصالحة، معتبرة حتى هذه النازلة لا تدخل في اختصاصاتها. وقد تحول "البار" المذكور حاليا إلى متجر لبيع الحلويات والمشروبات.

سقوط 60 بالمائة من جنرالات المغرب خلال ثلاثة أيام

فيما بينعشرة و13 يوليوز 1971 لقيتسعة جنرالات من أصل 15 حتفهم، إما عن طريق رصاص المتمردين أوبرصاص فرقة الإعدام بمعسكر مولاي إسماعيل بالرباط. ومن بين الذين لقوا حتفهم بقصر الصخيرات، هناك الجنرال إدريس النميشي (سلاح الجو)، الذي قتله المتمردون، والجنرال الغرباوي الذي قتله اعبابو، الذي لقي هوالآخر حتفه على يد الجنرال الهواري، أما الجنرال المذبوح، فمقتله شكل حالة خاصة. عشية فشل الانقلاب، تم اعتنطق، الجنرالات المشكوك بأمر مشاركتهم أومساندة المتمردين، وخضعوا جميعهم لتحقيق سريع، أشرف عليه الجنرال محمد أوفقير بعد حتى منحه الملك الحسن الثاني جميع الصلاحيات العسكرية والمدنية. في اليوم الثالث، بعد مجزرة قصر الصخيرات، رافق الجنرال أوفقير الجنرالات المعتقلين إلى ثكنة مولاي إسماعيل بالرباط للإشراف على تطبيق إعدامهم دون محاكمة. وفي ظرف أقل من ثلاثة أيام فقد المغربتسعة جنرالات (منهم من سقط على يد المتمردين ومنهم من أعدم)، أغلبهم من أصول أمازيغية، وقد تابع المغاربة مراسيم إعدامهم على شاشة التلفزة مباشرة، كما حجت جماهير غفيرة بإيعاز من السلطات المحلية لمعاينة مراسيم إعدام أربعة جنرالات، هم بوكرين وحبيبي وحموومصطفى و4 كولونيلات والكومندار إبراهيم المنوزي، وأغلب هؤلاء لم تكن تربطهم أدنى علاقة بالهاجس السياسي، حيث تجاوز حتى ساهموا في قمع التحركات النضالية الجماهيرية بمختلف أراتى المملكة.

محمد لومة / أحد قدماء مناضلي الاتحاد الوطني للقوات الشعبية

محمد لومة أحد قدامى مناضلي الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، رحل إلى الشرق العربي لتلقي تكوين عسكري متقدم، سيما في تخصص "حرب العصابات"، تخرج من الكلية الحربية السورية في شتنبر 1971، ثم التحق بالعمل الفدائي يحمل معه هاجس تغيير النظام السياسي بالمغرب عن طريق القوة المسلحة. أجرينا معه هذا الحوار للمزيد من تسليط الضوء على بعض الجوانب المعتمة من عملية الانقلاب الأولى الفاشلة، بوصفه ـ من جهة ـ محررا وباحثا تقصى أحداث هذه العملية واتصل بأعضائها المشاركين عن قرب، كما اطلع ـ من جهة أخرى ـ على جملة من الوثائق المتصلة بهذه النازلة.


- أين كنت يوم حدوث انقلابعشرة يوليوز 1971؟ + مساء هذا اليوم المشؤوم كنت بأحد مرافق الكلية الحربية السورية في مدينة (حمص) حيث تلقيت دراساتي العسكرية للتخرج منها كمهندس عسكري، ففوجئت باقتحام القاعة من طرف مجموعة من الضباط السوريين الذين اتجهوا نحوي وهم يهتفون ببشاشة.. لقد كان هؤلاء القوم على مدى ثلاث سنوات قضيتها هناك، نموذجا للقسوة والصرامة تجاه كافة الطلبة الضباط، الذين سرعان ما أخرجوني إلى ساحة الكلية محمولا على الأكتاف وهم يرقصون ويغنون عاليا: على دا العونا.. وُعَلى دَا العُونَا... إلخ.. مبترا من الغنوة الشامية الشهيرة.. ثم أبلغوني بعد ذلك بأن الوضع السياسي في المغرب قد تغير.. لم يكن بحوزتي جهاز راديولفهم التفاصيل لكنهم تطوّعوا، فأحضروا الجهاز.. مؤكدين بإلحاح: - أُولَكْ يا زلمي.. ضَبّْ أغْرَاضَك.. شُونَاطِر..،يا ترى؟ (يا رجل.. تحرك.. إجمع أغراضك الشخصية) - وُلَكْ بُكرة بعيِّنوك وزير دفاع.. أُولك خلِّصنا بقى!! (إذا سيعينونك وزيرا للدفاع.. تحرك.. تحرك). عند الصباح الباكر لليوم الموالي، اتىت العاصفة على لسان قائد الكلية الحربية السورية المقدم ناصر الدين محمد ناصر، الذي سرعان ما أصبح لواء ثم وزيرا للداخلية في سورية.. لقد طلبني باستعجال ليوبِّخني وبعنف شديد قائلا: - أُولَيكْ الله لا يعطيكم عافية.. أُولك لِيشْ فَشَلْتُو،يا ترى؟ شرحت له الأمر في حدود ما أعهد: - سيدي.. هادول مُوجَمَاعَتْنَا.. هَادُول مرتزقة حروب في الهند الصينية والكامبودج والجزائر.. إلخ. ومووطنيين.. ولا قوميين.. وأنا ما إلي علاقة بيهم. - صرخ في وجهي: أُولّكْ يا أخي بدِّي أفهم.. هَادُول مُوعَسْكَر؟ أجبت بالتأكيد عسكر.. فعقَّب غاضبا كالإعصار: - أُولَكْ.. عَسْكَر بَطَاطَا.. أولك 1400 عسكري وبيطلعوا على الفاضي.. اشرح لي كيف من الممكن أن صار ها الشيء؟ أمرني بالانصراف لعجزي عن تقديم ما يرغب من معلومات إضافية.. ثم عدت إلى رفاقي.. منتظرا حفل التخرج الذي أقيم تحت إشراف رئيس الجمهورية الفريق حافظ الأسد لأتخلص من هذا الكابوس.. لقد كنت المغربي الوحيد آنذاك في الكلية وكان الجميع يتوجهون لي بالأسئلة والاستنكارات والشجب، كما لوأنني كنت المسؤول الأول عن هذه الحماقة...آنذاك كانت السفارة المغربية في دمشق قد أغلقت بسبب إحراقها، بعد جريمة اغتيال الشهيد المهدي بنبركة في أكتوبر 1965... فبقينا نحن هناك ـ مناضلوالاتحاد الوطني للقوات الشعبية المتواجدون آنذاك بالديار السورية ـ وحدنا المخاطبون على جميع المستويات حتى سنة 1971.

- كمحرر تقصيت كثيرا بخصوص المحاولة الانقلابية الأولى واتصلت بالكثير من الأشخاص واطلعت على جملة من الوثائق، كيف من الممكن أن كانت الوضعية في قصر الصخيرات قبل الهجوم وبعده؟ + منذ العاشرة صباحا ليوم السبتعشرة يوليوز 1971 وسيارات المدعوين تصل تباعا إلى القصر الملكي بالصخيرات، تحمل ركابا أنيقين، يرتدون حسب التعليمات (البروتوكول) ملابس صيفية خفيفة دون ربطة عنق، أغلبها، تعبير عن قمصان حريرية ذات أكمام قصيرة.

وبينما كان المحرر والصحفي المعروف بونوا ميشان (Benoit Méchin)، الذي اعتادت مصالح التشريفات دعوته سنويا لحضور هذه المناسبة، متجها إلى قصر الصخيرات عبر الطريق الشاطئية، حيث لاحظ عددا كبيرا من الشاحنات العسكرية المليئة بالجنود تسير في نفس الاتجاه، ولعل أكثر ما استرعى انتباهه حتى أغطية الشاحنات كانت مرفوعة وقد بدا جميع جندي على متنها ماسكا سلاحه بحزم وهوفي وضعية تأهب! وبحكم تجربة الرجل السابقة في العراق حين سقوط النظام الملكي صيف 1958 والتي عاش فصولها أولا بأول.. بدا له حتى الأجواء في الرباط خلال ذاك اليوم غير اعتيادية ورأى حتى عليه الإسراع بسيارته للوصول إلى القصر ولوربع ساعة قبل وصول الشاحنات العسكرية لإنذار الملك من مغبة ما سيقع.. وقد استطاع حتى يَعُدَّ لوحده ما عَدَدُهُ (63) شاحنة تحمل مختلف أنواع الأسلحة الثقيلة والخفيفة ممتدة على حوالي كيلومتر تتحرك بسرعة (في حدود 50 حدث/ الساعة).

- هل تمكَّنَ من إخبار الحسن الثاني بذلك؟ + رغم أنه استطاع الوصول إلى القصر، لم يتمكن من الوصول إلى الملك، الذي كان يتناول غذاءه حوالي الثانية زوالا رفقة الأمير سلطان بن عبد العزيز والحبيب بورقيبة الابن والأمير مولاي عبد الله وغيرهم من كبار الشخصيات الوطنية والدولية.. كما باءت كافة محاولاته للعثور على الجنرال حفيظ العلوي مدير التشريفات الملكية بالفشل الذريع... فأسلم أمره للقدر.. حيث سيتمكن بعد ذلك في كتاب صدر له بعنوان: (Deux Etés Africains) من رصد كافة أشواط المذبحة الفظيعة التي حدثت هناك.

ذلك اليوم عبر الانقلابيون بشاحناتهم و"جيباتهم" المسلحة شارع الحسن الثاني مخترقين العاصمة، وكان اليوم يوم سبت مما زاد من درجة اكتظاظ المرور، وصولا حتى الطريق الساحلية المؤدية إلى الصخيرات، وعلى جسر وادي "نفيفيخ" قام رجال الدرك الملكي هناك بتوقيف السيارات المدنية لإفساح الطريق أمام موكب "الانقلابيين"، وهذا ما أخر "بونوا ميشان".

كانت الموائد قد مُدَّت وعليها ما طاب من مختلف صنوف الأكل، قبل ذلك استغلت، بعض الشخصيات الفرصة لممارسة السباحة أوالكولف.. والفرق الموسيقية تشنف الأسماع، فهما بأن عددا هاما من نجوم الطرب العربي كانوا قد أطّروا الحفل الموسيقي الساهر ليلة قبل ذلك، من بينهم: صباح وفريد الأطرش، محمد عبد الوهاب وعفاف راضي، عبد الحليم حافظ وغيرهم (...).

كانت السحب قد بدأت في الانقشاع عن سماء الصخيرات عندما كانت أفواج الشاحنات العسكرية المسلحة تشق طريقها من بوقنادل إلى الصخيرات، إذ كانت السماء ذلك اليوم مكسوة بغيوم كثيفة منذ الساعات الصباحية الأولى. ولدى سماع أولى العيارات النارية، تهامس البعض ضاحكين: إنها واحدة أخرى من (منطقب) الأمير مولاي عبد الله.. فقد عوّدنا على مثل هذه المفاجآت؟! فردّ أحد السّفراء ناقما: إذا كان الأمر كذلك فهوأسوأ مقلب يمكن تنظيمه.. وعلى ذكر السفراء، أصيب سفير إحدى دول أمريكا اللاتينية لدى المغرب بالرعب الشديد.. وكان يحمل رتبة جنرال فلم يجد مكانا يختبئ فيه سوى برميل للنفايات (من النوع القديم)، لا يستطيع إيقاف طلقة نارية واحدة من المرور في الاتجاهين معا.. فتأكد فيما بعد لجميع الناس بأنه من نوع جنرالات (الكولف) و(كرة القدم).. وما شاكل!؟

أما عميد الشرطة بودريس، الذي كان من المكلفين بالأمن الشخصي لصاحب الجلالة فقد لجأ بدوره إلى برميل آخر للنفايات بعد حتى أطلق على إحدى قدميه رصاصة من مسدسه الشخصي.. وحينما حاول الناس إخراجه بعد انتهاء هبوب "العاصفة"، وجدوا عناء كبيرا بسبب ما كان عليه الرجل من بدانة مفرطة!.. واتى من الخدم من سيشهد طواعية بأنه هومن أطلق النار على نفسه.. وذلك تفاديا للإحراج مادام قد خاف وفضل الاختباء عوض القيام بمهمته، لكن ذلك لم ينفعه، إذ سرعان ما تم استبداله بعميد آخر بعد حوالي سنة في نازلة طائرة البوينغ الملكية (727) مساء يوم 16 غشت 1972.

شخصيا، لا أريد العودة إلى ما خطه كثير من الذين عاينوا هذه المجزرة البشعة.. فللقارئ الكريم الراغب في الإطلاع على المزيد من تفاصيلها العودة إلى مؤلفات عبد الهادي بوطالب وعبد اللطيف الفيلالي وبينوا ميشان وغيرهم. لكنني أريد لفت الأنظار إلى الحالة "الهستيرية" التي كان عليها تلاميذ مدرسة اهرمومو، الذين أُصِيبُوا بالذهول والانبهار.. وهي المشاعر التي سرعان ما تحولت إلى سعار دموي بإطلاق النار في جميع اتجاه.. جعل هذه المخلوقات تتحول إلى "بتران" حقيقية بشعة : - منهم من انصرف إلى أكل ما لذ وطاب من مأكولات لم يتذوقوها يوما في حياتهم.. للأسف وسط الدم والشظايا والأنين!! - منهم من شرع في سلب المدعوين أموالهم وساعاتهم اليدوية وحليهم.. إلخ. ومنهم من وقف مبهورا أمام زرقة البحر، وتناسق المعمار في جنبات القصر مما لم يشهد له مثيلا من قبل، سيما هؤلاء أبناء المناطق الجبلية والصحراوية ممن لم يعاينوا بحرا من قبل... لا بل إذا المساعد الأول (خرخاش) أسرع إلى تجميع أنبوب بلاستيكي ضخم يستعمل في سقي ملعب الكولف بالقصر الملكي، وهويعتزم إحضاره إلى مدرسة اهرمومو.. كما كان يعمل دائما تحت إشراف المساعد عقا.. كما لوأنه هذه المرة اتى في نزهة بسيطة ستنتهي كما بدأت وليس بصدد محاولة انقلابية، دموية، لها ما بعدها!!؟ خلال ذلك اليوم استطاع أحمد رضا كديرة الفِكاك من الفخ، حيث غادر القصر قبل الساعة الثانية زوالا رفقة الملازم الصفريوي، وقد تسبب إطلاق النار عشوائيا في تفكيك مجموعة حلقات المخطط الذي وضعه الجنرال المذبوح، إلى غير ذلك بدل حتى تنقسم القوات المهاجمة إلى ثلاثة أقسام، أولها لمهاجمة القصر، وثانيها للاستيلاء على هيئة الأركان العامة، وثالثها للسيطرة على مقرات وزارة الداخلية والإذاعة والتلفزة.. بدل ذلك اختلط الحابل بالنابل، فلم يعد ضباط الكوماندوهات يسيطرون على تلامذتهم، ليغدوالسعار الدموي هوسيد الموقف. - كيف من الممكن أن كانت نوعية تسليح "الكوماندوهات" المسلحة؟ + لقد كان التسليح قويا بل غريبا، في ضوء قواعد التدريب المعمول بها في مدارس مماثلة، ذلك حتى عددا كبيرا من التلاميذ –الضباط، كانوا لا يزالون في السنة الأولى من التكوين، يجهلون استعمال السلاح جهلا تاما.. حسب تصريحات أحد قادتهم، الملازم أحمد المرزوقي (قائد الكوماندو12).

وكانت هذه الأسلحة – حسب محضر الإدارة العامة للأمن الوطني المؤرخ في 17 يوليوز 1971، والذي حُرِّر بإشراف عميد الشرطة محمد المعزوزي والكابيتان عبد المومن من هيئة الأركان العامة للجيش - تعبير عن: أ- الأسلحة الثقيلة: 1 مدفع عيار 75 ملم – عديم الارتداء. 1 مدفع هاون عيار 120 ملم. 4 مدافع هاون من عيار 81 ملم. 8 مدافع هاون عيار 60 ملم. 7 رشاشات ثقيلة عيار (12.7 ملم). - عدد كبير من الرشاشات الثقيلة (A. A. 52) و(29/24-F.M). ب- الأسلحة الخفيفة (حوالي 1200 بندقية ورشاشة)، منها: - بنادق: MAS – 36 - بنادق: N.L.G - رشاشات (MAT -49) و(5-35 D.A).. - كمية من قاذفات الصواريخ ضد المصفحات والدبابات. - عدد كبير من مسدسات نوع "بريطا". - كمية كبيرة من القنابل الهجومية والدفاعية، كما تم استعمال أكثر من 40 شاحنة وناقلة وأكثر من 20 ألف لتر من الوقود وكميات كافية من الغذاء. - هل تم عملا استخدام هذه الأسلحة؟ + لواستخدمت هذه الأسلحة في قصر الصخيرات لأدى ذلك إلى هلاك حوالي ألف شخص، ولدُمِّّرت مرافق القصر عن آخرها بقذائف المدفعية وشظاياها.. لكن الأخطر من جميع ذلك، حتى المقدم امحمد عبابو، منح لقواته المسلحة منذ خروجها من بلدة (بوقنادل) الأمر القاطع والصارم بـ: 1- حمل أغطية الشاحنات والسيارات العسكرية استعدادا لخوض المعركة. 2- تلقيم كافة أنواع الأسلحة، ووضعها في حالة الاستعداد، باعتبار حتى القوات ستدخل "منطقة معادية" عبر المرور بمدينتي سلا والرباط!!؟ فلوحصل اشتباك بين هؤلاء وأية قوة عسكرية أخرى، بين بوقنادل والصخيرات، لكان حجم الخسائر بآلاف الضحايا، سيما وأن بعض تلاميذ مدرسة أهرموموكانوا لا يزالون "أغرارا"، بمعنى أنهم لم يستوعبوا بعد حمل السلاح والمناورة بالنيران... إلى غير ذلك سنجدهم في الصخيرات يطلقون النار على جميع ما تقع عليه أعينهم، بل لقد وصلوا إلى حد التراشق بالرصاص في ما بينهم.. كما لوأنها نوع من ألاعيب (عاشوراء)، يا سبحان الله! لقد سجل المقدم امحمد عبابوعلى نفسه صبيحة يومعشرة يوليوز 1971 حماقات خطيرة لا تخطر على بال، عرَّض خلالها آلاف الأرواح للخطر الداهم دون أي ذنب اقترفوه.. لا لشيء.. فقط من أجل رغبته في توسيع مجال نفوذه وسلطته.. وهولا يزال ابن الـ 32 سنة أتى من مدرسة عسكرية نائية، ما كان ليتصور أحد حتى تنتقل بقوتها النارية الكبيرة إلى قلب عاصمة البلاد.. أقول.. كان ينوي ضَمِّ مساحة نفوذه من مدير مدرسة عسكرية إلى مساحة الوطن المغربي بكامله... بكل مؤسساته الدستورية والسياسية والنقابية والتربوية..؟! - بعد حتى فشلت المحاولة وتم القبض على زمام الأمور بعد هذه المجزرة الدامية، كيف من الممكن أن كانت مواقف الملك الحسن الثاني؟ + لقد جاء صديقه الملك حسين، مهرولا من عمان، مزودا بما في جعبته من نصائح صارمة.. في ضوء ما عاناه على مدى عام كامل.. بعد أحداث سبتمبر 1970 في عمان ثم اشتباكات جرش وعجلون في يوليوز 1971.. وقد جاء كالمعتاد متمنطقا بمسدسه (سميت إندونسن) وبلباسه العسكري.. ليصر أولا على إعدام جميع المتورطين في أحداث الصخيرات.. ولكن الجنرال أوفقير هومن قدم الضحايا وقرر مصيرهم دون تقديمهم للمحاكمة قبل ذلك، وقد تميزت هذه المذبحة أيضا بتصفية حسابات شخصية.. فكان يشرف على إعدامهم باكيا.. كما سيعمل لاحقا صدام حسين في حق قادته من حزب البعث العربي الاشتراكي بإعدام إنسان من مستوى عبد الخالق السامرائي.. كما يعمل عادة "التمساح" قبل الانقضاض على ضحيته!!؟ بعد ذلك سيسارع الحسن الثاني إلى إطلاق سراح سعيد بونعيلات وبنموسى الإبرايمي في 15 ماي 1972، ليباشر حوارا مفتوحا مع الكتلة الوطنية التي تشكلت قبل ذلك في يوليوز 1970. ... بالعمل كان المذبوح يسير في نفس الاتجاه، إذ لا خيار له، وقد سار معه الحسن الثاني مكرها، لكن بخطوات، ثقيلة وحذرة.. ستقوده إلى محاولة انقلابية ثانية، لأنه لم يسرع الخطى كما يجب، فاكتفى بالمناورة من وراء حجاب، وهوالرافض دوما لتقديم أية تنازلات من باب الضغط، فكان حتى عرض نظامه السياسي بالكامل لأفدح المخاطر بعد ظهر يوم 16 غشت 1972. - ماذا تقدر حتى تقول بخصوص طريقة القيادة المعتمدة في الانقلاب وتجانسها؟ + أريد حتى أسجل – بداية – بأن كلا الرجلين، المذبوح واعبابو، كانا يقفان الواحد منهما بعيدا عن الآخر على مسافة كبيرة ـ فكرا وتربية ونهجا وتجربة ونضجا كذلك ـ بحكم عدد هام من المعطيات التي تتصل بشخصيتيهما. فالمذبوح، زاول قبل ذلك مهاما مدنية وعسكرية متنوعة، كان أبرزها توليه عاملا على إقليم ورزازات بعد الاستقلال مباشرة، ثم عمل وزيرا للبريد في حكومة عبد الله إبراهيم المُشكلة في دجنبر 1958.. غير أنه سرعان ما سيقدم استنطقته منها، بضغط من الحسن الثاني ولي العهد آنذاك، ضمن محاولة لإسقاط الحكومة.. وكانت الذريعة المقدمة هي الاحتجاج على مضمون البلاغ الصادر عن مؤتمر الاتحاد الوطني لطلبة المغرب المنعقد في أكادير سنة 1959، والذي فهم منه أنه تضمن قذفا في حق مؤسسة الجيش الملكي.. فهما بأن المذبوح لم يكن يحمل سوى رتبة قبطان وقتها، ولم يقدم أي من الجنرالات استنطقتهم سوى المذبوح! بعد ذلك شغل منصب عامل على الدار البيضاء.. وقد ارتبط اسمه بالمحاولة (الانقلابية) للحركة الاتحادية في 16 يوليوز 1963، وينطق بأنه سارع إلى الإخبار بها بعد حتى سبقه إلى ذلك مصطفى العلوي، ابن شيخ الإسلام محمد بلعربي العلوي، وقد جرى التعامل معه في ضوء ذلك كشاهد إبان البت في هذه القضية. وعلى الرغم من إصدار 14 حكما بالإعدام في حق المتهمين خلال مارس 1964، ظل الفقيه البصري وعمر بنجلون – المحكوم عليهما كذلك بالإعدام في هذه القضية – يذكران المذبوح بكل خير.. وينوهان بنظافته ووطنيته.. وقد أكدا مرارا لرفاقهما في السجن بأن هذا الشخص سيقوم – يوما ما – بعمل وطني كبير!!


الأسباب التي دفعت الجنرال المذبوح إلى التخطيط للانقلاب

+ إذا عددا هاما من المصادر أجمعت على حتى من بين مسببات قيام المذبوح بهذه المحاولة الانقلابية اكتشافه، وهويقوم بزيارة للولايات المتحدة الأمريكية في مطلع سنة 1971 للتحضير لزيارة الحسن الثاني المقررة آنذاك في شهر أبريل، اكتشف ضمن بعض الوثائق كيف من الممكن أن حتى أشخاصا نافذين في المحيط الملكي طلبوا رشوة قيمتها (600) مليون سنيتم لتسهيل بناء فندق (شيراطون) بالدار البيضاء، كما اكتشف حتى بعضهم يمارس نشاط تهريب المعادن النفيسة.. فعاد من هناك وهومصمم على عمل شيء لوقف الفساد المستشري في أعلى هرم الدولة. وسيكتشف الملك الحسن الثاني بعد وفاة المذبوح كيف من الممكن أن أنه لم يكن يتصرف في الإكراميات المالية الضخمة التي كان الملك يقدمها له، إذا كان يحتفظ بها ضمن مغلفاتها الأنيقة دون حتى تمتد يده إليها لمجرد فهم المبالغ التي تتضمنها!!،يا ترى؟ دلالة على حتى الرجل كان عصيا على قبول مثل هذه الأساليب التي درج عليها النظام لترويض رجالاته وشراء سكوتهم وتواطئهم.

وذات مرة، تلقى الملك الحسن الثاني تقريرا سريا، مضمونه حتى الجنرال المذبوح يدبر انقلابا ضده.. وكان وقتها يلعب (الكولف) بملعب دار السلام بالرباط.. فما كان منه سوى حتى بعث في طلب المذبوح ليقول له علنا: هل سليم ما ينسبونه لك في هذا التقرير.. يا مذبوح،يا ترى؟ ثم انصرف إلى رياضته بلا مبالاة، ولم يعد إلى الحديث حول هذا الموضوع أوإثارته من جديد. أما إنسان المقدم امحمد عبابو، والذي لم تمض على ترقيته من كوماندان إلى ليوتنان كولونيل سوى أقل من أربعة أشهر فقد كان رجلا عسكريا بالكامل، لم يعهد له أي نشاط سياسي أووطني، أوحتى مجرد اتصال بالأحزاب السياسية المغربية طوال حياته، ولكن طموحاته الشخصية كانت لا تعهد أية حدودّ. فعدا تفوقه في تخصصه العسكري (المشاة) وذكائه وقوة شخصيته وحرصه الدائم على تطوير برامج التكوين العسكري في مدرسته بأهرمومو، وفي ملحقتها بمدينة صفرو، وهي كلها إيجابيات تسجل لصالحه بدون نزاع، لم يعهد عنه أي اهتمام آخر.

- كيف من الممكن أن ترى الفرق بين الجنرال المذبوح والمقدم اعبابو؟ + بكل "موضوعية" ما يجعلنا نعتقد حقا بأن الجنرال المذبوح؛ بقوة شخصيته، واتزانه، ونظافته ووطنيته، قد أخطأ اختيار الرفيق، رفيق الدرب، في إنسان امحمد عبابو، والذي تميز مساره المهني بالكثير من الخروقات الفظيعة والممارسات اللا أخلاقية، والتي يمكن إيجازها في ما يلي: أولا: للتجاوب مع طموحاته العسكرية الواسعة، سعى اعبابو، وهولا يزال في رتبة رائد (كوماندان) إلى حمل تعداد التلاميذ في مدرسته من 300 إلى 1.000 ثم إلى 1.500 تلميذ، دون موافقة المخط الثالث لهيئة الأركان العامة للقوات المسلحة، والذي كان له حق الإشراف على كافة مؤسسات التكوين العسكري في البلاد، بتخصصاتها الجوية والبرية والبحرية.

وللتغلب على المشاكل المادية الكثيرة المتعلقة بحمل طاقة المؤسسة إلى أضعافها من حيث المرافق والتجهيزات والتغذية.. إلخ.. لجأ الرجل إلى تكوين (كوماندوهات)، خاصة من ضباط وضباط صف المؤسسة، تحت إشراف مساعده (عملاق الحرب العالمية الثانية) المساعد الأول أمهروش عقا.. فقد كانت هذه المجموعات تقوم – وهي بكامل أسلحتها وتجهيزاتها وشاحناتها - بالسطوليلا على ممتلكات المواطنين من: مواد البناء وتجهيزاته ومعداته الغالية الثمن والمواد الغذائية والمواشي والأغنام ومواد التجهيز والسيارات والشاحنات والغلال.. إلخ. وبالتأكيد ساعدت أعمال "البَلْطَجَة" هذه في بناء مرافق جديدة بالمدرسة، والتزود بتجهيزات حديثة من مسابح وملاعب (...)، غير حتى بعضها "صُبَّ" في حساب المدير، بحيث غدا في ظروف وجيزة مالكا لفيلا فخمة بمكناس ومؤسسة فندقية ومقهى بنفس المدينة، ولضيعة فلاحية مع عدد من البتر الأرضية، ناهيك عن سيارتين... إلخ ولم تمض على ذلك بعد خمسة عشر عاما على التحاقه بالجندية!!؟ ثانيا: أصبح الرجل عند تكوين "بطانة" من الأتباع الطيعين الذين لا يعصون له أمرا، يستغل الطابع العسكري الصرف لمؤسسته، وذلك في أفق الاستعانة بهم في تطبيق "مشاريع" مستقبلية على مقاسه الخاص!! ثالثا: درج كذلك، رغم أنه متزوج وله أبناء، على استقبال صديقاته داخل المدرسة وعلى تنظيم الولائم الباذخة للضباط الكبار بما لم يكن يتلاءم مطلقا مع مستوى عيش وتغذية تلاميذ المؤسسة آنذاك؟! كما حتى أساليبه في "البَلْطَجَة" وصلت حد الاعتداء على المقابر، فحسب روايات بعض الضباط، أمر ذات مرة بهدم قبور اليهود في مدينة صفرو، للاستفادة من أخشابها في أعمال البناء بمدرسته!! فأية روابط فكرية أوسياسية أومسلكية يمكن حتى تجمع بين جميع من الجنرال المذبوح والمقدم امحمد اعبابو؟! بالتأكيد، الفروقات كانت فادحة، وقد أدت من طبيعة الحال إلى مصرعهما معا في نفس اليوم وبطريقة شاذة، كما لوكانا من لصوص المواشي (كاوبوي). أما باقي الضباط الانقلابيين ممن جرى إعدامهم يوم 13 يوليوز 1971، والذين لم يتم "إقناعهم" بالانضمام إلى الحركة الانقلابية الجديدة، سوى بعد الساعة الرابعة ظهرا من يومعشرة يوليوز 1971، فقد كانوا قبل هذه الساعات يتحدثون (بالفَمِ المليان) عن الانقلاب، وضرورة التغيير!! وكانوا يمارسون ذلك في محلات عمومية مفتوحة كبارات (كيوم تيل) و(لاكوميدي) بالرباط، وحانات مماثلة في القنيطرة ووجدة والدار البيضاء.. إلخ.. بفهم كافة الأجهزة الأمنية. .. هؤلاء الانقلابيون أيضا كانوا على جانب كبير من الفساد والانحلال والتهتك، وما من شيء يجمعهم بالجنرال محمد المذبوح. .. إنسان واحد أعدم ظلما وعدوانا بسبب انتفاء أية علاقة له بهؤلاء، هوالمناضل الكبير الكوماندان إبراهيم المانوزي، أحد قادة هيئة أركان جيش التحرير المغربي إبان الخمسينات، الذي وصلت قواته ذات يوم من سنة 1957 إلى منطقة (أطار) الموريتانية، بعد حتى نجحت في دك معاقل الإسبان بكل من طاطا وفم الحسن وكولميم حتى شمال موريتانيا وتندوف... وكثيرا ما كان أخوه المرحوم سعيد المانوزي يطلعني على خرائط حربية تخص تلك الفترة. هذا الضابط الوطني الكبير، كان الجنرال محمد أوفقير يتوعده بالتصفية قبل ذلك، ولم يستطع الزج به في معتقل دار المقري إلى جانب الهاشمي الطود وعمر غاندي والفقيه البصري وبولحية الطاطي (اعتنطقات يوليوز 1963)، إذ ظل يترصده حتى قامت أحداث يوليوز 1971، فبعث في طلبه للاعتنطق، وكان حينذاك بلباس النوم في بيته وبين أولاده، مع أنه لم يكن له أي اتصال بهؤلاء القوم.. لسبب سهل هوحتى معظم هؤلاء الضباط، كانوا في صفوف اللفيف الأجنبي كمرتزقة منذ الحرب العالمية الثانية، وكانوا في سلوكهم وأخلاقهم على النقيض من شخصية إبراهيم المانوزي ووطنيته العالية، مما كان يثير أحقاد أوفقير تجاهه، فظل ينتظر الفرصة، لكنها اتىت غير ملائمة هذه المرة لتصفية حساباته الإجرامية.. غير أنه سرعان ما سيقتل هوأيضا (ككلب حقير) بخمس رصاصات غادرة، على حد تعبير ابنه رؤوف أوفقير، والذي وصف الحادث رسميا على أنه انتحار تلقائي، حسب بلاغ وزارة الداخلية آنذاك (17 غشت 1972). الجنرال المذبوح إذن وضع بيضه كاملا في سلة (فاسدة) و(متهورة) فكان ما كان.. والأخطر من جميع ذلك، لم يباشر اتصالاته برفاقه الاتحاديين القدامى، الذين كانوا ينتظرون منه هذه المبادرة، بل لقد كانوا يبشرون بها بين أنصارهم. فهل الاستيلاء على منطقيد الحكم في البلاد آنذاك كان لا يستحق عناء التنسيق مع اليسار وقتئذ؟ وهل مجرد إصدار التعليمات بإطلاق سراح (170) مناضلا اتحاديا من سجن بولمهارز بمراكش وتلكؤ العامل عن تطبيق هذه التعليمات، هل كان ذلك كافيا لحماية وتطوير ودعم الحركة الانقلابية الجديدة؟

- ماذا تقول عن الموت المبكر للجنرال المذبوح؟ + لقد أبلغني بعض الضباط الذين شاركوا ضمن هذه التجربة المريرة، وأفلتوا من جحيم (تازمامرت)، بأن تأخر وصول تلامذة (أهرمومو) ومدربيهم إلى قصر الصخيرات في الوقت المحدد، قد وتر أعصاب المذبوح، وجعل الشكوك تراوده بخصوص احتمال قيام اعبابوبالوشاية به إلى الملك، لذلك سارع إلى إرسال شخصين للقاءة اعبابو(وهولا يزال في طريقه إلى القصر) لتبليغه أمر التأجيل، وضرورة متابعة طريقه نحوابن سليمان لتطبيق المناورة وكأن شيئا لم يكن، مؤكدا له: لقد تجاوزت التوقيت الزمني المتفق بشأنه ومن الأفضل تأجيل العملية إلى وقت آخر. غير حتى اعبابوبدوره – والذي قضى الأيام الأخيرة بلياليها في التحضير لهذه العملية – فاض به الكأس، إذ لم تمر سوى بضعة أسابيع على تأجيل العملية السابقة ليوم 14 ماي 1971، والتي كان قد حشد لها 15 كوماندومسلح.. قد شك بدوره في حتىقد يكون المذبوح قد وشى به، فقرر متابعة التطبيق مهما كلف الأمر.

- ما هي التعليمات الأصلية التي أوصلها الجنرال المذبوح إلى اعبابوقبل بعث توصيات التخلي عن المحاولة؟ + كانت تعليمات الجنرال المذبوح إلى اعبابوتنص بدقة على ما يلي: - الحرص على الوصول إلى البوابة الغربية لقصر الصخيرات على الساعة الواحدة زوالا (أي قبل الشروع في وجبة الغذاء). - الحرص على عدم إطلاق النار. - الشروع بمجرد تطويق القصر في اعتنطق كافة الحاضرين، مع الاستعانة بمكبرات الصوت لدعوة الجميع إلى حمل الأيدي عاليا والاستسلام بدون قيد أوشرط. - مباشرة عملية فرز الأشخاص المعتقلين ، لتقسيمهم إلى ثلاثة مجموعات: أ‌- المجموعة الأولى (والتي ينبغي إعدامها فور الاتفاق في عين المكان بين المذبوح واعبابو) وتتألف من: - الملك الحسن الثاني – ولي العهد – الأمير مولاي عبد الله – الجنرال الغرباوي – الكولونيل أحمد الدليمي – إدريس السلاوي مدير الديوان الملكي – الجنرال البوهالي الماجور العام للقوات المسلحة الملكية. ب‌- المجموعة الثانية: وتتألف من جميع أعضاء الحكومة والجنرالات الحاضرين، وهؤلاء يتم سوقهم إلى هيئة الأركان العامة بالرباط لتحديد مصيرهم لاحقا.. واحدا.. واحدا. ج - المجموعة الثالثة: وتتألف من باقي المدعوين، مغاربة وأجانب، والذين سيجري الإفراج عنهم بعد تطبيق ما تجاوز ذكره. .. إلى غير ذلك ما كاد حتى يتقابل الرجلان – المذبوح واعبابو– حتى بدأ هذا الأخير يصرخ عاليا: وَافَايْن هُوّا (...) وسير خرّجُولعندي.. وأنا راه غادي نبيع جلدي غالي.. إلخ (علامة على تدهور عنصر الثقة بين الرجلين)! وبينما كان المذبوح، يمضى ويجيء بين مكان وجود الملك واعبابو، عسى حتى يحل الإشكال بطريقة أوبأخرى، كان عبابويزداد هياجا، وسط إطلاق الرصاص والرمانات اليدوية لمجموعاته، وكان يصيح: - اقتلوا الخونة.. اقتلوا الخونة.. وعاش الملك!!؟ في هذه الأثناء، رفض الملك الخروج وطالب المذبوح بإحضار عبابوأمامه لاستفساره عما يطلب، كما رفض اعبابوالتوجه للقاءة الملك بدون رجاله وفيهم مساعده العملاق عقا.. وبينما كان الدكتور بنيعيش – الطبيب الخاص للملك – يقوم بإحضار رشاشة حربية للملك من غرف النوم، وكانت قد أهديت له قبل ذلك من طرف إحدى الشخصيات الأجنبية، شك اعبابوفي الأمر وطالب بنيعيش بتسليم السلاح فورا، غير حتى بنيعيش كان قد ولج في محادثة مع الجنرال المذبوح، وهنا اتىت صلية من الرصاص (Rafale) على يد أحد التلاميذ ـ الضباط في اتجاه جميع من المذبوح وبنيعيش ليسقطا معا.. أمام أنظار اعبابووالقبطان الشلاط والمساعد الأول عقا، وهنا توجه اعبابونحوجثة المذبوح معلقا بالفرنسية: Oh, Mon oncle, C es dommage pour vous, général Medbouh))، ويضيف المقدم محمد عبابوفي محضر استنطاقه بعد اعتنطقه: (... ولقد فهمت من خلال ضابط الصف الذي هرب معي بأن المذبوح توفي أمام أعين الجميع، ذلك أنه لحظة قيام امحمد اعبابوبإعطاء الأمر لأحد تلاميذه بإطلاق النار على الدكتور بنيعيش، كان هذا الأخير وقتها يتناقش مع المذبوح وهوملتصق به.. فأصيبا معا برصاصات قاتلة). وحيث حتى القائد العام للعملية الانقلابية الجنرال المذبوح قد اغتال منذ الساعة الأولى للانقلاب، اتجه اعبابوباحثا عن الكولونيل الشلواطي لتكليفه بقيادة الحركة الانقلابية من خلال إقناع باقي الجنرالات بالانضمام إليها.. وهوما سيباشره عملا لدى التحاقه بالقيادة العامة للجيش. غير حتى كيفية التراشق بالنيران في القيادة العامة، ما بين الجنرال البوهالي والمقدم اعبابوكانت على شاكلة تراشق سراق المواشي (الكاوبوي) على الطريقة الأمريكية..، حيث أدى ذلك إلى مصرعهما في الحال ثم استسلام حوالي مائتين من تلامذة المدرسة، ليلا بالقرب من الإذاعة، وما أعقبه بعد ذلك من إطلاق النار عليهم بعد تسليم أسلحتهم، مما سيؤدي إلى مقتل حوالي 113 تلميذا فورا.. جميع ذلك، أدخل الحركة الانقلابية في عنق الزجاجة كما يقولون وأغرقها في الدماء التي لا مبرر لها، إذ تكد تنتصف ليلة هذا اليوم الأغبر في تاريخ المغرب المعاصر، حتى كان باقي الانقلابيين الأحياء يبحثون عن التخلص من أسلحتهم وملابسهم العسكرية، بحثا عن ملاذ آمن بعد جميع الذي شاهدوه من مناظر فظيعة، وما ينتظرهم من مصيرمظلم. - في ضوء تجربتك السابقة، واحتكاكك المباشر بعدد من التجارب الانقلابية في المشرق العربي، كيف من الممكن أن تنظر لأحداثعشرة يوليوز 1971؟ + في تقديري، ما وقع بالصخيرات ثم الرباط طوال يومعشرة يوليوز 1971 لا يمكن حتى يرقى إلى مجرد مناورة عسكرية بسيطة من طرف أحد جيوش البلدان المتخلفة كجمهورية إفريقيا الوسطى أوالنيجر على سبيل المثال.. أؤكد لكم حتى ما وقع هنا لا يرقى لمجرد مناورة عسكرية بسيطة، نظرا لهمجيته، وبدائيته وتهوره وافتقاده إلى الحد الأدنى من التنظيم، بحدثة واحدة، هوعمل "رعاع" لا أقل ولا أكثر. فكما هومعلوم، تميزت الفترة التاريخية من 1965 إلى 1975 بظهور عدد من الانقلابات العسكرية، سيما في أقطار أمريكا اللاتينية وإفريقيا، حيث الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية أكثر سوءا وتأزما.. كان ذلك هوالإطار العام لهذه الانقلابات.

لكن يجب التقرير هنا بأن بعض هذه الحركات الانقلابية كان ذا طابع تقدمي، باعتبار ما حصلت عليه من دعم جماهيري عريض آنذاك.. بينما كان بعضها الآخر – وهوالأغلب – ذا طابع (أوليغارشي) عسكري ضيق، لا يروم في الحقيقة سوى الاستيلاء على السلطة بحد ذاتها.. بمنافعها..وامتيازاتها.. ولم تكن السلطة عند (ثوارها) أداة محورية لمباشرة التحولات العامة التي كان يستدعيها بإلحاح تسليم أوضاع هذه الأقطار. فأن تلجأ حفنة من الأشخاص لا تتعدى أصابع اليد الواحدة إلى التآمر، في بلد كالمغرب، حيث النسيج السياسي والنقابي والتربوي أكثر متانة بالقياس مع جميع الأقطار الإفريقية والعربية المجاورة، حتى تلجأ هذه الحفنة إلى استخدام أكثر من (1400) جندي وضابط دون مصارحتهم مطلقا بطبيعة (المهمة) ولا حتى يتم تأطيرهم جيدا لتطبيقها، ولا حتى يضبطوا بينهم المهام تفاديا للالتباس والخلط وسوء النية.. إلخ.. حتى يجري جميع ذلك، بهذه الدرجة من التهور والشراسة والجهل والرعونة، لهوعمل في منتهى الحماقة والوحشية!

فحتى ساعة وصول القوات المهاجمة إلى بلدة (بوقنادل) كانت المهمة الرئيسية المحددة في أذهان الجميع هي المشاركة في مناورة بالذخيرة الحية في منطقة ابن سليمان، هذه المهمة التي كان من المفروض حتى يقوم بها أحد أفضل ألوية القوات المسلحة، ولكن المقدم اعبابو(كما أكد لتلامذته وضباطه في الجمع العام التحضيري ليلة 9/07/ 1971) استطاع حتى يقنع القيادة العليا للجيش بأن مدرسته تستطيع حتى تقوم بذلك على نفس الدرجة من القوة والاقتدار والنجاح.. كما صرح بذلك وأكد. وعندما توقفت القوات المهاجمة في بوقنادل لاستجماع القوى، وتحديد المهام على أيدي من أسماهم المقدم اعبابوبالقيادة الميدانية (المتقدمة)، تأكد في ما بعد بأن هؤلاء الضباط الذين أحضرهم إلى بوقنادل بلباس مدني، إنما أحضرهم لمعاينة ضيعة فلاحية يعتزم شراءها هناك! وأن يطلب نصيحتهم.. على حتى يتجهوا بعد ذلك لحضور حفلات القصر الملكي بالصخيرات!! خلال هذا اللقاء، سينقل المقدم اعبابوخطابه إلى السرعة القصوى في محاورة ضيوفه وضباط مجموعاته المسلحة، إذ لأول مرة سيستعمل عبارات جديدة ذات علاقة بالشأن السياسي والاقتصادي والاجتماعي، لم تكن لتجري على لسانه قبل ذلك على الاطلاق. لقد "تحايل" على الجميع، ليجمعهم هنا في بوقنادل وهويخطب فيهم خطبة أشبه بخطبة طارق بن زياد، وبين أيديهم قوة نار هائلة مع خواء فكري فظيع وارتباك وفوضى قياسيين.

- ماذا نطق اعبابوفي بوقنادل؟ + نطق : (.. لقد جرى اختياركم من طرف القيادة العليا للجيش للمشاركة في مهمة خطيرة، وقد سقط عليكم الاختيار لأنكم بالعمل تستحقونه، إنكم تفهمون جميعا الوضعية السياسية والاقتصادية والاجتماعية الحالية لبلادكم.. يجب إنقاذ هذه البلاد.. لقد آن الوقت لذلك.. يتوجب علينا جميعا الهجوم على قصر الصخيرات هذا اليوم ما بين الساعة 13 و14 .. وستشارك قوات عسكرية أخرى في تطبيق هذه المهمة!! وبالتالي نحن لسنا لوحدنا!! ولن نكون كذلك... إذا هناك عناصر متمردة تهدد سلامة صاحب الجلالة ويتوجب علينا القضاء عليها بدون تردد...). ثم أمسك بقضيب خشبي ليرسم أمام الضباط المتحلقين حوله مخططا عاما للمعركة المقبلة، محددا بدقة بنايتين رئيسيتين داخل القصر، رسم بينهما خطوطا حربية معروفة لدى العسكريين، مؤكدا حتى المعركة قد بدأت وعلى الجميع الالتحاق بوحداتهم وحمل أغطية الشاحنات وتلقيم الأسلحة بمختلف عياراتها والتحرك منذ تلك اللحظة على أساس حتى القوات أصبحت ضمن وسط معاد يتوجب اتخاذ أقصى الاحتياطات تجاهه، وبالتالي فإن إطلاق النار ستصبح عملية تلقائية منذ تلك اللحظة، لا بحاجة إلى تذكير أوتجديد الأوامر.

أما بخصوص الضباط (بلباس مدني) الذين أحضرهم عبابولبوقنادل، فقد عمل ذلك تبعا لتعليمات الجنرال المدبوح، حتى يشجع أكثر تلامذة أهرمومووضباطهم، فقد كان هؤلاء (الضيوف) يمثلون مختلف قطاعات الجيش، وبالتالي فإن إحضارهم كان بمثابة عملية ذات مغزى كبير. وهؤلاء الضباط هم المقدم القادري والكوماندان المالطي والكوماندان المنور والكوماندان بريكي والكوماندان رياني (صهر المذبوح) والكوماندان حريشي والكوماندان ميلس. ومما تقدم، أستطيع التأكيد لكم بأن ما وقع لا يخرج عن نطاق حركة (الرعاع) التي لا يجمعها جامع، غير الرباط الحديدي الذي ربى عليه المقدم امحمد عبابوتلامذته وضباطه على حد سواء، والذي وصل حد الطاعة العمياء، فتحول الأمر خلال ساعات قلائل إلى إعصار مدمر، فتك بأرواح أكثر من مائتين وخمسين شخصا وتسبب في جرح وإصابة المئات وإلحاق أفدح الأضرار بالممتلكات الخصوصية والعمومية. فما كنت أظن حتى الجنرال محمد المذبوح ستصل به السذاجة السياسية والتهور العسكري إلى هذا الحد، ومهما حصل فقد كان المسؤول الأول والأخير عن جميع هذه المأساة، وكان من قبيل المحالات حتى تمر هذه القوة الكبرى عبر تراب عدة أنطقيم، بسلاحها الكامل وذخيرتها ووقودها وتغذيتها دون موافقته الشخصية، باعتباره رئيسا للديوان العسكري لصاحب الجلالة، وسيخط له حتىقد يكون من أول ضحايا هذا التهور لتبقى جثته ثلاثة أيام في عز الصيف بدون دفن قبل القيام بإحراقها، ثم ليحرم من مجرد قبر كباقي المسلمين.

- وماذا عن الموقف الليبي الرسمي من هذه الأحداث؟ + لقد اتىت هذه المحاولة الانقلابية الفاشلة لتؤكد طبيعة التوجه السياسي العام لنظام العقيد القدافي، والذي كثيرا ما أبلغ قادتنا في التنظيم السري للاتحاد الوطني للقوات الشعبية منذ انقلابه الشهير في فاتح سبتمبر 1969، بأنه لا يثق مطلقا في قدرة الحركة التقدمية المغربية على إسقاط النظام الملكي وإبداله بنظام جمهوري على الطريقة الناصرية، وكان ينصح قادتنا بالاعتماد على قوات الجيش النظامي المغربي إذا هم أرادوا الحصول على نتائج طيبة. والغريب حتى نظام العقيد القدافي حتى بعد حتى صار يدعمنا، بتخصيص برنامج إذاعي دائم، كان عبد الرحمان اليوسفي يخط افتتاحياته بانتظام، وحتى بعد حتى فتح في وجوهنا معسكرات التدريب على السلاح وبعد حتى أصبح يقدم لقادتنا الأموال والأسلحة، كان دائما ينصحهم بالتعاون مع الجيش المغربي في الداخل مهما كانت عقليته وهجريبته وميوله، إذا هم أرادوا نتائج إيجابية!

فمنذ الساعات الأولى للمحاولة الانقلابية الفاشلة لـعشرة يوليوز 1971 انطلقت الإذاعة الليبية في بث بلاغات التهنئة والتبريك، بل لقد أجرى العقيد القدافي - حسب ما نشرته وثائق الخارجية الأمريكية والبريطانية مؤخرا، وحسب ما ذكره الملك الحسن الثاني نفسه في كتابه (ذاكرة ملك)، أجرى القدافي اتصالا هاتفيا بالرئيس الجزائري هواري بومدين طالبا السماح لقواته الجوية والبرية باستعمال الأراضي والأجواء الجزائرية للمرور إلى المغرب لدعم الانقلابيين.. إلى غير ذلك أوفد ضابط المخابرات الليبية الرائد عوض علي حمزة، إلى الجزائر على جناح السرعة، لمتابعة تنسيق هذه العمليات، غير حتى الرفض القاطع للهواري بومدين أفشل مسعى إرسال حوالي (12) ألف جندي ليبي إلى المغرب لدعم الانقلاب. ورغم إعلان فشل الانقلاب ظلت الإذاعة الليبية تواصل بث بلاغاتها الداعمة للانقلابين، بينما المغرب الرسمي من جهته رد بتطويق مقر السفارة الليبية في الرباط ثم وضع كافة العاملين بها في الإقامة الإجبارية، واضطر في وقت لاحق إلى بتر جميع الاتصالات الهاتفية عن السفارة. وهذا ما كشفته وثائق الخارجية البريطانية المنشورة حديثا، بعد مرور أمد التقادم القانوني ضمن الملف رقم (FCO 39 - 884)، والذي تضمن الكثير من الوثائق الدامغة في هذا الاتجاه.

وسيقترح الجنرال محمد أوفقير من مسقطه الجديد كوزير للدفاع، بعد إخماد فتنة الصخيرات، على الملك الحسن الثاني في أكادير، فكرة القيام بإسقاط طائرة العقيد القدافي انتقاما من تورطه في دعم الانقلابيين لصيف 1971.. وسيتذكر الملك هذا الاقتراح باستغراب شديد.. مباشرة بعد تورط الجنرال أوفقير في محاولة إسقاط طائرته مساء يوم 16 غشت 1972!!؟


طالع أيضاً

  • الحسن الثاني
  • محمد اوفقير

المصادر

  1. ^ إدريس ولد القابلة (2008-11-28). "أسوأ أيام الملك الحسن الثاني". الحوار المتمدن. Retrieved 2008-11-29.
تاريخ النشر: 2020-06-04 21:22:13
التصنيفات: تاريخ المغرب, انقلابات سياسية, 1971

مقالات أخرى من الموسوعة

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

آخر الأخبار حول العالم

تم اكتشاف ثغرتين خطيرتين في Avast و AVG

المصدر: حوحو للمعلوميات - المغرب التصنيف: تقنية
تاريخ الخبر: 2022-05-05 21:15:48
مستوى الصحة: 58% الأهمية: 55%

سنجار: ماذا يجري في الموطن التاريخي للأيزيديين؟

المصدر: BBC News عربي - بريطانيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-05-05 21:16:26
مستوى الصحة: 85% الأهمية: 100%

إسرائيل تقول إنّ بوتين اعتذر لبينيت عن تصريح لافروف بشأن هتلر

المصدر: فرانس 24 - فرنسا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-05-05 21:16:32
مستوى الصحة: 79% الأهمية: 97%

توائم مالي التسعة "بصحة جيدة" في عيد ميلادهم الأول

المصدر: BBC News عربي - بريطانيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-05-05 21:16:26
مستوى الصحة: 80% الأهمية: 96%

عملية طعن في مستوطنة إسرائيلية توقع 3 قتلى و3 جرحى

المصدر: العربية - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-05-05 21:16:34
مستوى الصحة: 80% الأهمية: 96%

قتلى في هجوم داخل حديقة عامة في مدينة إلعاد وسط إسرائيل

المصدر: BBC News عربي - بريطانيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-05-05 21:16:24
مستوى الصحة: 92% الأهمية: 86%

رسميا/ إدراة الرجاء تفسخ عقد المهاجم الغيني كوياطي

المصدر: البطولة - المغرب التصنيف: رياضة
تاريخ الخبر: 2022-05-05 21:16:16
مستوى الصحة: 56% الأهمية: 57%

إيلون ماسك جمع أكثر من 7 مليارات دولار لتمويل شراء تويتر

المصدر: فرانس 24 - فرنسا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-05-05 21:16:32
مستوى الصحة: 91% الأهمية: 92%

اليمن.. ميليشيا الحوثي تختطف وتقتل مسناً وترمي جثته في بئر

المصدر: العربية - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-05-05 21:16:35
مستوى الصحة: 86% الأهمية: 98%

رئيس وزراء اليابان: أزمة أوكرانيا يمكن أن تتكرر بشرق آسيا

المصدر: العربية - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-05-05 21:16:35
مستوى الصحة: 82% الأهمية: 99%

أسعار القمح العالمية تقفز إلى مستويات عالية

المصدر: كِشـ24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-05-05 21:15:30
مستوى الصحة: 42% الأهمية: 45%

ثلاثة قتلى على الأقلّ بهجوم في مدينة إلعاد بوسط إسرائيل

المصدر: فرانس 24 - فرنسا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-05-05 21:16:31
مستوى الصحة: 91% الأهمية: 99%

تحميل تطبيق المنصة العربية