هگسياس من قورينا
هگسياس (باليونانية: Ἡγησίας؛ بالإنگليزية: Hegesias؛ ازدهر 290 ق.م. ) من قورينا، كان فيلسوفاً قورينياً، واحدة من أقدم المدارس السقراطية الفلسفية. زعم أنه من المحال الحصول على السعادة، وأن الهدف من الحياة هوتجنب الألم والحزن. فالقيم التقليدية مثل الثروة والفقر والحرية والاستعباد كلها غير مبالية ولا تنتج متعة أكثر من الألم. يزعم شيشرون حتى هگسياس ألف كتاباً بعنوان الموت جوعاً Death by Starvation، الذي أقنعا لكثير من الناس حتى الموت مرغوب فيه أكثر من الحياة، وقد مُنع هگسياس هذا التدريس في الإسكندرية. يعتقد البعض حتى هگسياس كان متأثراً بالتعاليم البوذية.
حياته
نطق ديوجنيس ليرتيوس حتى هگسياس كان من تلاميذ ، الذي كان بدوره تلميذاً ، الذي كان تلميذ أنتيپاتر من قورينا، الذي كان تلميذاً لأرسطيفوس (ح. 435-360 ق.م.). كما كان تلميذاً زميلاً ، الذي اختلف عنه من خلال تقديم الشكل الأكثر عدمية من النظام الذي خففه وطوره أنيقريس.
شاء القدر ألا يعهد التاريخ هگسياس إلا لمامًا، وكل ما نعهده عنه اتى في كتاب ششرون ازدراء الموت؛ شأن أكثر المذاهب التي تفرعت عن فلسفة سقراط، واحترقت معظم أعمالها. ولم يناقش الكثيرون ممضى الرواقيين، حلقة الانتنطق في المذاهب الأخلاقية، أساسها المدرسة القورينية الأقرب إلى فلسفة سقراط، وآخر ممثليها هوهگسياس.
تم إهمال فلسفة هگسياس من قبل المؤرخين الأوائل لعصره، والذين سقطوا في أسر القصص المثيرة التي تلف الفلسفات الأخرى، ونتيجة لذلك من الممكن تكون الصورة الأضم لفلسفة هجسياس قد تم فقدها إلى الأبد، ولذلك يستند الكثير في الكتابة عنه إلى نصوص غير كاملة مما خط أوروي عنه.
كان العصر الذي عاش فيه هگسياس والأبيقورييين عصرًا منهوك القوى، فكان طبيعيًا حتى يرى الإنسان في إفناء نفسه راحة جميلة من عناء روحه؛ في وقت كان أصحاب السلطة ماضين في خلق نظام حديث من الفوضى القائمة، وأصبح مجرى الأحداث على اليأس الشديد، لنرى الحكيم يلتمس أمله في الخلاص، في فلسفة تنادي بمحوالوجود.
حمل هگسياس حمله الثقيل بـ«ألا تكره ولا تبغض؛ بل علّم وثقّف»، ونادى الناس حتى يحملوه معه، أما العنصر الأصيل في فلسفته فكان: «إن التحرر من الألم هوالخير الأسمى»، ولهذا فضل الموت على الحياة. ومضى إلى حتى اللذة هي الخير الأوحد، ولا تتحقق قوية خالص إلا في النادر، وأن مجموع آلام الحياة يزيد على لذاتها.
فبرأيه، كانت السعادة أمنية محالة، وطلب اللذة ورجاؤها من الحياة عبث وتناقض، لأن اللذة تخلف ألمًا دائمًا. وتنحصر الحكمة في اتقاء الألم، ولا يتسنى لنا ذلك إلا بقتل الشهوة، والامتناع عن اللذة؛ وفي هذه الحالة، وعندما تصبح الحياة خامدة، فتكون معادلة للموت، وما على المتعب من الحياة إلا حتى يستشفي بالموت.
الفلسفة
السعادة محالة
نطق هگسياس إذا السعادة لا تُنال في الحياة، حتى حتى الحياة ليست جديرة بأن تعاش. واعتبر حتى واجب الحكيم في الحياة ينحصر في اتقاء الشرور أكثر من ابتغاء الخيرات. ونادى هگسياس إلى عدم المبالاة بكل الظواهر والأمور الخارجية، على أساس أنه ليس من شيء هومن طبيعة الحال منبع لذة أوألم، بل إذا إشباع الشهوة بالحصول على ذلك الشيء هي التي تحدث اللذة أوالألم.
امتلك هگسياس وجهة نظر مختلفة لأبناء مدرسته حول ما يجعل الحياة مثالية، ومنها ما كان معاديًا للمجتمع، فاعتبر حتى جميع العلاقات البشرية هي علاقات سطحية تتلاقى فيها الوجوه، فالناس أدوات فعالة في حياتنا، كما أشاد بفضيلة التمتع بالمحظيات ومعاملة النساء باعتبارهن أدوات جنسية.
وبعد وقت انحرف هگسياس عن فلسفة اللذة التي أتى بها أساتذته، ومضى إلى القول بأن اللذة حتى لوكانت مصدرًا للسعادة، فهي عادة ما تنتهي بالألم. وانتهى مبدأ اللذة عند هجسياس إلى مآل يختلف عما كان لديه أول الأمر؛ ففي أواخر حياته، عدل عن المتع «البهيمية» التي استغرقت منه الكثير، ولعل سبب عزوفه عن مبدأ اللذات الحسية إلى لذات العقل هوأنها انحراف لا يتماشى مع طبائع البشر ولا يتسق مع مقتضيات الحياة الاجتماعية.
كما أعرب عن يأسه من وجود المتع الإيجابية، والتمس اللذة في مجرد تفادي الألم، ولا يتيسر ذلك إلا بكبح الشهوة، والكف عن إرواء اللذة، ومتى تحقق هذا فقدت الحياة بهجتها، وجاز الخلاص منها بالانتحار، ومن هنا اتىت دعوته للتخلص من الآلام وإسكات النزعات بالموت.
الانتحار
قبل عصر الإمبراطورية الرومانية كان ينظر للانتحار باعتباره تضحية بالذات، وكان من الطقوس الدينية، إلا حتى الفكرة لم تبلغ مبلغها الأقصى إلا مع رواقيي الرومان. أصبح للانتحار شأنه العظيم وفلسفته عند مدرسة الرواقيين الفلسفية، فقد كان اغتال النفس شعيرة من شعائر الدين، وكأن الانتحار شعيرة التضحية الآدمية.
وجنحت آراء كثيرة هذه الوجهة وقابلوا الموت بلا مبالاة بثتها في النفوس مناظر المصارعة والجلاد؛ وحوادث مئات الأسرى الذين كانوا يأبون حتى يقتلوا أبناء وطنهم، أوقد يكونوا مسخرين لتسلية آسريهم، فيدورون نصالهم إلى أعناقهم مهربًا إلى الحرية؛ أوسنة الرومان بإلزام المسجونين السياسيين حتى يقضوا على أنفسهم بأيديهم، وفوق ذلك طغيان القياصرة المستبدين الذي ارتفع بالانتحار إلى محل المرجع والحرية للمظلومين، والنهاية التي ينشدها العقل المضطرب.
إنما بفضل الموت تكون الحياة عقوبة، وبفضل الموت أستطيع حتى أقف رافع الرأس بين يدي الجد العابس، فأحتفظ بعقلي سليمًا وجأشي رابطًا. فإن لي مرجعًا اعتصم به وأحتكم إليه.
في هذا الوقت كان الفيلسوف اليوناني أبيقور ينصح الناس بالمقارنة بين حتى يأتي لهم الموت، أوحتى يمضىوا إليه باختيارهم. وانتحر بالعمل كثير من أتباع أبيقور، مثل لوقرشيوس شاعر الرواقيين؛ وقد ساعد الشاعر لوكريتس أحد تلاميذه على الموت فقتله بيده، كما عمل ذلك كسيوس، وأتيكون صديق شيشرون، وبترونيوس الشهواني. وكانوا يعتقدون حتى حظ الإنسان أرجح من حظ الآلهة في شيء واحد، وهوأنه قادر على الفرار بنفسه إلى القبر، وأنه من دلائل نعم العناية أنها ملأت الأرض عقاقير شتى يجد فيها المتعبون طريقهم إلى الموت بغير عناء ولا إبطاء.
ولكن تفوق على هؤلاء الفلاسفة -خاصة الرواقيين- في صدقهم زميلهم هگسياس ويعد هوالوحيد الذي اتبع النهج وانتحر عمليًا. فهناك من المفكرين الأقدمين من أباح الانتحار وقربه إلى النفس والعقل مثلما عمل دافيد هيوم وشوبنهاور اقتداءً بطليعتهم سنيكا أشهر المنتحرين في تاريخ الرومان، لكن تجاوز هجسياس إباحة الانتحار إلى تحبيذه ومدحه ووصفه ترفيهًا عن المتعبين المعذبين.
الصلة الهندية
الانتحار في مدرسة الإسكندرية
كان لممضى هگسياس أثر غير قليل في شهوة الدفاع عن فكرة الانتحار في العصر الروماني، فكان مفهمًا رشيدًا من مفهمي المدرسة القورانية الفلسفية. فقد زار هگسياس مدينة الإسكندرية، وألقى فيها عدة محاضرات أوضح فيها ممضىه. وكان تأثير هگسياس بالغًا على تلامذته، فهوفصيح اللسان، ويحيط بفصاحته القبر بالسحر والفتنة، ويرى حتى «الموت هوالغاية التي لا غاية بعدها للكائن العاقل»، وأن الحياة مقر الهموم ومسراتها زائفة وسريعة الزوال، وأن الموت هوأسعد نصيب يتوق له قلب الإنسان، ليجعلهم يقبلون فرحين على تحقيق وصايته، وكثير منهم أراح نفسه بالانتحار من قسوة الحياة.
وكان قد ألف كتابًا وعنونه "الانتحار جوعا"، والذي انتشر بالعمل ونُسخ في الإسكندرية، وتحدث في محاضراته عن مفاسد حياتنا ونقائصها، بصورة أثرت في أكثر القلوب تعلقًا بالحياة. خط هجسياس كتابه "الانتحار جوعاً"، والذي كان في الأساس حجة لما يجب على الجميع التخلي عن الحياة وقتل أنفسهم. يبدأ الكتاب برجل يقرر أنه يفترض أن يجوع حتى الموت، واجتمع أصدقاؤه يتوسلون له ألا يعمل ذلك، ونطقوا جميع شيء لردعه عن رغبته.
يجيب البطل عن آراء أصدقائه بأن السعادة محالة وأنه يفضل الموت كثيرًا على العيش، ثم يقدم أطروحة طويلة عن البؤس والعذاب في الحياة، فيقتنع أصدقاؤه ليس فقط بهجره يقتل نفسه، ولكن يقتلون هم الآخرون أنفسهم.
كانت الأوصاف القاتمة للدلالة على البؤس الإنساني في الكتاب شديدة القسوة، وألهمت الكثير من الناس بالقيام بالانتحار والموت جوعًا،بنشر اعتقاده حتى الشخص الغبي هومن تلائمه الحياة على هذا النحوالسائد، أما الشخص الحكيم وحده الذي سيحصل على مزايا الموت العظيمة. ولم يلبث -على إثر محاضرات هجسياس وكتابه- حتى بدأت موجة من الانتحار بين الشباب، حتى أطلقوا عليه لقب «رسول الموت»، و«الناصح بالموت».
يعلق برتراند راسل في كتابه تاريخ الفلسفة الغربية على موقف هگسياس من الموت؛ بأن الخوف من الموت أعمق جذورًا في الغريزة الإنسانية من حتى تستطيع محاضرات هگسياس، في أي عصر من العصور، حتى تصادف قبولًا عند جمهور كبير من الناس؛ ولكنها ظلت فلسفته دائمًا عقيدة الأقلية المثقفة، وكل من اشتدت وطأة محنة الحياة على نفوسهم، وطلبوا من الفلاسفة الشفاء حتى ظهور الديانة المسيحية، التي عمدت في أولى مراحلها إلى هجريز الخير كله في الحياة الآخرة.
سرعان ما انتشر الانتحار وأخباره بالإسكندرية، وتسبب ذلك في خسارة هگسياس مستقبله المهني، بسبب غضب الطبقة العليا والحاكمة بشكل خاص، لأن هگسياس كان يفهم لأبناء الطبقة العليا في المجتمع، حتى أصدر بطليموس الثاني أمره بتحريم الانتحار وطرد هجسياس من مصر، ومنعه من إلقاء المحاضرات، وأغلق مدرسته في أوائل القرن الثالث قبل الميلاد، لاتقاء خطر الدعوة إلى الانتحار.
عمل هگسياس ما لم يعمله الكثير من المدافعين عن الانتحار في عصره، فقد عمل بما نصح به أتباعه وقتل نفسه، ولم يصلنا شيء عن طريقة انتحاره، وإن بدا لنا إيمانه القوي بالتجويع طريقةً مفضلة للموت.
انظر أيضاً
- نفعية سلبية
- تشاؤمية
الهوامش
المراجع
- ^ Dorandi 1999, p. 47.
- ^ Historical Dictionary of Ancient Greek Philosophy, Anthony Preus, Rowman & Littlefield, 2015, p.184
- ^ Laërtius 1925, § 93–96
- ^ "هجسياس.. الفيلسوف الذي حرّض أتباعه على كراهية الحياة ثم انتحر". ساساپوست . 2018-10-29. Retrieved 2018-11-11.
المصادر
- Dorandi, Tiziano (1999). "Chapter 2: Chronology". In Algra, Keimpe; et al. (eds.). The Cambridge History of Hellenistic Philosophy. Cambridge: Cambridge University Press. p. 47. ISBN .
- نطقب:Cite LotEP
- Lafont, Jean-Marie. "INALCO". Les Dossiers d'Archéologie (254): 78.