حنا ميخائيل، كنيته أبوعمر (و. 1935- ت. 1976)، هوأكاديمي، باحث، وسياسي فلسطيني ومن القياديين البارزين في حركة فتح. أوفده ياسر عهدات عام 176 في مهمة نضالية أوكلت اليه في شمال لبنان وكان على رأس مجموعة تحركت عبر البحر، ثم اختفى برفقة المجموعة، ولم يعثر عليه.

حياته

ولد حنا ميخائيل في رام الله عام 1935 وتخرج من مدرسة الفرندز عام 1952 التي تديرها جماعة الكويكرز المسيحية المعروفة بتأييدها المطلق للقضية الفلسطينية. سافر في بعثة للولايات المتحدة لدراسة الكيمياء في جامعة هاڤرفورد في نيوجرزي حيث تعهد في أواخر الخمسينيات على طالب فلسطيني آخر كان يفهم الأدب في جامعة پرنستون الشهيرة بنيوجرزي إسمه إدوارد سعيد ومنذ ذلك الوقت توطدت العلاقة بينهما. يقول إدوارد سعيد بعد لقائه الأول مع حنا: «أعجبت فورا بتواضعه الجم وتهذيبه إضافة إلى عقله الوقاد».

قرر حنا حتى يغير موضوع دراسته من الكيمياء إلى الشرق الأوسط والدراسات الإسلامية في جامعة هارڤرد، أبرز وأرقى الجامعات الأمريكية، حيث التقى الصديقان مرة أخرى في الجامعة نفسها ليحصل الإثنان جميع في مجاله على شهادة الدكتوراه. وكانت أطروحة حنا بعنوان «السياسة والوحي – المواردي وما بعده» تحت إشراف المستشرق البريطاني الأشهر سير هاملتون گيب، الذي كان إنتقل حديثا من أكسفورد إلى هارڤرد. والكتاب يناقش مسألة العلاقة بين السياسة والدين إستنادا إلى كتاب أبي الحسن على المودودي «الأحكام السلطانية والولايات الدينية». نشر البحث بالإنگليزية أولا ثم بالعربية بإشراف السيدة «أم عمر» عام 1997 وبتقديمين مهمين من إدوارد سعيد والمستشرقة الإيطالية بيانكا ماريا سكارسيا.

انضمامه لحركة فتح

بعد تخرجه من هارڤرد إنهالت عليه العقود فدرّس في جامعة پرينستون الشهيرة ثم حصل على عقد برتبة أستاذ مساعد لدراسات الشرق الأوسط في جامعة واشنطن في مدينة سياتل. اتىت هزيمة يونيوعام 1967 لتشكل صدمة لجيل بكامله علق آمالا كبيرة على قيادة العمل القومي الذي كان يمثلها جمال عبد الناصر. وكان لظهور حركة المقاومة الفلسطينية مخرجا للكثير من المناضلين واليساريين للانضمام للثورة «كما كانت تسمى آنذاك». وكان من بين الذي تخلوا عن حياة الوداعة والرفاهية حنا ميخائيل حيث اختار طريقا محفوفا بالمخاطر ومستقبلا غامضا وانضم لحركة فتح في الأردن عام 1969 ليساهم بفكره ووعيه في عملية «تحرير فلسطين».

إنضم أبوعمر إلى « دائرة العلاقات الخارجية « في حركة فتح في الأردن، وتمكن من إقامة أمتن علاقات مع اليسار الفرنسي والإيطالي والأمريكي. وكانت تربطه علاقة صداقة متينة مع الأديب الفرنسي المعروف جان جينيه، الذي خط عن الفدائيين في الأردن وعن «أبوعمر» كتاب « الفدائي العاشق». وهوصاحب نصّ «أربع ساعات في شاتيلا» الذي خطه مباشرة بعد مجزرة صبرا وشاتيلا. وقد زار جان جينيه أبوعمر في فترة بيروت. وهناك قدم أبوعمر إدوارد سعيد إلى جان جينيه. وفي أواخر العام 1971 أصبح أبوعمر عضواً في قيادة «القطاع الغربي» خلال تولي الشهيد كمال عدوان لقيادة هذا القطاع.

إلتحق أبوعمر بدورة عسكرية في ڤيتنام سنة 1975 مدتها ستة شهور هجرت بصماتها على نفسيته كثيرا وقرر حتى ينقل بعض تجارب الفيتناميين للثورة الفلسطينية وخاصة الجدية والوعي والتواضع. وللمفارقة كان قائد الدورة تلك المناضل عبد الحميد محمود وشاحي المعروف باسم «نعيم» الذي إختفى معه عام 1976. وكان نعيم من ألمع قادة فتح العسكريين، رغم أنه لا يعهد القراءة والكتابة، لكن أبوعمر فهمه بصبر وتواضع مبادئ الكتابة والقراءة لاحقاً.

خلال الحرب الأهلية في لبنان كان هناك الكثير من المشاكل في تنظيم فتح في شمال لبنان، فقرر ياسر عهدات في يوليو1976 إرسال مجموعة قيادية نظيفة من تسعة أشخاص لتولي الأمر. واختير نعيم ليكون قائد تلك المجموعة وأبوعمر نائبه ومفوضاً سياسياً للحركة هناك. تحركت المجموعة في قارب صغير من منطقة الحمام العسكري في بيروت باتجاه الشمال، لتعذر سلوك الطرق البرية غير الآمنة، لكن المجموعة إختفت كما هومعروف ولم يعثر لأحد منهم على أثر. وراجت روايات مختلفة حول طريقة إختفائهم. منها حتى الإسرائيليين إحتجزوا القارب وسلموا المجموعة لقوات الكتائب، وهذه رواية ضعيفة، ورواية أخرى مرجحة تقول حتى قوات الكتائب حاصرت المجموعة فور نزولها على الشاطئ اللبناني وسلمت أفرادها بعد حين إلى القوات السورية التي كانت آنذاك تحاصر تل الزعتر. هذه الرواية ترجحها أخبار نقلها معتقلون سابقون في السجون السورية، والذين أكدوا لأم عمر أنهم إلتقوا بأبي عمر في السجون السورية، وذكروا سجن تدمر بالذات. وقيل إذا أبوعمر أستشهد في الغارة الجوية على السجن إثر محاولة بعض المساجين الفرار.

ظلت المناضلة أم عمر، تحاول لسنوات طوال التأكد من وجوده في سوريا ومن مصيره هناك. وفي هذا السياق قابلت رئيس الوزراء السوري عبد الرحمن خليفاوي وفشلت في لقاء الرئيس حافظ الأسد، ولكنها قابلت زوجته وزوجة خدام دون جدوى. لقد وضع أبوعمر أثناء وجوده في بيروت جهودا حثيثة لتأسيس «التيار الديمقراطي» داخل حركة فتح. وقد أنجز دراسة مهمة عن هذه المسألة، كما أنجز الوثيقة الفكرية للتيار الديمقراطي في الحركة وهي بعنوان «ملاحظات أولية حول الثورة العربية». وكانت تتطلع إلى بناء حزب فلسطيني مقاتل، وحزب عربي جذري يسترشد بالتجربتين الفيتنامية والصينية.

يقول إدوارد سعيد عن لقائة بحنا في بيروت في الأعوام 1972 و1973: «بدا لي غارقا تماما في دوره كمسؤول سياسي في الحركة. وأثار إعجابي زهده المتناهي في الملبس ونمط الحياة. لم أره قط يلبس أي شيء سوى البزة الكاكية ولم يقد سيارة قط ولم يستخدم في سلوكه إلا أسلوب الحديث البسيط البعيد عن التكلف تماما. كان يحرص على الإنصات ووحده بين رفاقي الفلسطينيين كان عندما يسألني عن التطورات في الولايات المتحدة ينتظر عملا حتى أجيب».

بدأ حنا في بيروت يجمع من حوله مجموعة من المثقفين الثوريين والمتماثلين في الرأي والذين بدأوا يدركون الاتجاه الذي تسير فيه القيادة الرسمية والقوى المسيطرة في حركة فتح. كان غير سعيد للاتجاه الفردي السلطوي الذي يعظم القائد الفرد وكان غير راض عن التبذير الأخرق وكان من أوائل الذين حذروا من تدفق أموال البترودولار على الثورة لإفسادها وحرفها عن مسارها. بدأت أفكاره تنتشر داخل صفوف فتح وبدأت تتشكل مجموعات صغيرة تؤكد على مبادئ إنطلاقة فتح التي تعتبر الكفاح المسلح وحرب الشعب طويلة الأمد «إستراتيجية وليس تكتيكا» وتؤكد على التضامن مع الشعوب العربية لا مع الأنظمة الفاسدة وتعلي من شأن القيادة الجماعية وممارسة النقد الذاتي والتسليم والتفهم من تجارب الآخرين. لذلك لا عجب حتى إنتشرت نظرية المؤامرة حول إختفاء المجموعة الأكثر نقاء وثورية في ذلك الوقت. ولنستبعد نظرية المؤامرة قليلا ونسأل: كيف من الممكن أن يمكن لقارب صغير يحمل ثمانية قادة عسكريين ومفوض سياسي ينطلق من بيروت الغربية إلى طرابلس والطرق محاطة بالمخاطر حيث يمر القارب في مياه إقليمية يسيطر عليها حزب الكتائب ثم سوريا ومياه دولية تسيطر عليها إسرائيل،يا ترى؟ إنها مغامرة حمقاء لا تستقيم لذي حجة سليمة وأقل ما ينطق فيها إنها إستهتار وإهمال ومغامرة.

تكريمه

تم تكريم الشهيد القائد حنا ميخائيل عندما قررت رئيسة بلدية رام الله جانيت ميخائيل حتى تسمي شارعا باسمه وأن تضع لوحة تعهد به وبدوره في مايو2010. وباختفاء حنا ميخائيل فقدت الثورة الفلسطينية رجلا فذا وقائدا ومفكرا وشخصية تاريخية قلما يجود الزمان بمثلها. نتذكر سيرة «أبوعمر» ونحن نشاهد من تظل من رجالات فتح الذين آثروا الاستسلام وفضلوا حتى يحصدوا بعض المكاسب الشخصية على حساب قضية التحرر الوطنية والتي ضحى من أجلها رجال عظام ونساء عظيمات بالتأكد ليس من أجل الوصول إلى سلطة مسخ تحت حذاء الاحتلال.

حياته الشخصية

تزوج حنا ميخائيل عام 1972 من المناضلة الفلسطينية جيهان الحلو. وكانت العلاقات بينهما مثالية. كان يشاركها في الطبخ والتنظيف ويقول لها «لا يجوز للمرأة حتى تضيع ساعات من يومها لتنجز طبخة واحدة. يمكنها حتى تستفيد من الوقت المخصص للطبخ للتفهم والتثقف». لم ينجبا، فقد كانا منهمكين تماما في الثورة. تعهدت عليها من أيام بيروت وتوطدت العلاقة بينها وبين عائلتي نزورها في لندن ورام الله وتزورنا في الولايات المتحدة. كانت تعيش على أمل حتىقد يكون أبوعمر حيا بسجن عربي ما. لكن هذا الأمل تبدد وكرست حياتها لإحياء ذكرى أبوعمر وطبع كتابه وتكريس حياتها لخدمة أطفال فلسطين والدفاع عن حقوق المرأة وقد أنجزت كتابها الهام «شهادات حية للمرأة الفلسطينية في لبنان» عام 2009.

انظر أيضاً

المصادر