تلمود

الصفحة الأولى من التلمود

التلمود Talmud (תלמוד) (Hebrew: תַּלְמוּד talmūd "instruction, learning", from a root lmd "teach, study") هوتدوين لنقاشات حاخامات اليهود حول الشريعة اليهودية، الأخلاق، الأعراف ، وقصص موثقة من التراث اليهودي، وهوأيضا المصدر الأساسي لتشريع الحاخامات في النادىوى القانونية، التلمود مركب من عنصرين، الميشناه משנה Mishnah هي النسخة الأولى المكتوبة من الشريعة اليهودية التي كانت تتناقل شفويا ، الجمارا גמרא Gemara وهذا القسم من التلمود يتناول الميشناه بالبحث والدراسة (أحيانا يستعمل أحد المصطلحين تلمود أوجيمارا للدلالة على المصطلح الآخر). لكن بينما يصنف الجيمارا كتعليقات على الميشناه وككتابات للحاخامات الحكماء، نراه أيضا يخوض مواضيع أخرى في التناخ תנ״ך Tanakh ويتناولها بالشرح الواسع.

الجيمارا إذا هوالمبادئ الأساسية لجميع قوانين شريعة الحاخامات وهوعلاوة على ذلك اقتباسات من مؤلفات ادبية لحاخامات اخرين. والتلمود ومن ضمنه الجيمارا يقترن بشكل تقليدي بوصفه شاس (اختصار عبري لعبارة شيشة سيداريم أي الدرجات الست للميشناه).

التاريخ

The first page of the Vilna Edition of the Babylonian Talmud, Tractate Berachot, folio 2a.


أصل التلمود ـ الشريعة الشفهية

يميز قدماء اليهود التوراة المكتوبة written law، التي تضم الشرائع والقوانين المدونة في أسفار موسى الخمسة Pentateuch، عن التوراة أوالشريعة الشفهية التي تلقاها موسى في سيناء، والتي تجسدت عند اليهود في صورة العادات والتنطقيد والعهد.

ويعتقد بعض الفهماء أمثال سلومون شختر (1885)، أحد مفكري الدين اليهودي في القرن التاسع عشر، حتى تاريخ بداية الشريعة الشفهية يعود إلى زمن النفي exilic period عندما أُنشئ مجمع الكنيس synagogue لأول مرة، أي بعد السبي البابلي، وربما إلى عصر الخطة sopherim الذي يبدأ بعزرا الكاهن، ومحاولة خلفائه نشر التوراة المكتوبة بين الناس عن طريق الدرس والشرح والتفسير، أي طريقة المدراش midrash method، وهي طريقة الدرس المكثف للنص التوراتي وتفسيره، إلى جانب التوسع في تخريج النصوص والألفاظ، والإسهاب في الإضافات والتعليقات. وقد مثلت هذه الشروحات المبادئ الهادية لأحكام الشرع الديني، كما استخدمت لتفسير المواعظ والحكايات الرمزية.

واستخدم الخطة ورجال السنهدرين طريقة المدراش في تعليم الشريعة الشفهية وإيصالها للناس، بوصفها أبرز وسيط للتعليم اليهودي والتعبير عن الفكر، فكان لها المنزلة الأولى في الحياة الروحية اليهودية طيلة عصر الخطة من منتصف القرن الخامس إلى نهاية القرن الأول ق.م. حتى ظهور التنائيم (المفهمين) الذين مارسوا في التلمود الكيفية التكرارية (المشنا) لشرح التعاليم الشفهية، ومناقشتها في ضوء نصوص الأحكام الشرعية الناتجة عن التفسير المدراشي، بحيث يستند الشرح والتفسير إلى النص التوراتي.

وقد اختلفت الفرق اليهودية حول مصداقية الشريعة الشفوية، فتمسك الفريسيون بمساواتها مع الشريعة المكتوبة من حيث إلزاميتها، بينما عارض الصدوقيون ذلك، وتمسكوا بالمعنى الحرفي للنص التوراتي إزاء التفسيرات التي خرج بها الفريسيون، وأصروا على اعتبار شرائع الأسفار الخمسة أشد إلزامية من الشريعة الشفهية، كما أنكر القراؤون الشريعة الشفهية والتلمود.

ومن الثابت احتواء التلمود على أصول مدراشية ومادة توراتية، لهذا يعد تكملة للتوراة أوالشريعة المكتوبة، فالعلاقة وثيقة بين التوراة والتلمود، ولا يمكن الفصل بينهما أبداً، فالتلمود هوالجسر الممتد بين التوراة والحياة، إنه التوراة في التطبيق، لكن تعارض التطبيق العملي مع النصوص المقدسة أوالموضوعة في عهدة الكهنة والخطة، أدى إلى كثرة الاجتهادات وتعدد المدارس التفسيرية التي صنعت تاريخ التلمود خلال مدة ألف سنة

البناء والوظيفة

تعتقد اليهودية الأرثوذوكسية بأن خط التناخ نقلت بشكل متطابق من التقليد الشفوي المتواتر . إلى غير ذلك فإن التوراة - القوانين أوالوصايا - هي الشريعة المكتوبة أما الشريعة الشفوية فوظيفتها التعامل مع تطبيقات وتطويرات معاني المكتوبة . التلمود إذا وبشكل نهائي يؤلف الإنشاء المكتوب والموثوق لهذا التقليد وبهذاقد يكون التلمود العامل والمؤثر الرئيسي في الإيمان والمعتقد اليهودي . وعلاوة على ذلك بالرغم من انه ليس شريعة قانونية رسمية . فهوالقاعدة الاساسية لجميع التشريعات القانونية اليهودية اللاحقة . إلى غير ذلك نراه يتابع بذل الجهد كمؤثر رئيسي في الهالاخا הלכה Halakha والممارسات الدينية اليهودية . فالتلمود هوتنظيم محتوى الحكمة بين الوصية والتطبيق .

A page of a medieval Jerusalem Talmud manuscript, from the Cairo Genizah.

مراحل تكوين التلمود

يعد التلمود ثمرة لجهود جماعية ونشاطات أجيال متعددة عبر مدة من الزمن، امتدت من عزرا في منتصف القرن الخامس ق.م، واستمر حتى القرن السادس للميلاد في بابل، وهم على التوالي الخطة والأزواج والتنائيم (أوالمفهمون) والامورائيم (المتحدثون أوالمجادلون) والصبورائيم أوالتأمليون في أقوال السلف.

1ـ الخطة Soferim: تبدأ هذه الفترة التكوينية مع مجيء عزرا المحرر من بابل، وتمتد حتى عصر المكابيين (450-100 ق.م). وفيها تم قيام الدولة الثيوقراطية اليهودية في ظل السيادة الفارسية، وجمع القسم الأكبر من الكتابات التي تأتي بعد أسفار موسى الخمسة وإضافتها إلى التوراة. وقد تمكن عزرا من وضع التوراة في متناول العامة، بعد حتى كان حكراً على طبقة واحدة من اليهود، وإليه يرجع مشروع إقامة «دولة التوراة».

أما الخطة اللاحقون، فقد انحصرت مهامهم في نشر التعليم الديني وإدخال بعض الشعائر والطقوس الدينية (كعادة سكب الماء على الأرض في [[عيد المظال Tabernacles)، ووضع القواعد الخاصة بالتمائم الدينية Phylacteries مثل التفليم Teffillin (سفر التثنية 6: 8)، والمعطف أوالطليت Tallith بجدائله الأربع Zizith أوأهدابه (سفر العدد 15: 38)، إلى جانب بعض التشريعات والمراسيم التي كان لها أثر في ترتيب التوراة واثبات نصها المعياري، كتعديل بعض الشرائع التوراتية وتكييفها وفقاً لمتطلبات الحياة، والتخفيف من قساوة الشرع الموسوي: مثل استبدال شريعة الانتقام التوراتية طالما الاعتداء بالتعويض.

2ـ الأزواج Zugot: تطلق هذه التسمية على المفهمين الكبار الذين برزوا بين العصرين المكابي والهيرودي (حوالي 150 إلى 30 ق. م)، وهناك خمسة أزواج من هؤلاء في سجلات الأدب الرباني، يمتدون على خمسة أجيال، ويمثل جميع زوج منهم المنصبين التاليين: رئيس السنهدرين أوالأمير ولقبه الناسي Nasi، ونائب الرئيس أو«رئيس بيت الدين» Ab-Bet-Din. وأسهم الأزواج في تطوير الشريعة الشفهية في التلمود، وينسب إليهم الكثير من الأقوال والروايات الهجادية والأحكام الشرعية والقوانين (سفر الآباء Pirke Abot).

بيد حتى الزوج الأهم من بين هؤلاء الخمسة هوالأخير، ويتألف من هيلل وشمّاي (Bet Shammai, Bet Hillel)، اللذين لهما الأثر الأكبر في تاريخ اليهودية، فكثير من الأحكام الشرعية تحمل اسميهما، إلى جانب كون جميع منهما صاحب مدرسة أوممضى في التفسير. ويعد هيلل صاحب الفضل الأول في جمع وتعديل وصياغة قواعد أومبادئ التفسير السبع، التي تطورت فيما بعد إلى 13 قاعدة وأكثر، وعهدت بالمقاييس Middot= Measures، وهي تؤلف الطرق الرئيسية للاستدلال المنطقي. أما شمّاي فقد اشتهر بتشدده في تفسير الشريعة وفي تطبيقها العملي (سفر التثنية 20:20؛ سفر العدد 28: 2).

3ـ التنائيم Tannaim: تطلق هذه التسمية على المفهمين والثقاة الذين عاشوا في القرنين الأولين للميلاد (نحوعشرة إلى 200م)، ويبدأ عصرهم مع مدرستي هيلل وشمّاي وينتهي عند الرابي يهوذا الملقب بالبطريرك (R. Judah the Patriarch)، أحد الأحفاد الكبار للفريسي هيلل. ويحمل معظم التنائيم لقب «ربي» Rabbi بمعنى «سيّدي»، ثم أصبح لقبهم فيما بعد «راب»، «سيد»، وأحياناً «رابان» Rabban.

ويقسم عصر التنائيم إلى أربعة أجيال متتالية، وأشهرهم في الجيل الأول (من 10-80 م): الرابان عمالائيل الأكبر والرابان يوحنان بن زكاي، وعمالائيل هوأحد أبناء هيلل (يعتبره بعضهم حفيداً له)، وحسب ما ورد في أعمال الرسل (5: 34) كان مفهماً للناموس، واشهجر مع رجال المجمع في محاكمة بولس الرسول، كما تنسب إليه الكثير من الإصلاحات. أما يوحنان بن زكّاي فقد اشتهر بزعامته للفئة المنادية بالسلام أثناء التمرد اليهودي ضد الرومان (66-70م)، وهوالذي تمكن من مغادرة القدس المحاصرة، وأسس مدرسة التعليم الديني في يمنيه، التي صار تمركزاً للحياة والفكر بعد خراب الهيكل.

وأشهر التنائيم في الجيل الثاني (من 90-130 ب.م) الرابان جملئيل الثاني، رئيس المدرسة في يمنيه بعد وفاة بن زكّاي، والرابي إسماعيل بن اليشا، الذي قام بتوسيع قواعد التفسير السبع، وأضاف عليها حتى أصبحت 13 قاعدة، وانتقل من يمنيه إلى عوشا، وأسس مدرسة حملت اسمه. والرابي عقيبا بن يوسف، أشهر مفهمي السواد الأعظم من رباني الجيل التالي، وتنسب إليه المهارة في تنسيق محتويات التقليد والعثور على أساس توراتي لكل أحكام الشريعة الشفهية، كما أنه من شهداء الاضطهاد الروماني في عصر هادريان، وقد ظهرت عند أتباعه النزعات الصوفية فاعتنق بعضهم المسيحية.

ويضم الجيل الثالث (130-160م) تلامذة الرابي إسماعيل، وتلامذة الرابي عقيبا، وأشهرهم الرابي مائير الذي وضع الأساس لجمع المشنا أوالتعاليم المكررة.

أما أشهر التنائيم في الجيل الرابع (160-220م) فهوالرابي يهوذا الناسي، ويعهد أيضاً «سيّدنا القديس» Rabbenu ha Kadosh أو«الرابي» دون إضافة اسمه، وكان رئيس السنهدرين، وهوسليل أسرة نبيلة، جمع بين الثراء العظيم والمنصب الكبير وأخلاق القداسة، والأهم تمكنه من محتويات الشريعة الشفهية، وهذا ما أعطاه سلطة على معاصريه لم يتمتع بها أحد غيره من التنائيم، وتنسب إليه جمع مواد المشنا وتصنيفها (حوالي 220م)، وتقسيم موضوعاتها إلى ستة أجزاء six orders، عهدت باسم «السدريمات الستة». وبجهوده تمت قاعدة التلمود الشرعية التي صارت تعهد باسم «المشنا» أي الكتاب الثاني بعد التوراة، وصارت مجموعة الرابي يهوذا بمثابة «المشنا الأوحد» بلا منازع. وقد درسها تلامذة الشريعة الشفهية، ودارت حولها جميع المناقشات والتعليقات والشروحات، إلى جانب إضافات الأجيال اللاحقة.

4ـ الامورائيم Amoraim: تطلق هذه التسمية على «المتحدثين» أو«الشراح» الذين عاشوا في فلسطين والعراق بين 220 و500م، وانحصر نشاطهم في شرح المشنا وتفسيره، وعهدت هذه الشروحات باسم «غمارا» Gemara. وبذلك تم إعداد التلمود بحالته الحاضرة اليوم.

يقسم عصر الامورائيم إلى خمسة أجيال، وأشهر ممثلي الجيل الأول (220-280) في فلسطين الرابي يوحنان بن نباحه، الذي تتلمذ على الرابي يهوذا الناسي، وفي بابل]]، أبوعريقا]] المكنى بأبي الطويل، الذي أسس أكاديمية سورا Sura وترأسها أيضاً. وهناك أيضاً صموئيل الفلكي والطبيب، الذي تتلمذ على يهوذا الناسي وترأس المدرسة الدينية في «نهارديع» a’ Nehardr، لكنه لم يتلق تكليفه الديني وسيامته من يهوذا.

أما الجيل الثاني (280-300) فمثّله في فلسطين عدد من الأمورائيم القادمين من العراق كالهجادي الشهير رابي صموئيل بن نحماني، ومثله في بابل الراب يهوذا بن حزقيال، مؤسس أكاديمية فومبديثا Pumbeditha، وتلامذة عريقا وصموئيل.

وأبرز ممثليّ الجيل الثالث (320-370) في فلسطين ارميا Jeremiah، وفي بابل الراب يوسف، من أكبر الثقاة في التوراة، والأوسع اطلاعاً على الشريعة، ُسمي «سيناء».

وأبرز فهماء الجيل الرابع (375-427) في بابل الراب اشي أوعشي (376-427)، المسمى «خاتم أسفار التلمود البابلي».

كما مثل الجيل الخامس (427-500) من بابل ماربار راب عشي، رابينا ورباح طوسفاح، وينسب إلى هذين الأخيرين عملية الإعداد النهائي لتدوين التلمود.

وقد جمعت الشروحات والتعليقات التي خرجت عن مدارس الامورائيم في جميع من فلسطين وبابل بطريقة منفصلة، وهذا أدى إلى وجود نسختين للغمارا، الأولى فلسطينية والثانية بابلية، ونتج عن ذلك صيغتان للتلمود، شكلّت المشنا في جميع منهما صيغة واحدة تماماً في القسم الأول، بينما اختلفا إلى حد كبير في القسم الآخر: الغمارا.

5ـ الصابورائيم Saboraim: وتعني هذه التسمية عند السلف الشراح أوالتأمليين، وأحياناً أصحاب الرأي. والصابورائيم مؤسسة بابلية بحتة، لا يوجد مماثل لها في فلسطين، وقد امتد نشاطهم طيلة القرن السادس للميلاد، فأضافوا للتلمود بعض التعليقات والقرارات النهائية حول بعض المسائل المتنازع فيها، وأشهر ممثليهم: الرابي جوزيه والراب أحاي والراب سمعوتا.


أقسام التلمود وأسفاره

يقسم التلمود إلى قسمين رئيسيين، هما المشنا» و"الغمارا"، إضافة إلى الحواشي الخارجية Baraitcth وهي التعاليم أوالتنطقيد المنسوبة إلى التنائيم، إلا أنها أبعدت من المشنا لتضاف إلى مجموعات متأخرة، كما يحتوي التلمود على هوامش تفسيرية تعهد باسم «طوسفتا» Tosefta.

1ـ المشنا Mishnah: تعني لفظة المشنا التكرار ـ التثنية، أي الشريعة الثانية بعد التوراة، وتتناول الأحكام والفرائض والتشريعات الواردة في أسفار الخروج واللاويين وتثنية الاشتراع، وهي بذلك خلاصة الشريعة الشفهية ومجموعة قوانين اليهود السياسية والمدنية والدينية.

ويتألف المشنا من ستة أقسام أوسداريم رئيسية six orders ، يضم جميع سدر أوصدر عدداً من الأسفار Massiktot أوTractates الموضوعات وعددها 63 منطقة. ويتألف السفر من عدة فصول أوبرقيمات ـ الاصحاحات Perakim= Chapters. ويتألف جميع فصل من فقرات عديدة تعهد بالحلقوت Halakot، جمع «حلقا» أي الأحكام الشرعية. وقد استخدمت في جمع المشنا [باللغة العبرانية]] المستحدثة مع خليط من الألفاظ اليونانية واللاتينية.

السدر الأول: سدر زراعيم (البذور) Zera’im ويتألف من 11 سفراً أومنطقة، ويتناول قوانين التوراة الزراعية من الناحيتين الدينية والاجتماعية، ويسهب في شرح الأحكام التوراتية المتصلة بحقوق الفقراء والكهنة واللاويين في غلال الأرض والحصاد، كما يبسط القواعد والأنظمة المتعلقة بالفلاحة والحراثة، والسنة السبتية والعشار والمخاليط المحظورة في النبات والحيوان والاكساء. ويتمحور مفهوم هذا السدر حول الإيمان والأمانة والصدق والاستقامة في العلاقات البشرية.

السدر الثاني: سدر موعيد (الأعياد والمواسم ) Seder Mo’ed ويتوزع على اثني عشر سفراً تضمها أربعة مجلدات ضخمة، تتناول مسائل السبوت (القوانين والأنظمة التي تتيح لليهودي حرية الحركة والعمل أثناء السبوت)، والأعياد وأيام الصوم إضافة إلى الطقوس والشعائر والفرائض والقرابين، وقواعد تنظيم التقويم العبراني، إضافة إلى الحديث عن فريضة الحج إلى القدس (سفر الخروج 23: 17 والتثنية 16:16)، كما يتضمن التعليم الباطني للتوراة، وتكثر فيه الشطحات الخيالية التي وجدت تربتها الخصبة في كتاب الزوهار (الإشراق) وكان لها أثراً كبيراً في تعاليم القبالة أوالتصوف اليهودي. وتتواكب في هذا السدر الكثير من شرائع التوراة جنباً إلى جنب مع الشرائع والقوانين المستمدة من خارج التوراة. والثابت حتى سفر شنطقيم Shekalim هوالوحيد من بين أسفار التلمود البابلي بدون غمّارا، ويتناول أحكام الضرائب والرسوم لصيانة الهيكل.

السدر الثالث: سدر ناشيم أي النساء Nashim= Women وتتضمن أسفاره قوانين الشرع التوراتي حول الزواج والطلاق (سفر الخروج 22، التثنية 25، العدد 30) ، ويبلغ عددها سبعة.

السدر الرابع: سدر نزيكين أي الأضرار Nezikin ، تقسم الأسفار العشرة في هذا الجزء من التلمود إلى قسمين رئيسيين: القسم الأول ويضم الأسفار الثلاثة الأولى، وموضوعها العام هوالقانون المدني. أما القسم الثاني فيضم منطقتي «سنهدرين» و«ماكوّت» في القانون الجنائي، ويتناول مختلف المحاكم القضائية وعقوبات الإعدام، ويحوي الكثير عن محاكمة السيد المسيح وعقوبة المرتد عن دينه. وتأتي الأسفار الخمسة الباقية بمثابة ملحقات لهما، وتدور حول القسَم وأنواعه والشهادات وعبادة الأصنام والأحكام والقرارات. وأهمها سفر الآباء ويتضمن التعاليم والأقوال المأثورة عن آباء التقليد اليهودي منذ السنهدرين الأكبر فصاعداً، وهوملئ بالتعاليم الأخلاقية والأقوال الحكمية المنسوبة في معظمها إلى التنائيم.

السدر الخامس: سدر قداشيم أي المقدسات Kodashim ، ويدور موضوعه الرئيسي حول الطقس القرباني والتضحيات المتعلقة بالهيكل، وقوانين المواليد البكر من الحيوان والانسان حسب التوراة ( الخروج 13، العدد 18، التثنية 15، لاويين 27). وترتبط معظم الفرائض والأحكام الواردة في أسفاره بوجود الهيكل، لكن الربانيين في فلسطين وبابل تابعوا اهتمامهم بالطقوس القربانية والعبادات رغم خراب الهيكل وانقطاع الصلة بين الممارسة العملية والغرض الرئيسي من وراء تلك الشعائر. وقد قسم ابن ميمون أسفار هذا الجزء إلى ثلاثة أقسام: سفر القرابين وسفر العبادة وسفر القداسة، أما التقسيم التقليدي فهوأحد عشر سفراً.

السدر السادس: سدر طهوروت أي التطهيرات Tohorot، ويتصل موضوع هذا الجزء الأخير من التلمود بأحكام الطهارة والنجاسة أوالرجاسة لدى الأمور والأشخاص، وهي تتعلق بقوانين الطهارة اللاوية (أحكام تستند إلى أوامر الأسفار الخمسة للتوراة وخاصة سفر اللاويين 11-15). كما أنها وثيقة الصلة بالمعبد اليهودي ولا تستقيم بمعزل عنه. وعدد أسفار هذا السدر اثني عشر سفراً.

2ـ الغمارا: Gemara تعني لفظة الغمارا التكملة أوالتتمة، وتؤلف القسم الثاني والأكبر من التلمود، حتى أنها تدعى أحياناً «تلمود». وهي تعبير عن الشروحات والتعليقات التي خرجت عن الأمورائيم على المشنا في جميع من فلسطين وبابل، وبسببها ظهرت نسختان للتلمود أحدهما فلسطينية والأخرى بابلية. والغمارا مبنية على الروايات والمواد القصصية والتاريخية والأسطورية، وهجرز على العناصر الروحية والوعظية والأخلاقية. لهذا عهدت باسم «الهجادا» Haggadaأي الرواية والأخبار، وصارت تعني الشرح القصصي على سبيل الوعظ الديني، واندرج تحتها: تنطقيد الأقوال المأثورة عن الربيين إلى جانب القصص والأساطير المتصلة بحياة القديسين اليهود في العصر اللاحق للتوراة، واشتملت على موضوعات الفلك والتنجيم والطب والسحر والثيوصوفيا والتصوف والأدبيات والفلكلور والتراث الشعبي.

ـ والتلمود الفلسطيني (الأورشليمي) Yerushalmi هونتاج المدارس الدينية في يمنية وصفورية وطبرية، ويسميه يهود العراق أحياناً «تلمود أرض اسرائيل» و«تلمود أهل الغرب»، وذلك لوقوع فلسطين في الجهة الغربية من العراق. واللغة التي يستخدمها في أقسامه غير العبرانية: الغمارا، هي اللهجة الآرامية الغربية التي كانت منتشرة في فلسطين. أما التلمود البابلي فهونتاج الأكاديميات اليهودية في العراق، سورا ونهارنادى وفومبديتا، ونادراً ما يعهد باسم تلمود أهل الشرق، واللغة التي يستخدمها هي اللهجة الآرامية الشرقية ـ الأقرب إلى السريانية.

ولاستخدام «ال» التعريف في لفظة «التلمود» بمفردها أهمية كبيرة، فهي تدل على التلمود البابلي حصراً، لتميزه وتفوقه وأفضليته على التلمود الفلسطيني، وذلك لتأثيره الضخم على اليهود واليهودية منذ القرن الثامن الميلاد.

ومن الثابت حتى التلمود الفلسطيني الذي وضع أسسه الرابي يوحنان بن نباحه، هونتاج يرجع تاريخه إلى منتصف القرن الرابع الميلادي، ويختلف عن البابلي (القرن الخامس الميلادي) من حيث المادة والأسلوب وطريقة العرض واللغة، فمادته غير مكتملة بالمقارنة مع اكتمال البابلي، وعباراته متبترة ومقتضبة، ويسعى نحوالشرح أوالتحليل لنص المشنا دون نقاش، على عكس البابلي الذي يعتمد في تحليله على الأسلوب العقلي والمنطقي، المفتوح في النقاش والجدال دون ترجيح قول على آخر. وقد أسهم هذا في منح التلمود البابلي المنزلة الرفيعة الفريدة بلا منازع طيلة قرون عديدة، مكانة لا تدانيها التوراة أبداً، لهذا تُرجم إلى لغات عديدة. أما الاهتمام بدراسة التلمود الفلسطيني وترجمته إلى اللغات الأخرى فلم يتحقق إلا منذ نحومائة عام تقريباً ، وبعمل الحركة الصهيونية[ر].

التلمود واليهودية التلمودية

ومن أبرز التطورات التي شهدها تاريخ التلمود على صعيد التطور الداخلي لليهودية بين القرنين السادس والعاشر الميلادي ، الفترة المعروفة بعصر الغاؤونيم Gaonic period، هي: اعتماد التلمود البابلي (ق7) مصدراً للنفوذ المطلق ومرجعاً معترفاً به كتقليد ديني، وصارت الأكاديميات البابلية مصدر السلطة المركزية ليهود العالم قاطبة. وأثمرت النشاطات التفسيرية التي برع فيها الغاؤونيم عن المجموعات الفقهية المعروفة باسم «أدب الردود»، والتي أصبحت المعيار الشرعي المطلق لدى الأجيال اللاحقة.

وشهدت هذه الفترة ظهور أول حركة مضادة للتلمودية ومناوئة لسلطة الربانيين، تمثلّت في «القرائية» أتباع التوراة أوالمقرأ Mikra، وهم أصحاب عنان بن داوود في القرن الثامن. استمدت هذه الحركة جذورها من بعض العناصر الصدوقية والاسينية، كما ظهر تأثرها بفهم الكلام الإسلامي وعقائد المعتزلة، وتوطدت نادىئمها في بلاد فارس ومصر وإسبانية، وانقسم اليهود إثرها إلى معسكرين: رباني تلمودي وقرائي.

وبرز التصوف اليهودي (القبالة) أيضاً كمنازع آخر للتلمود، ما بين القرنين الحادي عشر والخامس عشر (يهود إسبانية). وانتشرت عقائد القبالة القائمة على التوراة ذاتها (التقليد الموروث) بين اليهود حتى أصبحت في القرن الرابع عشر مركز اهتمام ملحوظ، خاصة بعد تجسدها في الكتاب الشهير بالزوهار (كتاب الإشراق Zohar) الذي يشرح ويعلق على أسفار التوراة الخمسة، ويكشف عن رمزية الروايات والوصايا الإلهية، فيؤلف مضمونه خلاصة التقليد الصوفي اليهودي، فالكثير من تعاليمه ترجع إلى جذور تلمودية يتعلق بعضها بفكرة مجيء المسيح المنتظر وعودة بني إسرائيل إلى فلسطين وقيام الهيكل في مسقطه القديم. واستحوذ الزوهار على عقول اليهود وقلوبهم وأصبح المصدر الثالث المقدس بعد التوراة والتلمود للوحي والهداية والإرشاد.

وقد أسهم موسى بن ميمون في إعداد أبرز مصنف للفقه التلمودي في القرن الثاني عشر، عهد باسم تثنية التوراة (يد هحزاقا Mishna Torah). ويتألف من 14 سفراً، انتهج فيه ابن ميمون المبدأ العقلاني، وحذف الكثير من المعتقدات والخرافات التلمودية السائدة آنذاك. وكان لهذا المصنف الميموني أثراً بالغاً على جميع المؤلفات التلمودية اللاحقة فيما بعد، مثل مصنف «الطور» ليعقوب بن آشر (1280-1340)، الذي أصبح منذ أواخر القرن السادس عشر صاحب السيادة المطلقة على حياة اليهود في إسبانيا وأوربا الشرقية (بولندا خاصة).

وقد أدى تسوير التلمود بالسلطة العليا إلى وضع التوراة في مرتبة ثانوية، لدرجة نذرت المعاهد اليهودية أعظم جهودها لدراسة التلمود: «ففي سن الخامسة: دراسة التوراة، وفي العاشرة: دراسة المشنا، وفي الثالثة عشر: الوصايا والتكاليف، وفي الخامسة عشر: دراسة التلمود» (سفر الآباء: ف5).

وليس أدل على منزلة التلمود سوى تلك التشبيهات التي توجد في الكثير من أسفاره: «إن التوراة أشبه بالماء والمشنا أشبه بالنبيذ، والغمارا أشبه بالنبيذ المعطر» (الخطة، سنهدرين رأس السنة وغيرها).


أثر التلمود في حياة اليهود

يعد التلمود مربي الشعب اليهودي ومفهمه، وصاحب الفضل الأول في توجيه عقول اليهود وصيانة الحياة الدينية والأخلاقية في اليهودية وترقيتها وحمل مستواها، وهوأيضاً بمثابة الراية في جمع اليهود وإبعاد الإنشقاق والانقسامات الطائفية بينهم، وتعزيز تماسكهم على صعيد العمل والفكر، وكان بذلك قوة فاعلة في بقاء الشعب اليهودي على قيد الحياة. وأثره على يهود اليوم لا يختلف كثيراً عن تأثيره لدى يهود الأمس بالنسبة للديانة والأخلاق وغيرها من المعتقدات والممارسات. وهوسجل حي لحياة الشعب اليهودي بأسره من شتى النواحي الدينية والثقافية والاجتماعية.

التلمود والحركة الصهيونية

لقد ارتبطت عقائد التلمود وتعاليمه في أذهان اليهود بنوع من العصبية الدينية التي استسهلت فيما بعد قوالب القومية العنصرية، فقد أسهم التلمود في تغذية الشعور الاستعلائي أوالتفوق والسيادة إزاء العالم غير اليهودي (شعب الله المختار)، وذلك من خلال احتوائه على الكثير من المعابثات والممارسات والآراء الخرافية (العلاجات العجيبة والسحر والرقيات والتعاويذ إلى جانب تفسير الأحلام) التي تتنافى مع روح الديانة اليهودية. وتضمنه أيضاً أمثلة متفرقة ومنعزلة على الأحكام والمراسيم القاسية ضد أبناء الأمم والديانات الأخرى؛ وتقديمه لشروح وتفسيرات مغالطة للكتاب المقدس.

كما أسهمت بعض التصورات والمفاهيم التلمودية التي تتناول تحقيق النبوءات التوراتية في تصعيد فعالية الحركة الصهيونية نظرياً وعملياً، ومن أبرز هذه المفاهيم: التصور أوالرؤيا المسيائية لدى أنبياء اسرائيل، وهوجوهر الإيمان اليهودي حول مجيء المسيّا المخلص المنحدر من نسل داوود وعصره المنتظر (المشنا ـ سنهدرين 94 أ، 90 أ، ف 11)، وعودة «بني اسرائيل» إلى فلسطين لتحقيق دولة الخلاص لليهود والإنسانية جمعاء، وتطور تصورات التلمود للعصر المسيائي من «جمع المنفيين من بني اسرائيل» إلى «رسم صورة معينة لفلسطين» تتعلق بالحدود والتقاسيم، بغية إظهار التباين بين «فلسطين قبل مجيء المنتظر» و«أرض اسرائيل عند مجيئه».

فقد استفادت الصهيونية من عقيدة المخلص اليهودية، وخاصة الصهاينة الأوائل الذين مهدوا السبيل بكتاباتهم في أواسط القرن التاسع عشر وما بعد أمام الدعوة الهرتزلية، أمثال الداعية الصهيوني الرباني يهوذا النطقي المتأثر إلى حد بعيد بتعاليم القبالة اليهودية، فقد عكس كتابه «الخلاص الثالث» الأثر التلمودي بوضوح وألّف السدى واللحمة في نسيج الخلاص الصهيوني. كما شهد النصف الثاني من القرن التاسع عشر تطوراً في مفهوم المسيح اليهودي تمثل في فتاوى ربانيّي اليهود التي نطقت بضرورة هجرة أعداد كبيرة من اليهود إلى فلسطين لاستعمارها كخطوة على طريق تحقيق مملكة الخلاص وظهور المخلص في العصر الألفي، فكان من نادىة هذه الصهيونية الدينية زفي هيرش كاليشر (1795-1874) الذي خط «البحث عن صهيون» ونادى فيه إلى استعمار فلسطين، وموسى هس الذي نادى في كتابه «رومة والقدس» الذي نشره عام 1862 إلى القومية اليهودية المرتهنة بعقيدة المسيّا وقيام مملكته في العالم ، وذلك استناداً إلى الكثير من الاقتباسات التلمودية، وهنريك گراتس الذي نشر عام 1863 منطقاً بيّن فيه أنه لا يجوز انتظار مجيء المسيح اليهودي المخلص لإقامة الدولة، وأن هذه الدولة هي بمثابة المسيح المخلص. وتشكلت على أساس هذه الأفكار جمعيات مُحبّي صهيون، وزاد عدد أعضائها من اليهود ، ودعم رجال المال اليهود هذه الجمعيات لإقامة المستعمرات الصهيونية الأولى في فلسطين. وكذلك دعوة الصهيوني الراب اليعازر بن يهوذا إلى إحياء اللغة العبرانية، ومناداة ليوبنسكر في كتابه «التحرر الذاتي» (1882) بالقومية اليهودية، وكذلك كتاب ثيودور هرتزل «الدولة اليهودية» (1896) كمحاولة لإيجاد حل عصري للمسألة اليهودية.

ومن الممكن نفي صفة الصهيونية عن التلمود بالنظر إلى تلك الحركات التلمودية الإصلاحية التي ظهرت في أواخر النصف الأول من القرن العشرين، الحركات التي تؤكد حتى التلمود لا يكترث أبداً للطقس الصوفي حول الأرض والتراب والشعب، وأن التشديد الديني في التلمود ينصب على التوراة بوصفه الوطن اليهودي، فقد عمد نادىتها إلى التشديد على القدس كفكرة ورمز، دون جعل الصلوات اليهودية تربط الرمز الروحي بالمكان الأرضي في رقعة معينة، واستشهد نادىة الإصلاح بأقوال التوراة والتلمود في محاولتهم الرامية للحد من سلطة التلمود المطلقة، فأنكر الإصلاحيون مزاعم التقليد الرباني القائلة بأن المشنا والتلمود نزلا على موسى في سيناء، وأصروا على عدهما بمثابة مجموعة من تفسيرات الشريعة يرجع عهدها إلى فترة متأخرة، كما نفوا عنهما جميع سلطة إلزامية، وتمسكوا بضرورة فتح باب الاجتهاد لمسايرة التطور واللحاق بركب التقدم، داعمين آراءهم أيضاً بالأسانيد التلمودية .

الميشناه والجيمارا

الشريعة اليهودية الشفوية دونت بواسطة الرابي يهوذا هاناسي/يهوذا الأمير وعهدت باسم الميشناه عام 200 م، وقد دونت التنطقيد الشفوية لكي تحفظ من الضياع بعدما بات وجود اليهود وتعاليمهم موضع تهديد في فلسطين .

حاخامات الميشناه عهدوا باسم تانايم Tannaim / مفردها تانا Tanna תנא / ، وهناك تعاليم عديدة في الميشناه تنسب إلى اسم تانا معين .

في القرون الثلاثة اللاحقة خضعت الميشناه للتحليل والدراسة في جميع من فلسطين وبابل (أكثر أماكن تواجد اليهود في العالم في ذلك الزمان) ذلك التحليل والدرس عهد باسم الجمارا Gemara גמרא، وحاخامت الجيمارا عهدوا باسم أمورايم Amoraim مفردها أمورا Amora אמורא ، تحليلات الأمورايم بشكل عام هجرز على إيضاح مواقف وحدثات ورؤى التانايم.

الجيمارا

الميشناه والجيمارا كما ذكر سابقا يشكلان سوية التلمود ، وبهذا الشكلقد يكون التلمود اتحاد جوهر النص الميشناه (أوالتدوين الرقمي من العمل شاناه shanah שנה يعيد وينقح) والتحليل والتفسير التالي له وهوالجمارا ( أوالإكمال من العمل كامار gamar גמר بالعبرية وبالآرامية الدراس ).

مجموعة كاملة من التلمود البابلي

نطقب:Mishnah

Baraita

Halakha and Aggadah

Minor tractates

إعادة بناء الهيكل

عندما أعيد فتح أورشليم في عهد الإمبراطور يوليان ، هرع اليهود إليها من جميع أنحاء [فلسطين] ومن جميع ولاية في الإمبراطورية، وسخر الرجال والنساء والأطفال جهودهم لإقامة البناء، وتبرعوا بحليهم وما ادخروه من أموالهم لتأثيث الهيكل الجديد ، وفي وسعنا حتى نتصور سرور القوم الذين ظلوا مائتي عام يدعون ربهم حتى يمنّ عليهم بهذا اليوم. ولكن بينما كانوا يحفرون الأرض لوضع الأساس إذ خرج من باطنها لهيب أحرق عدداً من العمال القائمين بالعمل. غير حتى الناس عادوا إلى العمل من جديد-فعادت هذه الظاهرة مرة أخرى-ولعل سببها انفجار بعض الغازات الطبيعية-فأوقفت العمل وثبطت همة القائمين بالمشروع. وفرح المسيحيون إذ بدا لهم حتى الله غير راض عن إعادة بناء الهيكل، وعجب اليهود من هذا وحزنوا له. ثم توفي يوليان فجأة ، فحبست عنهم أموال الدولة ، وسنت من حديث القوانين المقيدة لهم وجعلت أشد صرامة مما كانت من قبل ، وحرم على اليهود مرة أخرى دخول أورشليم ، فعادوا إلى قواهم، وفقرهم، وصلواتهم. وخط جيروم بعد قليل من ذلك الوقت يقول: إذا أهل فلسطين اليهود "لا يزيدون على عُشر ما كانوا عليه من قبل". وفي عام 425 ألغى ثيودوسيوس الثاني الحاخامية الفلسطينية، وحلّت الكنائس المسيحية اليونانية محل المعابد والمدارس اليهودية، وتخلت فلسطين بعد هبة قصيرة في عام 614 ، عن زعامة العالم اليهودي.

فهل يلام اليهود بعد هذا إذا أملوا حتى تكون حالهم أحسن من هذه الحال في بلاد لا تسود فيها المسيحية سيادتها في البلاد التي يخضعون لسلطانها. فمنهم من انتقل نحوالشرق إلى أرض النهرين وإلى بلاد الفرس وقووا العنصر اليهودي البابلي الذي لم ينعدم من تلك البلاد منذ الأسر الذي وقع في عام 597 ق. م. وكانت وظائف الدولة محرمة على اليهود في بلاد الفرس أيضاً ؛ ولكن هذه الوظائف كانت محرمة كذلك على جميع الفرس ما عدا طبقة الأشراف ، ولذلك لم يكن هذا القيد ثقيلاً على اليهود أنفسهم. وقد حاقت باليهود في تلك البلاد عدة اضطهادات ، ولكن الضرائب المفروضة عليهم كانت أخف عبئاً منها في غير تلك البلاد، وكانت الحكومة في الأحوال العادية تتعاون معهم، وكان ملوك الفرس يعترفون بالإجزيلارك أي زعيم الطائفة اليهودية ويجلونه. وكانت أرض العراق وقتئذ خصبة تسقيها مياه النهرين ، ولذلك أضحى من فيها من اليهود زُرّاعاً أثرياء وتُجاراً ناشطين ، ومنهم طائفة من بينها عدد من جلة الفهماء الذائعي الصيت أثرت من عصر الجعة.

وتضاعف عدد الجالية اليهودية في بلاد الفرس بسرعة كبيرة لأن دين الفرس كان يبيح تعدد الأزواج. وكان اليهود يتبعون هذه العادة لنفس الأسباب التي كانت تبيحها الشريعة الإسلامية. وكان الكوهنان الطيبان رب ونحمان أثناء تجوالهما يعلنان في جميع مدينة يحلان بها عن رغبتهما في زوجات مؤقوتات ، لكي يضربا بذلك مثلاً لشبان تلك المدن للحياة الزوجية ويبعداهم على الحياة الإباحية. وفي نحرديا Nehardea، وسورة ، ويمبديثا أنشئت مدارس للتعليم العالي ، أضحى فهماؤها، وأضحت قرارات كواهنها الدينية، موضع الإجلال في جميع أنحاء البلاد التي تشتت فيها اليهود. وظل اليهود في أثناء ذلك الوقت ينتشرون في جميع البلاد الواقعة حول البحر المتوسط. فمنهم من مضى لينضم إلى الجاليات اليهودية في بلاد الشام وآسية الصغرى، ومنهم من مضى إلى القسطنطينية، رغم عداء أباطرة الروم وبطارقتهم، ومنهم من اتجهوا من فلسطين جنوباً إلى جزيرة العرب وعاشوا في سلام وحرية دينية مع بني جنسهم الساميين، واحتلوا في تلك البلاد أنطقيم برمتها مثل خيبر ، وكاد عددهم في يثرب (المدينة)قد يكون مساوياً لعدد العرب أنفسهم، واستمالوا إلى دينهم عدد من الأهلين، وهيئوا عقول العرب لما اتى به الإسلام من عقائد يتفق بعضها مع العقائد اليهودية. ومنهم من عبروا البحر الأحمر إلى بلاد الحبشة حيث تضاعف عددهم بسرعة حتى قيل إنهم بلغوا في عام 315 نصف سكان تلك البلاد. وكان اليهود يمتلكون نصف سفن الإسكندرية ، وكان ثراؤهم في تلك المدينة السريعة التأثر والاهتياج مما زاد من حدة العداء الديني.

وانتشرت جاليات يهودية في جميع مدائن أفريقيا الشمالية ، وصقلية ، وسردينيا. وكان عددهم كبيراً في إيطاليا ، وكان الأباطرة الوثنيون يحمونهم في العادة من الأذى ، وإن كان الأهلون المسيحيون والإمبراطور ثيودريك ، والبابوات يشددون عليهم النكير في بعض الأحيان. وكان في أسبانيا جاليات يهودية قبل يوليوس قيصر ، ونمت تلك الجاليات دون حتى يتعرض لها بأذى تحت حكم الأباطرة الوثنيين، وأثروا في عهد القوط الغربيين الآريين ، ولكنهم تعرضوا للاضطهاد الميئس بعد حتى اعتنق الملك ريكارد (568-601) عقائد مؤتمر نيقية. ولسنا نعهد حتى اليهود تعرضوا للاضطهاد في غالة قبل حتى تصدر قرارات مجلس أورليان الثالث والرابع (في عامي 538 و541) بعد حتى انتصر كلوفس Clovis المسيحي المتمسك بدينه على القوط الغربيين الآريين بجيل من الزمان. وأحرق مسيحيوأورليان كنيساً يهودياً حوالي عام 560، وطلب اليهود إلى جنترام Gunthram ملك الفرنجة حتى يعيد بناؤه من أموال الدولة أسوة بما عمله ثيودريك في مثل هذه الحادثة من قبل. ولما رفض جنترام هذا الطلب صاح الأسقف جريجوري التوري Gregory of Tours: "ما أعظمك أيها الملك وما أحب حكمتك!"(11). وكان اليهود في البلاد التي انتشروا فيها ينتعشون على الدوام بعد هذه الخطوب، فكانوا يعيدون بناء معابدهم في صبر وأناة ، وينظمون شئون حياتهم ويكدحون ، ويتجرون، ويرابون، ويصلون، ويأملون، ويزدادون ويتضاعفون. وكان يطلب إلى جميع جالية في بلد حتى تقيم على نفقتها مجتمعة ما لا يقل عن مدرسة ابتدائية وأخرى ثانوية يضمهما في العادة الكنيس نفسه وكان يشار على الفهماء ألا يعيشوا في بلد يخلومن هاتين المدرستين. وكانت لغة العبادة والتعليم هي اللغة العبرية ، أما لغة التخاطب اليومي العادي فكانت الآرامية في بلاد الشرق، واليونانية في مصر وفي بلاد أوربا الشرقية؛ أما في غير تلك البلاد فكان اليهود يتخاطبون بلغة من يعيشون بينهم من الأهلين. وكان الدين هوالموضوع الذي يدور حول التعليم اليهودي، أما الثقافة غير الدينية فكادت في ذلك الوقت حتى تهمل إهمالاً تاماً. ذلك حتى اليهود المشتتين لمقد يكونوا يستطيعون حتى يحفظوا كيانهم جسمياً وروحياً إلا عن طريق شريعتهم، وكان الدين عندهم هودراسة هذه الشريعة والعمل بها. وكان دين آبائهم يزداد قيمة لديهم حدثا زاد الهجوم عليه، وكان التلمود والكنيس النادىمتين والملجأين اللذين لا غنى عنهما لشعب حائر تقوم حياته على الراتى ويقوم رجاؤه على الإيمان بالله.

منشئوالتلمود

كان الكهنة ورجال الدين المقيمون في المعابد والمدارس الفلسطينية والبابلية هم الذين ألفوا أسفار الشريعة الضخمة المعروفة بالتلمود الفلسطيني والتلمود البابلي. وكانوا يقولون إذا موسى لم يهجر فقط لشعبه شريعة مكتوبة تحتويها الأسفار الخمسة، بل هجر له أيضاً شريعة شفوية تلقاها التلاميذ عن المفهمين ووسعوا فيها جيلاً بعد جيل. وكان أبرز ما ثار حوله الجدل بين الفريسيين والصدوقيين الفلسطينيين هو: هل هذه الشريعة الشفوية هي الأخرى من عند الله فهي لذلك واجبة الطاعة،يا ترى؟ ولما حتى زال الصدوقيون بعد تشتت اليهود عام 70 م وورث رجال الدين تنطقيد الفريسيين ورواياتهم قبل جميع اليهود المتمسكين بدينهم الشريعة الشفوية، وأمنوا بأنها أوامر من عند الله وأضافوها إلى أسفار موسى الخمسة، فتكونت من هذه وتلك التوراة أوالشريعة الموسوية التي استمسك بها اليهود وعاشوا بمقتضاها، وكانت حقيقة لا مجازاً هي كيانهم وقواهم وحياتهم. وإن السيرة التي تروي تلك العملية الطويلة التي استغرقت ألف عام، والتي تجمعت خلالها الشريعة الشفوية، واتخذت فيها صورتها النهائية المعروفة بالمشنا؛ والقرون الثمانية التي تجمعت فيها ثمار الجدل، والأحكام، والإيضاح فكانت هي الجمارتين ليتألف منهما التلمود الفلسطيني، وإلى أطولهما ليتألف منهما التلمود البابلي-إن السيرة التي تروي هذه الأحداث الثلاثة لمن أكثر القصص تعقيداً وأعظمها إثارة للدهشة في تاريخ العقل البشري. وكما كان الكتاب المقدس أدب العبرانيين الأقدمين ودينهم، كانت التوراة حياة العصور الوسطى ودماءهم.

وذلك حتى أحكام الشريعة الواردة في الأسفار الخمسة أحكام مسطورة، ولهذا فإنها لم تكن تستطيع الوفاء بجميع حاجات أورشليم بعد حتى فقدت حريتها، ولا اليهودية بعد حتى فقدت أورشليم، ولا الشعب اليهودي في خارج فلسطين، لم تستطع الوفاء بحاجات هذه أومعالجة الظروف المحيطة بها. ومن ثم كانت مهمة فهماء السَّنهدرين قبل التشتت، والأحبار بعده، هي تفسير الشريعة الموسوية تفسيراً يهتدي به الجيل الجديد والبيئة الجديدة ويفيدان منه. وتوارث المفهمون جيلاً بعد جيل تفاسير هؤلاء الفهماء ومناقشاتهم وآراء الأقلية والأغلبية في موضوعاتها. على حتى هذه لروايات الشفوية لم تدون، ولعل سبب عدم تدوينها حتى هؤلاء الفهماء أرادوا حتى يجعلونها مرنة قابلة للتعديل، أولعلهم أرادوا بذلك حتى يرغموا الأجيال التالية على استظهارها. فكان في وسع الأحبار الذين أخذوا على أنفسهم تفسير الشريعة إذا اضطرتهم الظروف حتى يستعينوا بمن قدروا على استظهارها. وكان الأحبار في الستة القرون الأولى بعد ميلاد المسيح يسمون "التنإم Tennaim" أي "مفهمي الشريعة" وإذ كانوا هم وحدهم المتضلعين فيها، فقد كانوا هم المفهمين والقضاة بين يهود فلسطين بعد تدمير الهيكل.

وكان أحبار فلسطين وأحبار اليهود "المشتتين أرستقراطية فذة لا مثيل لها في التاريخ. ذلك حتى هؤلاء الأحبار لمقد يكونوا طبقة وراثية أومغلقة مقصورة على طائفة خاصة من الناس، بل إذا الكثيرين منهم قد ارتقوا من أفقر الطبقات، وكان معظمهم يكسبون قوتهم بالعمل في الصناعات المتنوعة حتى بعد حتى أصبحوا من ذوي الشهرة العالمية، وظلوا إلى ما يقرب من أخريات تلك الفترة التي نتحدث عنها لا يعطون أجوراً على قيامهم بالتدريس أوبأعمال القضاء وكان الأثرياء يجعلونهم في بعض لأحيان شركاء غير عاملين في مشروعاتهم المالية والتجارية، أويؤوونهم في بيوتهم، أويزوجونهم من بناتهم، ليوفروا عليهم عناء الكد لكسب قوتهم. ومنهم من عدد قليل أفسدهم ما كان لهم من المنزلة الرفيعة بين أبناء دينهم، ومنهم كانوا كسائر الخلق يغضون، ويغارون، ويحقدون، ويسرفون في النقد، ويتكبرون. ومنهم من كان لا بد لهم حتى يذكروا أنفسهم المرة بعد المرة حتى العالِم بحق رجل متواضع، لأن الحكيم يرى الجزء في ضوء الكل إذا لم يكن لغير ذلك من الأسباب. وكان الناس يحبونهم لفضائلهم ولعيوبهم، ويعجبون بهم لفهمهم وتقواهم، ويروون ألف سيرة وسيرة تنبئ عن حكمتهم ومعجزاتهم. وقد ظل اليهود إلى يومنا هذا يجلون طلاّب الفهم والفهماء كما لا يجلهم شعب آخر في العالم كله. ولما كثرت قرارات الأحبار وتضاعفت أصبحت مهمة استظهارها شاقة غير معقولة. ولذلك حاول هلل وعقيبا Akiba ومإير Meir مراراً عدة حتى يصنفوها ويستعينوا على استظهارها ببعض الأساليب والرموز، ولكن هذه التصانيف والرموز والحيل لم يحظ شيء منها بالقبول من جمهرة اليهود. وكانت نتيجة هذا حتى أصبح الاضطراب في نقل الشريعة هوالقاعدة العامة، ونقص عدد من يحفظون الشريعة كلها عن ظهر قلب نقصاً مروعاً، وكان مما زاد الطين بلة حتى تشتت اليهود قد نشر هذه القلة في أقطار نائية. وحوالي عام 189 تابع الحبر يهودا هنسيا Jehuda Hansia في قرية صبورة بفلسطين عمل عقيبا مإير، وعدله، وأعاد ترتيب الشريعة الشفوية بأكملها، ثم دونها، وزاد عليها إضافات من عنده، فكانت هي "مشنا الحبر يهودا" وانتشرت هذه بين اليهود انتشاراً أصبحت معه بعد زمن ما هي المشنا، والصورة المعتمدة لشريعة اليهود الشفوية.

والمشنا (أي التعاليم الشفوية) كما نعهدها اليوم هي الصورة النهائية لطبعات مختلفة كثيرة وحواشي متعددة أدخلت عليها من أيام يهوذا إلى الآن. ولكنها مع هذا خلاصة مدمجة محكمة، وضعت لكي تحفظ عن ظاهرة قلب بكثرة التكرار؛ ولهذا فإن من يقبل على قراءتها يرى حتى عباراتها المحكمة الجامعة الغامضة تعذب قارئها بما تبعثه في نفسه من الآمال الخادعة اللهم إلا إذا كان هذا القارئ ملماً بحياة اليهود وتاريخهم. وقد قبلها يهود بابل وأوربا كما قبلها يهود فلسطين، ولكن جميع مدرسة فسرت أمثالها وحكمها تفسيراً يخالف ما فسرتها به الأخرى، وجمعت ستة أجيال (220-500 م) من أحبار الأمورائم (الشراح) هاتين الطائفتين الضخمتين من الشروح وهما الجمارا الفلسطينية والبابلية، كما اشهجرت من قبل ستة أجيال (10-220 م) من الأحبار التنإم في صياغة المشنا. وبذلك عمل المفهمون الجدد بمشنا يهودا ما عمله التنإم بالعهد القديم: فتناقشوا في النص، وحللوه، وفسروه، وعدلوه، ووضحوه لكي يطبقوه على المشاكل الجديدة، وعلى ظروف الزمان والمكان. ولما قارب القرن الرابع على الانتهاء نسقت مدارس فلسطين شروطها وصياغتها في الصورة المعروفة بالجمارا الفلسطينية. وشرع الكوهن رب آشي رئيس جامعة سورا حوالي ذلك الوقت في تقنين الجمارا البابلية وظل يواصل العمل في ذلك التقنين جيلاً من الزمان. وأتمه ربينا الثاني بار (ابن) شمويل، وهوأيضاً من جامعة سورا بعد مائة عام من ذلك الوقت.

وإذا ذكرنا حتى الجمارا البابلية أطول من المشنا إحدى عشر مرة، بدأنا نعهد لم استغرق جمعها مائة عام كاملة. وظل الأحبار السبورائم (الناطقة) مائة وخمسين سنة أخرى (500-650) يراجعون هذه الشروح الضخمة، ويصقلون التلمود البابلي الصقل الأخير. بقي حتى نقول حتى لفظ التلمود يعني التعليم. ولك يكن الأمورائم يطلقون اللفظ إلا على المشنا. أما في الاستعمال الحديث فهويضم المشنا والجمارا.. والمشنا في التلمود البابلي هي بعينها مشنا التلمود الفلسطيني، ولا يختلف التلمودان إلا في الجمارا أوالشروح فهي في التلمود البابلي أربعة أمثالها في التلمود الفلسطيني . ولغة الجمارا البابلية والجمارا الفلسطينية هي الآرامية أما لغة المشنا فهي اللغة العبرية الجديدة تتخللها ألفاظ كثيرة مستعارة من اللغات المجاورة.

وتمتاز المشنا بالإيجاز ، فهي تعبر عن القانون الواحد بقليل من السطور، أما الجماريان فتتبسطان عن قصد وتعمد، وتذكران مختلف آراء كبار الأحبار عن نصوص المشنا وتصفان الظروف التي قد تتطلب تعديل القانون وتضيفان كثيراً من الإيضاحات. ومعظم المشنا نصوص قانونية وقرارات (هَلَكا)، أما الجماريان فبعضهما هلكا-إعادة نص قانون أوبحثه-وبعضها هجدة (قصص). وقد عهدت الهجدة تعريفاً غير دقيق بأنها جميع ما ليس هلكا في التلمود. وأكثر ما تسجله الهجدة هوالقصص، والأمثلة الإيضاحية. وأجزاء من السير، والتاريخ، والطب، والفلك، والتنجيم، والسحر، والتصوف، والحث على الفضيلة، والعمل بالشريعة، وكثيراً ما تروج الهجدة عن نفس الطلاّب المتفهمين بعد جدل معقد متعب. ومثال ذلك ما يأتي: بينما كان رب أمي ورب أسى يتحدثان مع الكوهن إسحق منجا إذ نطق له أحدهما: "احك لنا يا سيدي سيرة لطيفة"، ونطق الآخر: "لا بل أرجوك حتى تفسر لنا بدلاً من هذا نقطة دقيقة من النقاط القانونية".. فلما بدأ السيرة أغضب أحدهما، ولما أخذ يشرح النقطة القانونية أغضب الآخر. فلما رأى ذلك ضرب لهما هذا المثل: "إن مثلي معكما كمثل رجل تزوج باثنتين إحداهما شابة والأخرى عجوز، فاقتلعت الزوجة الشابة جميع شعره الأشيب حتى يظهر شاباً، واقتلعت الزوجة العجوز جميع شعره الأسود حتى يظهر عجوزاً، وكانت نتيجة عملهما هذا حتى أصبح الرجل أصلع".

الشريعة

فإذا حاولنا الآن على الرغم من جهلنا بالموضوع عامة حتى نصور باختصار ، بعض مناحي هذا التلمود الضخم، الذي تتأثر به جميع صغيرة وكبيرة من حياة العبرانيين في العصور الوسطى، إذا حاولنا هذا وجب علينا حتى نقر من بداية الأمر أننا إنما نخدش الجيل، وأن معالجتنا إياه من خارجه تعرضنا لا محالة للخطأ.

الناحية الدينية

يقول رجال الدين اليهود إذا من واجب الإنسان حتى يفهم الشريعة مسطورة وشفوية، ومن حكمتهم المأثورة في هذا المعنى قولهم: "إن دراسة التوراة أجل قدراً من بناء الهيكل". و"إن من واجب الإنسان وهومنهمك في دراسة الشريعة حتى يقول لنفسه جميع يوم: "كأنا في هذا اليوم قد تلقيناها من طور سيناء" ، وليست الدراسات الأخرى بعد ذلك واجبة؛ فالفلسفة اليونانية والعلوم الدنيوية لا تصح دراستها إلا في تلك الساعة التي ليست ليلاً ولا نهاراً. ويعتقد اليهود حتى حدثة من كتابهم المقدس من حدثات الله بالمعنى الحرفي لهذه العبارة، وحتى نشيد الإنشاد نفسه إذا هوإلا ترنيمة موحى بها من عند الله-لتصور بصورة مجازية اقتران يهوه بإسرائيل عروسه المختارة . وإذا كان انعدام الشريعة تعقبه حتماً الفوضى الأخلاقية فإن الشريعة وجدت لا محالة قبل حتى يخلق العالم "في صدر الله أوعقله" ، وكان إنزالها على موسى لا شيء غيره حادثاً من حوادث الزمان. والتلمود أوبعبارة أدق جزؤه الذي يبحث في الشريعة (الهلكا) هوأيضاً حدثات الله الأزلية، وهوصياغة للقوانين التي أوحاها الله إلى موسى شفوياً ثم علّمها موسى لخلفائه، ولهذا فإن ما فيها من الأوامر والنواهي واجبة الطاعة تستوي في هذا مع جميع من اتى في الكتاب المقدس ، لأنها صورة من الشريعة معدلة اتىت متأخرة عنها.وكانت بعض قرارات الأحبار تتعارض تعارضاً صريحاً مع قوانين أسفار موسى الخمسة، أوتفسرها تفسيراً يبيح مخالفتها.وكان يهود ألمانيا وفرنسا في العصور الوسطى يدرسون التلمود أكثر مما يدرسون الكتاب المقدس نفسه.

ومن المبادئ البديهية في التلمود، كما حتى من المبادئ البديهية في الكتاب المقدس وجود إله عاقل قادر على جميع شيء. وقد عثر بين اليهود من حين إلى حين عدد من المتشككين أمثال اليشع بن أيوبا العالم الذي اتخذه الكوهن ماير صديقاً له، ولكن يظهر حتى أولئك المتشككين كانوا أقلية صغيرة لا تكاد تجهر بآرائها. والله كما يصفه التلمود إله متصف صراحة بصفات البشر ، فهويحب ويبغض ويغضب ويضحك ويبكي. وسحي بوخز الضمير، ويلبس التمائم ، ويجلس على عرش يحيط به طائفة من الملائكة المختلفي الدرجات يقومون على خدمته، ويدرس التوراة ثلاث مرات في جميع يوم. ويعترف رجال الدين بأن هذه الصفات البشرية قائمة على الافتراض إلى حد ما، ويقولون: "إننا نستعير له صفات من خلقه نصفه بها لنيسر بذلك فهمه"(26)؛ وإذا لم يكن في مقدور العامة حتى يفكروا إلا على أساس الصور المادية فليس الذنب واقعاً عليهم. وهم يصورون الله أيضاً بأنه روح الكون غير المنظورة، السارية فيه كله، تمده بالحياة، تسموعليه وتلازمه في وقت واحد، تعلوعلى العالم ولكنها مع ذلك حالة في جميع ركن من أركانه وكل جزء من أجزائه. والحضرة الإلهية الكونية المسماة بالسكينا (السَّكَن) تكون بنوع خاص في الأشخاص المقدسين وفي الأماكن والأمور المقدسة، وفي ساعات الدرس والصلاة. لكن هذا الإله القادر على جميع شيء رغم هذا إله واحد. وليس بين الأفكار كلها فكرة أبغض إلى اليهودية من تعدد الآلهة، واليهود لا يفتئون يجهرون بوحدانية الله في حماسة قوية وينددون بشرك الوثنية وبما يظهر في الثالوث المسيحي من تثليث. وهم يجهرون بهذه الوحدانية في أشهر صلواتهم وأكثرها انتشاراً بينهم صلاة شمع يسرائيل: "اسمعي يا اسرائيل، الله إلهنا، الله واحد" (شمع يسرائيل أدوناي إلوهينا أدوناي أحد). وليس ثمة مكان بجواره في هيكله أوعبادته إلى مسيح، أونبي، أوقديس. وقد نهى أحبار اليهود الناس عن ذكر اسمه إلا في أحوال جد نادرة يقصدون بذلك حتى يحولوا بينهم وبين تدنيسه أواتخاذه وسيلة للسحر، ولكي يتجنبوا النطق بهذا الاسم الرباعي يهوه كانوا يذكرون بدلاً من لفظ أدوناي أي الرب، بل ويشيرون بأن يستعمل بدلاً منه عبارات مثل: "الواحد المقدس" "الواحد الرحيم" "السماوات" "أبينا الذي في السماء". وفي اعتقادهم حتى الله قادر على خلق المعجزات وأنه يصنعها عملاً، وخاصة على أيدي كبار الأحبار؛ ولكن يجب ألا يظن حتى هذه المعجزات خرق لقوانين الطبيعة إذ ليس ثمة قوانين إلا إرادة الله.

وقد خلق جميع شيء لغرض إلهي طيب: "فقد خلق الله القسقطة لمداواة الجرب، والزجاجة لمداواة لسعة الزنبور، والبعوضة لمداواة عضة الأفعى، والأفعى لعلاج الاحتقان وبين الله والإنسان صلة لا تنبتر وكل خطوة يخطوها إنما يخطوها أمام ناظريه لا تخفي عنه، وكل عمل يعمله الإنسان أوفكرة تجول بخاطره في خلال يومه يمجد بها الذات الإلهية أويغضبها. والناس كلهم أبناء آدم، ولكن "الإنسان قد خلق أولاً وله ذنب كذنب الحيوان و"كانت وجوه الناس إلى عهد أخنوخ شبيهة بوجوه القردة. ويتكون الإنسان من جسم وروح، فروحه من عند الله، وجسمه من الأرض، والروح تدفعه إلى الفضيلة، والجسم يدفعه إلى الخطيئة، أولعل دوافعه الشريرة وقد أتت إليه من الشيطان، ومن ذلك العدد الجم من الأرواح الخبيثة التي تكمن حوله في جميع مكان. بيد حتى جميع شر قد يحدث في نهاية الأمر خيراً؛ ولولا شهوات الإنسان الأرضية لما كد الإنسان أوتناسل. وتقول إحدى الفقرات الظريفة "تعال نعز الخير لآبائنا، فإنهم لولم يأثموا لما جئنا نحن إلى هذه الدنيا". والخطيئة من فطرة الإنسان، ولكن ارتكابها ليس موروثاً، وقد قبل أحبار اليهود عقيدة سقوط الإنسان، ولكنهم لم يقبلوا عقيدة الخطيئة الأولى ولا الكفارة الإلهية. فالإنسان في رأيهم لا يعاقب إلا على ما ارتكبه هومن الذنوب، وإذا ما لقي من العقاب في الحياة الدنيا أكثر مما يظهر له حتى يستحقه على ذنوبه، فقد يحدث ذلك لأننا لا نعهد مقدار هذه الذنوب كلها، أوقد يحدث هذا الإفراط في العقاب نعمة كبرى، تؤهله للخير العميم في الدار الآخرة. ومن أجل هذا يجب على الإنسان كما يقول عقيبا حتى يبتهج لكثرة ما يصيبه من سوء(33) أما الموت فقد اتى إلى الدنيا بسبب آثام الإنسان؛ وغير الآثم بحق لا يموت أبداً. فالموت دين على البشرية الآثمة لباعت الحياة جميعها. ويقص علينا مدرسنا سيرة مؤثرة عن موت الكائن مإير فيقول: بينما كان الكوهن مإير يلقي موعظته الأسبوعية عصر يوم من أيام السبت إذا توفي ولداه المحبوبان فجأة في منزله. فغطتهما أمهما بغطاء، وأبت حتى تندبهما في اليوم المقدس. ولما عاد الكوهن مإير بعد صلاة المساء سأل عن ولديه لأنه لم يرهما في الكنيس بين المصلين، فطلبت إليه حتى يتلوالهبدلة (وهي نادىء يختتم به السبت) وقدمت له العشاء. ثم نطقت له: "لدي سؤال أريد حتى أسألك إياه. ائتمنني أحد الأصدقاء في يوم من الأيام على جواهر أحفظها له، ثم أراد الآن حتى يستعيدها فهل أردها إليه؟". فأجابها الكوهن مإير "ذلك واجب عليك بلا ريب"؛ فأمسكت زوجته حينئذ بيده، وسارت به إلى الفراش وحملت عنه الغطاء. فأخذ الكوهن مإير ينتحب ولكن زوجته نطقت له: لقد كانا وديعة لدينا إلى حين والآن قد أراد سيدهما حتى يسترد وديعته". ولم يقل كتاب العبرانيين المقدس إلا الشيء القليل عن خلود الثواب والعقاب، ولكن هذه الفكرة أصبحت ذات شأن كبير في آراء الأحبار الدينية. فقد صوروا النار على أنها جهنم! Ge Hinnom أوشاول ، وقسموها كما قسموا السموات إلى سبع طبقات تتدرج في درجات العذاب. ولا يدخلها من المختتنين إلا أخبثهم(36)، وحتى الآثمون الذين يدامون على الإثم لا يعذبون فيها إلى أبد الآبدين، بل إذا "كل من يلقون في النار يخرجون منها مرة أخرى إلا فئات ثلاثاً: الزاني، ومن يفضح غيره أمام الناس، ومن يسب غيره"(37). أما السماء فقد كانوا يسمونها جنة عدن Gen Edon، وكانوا يصورونها في صورة حديقة تحوي جميع المسرات الجسمية والروحية. فخمرها عصرت من كروم احتفظ بها من الستة أيام التي خلق فيها العالم، والهواء فيها معطر بالروائح الزكية، والله نفسه يجتمع بالناجين من العذاب في وليمة أعظم ما يسر أصحابها حتى يروا وجهه. بيد حتى بعض أحبار اليهود يعترفون بأن أحداً لا يعهد قط ما وراء القبر(38).

وإذا ما فكر اليهود في النجاة كان تفكيرهم فيها أنها نجاة الشعب لا نجاة الفرد. وذلك أنهم وقد شتتوا في أنحاء العالم بضروب من القسوة لا يبررها في ظنهم عقل، وأخذوا يقوون أنفسهم باعتقادهم أنهم لا يزالون شعب الله المحبوب المختار، فهوأبوهم، وهوإله عادل، ولا يمكن حتى ينكث عهده لإسرائيل. أليسوا هم الذين أنزل عليهم كتابه المقدس الذي يؤمن به المسيحيون والمسلمون ويعظمونه،يا ترى؟ وقد دفعتهم شدة يأسهم إلى درجة من الكبرياء اضطر معه أحبارهم الذين سموا بهم إلى تلك الدرجة حتى ينزلوا بهم عنها بضروب اللوم والتأنيب. وكانوا في ذلك الوقت كما هم الآن يتوقون إلى البلد الذي نشأت فيه أمتهم، وكانوا يعزونها ويرون أنها المثل الأعلى لجميع البلدان، ويقولون "إن من يمشي أربع أذرع في فلسطين يعيش بلا ريب إلى أبد الآبدين، ومن يعش في فلسطين يطهر من الذنوب"(39). وحديث من يسكنون فلسطين في حد ذاته توراة"(40)، وأهم قسم في الصلوات اليومية وهوالشمونة عسراً (الفقرات الثمان عشرة) تحوي نادىء بمجيء ابن داود، الملك المسيح الذي يجعل اليهود كما كانوا أمة متحدة، حرة، يعبدون الله في هيكلهم بشعائرهم وترانيمهم القديمة.

الشعائر الدينية

لم يكن ما يميز اليهود من غيرهم من الشعوب في عصر الإيمان الذي نتحدث عنه، والذي يحفظ عليهم وحدتهم وهم مشتتون، هوعقيدتهم الدينية بل شعائرهم، لم يكن هوالعقيدة التي لم تعمل المسيحية أكثر من التوسع فيها والتي قبل الإسلام الكثير منها بل هوقواعد الطقوس والمراسم المعقدة تعقيداً ثقيلاً. يكن في مقدور شعب غير هذا الشعب المتكبر، السريع التأثر، حتى يظهر من الوداعة والصبر ما تتطلبه إطاعته والعمل بها. لقد كانت المسيحية تنشد الوحدة عن طريق توحيد العقيدة، أما اليهودية فكانت تنشدها عن طريق توحيد الشعائر. وفي ذلك يقول أبا أريكا: "إن الشرائع لم توضع إلا لكي تؤدب الناس وترقق طباعهم بالعمل بها". ولقد كانت الشعائر أولاً وقبل جميع شيء هي قانون العبادة. ولما حتى حلت المعبد اليهودية محل الهيكل استبدلت بالأضاحي الحيوانية القرابين والصلوات، ولكنهم لمقد يكونوا يجيزون وضع صورة لله أوللآدميين في المعابد كما لمقد يكونوا يجيزون وضعها في الهيكل. ذلك أنهم كانوا يتجنبون جميع ما يشتم منه عبادة الأوثان، وكذلك كانت الموسيقى الآلية المباحة في الهيكل محرمة من المعابد. وفي هذا تختلف المسيحية عن اليهودية وتتفق مع الإسلام، فقد تكشف الدينان الساميان عن تقوى قائمة وتكشفت المسيحية عن فن مقبض قاتم كذلك.

وكانت الصلاة تجربة دينية يمارسها اليهودي المتدين جميع يوم، بل يكاد يمارسها في جميع ساعة. وكانت صلوات الصباح تتلى من قلقطيرات (علب صغيرة محتوية على فقرات من الكتاب المقدس) مثبتة على الجباه والأذرع ولمقد يكونوا يطعمون طعاماً دون حتى يتلونادىء قصيراً قبله وصلاة الشكر طويلة في نهايته. على أنهم لمقد يكونوا يكتفون بهذه الصلوات المنزلية، ذلك حتى الناس لا يرتبطون ويتماسكون إلا إذا اشهجروا معاً في القيام بأعمال واحدة، وكان أحبار اليهود يحاجون بما عهد عن الشرقيين من مبالغة حتى "الله لا يستجيب لصلاة الإنسان إلا إذا قام بها في الكنيس". وكان أبرز ما تشتمل عليه الطقوس الدينية العامة هو"الشمونة عسراً"، "والشمع يسرائيل، وتلاوة من أسفار موسى الخمسة، ومن سفر الأنبياء، ومزامير داود، وعظة تشتمل على تفسير فقرات من الكتاب المقدس، وعلى "قديس Kaddish" (أدعية حمد وبركة للأحياء والأموات) ثم نادىء ختامي. ولا يزال هذا هوالأساس الجوهري للشعائر التي تقام في المعابد إلى يومنا هذا.

وأدق من هذه الشعائر وأكثر منها تفصيلاً القواعد الخاصة بالنظافة البدنية أوطقوس الطهارة. فقد كان أحبار اليهود يرون حتى الصحة البدنية تعين على سلامة الروح ولهذا كانوا يحرمون على بني دينهم حتى يعيشوا في مدينة ليس بها حمّام، ويعينون للاستحمام قواعد تكاد تبلغ مرتبة الأوامر الطبية كقولهم: "إذا اغتسل الإنسان بماء ساخن ولم يغتسل بعده بماء بارد كان مثله كمثل الحديد الذي يحمي في تنور ثم لا يوضع بعدئذ في ماء بارد" ، فمثل الجسم كمثل الحديد يجب حتى يسقى ويُقَسَّى ويجب حتى يدهن الجسم بالزيت بعد الاستحمام(46) كذلك يجب غسل اليدين عقب الاستيقاظ مباشرة، وقبل تناول جميع وجبة من الوجبات وبعد تناولها، وقبل الصلاة العامة وقبل القيام بكل شعيرة دينية. وكانت جثث الموتى، والاتصال الجنسي، والحيض، والولادة، والحشرات، والخنازير، والجذام (ومختلف الأمراض الجلدية) كانت هذه كلها حسب القواعد الدينية نجسة، ومن مس شيئاً منها أوأصيب به وجب عليه حتى يتوجه إلى الكنيس ويؤدى فيه شعائر التطهير. وكانت المرأة تعد نجسة (أي لا يقترب منها زوجها) أربعين يوماً بعد حتى تلد ولداً ذكراً، وثمانين يوماً إذا كانت المولودة أنثى. ويجب وفقاً لما ورد في الكتاب المقدس (في الآيات منتسعة إلى 14 من الإصحاح السابع عشر من سفر التكوين) حتى تجري عملية الختان للمولود الذكر في اليوم الثامن بعد مولده، وكان هذا الختان يعد قرباناً ليهوه وعهداً بينه وبين عباده؛ ولكن انتشار هذه العادة بين المصريين الأقدمين، والأحباش، والفينيقيين، والسوريين، والعرب، يوحى بأنها كانت إجراءاً صحياً يحتمه الجوالذي يساعد على النضوج والاهتياج الجنسي المبكرين، أكثر مما هووسيلة من وسائل النظافة.

ويؤيد هذا الرأي ما يحتمه أحبار اليهود على بني دينهم ألا يبقوا لديهم عبداً أكثر من اثني عشر شهراً دون ختان.

وقد يخيل إلى الإنسان وهويقرأ بعض أجزاء من التلمود أنه كتاب مبسط في الطب المنزلي أكثر مما هوكتاب في الشرائع الدينية، والحق أنه كان لا بد حتى يجعل بمثابة موسوعة من النصائح للشعب اليهودي. ذلك حتى يهود القرن الرابع والقرن الخامس بعد الميلاد كانوا كمعظم شعوب البحر المتوسط ينزلون عائدين إلى الخرافات والحيل الطبية التي تسود بين الشعوب المنعزلة الفقيرة؛ ولقد تسرب كثير من هذا الطب الشعبي والخرافي إلى التلمود. غير أننا مع هذا نجد في الجمارا البابلية وصفاً غاية في الجودة للمريء، والحنجرة، والقصبة الهوائية، والرئتين، والأغشية السحائية، وأعضاء التناسل. وقد وصف فيه خراجات الرئتين وتليف الكبد، والحَرَض الجَبَني وكثير غيرها من الأمراض وصفاً دقيقاً؛ ومما أثبته الأحبار حتى الذباب وأكواب الشرب قد تنقل العدوى(49)، كما أثبتوا حتى التدمام (أي التحديد للنزف) داء وراثي يجعل ختان أبناء المصابين به أمراً غير مستحب لكن هذه الآراء قد اختلطت بها رقي سحرية لطرد الأرواح الخبيثة التي يحسبونها سبباً في الأمراض. ولقد كان أحبار اليهود، مثلنا نحن جميعاً، خبراء في التغذية الصحية. ونبدأ القواعد الحكيمة للتغذية عندهم بالأسنان. فهذه في رأيهم يجب ألا تخلع، مهما اشتدت آلامها لأن "الإنسان إذا أجاد مضغ الطعام بأسنانه وجدت قدماه القوة". وهم يمتدحون الخضر والفاكهة ما عدا البلح ويوصون بأكملها. أما اللحم فمن مواد الترف التي يجب ألا يتناولها سوى المتطهرين. ويجب حتى يذبح الحيوان بحيث تقل آلامه إلى أقصى حد، وبحيث يخرج الدم من اللحم، لأن أكل اللحم بما فيه من الدم رجس. ومن أجل هذا يجب حتى يعهد ذبح الحيوان لاتخاذ لحمه طعاماً إلى أشخاص مدربين، عليهم حتى يفحصوا عن أحشائه حتى يتأكدوا من حتى الحيوان سليم من الأمراض. ويجب ألا يجمع في الوجبة الواحدة بين اللحم واللبن أوبين الأطعمة التي يدخل فيها هذان الصنفان، بل يجب ألا يوضعا قريبين أحدهما من الآخر في المطبخ. ولحم الخنزير محرم ممقوت. ولا يصح أكل البيض، أوالبصل، أوالثوم إذا كان قد هجر بالليل منزوع القشر. ويجب الامتناع عن تناول الطعام في غير أوقاته المحددة: "لا تنقر طول النهار كالدجاج". "والذين يموتون من الإفراط في الأكل أكثر ممن يموتون من نقص التغذية". "والأكل إلى سن الأربعين نافع للصحة، أما بعد الأربعين فالشرب نافع لها" ، والاعتدال في الشرب خير من الامتناع عنه بتاتاً، فكثيراً ماقد يكون الخمر دواء نافعاً ، و"ليس ثمة سرور إلا به"(59). وقد أراد أحبار اليهود حتى يسيروا في موضوع التغذية إلى غايته فنطقوا إذا "من يطل المكث في المرحاض يطل عمره" وأشاروا بأداء صلاة شكر حدثا استجاب الإنسان لنداء الطبيعة .

وكانوا يقامون التنسك وينصحون بني دينهم حتى يتمتعوا بطيبات الحياة إذا لم يكن فيها ما محرم. وقد فرض عليهم الصيام في مواسم معينة وفي بعض الأيام المقدسة، ولكن لعل الدين هنا قد اتخذ وسيلة للحض على العناية بالصحة. واقتضت حكمة الشعب حتى يؤمر اليهود بأن يحتفلوا بالأعياد ويقيموا الولائم من آن إلى آن، رغم نغمات الحزن والأسى التي كانت تسمع منهم حتى في أفراحهم. "يجب على الإنسان حتى يدخل السرور في العيد على زوجته وآل بيته". ويجب عليه إذا استطاع حتى يهيئ لهم ثياباً جديدة. ويبدوحتى السبت-وهوأعظم ما ابتدعه اليهود-كان عبئاً ثقيلاً عليهم في أيام التلمود، فقد كان ينتظر من اليهودي التقي حتى يجعل كلامه أقل ما يستطيع، وألا يوقد النار في منزله، وأن يقضي الساعات عاكفاً على الصلاة في الكنيس. وثمة نبذة طويلة تتحدث بالتفصيل الوافي الممل عما يجوز عمله وما لا يجوز في السبت. ولكن فتاوي الأحبار كانت تهدف إلى التقليل من أهوال التقوى أكثر مما تهدف إلى زيادتها. وكان ما فيها من الدقة يرمي إلى تلمس الأسباب المقنعة لحمل الإنسان على حتى يعمل ما يجب عليه حتى يعمله في يوم الراحة. يضاف إلى هذا حتى اليهودي الصالح كان يجد سعادة خفية في التمسك بشعائر السبت القديمة. فكان يبدؤه بقداس قصير. كان وهومحوط بأفراد أسرته وبأصدقائه (لأن هذا اليوم كان من الأيام التي يحلوفيها دعوة الأصدقاء)، يمسك بيده كأساً مملوءة بالخمر، يتلوعليها بعض الأدعية، ثم يشرب بعضها ويناول الكأس لضيوفه وزوجته وأبنائه. ثم يأخذ بعدئذ الخبز ويباركه، ويحمد الله "الذي يخرج الخبز من الأرض"، ويعطي بعضه لكل من يجلسون معه على المائدة. ولا يجوز الصوم أوالحزن في السبت.

وكانت أيام مقدسة كثيرة تتخلل العام وتتيح لليهود الفرص للاحتفال بالذكريات المقدسة أوالراحة المحببة. فمنها عيد الفصح اليهودي الذي يبدأ في الرابع عشر من شهر نيسان (إبريل) ويستمر ثمانية أيام يحيي فيها ذكرى فرار اليهود من مصر. وكانوا في الأيام الأولى من العهد الذي أوحى فيه بالكتاب المقدس يسمونه عيد الخبز الفطير، لأن اليهود قد فروا ومعهم العجين الذي يصنعون منه خبزهم دون حتى يختمر. وكان هذا العيد يسمى في أيام التلمود عيد المرور، لأن يهوه وهويقضي على البكور من أبناء المصريين قد "مر" بالبيوت التي رش من فيها من اليهود دم الحمل على قوائم أبوابها. وكان اليهود يحتفلون في اليوم الأول من هذا العيد بوجبة عيد الفصح (السّدِر)، فكان جميع أب يرأس حفلة الصلاة لأسرته المجتمعة عنده. ويقوم معهم بمراسم تذكرهم بأيام موسى البئيسة، ينقل في خلالها عن طريق الأسئلة والأجوبة السيرة القيمة العزيزة إلى الأبناء الصغار وفي عيد العنصرة، وموعده بعد سبعة أسابيع من عيد الفصح يحتفل اليهود في عيد شيوعوت بحصاد القمح وتجلي الله لموسى على الجبل في سيناء. وفي اليوم الأول من تشرين-وهوالشهر السابع من السنة اليهودية الدينية، والشهر الأول من سنة اليهود المدنية-وهويتفق بوجه عام مع الاعتدال الخريفي يحتفل اليهود بعيد رأس السنة، وبهلال الشهر، وينفخون في القرن الحمل (الشفار أي الصفارة) إحياء لذكرى نزول التوراة، ودعوة الناس إلى التوبة من الذنوب، واستعجالاً لذلك اليوم السعيد حين يدعي جميع اليهود العالم ليعبدوا الله في أورشليم. ومن مساء رأس السنة إلى اليوم العاشر من تشرين أيام توبة وتفكير عن الذنوب، وكان أتقياء اليهود في هذه الأيام جميعها ما عدا اليوم التاسع منها يصومون ويصلون؛ فإذا اتى اليوم العاشر المسمى يوم هاكريم (يوم الغفران) لم يكن يجوز لهم فيه حتى يأكلوا أويشربوا أويحتذوا نعالاً أويقوموا بعمل أويستحموا أويقربوا النساء من مطلع الشمس إلى مغيبها، بل كانوا يقضون النهار كله في الكنيس يصلون، ويعترفون بذنوبهم، ويستغفرون لها هي وذنوب بني دينهم، يستغفرون لهذه الذنوب بما فيها عبادة العجل المضىي نفسه. وفي اليوم الخامس عشر من شهر تشرين يحل عيد سوكوت أوعيد المظلات. وكان المفروض حتى يقضي اليهود هذا العيد في أخصاص إحياء لذكرى الخيام التي ينطق إذا آباءهم الأقدمين قد ناموا فيها خلال الأربعين يوماً التي قضوها في البيداء. ولما عثر اليهود المشتتون صعاباً جمة في الاحتفال بعيد الحصاد هذا كما هومفروض عليهم بالدقة، أظهر أحبارهم ما يتصفون به من تسامح بأن فسروا السكة (الخيمة) بأنها جميع ما يصح حتى يرمز به للمسكن. وفي اليوم الخامس والعشرين من الشهر التاسع شهر كسلو(ديسمبر) والسبعة أيام التالية لهذا اليوم يقع عيد حَنّكة أوالتكريس، الذي يذكرهم بتطهير الهيكل من المكابين (165 ق. م)، بعد حتى دنسه أنتيوخوس إبفانيز Anfiochuc Epiphanes، وفي الرابع عشر من آذار (مارس) يحتفل اليهود بعيد بوريم الذي أنجى فيه موردكي وإستر الشعب من مكر الوزير الفارسي هامان. وكانوا في ذلك اليوم يتبادلون الهدايا والدعوات أثناء وليمة مرحة يشربون فيها الخمر. وفي ذلك يقول رب ربا Rab Raba إذا على الإنسان حتى يشرب في ذلك اليوم حتى لا يستطيع التمييز بين قولهم "ملعون هامان" و"ملعون موردكي".

وليس من حقنا حتى نظن حتى هؤلاء اليهود التلموديين قوم مفرطون في التشاؤم يحز في نفوسهم احتقار من حولهم من الشعوب لمواهبهم، تتقاذفهم أعاصير العقائد المتباينة، يهيمون في بيداء الآمال بالرجوع إلى بلادهم. ذلك أنهم وهم يعانون مرارة التشتت والظلم، والندم والفقر، كانوا يحملون رؤوسهم عالية، ويتذوقون لذة العمل والكفاح في سبيل الحياة، ويستمتعون بما يتجلى به نساؤهم المثقلات من جمال قصير الأجل وما في الأرض والسماء من جلال مقيم. وفي ذلك يقول كوهنهم مإير: "يجب حتى ينطق الإنسان في جميع يوم بمائة دعوة صالحة". ويقول كوهن آخر قولاً ما أجدرنا كلنا حتى نعمل به "إذا مشي إنسان أربعة أذرع لا أكثر لم يطأطأ فيها رأسه أغضب الله، ألم يرد في الكتاب المقدس "مجده ملئ جميع الأرض".

المبادئ الأخلاقية في التلمود

ليس التلمود موسوعة من التاريخ، والدين، والشعائر، والطب، والأقاصيص الشعبية وحسب، بل هوفوق هذا كله رسالة في الزراعة، وفلاحة البساتين، والصناعة، والمهن، والتجارة(67)، وشئون المال، والضرائب، والملك والرق، والميراث، والسرقة، والمحاكمات القضائية، والقوانين الجنائية. وإذا شئنا حتى نوفي هذا الكتاب حقه من البحث، كان علينا أولاً حتى نلم بطائفة كبيرة العدد من العلوم المتنوعة، وأن نكتسب منها ما تهيؤه لعقولنا من الحكمة وسداد الرأي، ونستخدم تلك الحكمة الجامعة في الإلمام بأحكام هذا الكتاب في الميادين المتنوعة السالفة الذكر.

وأول ما نذكره حتى التلمود أولاً وقبل جميع شيء قانون أخلاقي، وأن هذا القانون الأخلاقي شديد الاختلاف عن القانون الأخلاقي المسيحي وعظيم لشبه بالقانون الإسلامي، حتى لتكفي نظرة خاطئة إليه لدحض الرأي السائد في العصور الوسطى القائل بأنه ليس إلا سيرة المسيحية في تلك العصور. إذا الأديان الثلاثة الكبرى متفقة في حتى المبادئ الأخلاقية الفطرية-غير الدينية-تصلح لأن تكون قواعد عملية للإنسانية؛ وترى حتى الكثرة الغالبة من الناس لا يمكن حتى تحمل على المسلك الحسن والخلق القويم إلا عن طريق خوف الله. ولهذا أقامت الأديان الثلاثة قانونها الأخلاقي على مبادئ رئيسية واحدة: حتى الله عيناً تبصر جميع شيء، وأن القانون الأخلاقي منزل من عند الله، وأن الفضيلة تتفق في آخر الأمر مع السعادة بما يناله المحسن بعد الموت من الثواب والمسيء من العقاب. ولم يكن من المستطاع في الدينين الساميين فصل القوانين الثقافية والأخلاقية من الدين. فلم تكن هذه القوانين تجير التفرقة بين الجريمة والخطيئة، أوبين الشر والشريعة الكنسية، بل إذا من مبادئها المقررة حتى جميع عمل ذميم. يعد إساءة إلى الله وانتهاكاً لحرماته ولاسمه جل جلاله.

وتتفق الأديان الثلاثة فضلاً عن هذا في بعض قواعد الأخلاق: تتفق في حرمة الأسرة والمسكن، وفيما يحب للآباء وكبار السن من تكريم وإجلال وفي حب الأبناء ورعايتهم، وفي مل الخير لجميع الناس. وليس ثمة شعب أكثر من اليهود حرصاً على تجميل الحياة العائلية، ولقد كان عدم الزواج عن قصد من الآثام الكبرى في اليهودية كما هوفي الإسلام ؛ وكان إنشاء البيت وتكوين الأسرة من الأمور الشرعية التي يحتمها الدين ، وتنص عليه القاعدة الأولى من قواعد الشريعة البالغ عددها 613 قاعدة، وفي ذلك يقول أحد المفهمين اليهود "إن من لا ولد له يعد من الأموات"، ويتفق اليهودي، والمسيحي، والمسلم في حتى البشرية تصبح مهددة بالزوال إذا ما فقدت قوتها أوامر الدين التي تقضي بوجوب إنجاب الأبناء. على حتى أحبار اليهود أباحوا تحديد عدد أفراد الأسرة في بعض الأحوال؛ ويفضلون حتى تكون السبيل إلى هذا هي منع الحمل، وفي ذلك يقول بعضهم: "هناك ثلاث طبقات من النساء يجب عليهن حتى يستعملن الأدوية الماصة: القاصر خشية حتى يقضي الحمل على حياتها؛ كيلا تكون النتيجة هي الإجهاض، والسقمع حتى لا تحمل فتضطر إلى فطام الرضيع قبل الأوان فيموت الطفل".

وكان اليهود، كما كان معاصروهم، يكرهون حتى يلدوا بنات ويسرون إذا أنجبوا الذكور، ذلك حتى الذكر لا الأنثى هوالذي يحمل اسم أبيه واسم الأسرة، ويرث أملاكه، ويعني بقبره بعد وفاته، أما البنت فسوف تتزوج في بيت غريب وقد يحدث بيتاً بعيداً، ولا تكاد تتم تربيتها حتى يفقدها أبواها. لكن الآباء متى رزقوا الأبناء، ذكوراً كانوا أوإناثاً، أعروهم وأدبوهم تأديباً ممزوجاً بالحب وفي ذلك يقول أحد أحبارهم: "إذا كان لا بد لك حتى تضرب طفلك، فاضربه برباط حذاء". ويقول آخر "إذا امتنع الإنسان من عقاب طفل، انتهت به الحال إلى الفساد المطلق"(73) وكان من الواجب على الآباء حتى يتحملوا جميع تضحية تتطلبها تربية الأبناء أي تثقيف العقل، وتقويم الخلق بدراسة "الشريعة وأسفار الأنبياء". وقد اتى في أحد الأمثال العبرية: "إن العالم ينجوبنفس تلاميذ المدارس"(74) فالسكينة أوالحضرة الإلهية تتجلى في وجوههم؛ وفي نظير هذا يجب على الابن حتى يعظم والديه ويحميهما بكل ما في وسعه وفي جميع الأحوال.

والصدقات من الواجبات التي لا مفر من أدائها وإن "من يتصدق لأعظم ممن يقدم جميع القرابين"(75). ولقد كان بعض اليهود أشحاء، وبعضهم بخلاء إلى أقصى حدود البخل، ولكنهم بوجه عام يفوقون سائر الشعوب في هباتهم وتبرعاتهم، وقد بلغ من سخائهم في هذه الناحية حتى اضطر أحبارهم إلى حتى ينوههم عن إعطاء أكثر من خمس أموالهم للصدقات، ومع هذا فقد عثر عند وفاة بعضهم أنهم قد أعطوا نصف ما يملكون رغم هذا التحريم. "لقد كانت تلوح على وجه أبا أومنا على الدوام هالة من الطمأنينة القدسية، ذلك بأنه كان جرّاحاً ولكنه لم يكن يرضى حتى يمسك بيديه أجراً على عمله، بل كان له صندوق في ركن حجرة استشارته يستطيع من كان في مقدوره أداء شيء من المال حتى يضع فيه ما يرغب في أدائه... وحتى لا يعتري الخجل من يعجز عن أداء شيء منه"(77). وكان رب هونا "إذا جلس لتناول الطعام فتح أبوابه ونادى: من كان في حاجة حتى يدخل ويطعم"(78). وكان شاما بن إلعي Chama ben Elai يطعم الخبز جميع من يطلبه ويضع يده في كيس نقوده حدثا سار في خارج داره حتى لا يحجم أحد عن سؤاله. ولكن التلمود كان يؤنب التظاهر بالبذل ويشير بأنقد يكون سراً ويقول "إن من يعطي الصدقات سراً أعظم من موسى".

ووجه رجال الدين جميع ما أوتوا من فهم وبلاغة لامتداح نظام للزواج الذي كان هووالدين الأساس الذي يقوم عليه صرح الحياة اليهودية كلها. ولم ينددوا بالشهوة الجنسية ولكنهم كانوا يخشون قوتها وبذلوا جهدهم في كبح جماحها. فمنهم من كان ينصح بأكل الملح مع الخبز "ليقل المنى" ، ومنهم من كان يحس بأن الوسيلة الوحيدة لكبح جماح الشهوة الجنسية هوالعمل المجهد مضافاً إلى دراسة التوراة؛ فإذا لم يجد هذه الوسيلة "فليمضى إلى مكان لا يعهده فيه أحد، وليلبس سود الثياب، وليعمل ما تبتغيه نفسه، ولكن عليه ألا يدنس اسم الله جهرة". وعلى الإنسان حتى يبتعد عن جميع المواقف التي تثير شهوته، فلا يكثر من الحديث مع النساء، "ولا يمشي في الطريق خلف امرأة" وتظهر فكاهة أحبار اليهود المبهجة مرة أخرى في سيرة رب كهنا Red Kahan.

فقد كان مرة يبيع سلال النساء وإذا هويتعرض لهواية الشيطان. وأخذ يقاوم طبيعته راجياً حتى ينطلق هذه المرة على حتى يعود إلى نجا. ولكنه بعد حتى تغلب على نفسه لم يعد بل صعد إلى سقف بيت وألقى بنفسه من فوقه، وقبل حتى يصل إلى الأرض وصل إليه اليشع وأمسك به ولامه على حتى اضطره إلى بتر مسافة أربعمائة ميل لكي يحول بينه وبين إهلاك نفسه.

ويلوح حتى أحبار اليهود يرون حتى البكورية لا بأس بها، ولكن البكورية الدائمة هي بعينها وقف النماء الطبيعي، ويعتقدون حتى كمال المرأة في كمال الأمومة، كما حتى اسمى فضائل الرجل فضيلة الأبوة الكاملة. وكان من الواجب على جميع أب حتى يدخر بائنة لكل بنت من بناته ومهراً يمهر به جميع ولد من أولاده عروسه حتى لا يتأخر زواج الولد والبنت تأخراً يضر بصحتهما. وكانوا يشيرون بالزواج المبكر-في الرابعة عشرة للبنت وفي الثامنة عشرة للولد. وكان القانون يبيح زواج البنت إذ بلغت سنها اثنتي عشرة سنة وستة أشهر وزواج الولد في الثالثة عشرة من عمره. وكان يباح للطلاّب المشتغلين بدراسة الشريعة حتى يؤخروا زقابلم بعض الوقت. ومن الأحبار من كانوا يقولون إذا على الرجل حتى يثبت نادىئم مركزه الاقتصادي قبل حتى يقدم على الزواج: "على الرجل أولاً حتى ينشئ البيت، ثم يغرس الكرمة، ثم يتزوج". -ولكن هذا الرأي هورأي الأقلية ولعله لا يتعارض مع الزواج المبكر إذا ما تكفل الأبوان بتدبير العون المالي المطلوب. وكانوا ينصحون الشباب بألا يختار زوجته لجمالها بل لصفاتها التي يفترض أن تجعلها في المستقبل أماً صالحة ، ويقولون "اهبط درجة في اختيار الزوجة، وأرقى درجة في اختيار الصديق" ، ومن يختر لنفسه زوجة من طبقة فوق طبقته يدع الناس إلى احتقاره.

وأجاز التلمود، كما أجاز العهد القديم والقرآن، تعدد الزوجات، ومن أقوال أحد الأحبار في هذا المعنى: "يستطيع الرجل حتى يتزوج أي عدد من النساء يشاء" ولكن فقرة ثانية في منطقه هذا تحدد عدد الزوجات بأربع، وتطلب فقرة ثالثة إلى من يريد حتى يتخذ له زوجة ثانية حتى يطلق زوجته الأولى إذا أرادت هي الطلاق. ونظام تعدد الأزواج هذا تفترضه كذلك العادة القديمة التي يطالب اليهودي بمقتضاها حتى يتزوج من أرملة أخيه بعد وفاته، وأكبر الظن حتى منشأ هذه العادة لم يكن هوالعطف والشفقة فحسب، بل كانت تقوم فوق ذلك على الرغبة في الإكثار من النسل في مجتمع ترتفع فيه نسبة الوفيات شأنه في ذلك شأن جميع المجتمعات التي قامت في العصور القديمة والعصور الوسطى.

وبعد حتى يسر الأحبار للرجل إشباع غريزته الجنسية على هذا النحوجعلوا الزنى من الجرائم التي يعاقب مرتكبها بالإعدام، وكان منهم من يقول مع المسيح إذا "الإنسان قد يزني بعينيه" ، ومنهم من مضى إلى أبعد من هذا فنطق: "إن من يتطلع إلى خنصر امرأة لا أكثر قد ارتكب إثماً في قلبه" ، ولكن رب أريكا أرقى من هؤلاء وأولئك قلباً إذ يقول: "يجد الإنسان في كتاب سيئاته يوم الحشر جميع شيء رآه بعينيه وأبى حتى يستمتع به.

وأبيح الطلاق برضا الطرفين، فأما الزوج (الرجل) فلا يمكن حتى يطلّق إلا برضاه، وأما الزوجة فيجوز للرجل حتى يطلقها بغير رضاها. وطلاق الزوجة الزانية أمر واجب، كذلك يشار بطلاق الزوجة إذا ظلت عقيماً عشر سنين بعد الزواج. ولم تكن مدرسة شماي تبيح طلاق المرأة إلا إذا زنت، أما مدرسة هلل فقد أباحت للرجل حتى يطلق زوجته إذا عثر فيها "شيئاً معيباً"، وكانت الغلبة في أيام التلمود لرأي هلل، وقد مضى فيه عقيبا إلى حد بعيد فنطق إذا "في وسع الرجل حتى يطلّق زوجته، إذا عثر امرأة أخرى أجمل منها". وكان في وسع الرجل حتى يطلّق زوجته إذا عصت أوامر الشريعة اليهودية بأن سارت أمام الناس عارية الرأس، أوغزلت الخيط في الطريق العام، أوتحدثت إلى مختلف أصناف الناس أو"إذا كانت عالية الصوت أي إذا كانت تتحدث في بيتها ويستطيع جيرانها سماع ما تقول" ولم يكن عليه في هذه الأحوال حتى يرد إليها بائنتها. ولم يكن هجر الرجل زوجته يوجب طلاقها منه ، وأباح بعض رجال الدين للزوجة حتى تلجأ إلى المحكمة تطلب الطلاق من زوجها إذا قسا عليها، أوكان عنيناً، أوأبى حتى يؤدي الواجبات الزوجية، أولم ينفق عليها النفقة التي تليق بها ، أوكان مشوهاً أونتناً. وكان الأحبار يحاولون تقليل الطلاق بأن يضعوا في سبيله إجراءات قانونية معقدة، ويفرضون في جميع الأحوال-إلا القليل النادر منها-استيلاء الزوجة على البائنة والمهر؛ ويقول الحاخام إلعَزَر Eleazar "إن المذبح نفسه ليذرف الدمع على من يطلق زوجة شبابه".

وجملة القول حتى قوانين التلمود، بوجه عام، من وضع الرجال وأنها لذلك تحابي الذكور محاباة بلغ من قوتها حتى بعثت في نفوس أحبار اليهود الفزع من قوة المرأة، وهم يلومونها، كما يلومها الآباء المسيحيون، لأنها أطفأت "روح العالم" بسبب تشوف حواء المنبعث عن ذكائها. وكانوا يرون حتى المرأة "خفيفة العقل" ، وإن كانوا يقرون لها بأنها وهبت حكمة غريزية لا وجود لها في الرجل. وهم يأسفون أشد الأسف لما جبلت عليه المرأة من ثرثرة: "لقد نزلت على العالم عشرة مكاييل من الكلام؛ أخذت المرأة منها تسعة، وأخذ الرجل واحداً". ونددوا بأنهماكها في السحر وما إليه من الفنون الخفية(102)، وفي الأصباغ والكحل. ولمقد يكونوا يرون بأساً في حتى ينفق الرجل بسخاء على ملابس زوجته، ولكنهم كانوا يطلبون إليها حتى تجمل نفسها لزوجها لا لغيره من الرجال. وفي القضاء-على حد قول أحد الأحبار-"تعدل شهادة مائة امرأة شهادة رجل واحد" ؛ وكانت حقوق النساء الملكية محددة في التلمود بالقدر الذي كانت محددة به في إنجلترا في القرن الثامن عشر؛ فمكاسبهن وما يؤول إليهن من ملك لهن حق لأزقابلن(106)، ومكان المرأة هوالبيت. ويقول أحد الأحبار المتفائلين إذا المرأة في "عصر المسيح الثاني ستلد طفلاً في جميع يوم" وإن "الرجل الذي له زوجة خبيثة لن يرى وجه جهنم" ؛ ويقول عقيبا من جهة أخرى إنه ليس أغنى من الرجل الذي له امرأة اشتهرت بأعمالها الطيبة: ويقول أحد المفهمين اليهود إذا "كل شيء يصدر عن المرأة". وقد اتى في أحد الأمثال العبرية: "إن جميع ما في البيت من نعم وبركات قد اتى إليه عن طريق الزوجة، ولهذا فإن من الواجب على زوجها حتى يكرمها... وليحذر الرجال من حتى يبكوا المرأة، فإن الله يعد دموعها". ولقد جمع ناشر غير معروف في أبهج جزء من أجزاء التلمود، وهوالرسالة الصغيرة المسماة برقي أبوت Pirke Aboh (الأصول السياسية)، حكم كبار الأحبار الذين عاشوا في القرنين السابقين لمولد المسيح والقرنين التاليين له. وكثيراً من هذه الأمثال يمتدح الحكمة وبعضها يعهدها ويحدد معناها!

نطق بن زوما: من هوالحكيم،يا ترى؟ هوالذي يتفهم من جميع إنسان... من هوالقوي،يا ترى؟ هوالذي يخضع ميوله (الخبيثة)... من يسيطر على روما خير ممن يستولي على مدينة. من هوالغني،يا ترى؟ هوالذي يسر بما قسم له... من هوالكريم،يا ترى؟ هوالذي يكرم بني جنسه... لا تحتقر إنساناً ولا تحتقر شيئاً؛ فليس ثمة إنسان ليست له ساعته، وليس ثمة شيء ليس له مكانه... لقد نشأت طول عمري؛ بين الحكماء، ولقد وجدت حتى لا شيء أحسن للإنسان من الصمت....

وقد اعتاد الكوهن إلعِزَر حتى يقول: مثل من تزيد أفعاله على حكمته، كمثل شجرة كثرت فروعها وقلت جذورها، إذا هبت عليها الريح اقتلعتها وألقتها على وجهها... أما من تزد حكمته على أفعاله فمثله كمثل شجرة قلت أغصانها وكثرت جذورها لوحتى رياح العالم كلها هبت عليها لما زحزحتها من مكانها.

الحياة والشريعة

ليس التلمود من التحف الفنية، ذلك بأن جمع أفكار ألف عام كاملة ووضعها في مجموعة مترابطة متناسقة عمل لا يقوى عليه حتى مائة حبر من الأحبار الصابرين. وما من شك في حتى كثيراً من الموضوعات قد وضعت في غير موضعها من الكتاب؛ وأن عدداً من الفصول قد وضع في غير الموضوعات التي يجب حتى يوضع فيها، وأن موضوعات تبدأ، ثم تهجر، ثم تبدأ من حديث على غير قاعدة موضوعة. وليس الكتاب ثمرة تفكير بل هوالتفكير نفسه، فكل الآراء المتنوعة قد دونت فيه وكثيراً ما نهجر النقطة المتعارضة دون حتى تحل وتفسر. وكأننا قد اجتزنا خمسة عشر قرناً من الزمان لننصف إلى نقاش أشد المدارس إخلاصاً ونستمع إلى عقيبا ومإير ويهودا وهنسيا ورب في أثناء جدلهم العنيف. وإذا ما ذكرنا أننا فضوليون متطفلون، وأن هؤلاء الرجال وغيرهم قد اختطفت ألفاظهم العارضة اختطافاً من أفواههم وقذف بها في نصوص لم تكن معدة لها، ثم أوفدت تجلجل خلال القرون الطوال، إذا ذكرنا هذا استطعنا حتى نعفوعما نجده في هذه الأقوال من جدل، وسفسطة، وأقاصيص غير صادقة، وتنجيم وحديث عن الجن والشياطين، وخرافات، ومعجزات، وأسرار الأعداد، وأحلام وحي، ونقاش لا آخر له يتوج نسيجاً مهلهلاً من الخيالات والأوهام، والغرور الذي يغريهم ويأسوجراحهم ويخفف عنهم آلام آمالهم الضائعة.

وإذا ما اشمأزت نفوسنا من قسوة هذه القوانين، ومن دقة هذه النظم وتدخلها فيما لا يصح حتى تتدخل فيه، وما يجازي به من يخرقها من شدة وبطش، فإن من واجبنا ألا تحمل هذه المسألة محمل الجد، ذلك حتى اليهود لم يدعوا قط أنهم يطيعون هذه الوصايا كلها، وأن أحبارهم كانوا يغضون أبصارهم عما يجدونه في جميع صفحتين من كتابهم من ثغرات بين نصائحهم التي تدعوإلى الكمال وبين ما في الطبيعة البشرية من ضعف خفي. وفي ذلك يقول أحد الأحبار الحذرين: "لوحتى إسرائيل قد حرصت الحرص الواجب على سبت واحد لاتى ابن داود من فوره". ولم يكن التلمود كتاب قوانين يطلب إلى اليهود إطاعتها جملة وتفصيلاً، بل كان سجلاً لآراء الأحبار، جمعه جامعوه ليهدوا به الناس إلى التقي على مهل، ولم تطع الجماهير غير المثقفة إلا قلة مختارة من الأوامر التي اتىت بها الشريعة.

ويهتم التلمود اهتماماً كبيراً بالشعائر الدينية، ولكن بعض هذا الاهتمام كان رد عمل من اليهود لما بذلته الكنيسة المسيحية والدولة من محاولات لإرغامهم على التخلي عن شريعتهم. ولقد كانت هذه الشعائر سمة تميزهم، ورابطة تجمع شتاتهم وتصل بين مختلف أجيالهم، وشعاراً يتحدون بع عالماً لا يعفوقط عنهم. وإنا لنجد في مواضع متفرقة من مجلدات التلمود العشرين حدثات حقد على المسيحية، ولكنها حقد على مسيحية نسيت رقة المسيح وظرفه، مسيحية اضطهدت المتمسكين بشريعة أمر المسيح أتباعه بالعمل بها، مسيحية يرى أحبار اليهود أنها حادت عن مبدأ التوحيد جوهر الدين القويم وأساسه الذي لا يتبدل. وإنا لنجد بين هذه الشعائر والطقوس المعقدة، وهذا الجدل الشائك الطويل، مئات من النصائح السديدة، والبصيرة النفسانية، تتخللها في بعض الأحيان فقرات تعيد إلى الذاكرة جلال كتاب العهد القديم أوالحنان الصوفي الذي تراه في العهد الجديد. وإن ما يمتاز به اليهودي من فكاهة شاذة غريبة الأطوار لتخفف عنه عبء هذا الدرس الطويل. انظر مثلاً إلى ما يقوله أحد أحبارهم من حتى موسى ولج متخفياً إلى الحجرة التي يلقي فيها عقيبا دروسه، وجلس في الصف الأخير، ودهش من كثرة القوانين التي استنبطها المفهم الكبير من الشريعة الموسوية، والتي لم يحلم بها قط محررها.

ولقد ظل التلمود أربعة عشر قرناً من الزمان أساس التربية اليهودية وجوهرها. وكان الشاب العبراني ينكب عليه سبع ساعات في جميع يوم مدى سبع سنين، يتلوه ويثبته في ذاكرته بلسانه وعينه؛ وكان هوالذي يكوِّن عقولهم ويشكِّل أخلاقهم بما تفرضه دراسته من نظام دقيق، وبما يستقر في عقولهم من فهم، شأنه في هذا شأن كتابات كنفوشيوس التي كان يستظهرها الصينيون كما يستظهر اليهود التلمود. ولم تكن كيفية تفهمه مقصورة على تلاوته وتكراره، بل كانت تضم فوق ذلك مناقشته بين المدرس والتلميذ، وبين التلميذ والتلميذ، وتطبيق القوانين القديمة على ما يستجد من الظروف، وقد أفادت هذه الطريقة حدة في الذهن، وتقوية للذاكرة، وتثبيتاً للمعلومات، ميزت اليهودي من غيره في كثير من الميادين التي تتطلب الوضوح، وهجريز الذهن، والمثابرة، والدقة، وإن كانت في الوقت نفسه قد عملت على تضييق أفق العقل اليهودي والحد من حريته. ولقد روض التلمود طبيعة اليهودي الثائرة المهتاجة، وكبح جماح نزعته الفردية، وبث فيه روح العفة والوفاء لأسرته وعشيرته؛ ولربما كان "نير الشريعة" عبئاً ثقيلاً على ذوي العقول السامية الكبيرة، ولكنها كانت السبب في نجاة اليهود بوجه عام.

وليس من المستطاع فهم التلمود إلا إذا تفهم في ضوء التاريخ على أنه العامل الفعّال الذي أبقى على شعب مطرود، معدم، مظلوم، يتهدده خطر التفكك التام. ولقد عمل أحبار اليهود في تشتتهم الواسع ما عمله أنبياؤهم للاحتفاظ بالروح اليهودية في الأسر البابلي. فقد كان لا بد لهم من حتى يعيدوا إليهم عزتهم وكبريائهم، وأن يعملوا على حتى يستقر بيتهم النظام، ويثبتوا في قلوبهم الإيمان، ويحافظوا على أخلاقهم القويمة، ويعيدوا إليهم سلامة العقول وصحة الأبدان اللتين حطمتهما المحن الطوال. وبفضل هذا التأديب الشاق، وغرس أصول التنطقيد اليهودية في صدر اليهودي بعد اقتلاعها، عاد الاستقرار وعادت الوحدة، عن طريق التجوال في أطراف القارات والأحزان خلال القرون الطوال. ولقد كان التلمود على حد قول هيني Heine وطناً منتقلاً لليهود يحملونه معهم أينما ساروا. فحيثما عثر اليهود، حتى وهم جالية واجفة في أرض الغربة، كان في وسعهم حتى يضعوا أنفسهم مرة أخرى في عالمهم، وأن يعيشوا مع أنبيائهم وأحبارهم، وذلك بأن يرووا عقولهم وقلوبهم من فيض الشريعة. فلا غرابة والحالة هذه إذا أحبوا هذا الكتاب الذي نراه نحن أكثر تنوعاً واختلافاً مما خطه مائة محرر من أمثال منتاني Montaigne. ولم يكفهم الاحتفاظ بالكتاب كله، بل احتفظوا بأجزاء صغيرة منه بحب يصل إلى درجة الجنون، وكانوا يتبادلون قراءة نتف من هذا المخطوط الضخم، وأنفقوا في القرون المتأخرة أموالاً طائلة لطبعه كاملاً، وبكوا حين كانت الملوك والبابوات، والمجالس النيابية تحرم تلاوته، أوتصادره، أوتحرقه؛ وابتهجوا حين رأوا روشلين Reuchlin وإرزامس Erasmus يدافعان عنه، وعدوه في أيامنا هذه أثمن ما تمتلكه معابدهم وبيوتهم، واتخذوه ملجأ وسلوى، وسجناً للروح اليهودية.

البابلي والمقدسي

التلمود اليروشلمي (تلمود القدس)

صفحة من مخطوط من القرون الوسطى للتلمود المقدسي، من جنيزة القاهرة.

التلمود الباڤلي (التلمود البابلي)

المجموعة الكاملة للتلمود البابلي.


اللغة

الطباعة

تلمود بومبرگ 1523

تلمود بونڤيست 1645

تلمود ڤلنا 1835

تلمود گولدشميت 1897-1909، والترجمة الألمانية

=نقد الطبعات

Steinsaltz, Schottenstein, Metivta and Ehrman Talmuds

التلمود كتاب اليهود المقدس، بقلم الدكتور أحمد ايبش.

Talmud scholarship

Geonim

Halakhic and Aggadic extractions

التعليقات

Pilpul

نهج السفارديم

Brisker method

Critical method

Textual emendations

دور التلمود في اليهودية

ترجمات

التلمود باڤلي

نطقب:طبعات من التلمود

أنظر أيضا

  • التوراة.
  • Baraita
  • Daf Yomi
  • Ein Yaakov
  • Hadran (Talmud)
  • Minor Tractates
  • Rashi
  • Shass Pollak
  • Siyum
  • Siyum HaShas
  • Talmudical hermeneutics

المصادر

  1. ^ سوسن البيطار. "التلمود". الموسوعة العربية.
  2. ^ سيرة الحضارة
  • Nathan T. Lopes Cardozo The Infinite Chain: Torah, Masorah, and Man (Philipp Feldheim, 1989). ISBN 0-944070-15-9
  • Aryeh Carmell (December 1986). . Feldheim Publishers. ISBN . Retrieved 29 August 2011. (includes Samuel ha-Nagid's Mevo ha-Talmud, see next section)
  • Zvi Hirsch Chajes Mevo Hatalmud, transl. Jacob Shachter: The Students' Guide Through The Talmud (Yashar Books, 2005). ISBN 1-933143-05-3
  • Dan Cohn-Sherbok (1994). . Palgrave Macmillan. ISBN . Retrieved 29 August 2011.
  • Fraade, Steven D, "Navigating the Anomalous: Non-Jews at the Intersection of Early Rabbinic Law and Narrative", in Laurence Jay Silberstein; Robert L. Cohn (1 August 1994). . NYU Press. pp. 145–165. ISBN . Retrieved 29 August 2011.
  • R. Travers Herford (15 February 2007). . KTAV Publishing House, Inc. ISBN . Retrieved 29 August 2011.
  • D. Landesman A Practical Guide to Torah Learning (Jason Aronson, 1995). ISBN 1-56821-320-4
  • Emmanuel Lévinas; Annette Aronowicz (February 1994). . Indiana University Press. ISBN . Retrieved 29 August 2011.
  • Levy, Richard S., Antisemitism: a historical encyclopedia of prejudice and persecution, Volume 2, ABC-CLIO, 2005. See articles: "Talmud Trials", "Entdecktes Judenthum", "The Talmud Jew", "David Duke", "August Rohling", and "Johannes Pfefferkorn".
  • Hyam Maccoby; Jehiel ben Joseph (of Paris) (1993). . Fairleigh Dickinson University Press. ISBN . Retrieved 29 August 2011. A compendium of primary source materials, with commentary.
  • Maimonides Introduction to the Mishneh Torah (English translation)
  • Maimonides Introduction to the Commentary on the Mishnah (Hebrew Fulltext), transl. Zvi Lampel (Judaica Press, 1998). ISBN 1-880582-28-7
  • Aaron Parry The Complete Idiot's Guide to The Talmud (Alpha Books, 2004). ISBN 1-59257-202-2
  • Rodkinson, Michael Levi, The history of the Talmud from the time of its formation, about 200 B.C., up to the present time, The Talmud Society, 1918
  • Jonathan Rosen (25 October 2001). . Continuum International Publishing Group. ISBN . Retrieved 29 August 2011.
  • Adin Steinsaltz (11 September 2006). . Basic Books. ISBN . Retrieved 29 August 2011. Read more here. See also here.
  • Adin Steinsaltz The Talmud: A Reference Guide (Random House, 1996). ISBN 0-679-77367-3

المنطق والمنهجية

اقرأ نصاً ذا علاقة في

تلمود


اقرأ اقتباسات ذات علاقة بتلمود، في فهم الاقتباس.
  • Samuel ha-Nagid, Mevo ha-Talmud
  • Joseph ben Judah ibn Aknin, Mevo ha-Talmud
  • Zerachiah Halevi, Sefer ha-Tzava
  • Samson of Chinon, Sefer ha-Keritut
  • Jacob Hagiz, Teḥillat Ḥochmah (included in most editions of Keritut)
  • collective, ed. Abraham ibn Akra, Meharere Nemarim
  • Joseph ibn Verga, She'erit Yosef
  • Isaac Campanton, Darche ha-Talmud
  • David ben Solomon ibn Abi Zimra, Kelale ha-Gemara
  • Bezalel Ashkenazi, Kelale ha-Gemara
  • Yeshu’ah b. Yosef ha-Levi, Halichot Olam
    • Joseph Caro, Kelale ha-Gemara (commentary on Halichot Olam)
    • Solomon Algazi, Yavin Shemu’ah (commentary on Halichot Olam)
  • Yisrael Ya'akov Algazi, Ar'a de-Rabbanan
  • Serillo, Samuel, Kelale Shemuel
  • Horowitz, Isaiah, Shene Luchot ha-Berit (section on Torah she-be-al-Pe)
  • Moses Chaim Luzzatto, Derech Tevunot, translated into English as The Ways of Reason, Feldheim 1988, ISBN 978-0-87306-495-8
    • same, Sefer ha-Higgayon, translated into English as The Book of Logic, Feldheim 1995, ISBN 978-0-87306-707-2
  • de Oliveira, Solomon, Darche Noam
  • Malachi ha-Cohen, Yad Malachi
  • Aryeh Leib HaCohen Heller, Shev Shema'tata
  • Goitein, B., Kesef Nivhar
  • Ezechia Bolaffi, vol. 1
  • Moshe Amiel, Ha-Middot le-Ḥeqer ha-Halachah, vol. 1, vol. 2, vol. 3

الأعمال الفهمية الحديثة

  • Y. N. Epstein, Mevo-ot le-Sifrut haTalmudim
  • Hanoch Albeck, Mavo la-talmudim
  • Louis Jacobs, "How Much of the Babylonian Talmud is Pseudepigraphic?" Journal of Jewish Studies 28, No. 1 (1977), pp. 46–59
  • Saul Lieberman, Hellenism in Jewish Palestine (New York: Jewish Theological Seminary, 1950)
  • Jacob Neusner, Sources and Traditions: Types of Compositions in the Talmud of Babylonia (Atlanta: Scholars Press, 1992).
  • David Weiss Halivni, Mekorot u-Mesorot (Jerusalem: Jewish Theological Seminary, 1982 on)
  • Yaakov Elman, "Order, Sequence, and Selection: The Mishnah’s Anthological Choices,” in David Stern, ed. The Anthology in Jewish Literature (Oxford: Oxford University Press, 2004) 53-80
  • Strack, Herman L. and Stemberger, Gunter, Introduction to the Talmud and Midrash, tr. Markus Bockmuehl: repr. 1992, hardback ISBN 978-0-567-09509-1, paperback ISBN 978-0-8006-2524-5
  • Moses Mielziner, Introduction to the Talmud: repr. 1997, hardback ISBN 978-0-8197-0156-5, paperback ISBN 978-0-8197-0015-5
  • Aviram Ravitzky, Aristotelian Logic and Talmudic Methodology (Hebrew): Jerusalem 2009, ISBN 978-965-493-459-6

On individual tractates

  • Moshe Benovitz, Berakhot chapter 1: Iggud le-Farshanut ha-Talmud (Hebrew, with English summary)
  • Stephen Wald, Shabbat chapter 7: Iggud le-Farshanut ha-Talmud (Hebrew, with English summary)
  • Aviad Stollman, Eruvin chapter 10: Iggud le-Farshanut ha-Talmud (Hebrew, with English summary)
  • Aaron Amit, Pesachim chapter 4: Iggud le-Farshanut ha-Talmud (Hebrew, with English summary)

دراسة تاريخية

  • Shalom Carmy (Ed.) Modern Scholarship in the Study of Torah: Contributions and Limitations Jason Aronson, Inc.
  • Richard Kalmin Sages, Stories, Authors and Editors in Rabbinic Babylonia Brown Judaic Studies
  • David C. Kraemer, On the Reliability of Attributions in the Babylonian Talmud, Hebrew Union College Annual 60 (1989), pp. 175–90
  • Lee Levine, Ma'amad ha-Hakhamim be-Eretz Yisrael (Jerusalem: Yad Yizhak Ben-Zvi, 1985), (=The Rabbinic Class of Roman Palestine in Late Antiquity)
  • Saul Lieberman Hellenism in Jewish Palestine (New York: Jewish Theological Seminary, 1950)
  • John W. McGinley " 'The Written' as the Vocation of Conceiving Jewishly". ISBN 0-595-40488-X
  • David Bigman, Finding A Home for Critical Talmud Study

وصلات خارجية

عام

  • Talmud, jewishencyclopedia.com
  • Talmud Commentaries, jewishencyclopedia.com
  • Jewish History: Talmud, aish.com
  • Talmud/Mishnah/Gemara, jewishvirtuallibrary.org
  • Jewish Law Research Guide, University of Miami Law Library
  • A survey of rabbinic literature, Ohr Somayach
  • Introduction To The Talmud For The Novice, Rabbi M. Taub
  • Pshita, Talmud Study 2.0 (Hebrew)

النص الكامل

  • Talmud Bavli Soncino Translation (English). The Soncino Press translation of the Talmud Bavli in downloadable PDF format. Everything is present except for the index volume and the minor-tractates volumes.[1] About 63% of the translation is also available in the form of ordinary HTML webpages for those who prefer them.[2]
  • Mishnah (Hebrew)
  • Tosefta (Hebrew)
  • Talmud Yerushalmi (Hebrew)
  • Talmud Bavli (Hebrew)
  • Full searchable Talmud on Snunit (Hebrew)
  • Rodkinson English translation See above, under #Translations of Talmud Bavli.
  • Images of each page of the Babylonian Talmud (Hebrew)
  • Tractate Megillah: .pdf download showing Yemenite vocalization

مخطوطات

  • Treasury of Talmudic Manuscripts, Jewish National and University Library
  • Lieberman Institute Search engine for readings in different manuscripts

تخطيط

  • "A Page from the Babylonian Talmud" image map from Prof. Eliezer Segal

برنامج "داف يومي"

  • A general resource for Daf Yomi
  • Calendar for this Daf Yomi cycle
  • Daf-A-Week: A project to study a daf per week

تفنيد المزاعم المتعلقة التلمود

  • The Talmud in Anti-Semitic Polemics, Anti-Defamation League.
  • The Real Truth about the Talmud
  • Falsifiers of the Talmud

Audio

  • Shiurim on the Talmud, mp3shiur.com
  • MP3 Talmud Shiurim by Rav Nissan Kaplan of Mir Yeshiva, Jerusalem
  • Tractate Sukkah by page, showing Yemenite vocalization and recordings of pronunciation
تاريخ النشر: 2020-06-04 21:48:35
التصنيفات: Articles containing non-English-language text, Portal templates with all redlinked portals, تلمود, ميشناه, نصوص يهودية, توراة شفوية

مقالات أخرى من الموسوعة

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

آخر الأخبار حول العالم

مشروع مغربي للكشف عن سرطان الثدي يفوز بجائزة دولية

المصدر: كِشـ24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-11-23 21:15:33
مستوى الصحة: 33% الأهمية: 40%

نتائج البحث عن vpn | حوحو للمعلوميات

المصدر: حوحو للمعلوميات - المغرب التصنيف: تقنية
تاريخ الخبر: 2022-11-23 21:16:05
مستوى الصحة: 51% الأهمية: 69%

إسبانيا تسحق كوستاريكا بسباعية في مونديال قطر

المصدر: كِشـ24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-11-23 21:15:36
مستوى الصحة: 32% الأهمية: 48%

رئيس النيابة العامة: مناهضة الزواج المبكر من أولوياتنا

المصدر: كِشـ24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-11-23 21:15:38
مستوى الصحة: 43% الأهمية: 49%

الشروع في أشغال كبرى لتغيير شكل أشهر فندق بمراكش + ڤيديو

المصدر: كِشـ24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-11-23 21:15:35
مستوى الصحة: 43% الأهمية: 42%

حكيمي: "فخور جدًا بهذا الفريق.. هيا بنا من أجل المزيد"

المصدر: البطولة - المغرب التصنيف: رياضة
تاريخ الخبر: 2022-11-23 21:16:21
مستوى الصحة: 53% الأهمية: 59%

باحث فرنسي يعترف بجدوى الاستراتيجية الطاقية للمملكة

المصدر: كِشـ24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-11-23 21:15:32
مستوى الصحة: 35% الأهمية: 44%

جلالة الملك يستقبل الامين العام للامم المتحدة

المصدر: كِشـ24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-11-23 21:15:35
مستوى الصحة: 36% الأهمية: 41%

ارتفاع احتياجات البنوك من السيولة إلى 91 مليار درهم

المصدر: كِشـ24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-11-23 21:15:34
مستوى الصحة: 30% الأهمية: 50%

إقليم تزنيت..تدشين مشروعين للتزود بالماء الصالح للشرب

المصدر: زاكورة بريس - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-11-23 21:15:18
مستوى الصحة: 30% الأهمية: 30%

رئيس الاتحاد السعودي: "هدفنا هو الوصول إلى نهائي كأس العالم"

المصدر: البطولة - المغرب التصنيف: رياضة
تاريخ الخبر: 2022-11-23 21:16:18
مستوى الصحة: 54% الأهمية: 66%

انتشار واسع للكلاب الضالة بمدن جهة البيضاء – سطات

المصدر: كِشـ24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-11-23 21:15:28
مستوى الصحة: 38% الأهمية: 36%

ست مغربيات ضمن قائمة 110 نساء استثنائيات في إفريقيا لسنة 2022

المصدر: كِشـ24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-11-23 21:15:37
مستوى الصحة: 34% الأهمية: 45%

تحميل تطبيق المنصة العربية