حادثة طابا 1906

عودة للموسوعة

حادثة طابا 1906

الخديوي عباس حلمي يهش الديك الرومي الهجري خارج الحدود المصرية. مجلة پنش، لندن، في قمة الأزمة يومتسعة مايو1906.

حادثة طابا أوحادثة العقبة مايو1906، احتلت القوات العثمانية طابا، البلدة المصرية في الطرف الشرقي لشبه جزيرة سيناء، لتوسيع نافذة العثمانيين على البحر الأحمر. البريطانيون الذين كانوا يحتلون مصر، أجبروهم على الانسحاب. وقد اتفق الجانبان لاحقاً على التنازل عن بترة صغيرة من الأرض غرب العقبة، بينما احتفظت مصر بطابا، وتخلت الدولة العثمانية عن مطالبها في جزء من سيناء، كما سحبت تنديدها بمذبحة دنشواي التي قام بها الإنجليز في مصر.

خلفية

لم تكن أزمة طابا 1906 وليدة سياسات السلطان عبد الحميد الثاني الرامية إلى التضييق على الوجود البريطاني في مصر والساعية إلى إجلاء المحتلين الأوروبيين عن ولاية مصر، أوهي وليدة الصراع الدولي حينئذ، وإنما كانت نتيجة لأحداث تاريخية فارقة على مدار أكثر من نصف قرن. بداية يمكننا حتى ندعي حتى جذور أزمة طابا الأولى اتىت كنتيجة لتلك العلاقة بين ولاية مصر والدولة العثمانية التي أخذت في التفكك والتحلل لقاء بناء مصر كدولة حديثة ذات توجهات مختلفة، وبالتحديد بدءاً من مشروع محمد علي خلال ثلاثينيات القرن التاسع عشر.

تلك التوجهات التي اختلفت حولها الآراء والاجتهادات الفكرية، حيث انقسمت هذه الاجتهادات إلى ثلاث مدارس، فمدرسة تضع هذه التجربة داخل المنظومة العثمانية، على أساسا أنها حركة اصلاح داخل الامبراطورية المتهالكة ومدرسة ثانية تنظر لهذه التجربة في سياق التاريخ المصري باعتبار الفكر الاستراتيجي المصري الذي يتجه دائماً إلى المشرق، والمدرسة الثالثة اعتمدت الفكرة العربية باعتبارها العامل الأساسي المشهجر بين مصر ومحيطها العربي الشرقي، أي حتى العروبة والخصوصية هي قوام هذه التجربة.

لاشك في حتى جميع مدرسة من المدارس الفكرية الثلاث قدمت أدلتها وبراهينها لتأكيد صدقية اجتهادها، ولكن هذه الدراسة ترجح إلى أنها تجربة في سياق التاريخ المصري، اعتمادا على البعد الاستراتيجي الطبيعي والمتصل بلا موانع طبيعية أوعوائق مانعة، مما يؤهل هذه الامتدادات إلى اعادة التجمع والتكاتل بتوجهات مختلفة ولكنها تنبع من خصوصياتها الثقافية والجغرافية، أي حتى الفكرة الأساسية هي حتى الجناح الشرقي العربي بلا حدود، وهوكتلة جغرافية ماتصل، ومحيط ثقافي له خصوصية تؤهله لتكوين امبراطورية عربية نواتها مصر منفصلا عن الكيان العثماني الضخم متعدد الاعراق واللغات.

كان هذا الهدف العظيم لباشا مصر هوأبرز ما يؤرق حكومة لندن حيث أنه يتعارض مع مصالحها لعليا في المنطقة، مع هدفها الآني وهوالمحافظة على السلامة الاقليمية للدولة العثمانية. ويمكن التدليل على ذلك:

  • دور بريطانيا في تصفية دولة عصرية مصرية-عربية في الشام وانهاء دور مصر العربي.
  • تحجيم دور مصر بتسوية 1840-1841.

بمعنى حتى بريطانيا والقوى الاوروبية فرضت على محمد علي التسوية، الأولى خاصة بمصر وبها بعض المزايا لأسرته، وقد تجاوز الاشارة إليها باستفاضة، والثانية كانت في ظاهرها تحقيق خروج محمد علي من سوريا، أي لفك ضلعي الزاوية المصرية-السورية، وحصر مصر داخل الحدود المصرية وراء سيناء.

إن تجربة محمد علي نبهت حكومة لندن إلى خطورتها على المصالح البريطانية العليا، لذا اتبعت سياسة:

  1. فرض العزلة العربية على مصر بهدف:
    • تفتيت الفكرة العربية، ووأدها في مهدها.
    • تقطيع أواصر وروابط العلاقة بين مصر والمشرق العربي.
    • صناعة توجهات مصرية قطرية بعيداً عن الخصوصية العربية.
    • ربط مصر اقتصادياً باوروبا.
    • تشجيع الجامعة المصرية لقاء الجامعة الإسلامية.
  2. تهويد فلسطين - مستوطنة أرض مدين (1891-1904) ثم مشروع هرتزل في سيناء:
    أصبح في حكم البديهية التاريخية حتى ما جرى من تغييرات عرقية بفلسطين بفتح أبوابها للهجرة اليهودية، وما يترتب عليه من طمس هويتها العربية، قد شكل أحد ملامح السياسة البريطانية منذ أواخر ثلاثينيات القرن التاسع عشر، وذلك بهدف:
    • حماية قناة السويس الشريان الحيوي للامبراطورية البريطانية.
    • إضعاف الوجود العثماني في فلسطين وهي لصيقة بمصر، وأقرب تهديد لقناة السويس.
    • إحكام عزلة مصر عن المشرق العربي.
    • إقامة عازل ديمغرافي وثقافي مختلف، يمنع أي حاكم مصري من إعادة محاولة تجربة محمد علي.
    • ملء الفراغ بعد طرد محمد علي وفق المصالح البريطانية في المنطقة.
    • حل المسألة اليهودية بعيداً عن اوروبا.

تلك هي العلامة الفارقة في تاريخ مصر، وهي أحد أسس أزمة طابا 1906، والتي أثارته الركيزة الأساسية ألا وهي أزمة فرمان 1892، فقط يمكن التأكيد على حتى هذه الأزمة صنعت وعينت حدود مصر الشرقية لأول مرة، بخط يبدأ من شرق العريش بمسافة قصيرة باتجاه جنوبي شرقي إلى رأس خليج العقبة، وبالتالي تم وقف انادىءات الدولة العثمانية لاقتطاع أجزاء من شبه جزيرة سيناء. ويمكننا التأكيد على حتى انتهاء هذه الأزمة أدى إلى:

  1. وضع النادىمة الأولى لبناء خط حدود مصر الشرقية.
  2. استكمال مسببات القطيعة بين مصر والعرب.
  3. صناعة أول خط حدودي في التاريخ الحديث بين مصر والمشرق العربي.
  4. كرس العزلة المصرية عن المشرق.


بداية الأحداث

عباس حلمي الثاني

في مطلع عام 1906، صرح السلطان العثماني حتى شبه جزيرة سيناء تتبع الدولة العثمانية.

أزمة فرمان 1892

حدود مصر الشرقية قبل وبعد فرمان تنصيب الخديوي عباس حلمي الثانيثمانية أبريل 1892

أصل هذا الخلاف يعود إلى 1892، حين أصبح عباس حلمي الثاني خديوي مصر. فقد كان محمد علي باشا وخلفاءه حتى، وضمنهم، الخديوي توفيق لمقد يكونوا يحكمون سيناء فقط، بل وأيضاً بعض المواقع على الجانب الحجازي من خليج العقبة. إلا حتى فرمان التنصيب الصادر من السلطان عبد الحميد الثاني بمناسبة خلافة عباس الثاني اختلف عن نصوص فرمانات التنصيب السابقة، والغرض من ذلك يتضح أنه استبعاد مصر من ادارة شبه جزيرة سيناء. فتدخلت الحكومة البريطانية وبعد ضغوط معتبرة على الأستانة، حصلت على تلغراف (بتاريخثمانية أبريل 1892) من الصدر الأعظم أحمد جواد پاشا يعلن فيه استمرار الوضع الراهن في شبه جزيرة سيناء، ولكن السلطان سيعاود امتلاك المواقع في الحجاز التي كانت بها حتى ذلك الوقت حاميات مصرية. ولم تعترض بريطانيا على هذا الاستحواذ العثماني للمواقع الحجازية. فكما ذكرت الحكومة البريطانية رسمياً في ذلك الوقت، فإن الحد الشرقي لشبه جزيرة سيناء أُخِذ ليكون الخط الجاري في اتجاه جنوب شرقي من رفح، على البحر المتوسط شرق العريش، إلى رأس خليج العقبة. وقد تخلت مصر عن حصن العقبة والمواقع الأخرى إلى الشرق منه. وبذلك استتبت الأمور.

المطامع الألمانية في المشرق

الامبراطور الألماني ڤيلهلم الثاني يدخل مدينة القدس في 29 أكتوبر 1898.
بإيعاز من الامبراطور الألماني ڤيلهلم الثاني، بدأ السلطان عبد الحميد الثاني في إنشاء كلاً من سكة حديد الحجاز وسكة حديد بغداد في عام 1900، بتمويل وهندسة وإنشاء ألماني. وكانت احدى محطاته المزمعة في طابا على خليج العقبة وهوما أثار حادثة طابا 1906.


زيارة غليوم الثاني للمشرق العربي


سكة حديد الحجاز

وفي عام 1905 نشبت سلسلة من الأعمال الإجرامية من بعض بدوسيناء، فتم تعيين مسئول بريطاني قائداً ومفتشاً على سيناء وتم اتخاذ بعض الاجراءات الادارية. فانتشر تقرير في أوساط العصبة الإسلامية (المنادية بالولاء للخلافة العثمانية) بمصر حتى غرض الحكومة المصرية هوإنشاء تحصينات على الحدود المصرية العثمانية بالقرب من العقبة، في المكان الذي كان العثمانيون ينشئون فيه فرعاً لسكة حديد الحجاز الرابط بين دمشق ومكة.

استدعى المعتمد البريطاني في القاهرة اللورد كرومر السيد و. إ. جننگز-براملي W.E. Jennings-Bramly الذي يجيد التحدث باللغة العربية واللهجة البدوية وملم بعادات البدووعينته الحكومة المصرية 1905 في وظيفة مفتش في سيناء وكلفته بمهمة التحري والاستطلاع عن مدى صحة التقارير الواردة إلى القاهرة عن نية السلطان العثماني على أعطى فرع حديث لسكة حديد الحجاز من معان إلى العقبة وتقيم تقرير عام عن شبه جزيرة سيناء.

استعان الكولونيل براملي بقوة صغيرة من البوليس متوجهاً إلى نقب العقبة - تطبيقاً لأوامر وزارة الحربية المصرية - وشرع في إجراء بعض الاصلاحات الادارية، وتنظيم قوة من شرطة الهجانة والمشاة. وفي شهر يناير 1906 أصدرت وزارة الحربية أوامرها إلى جننگز-براملي بالتوجه إلى نقب العقبة. ونظراً لقلة المياه فيها لاستيفاء حاجة أفراد القوة والذي يقدر عددهم بخمسة جنود حرس حدود مسلحين ، فتوجه إلى المرشرش على الجانب الغربي من رأس خليج العقبة، حيث تبعد مسافة نصف ساعة من العقبة على طريق غزة - مصر.

مسألة ترسيم الحدود

في يناير 1906، اشتكى السلطان للسفير البريطاني بالأستانة من التعديات المصرية على الأراضي الهجرية. فردّ الخديوي المصري بطلب ترسيم الحدود بين الدولتين، إلا حتى الدولة العثمانية رفضت الطلب. تلا ذلك حتى توجهت قوة مصرية صغيرة لاحتلال طابا، الميناء المجاور للعقبة على الجانب الغربي للخليج. وقبل حتى تصل تلك القوة إلى طابا، استولى القائد الهجري للعقبة على طابا. تلا ذلك فترة توتر عالي، وقام الأتراك بإزالة علامات الحدود في رفح وأوفدوا تعزيزات قوية إلى الحدود. فتدخلت الحكومة البريطانية نيابة عن الخديوي وبذلك ضغوطاً على الدولة العثمانية لتأكيد حتى الحدود بين الدولتين هي الخط الواصل بين رفح والعقبة.

اعترض قائد منطقة العقبة على تواجد الكولونيل براملي وجنوده، ورفض السماح لهم بإقامة معسكر لهم، باعتبار حتى المرشرش ونقب العقبة منطقة تابعة لادارة الحكومة السنية مباشرة. أذعن مفتش سيناء لرفض قائد العقبة الهجري رشدي باشا، واضطر إلى الرجوع. وفور عودة براملي من سيناء وضع تقريراً بما وقع ولتفادي مزيداً من الشكوك من جانب السلطان الهجري، فقد تقدمت الحكومة المصرية في تلك الأثناء بطلب إلى السلطان بتعيين لجنة من الأتراك والمصريين لتحديد التخوم بين سيناء والشام ولكن لم يحرك السلطان ساكناً.

فقد أرادت الادارة العثمانية إثارة مسألة سيناء وخليج العقبة مرة أخرى في عام 1906، وأرادت توظيف أدواتها المتعددة ومنها استثمار الصدى الكبير والرواج الممتد عبر العالم الإسلامي بسبب الدعوة إلى الجامعة الإسلامية، وذلك يمثل دعماً عاماً إسلامياً ضخماً يعضد من قوة وهيبة الدولة العثمانية، ويثبت قدرتها على استمرارها، ويثبت وضعها في الهيكل الدولي. وكذلك كان الرأي العام المصرية مهياً لخطوة قوية ضد الاحتلال البريطاني. واستطاعت جريدة اللواء إثارة مسألة سيناء بزعم أنها تعد لأعمال حربية مهمة. وتحذر الموضوعات من مغزى إرسال كولونيل بريطاني وتعيينه مفتشاً على شبه جزيرة سيناء، وتخصيص مبالغ ضخمة لإصلاحها. وغالت جريدة اللواء التي تمثل تياراً فكرياً وطنياً مؤيداً للدولة العثمانية، في أهداف ومقاصد وخطورة وجود سلطات الاحتالال البريطاني في شبه جزيرة سيناء، وصورت حتى الحكومة المصرية وسلطات الاحتلال ينويان اتباع سياسة تغلغلية في سيناء، ولديهم النية على اتخاذ سيناء كقاعدة للتدخل في الحجاز في المستقبل خاصة في أمور خط حديد الحجاز الذي وصل إلى معان، وعلى بعد 100 كيلومتر من العقبة، كما نشرت بعض الصحف حتى الحكومة المصرية تنوي بناء تحصينات لها أهداف عدائية.

تلك الموضوعات لاقت رواجاً شدياً في القاهرة واستنبول، وهوما يمثل جبهة مساندة عريضة للدولة الهجرية لإثارة مسألة سيناء وخليج العقبة.

كما عضد الوالي العثماني على سوريا الدولة العثمانية في شكوكها وموقفها من إثارة مسألة سيناء وخليج العقبة، حيث خط إلى استنبول بأن الحكومة المصرية قررت بناء ثكنات عسكرية في المنطقة فيما بين العقبة والقصيمة، وأضافت حتى قوات الاحتلال البريطاني يفترض أن تشارك في بناء تلك الثكنات.

في حقيقة الأمر فإن الدولة العثمانية كانت ترمي إلى عدة أهداف نذكر منها:

  1. اختبار مركز بريطانيا في مصر.
  2. طرح المسألة المصرية على بساط المباحثات الدولية.
  3. حماية مشروع سكة حديد الحجاز.
  4. الاقتراب أقصى ما يمكن من قناة السويس.
  5. قياس مدى الدعم الدولي لموقف بريطانيا.
  6. تصعيد أزمة هجرية-بريطانية بسبب موقف السلطات البريطانية من ثوار اليمن وإمدادهم بالسلاح والذخائر والأغذية.

لم يستجب السلطان العثماني عبد الحميد لطلب الحكومة المصرية التي تقدمت بطلب تعيين لجنة مشهجرة من المصريين والأتراك لتجديد التخوم بين شبه جزيرة سيناء والممتلكات العثمانية في الحجاز والشام، وإنما تجاهل الطلب المصري.

كان الرد العثماني:

  1. أمر اللواء رشدي باشا قائد حامية العقبة العثمانية باحتلال وادي طابا.
  2. مذكرة احتجاج من الباب العالي للسفارة البريطانية في استنبول ففي 12 يناير 1906، على حتى ضابطاً إنجليزياً يقود فرقة مصرية قد أقام معسكراً في العقبة وأعرب نيته على اقامة مراكز حراسة في هذه النقطة وفي غيرها من الأراضي الهجرية.
  3. طلبت الحكومة العثمانية من السفير البريطاني في استنبول اتخاذ الاجراءات اللازمة لسحب هذه القوة من المركز الذي احتله خارج الأراضي المصرية.

اعتبرت الحكومة المصرية عدم رد السلطان على الاقتراح المصري رفضاً له، بينما اعتبرت سلطة الاحتلال البريطاني الرد العملي الذي أقدمت عليه هجريا يعني حتى الدولة العثمانية معادية لفكرة تعيين حدود باعتبار أنه ليس هناك معضلة حدود وإنما عدوان على الأراضي العثمانية. إضافة إلى ذلك وهوحيث إذا مصر ولاية عثمانية فلا يمكن حتى يوجد بينها وبين بقية الولايات الخاضة للادارة الهجرية مباشرة حدود وتخوم.

كان الرد العسكري العثماني، بمثابة إبطال تحركات براملي، ومنعه من ممارسة حق مصر في فرض السيطرة على أراضيها، وأن احتلال طابا والقصيمة ومشاش الكنتلا، هومن قبيل العمل العدواني ضد مصر وسيادتها على أراضيها ومن قبيل فرض أمر واقع على مناطق مهمة ذات قيمة استراتيجية حاكمة لسيناء.

لذلك رأت السلطات البريطانية في القاهرة نتيجة لعدم موافقة الحكومة الهجرية على تعيين الحدود، فإنه من الضروري تأمين المراكز المصرية على هذه الحدود. وتقرر إرسال قوة مصرية من خمسين رجلاً وعلى رأسهم ضابط مصري وهوسعد بك حملت للقاءة براملي على الحدود قرب العقبة لاحتلال طابا. كذلك صدرت الاوامر إلى المستر براملي لاحتلال نقب العقبة والقطار، وهما نقطتان مهمتان تتحكمان في الجبل الذي يمر خلاله الطريق من الساحل إلى داخل هضبة سيناء.

تقدمت القوة المصرية نحوطابا في سفينة خفر السواحل المصرية "نور البحر"، ولكنها لم تستطع تطبيق مهمتها حيث حتى القوات الهجرية قد انتشرت على التلال التي تطل على طابا من الشرق، ورفض القائد الهجري السماح لهم بالنزول إلى الشاطئ باعتبار حتى طابا في حد العقبة وجزء منها، وأصر على المقاومة طالما إنزال القوة العسكرية المصرية طبقاً وتطبيقاً للأوامر العليا الصادرة إليه.

اضطرت القوة المصرية إلى التراجع تطبيقاً للأوامر بعدم الصدام إلا في حالة اطلاق النار عليها، فانسحبت إلى جزيرة فرعون الملاصقة للساحل الغربي جنوب طابا، انتظاراً لتعليمات جديدة من القاهرة.

استخدمت الادارة الهجرية عن طريق قائد العقبة العثماني القوة في احتلال أراضي مصرية، ومارست العنف والتهديد ضد القوة المصرية، وبذلك أفشلت مهمة هذه القوة التي كانت ترمي إلى:

  • سد الطرق بين الأراضي المصرية والممتلكات العثمانية.
  • منع القوة الهجرية من التغلغل داخل الهضبة.
  • منع مبعوث الدولة العثمانية من الوصول إلى قبائل سيناء ومحاولة استمالتها.

لم تكتف الدولة العثمانية باستخدام القوة والعنف العسكري فقط لخلق أمر واقع، وإنما تحركات الدبلوماسية العثمانية في محاولة لتثبيت هذا الأمر عن طريق الضغط السياسي على الخديوي عباس، واستغلال الأوضاع السياسية في ذلك الوقت حيث احتدم الخلاف بين الخديوي عباس ومصطفى كامل، لتقرب الأول من الإنجليزي بعد فهمه بالوفاق الودي 1904 بين فرنسا وإنجلترا، وإدراكه عدم إمكانية نجاح سياسة المناهضة للاحتلال البريطاني في مصر. وهو:

  • هل يؤيد الخديوي عباس مع الحزب الوطني الموقف العثماني؟
  • هل يؤيد السياسة البريطانية في مصر؟
  • هل في ظل وجود الاحتلال العسكري والسياسي البريطاني يمكنه حتى يتخذ قراراً سياسياً منفصلاً؟

وإزاء هذا المركز الحرج للخديوي عباس، مارست الدبلوماسية العثمانية عنفاً ضده لإجباره على الاصطدام بالإنجليزي أوفقد شعبيته التي يحظى بها لدى الرأي العام المصري الذي كان يؤيد السلطان العثماني تحت تأثير الحزب الوطني وأدواته. أبرق الصدر الأعظم ثلاث برقيات متوالية شديدة اللهجة وتحمل تهديدات واضحة.

تطلب البرقية الأولى فيعشرة يناير 1906 حتى تمتنع مصر عن بناء المركز المزمع إقامته حيث ن المسقط هجري وعليه حامية عثمانية يقودها لواء، وهومنصب عسكري رفيع يتناسب مع أهمية المسقط - وتؤكد البرقية عدم رضاء بل ورفض الباب العالي لهذا السلوك، وتطلب التراجع فوراً للقوة المصرية، وتأمر الخديوي بالتحرك السريع الفوري ويعلن أنه لن يتم إرسال مبعوث هجري لتعيين الحدود.

أما البرقية الثانية في 12 يناير 1906 أيدت البرقية الأولى مع مزيد من التعسف ضد الخديوي لإحراجه ومزيد من التعسف ضد مصر وحقها الثابت تاريخياً في أراضيها، فتؤكد على حتى الأراضي الهجرية تضم العقبة والمناطق المجاورة بما فيها طابا، وأنها ليست ضمن الأراضي الممنوحة لمصر.

وبتحليل مضمون هذه البرقية يمكن استخلاص ما يلي:

  1. أن هجريا تتراجع عن مضمون برقية الصدر الأعظم المؤرخة فيثمانية أبريل 1892.
  2. ليس لدى هجريا نية الموافقة على تعيين لجنة مشهجرة للحدود.
  3. إن إصرار مصر على موقفها يعتبر خروجاً عن الأوامر وعصياناً واضحاً.
  4. الخروج عن الطاعة يفترض أن يقابل أشد الاجراءات لوقفه.
  5. التأكيد على حتى مصر ولاية تابعة للدولة العثمانية، وهي قسم منها، أي حتى الشأن داخلي لمنع التدخل البريطاني، وكذلك تأكيد على أنه لا حدود بين أجزاء أوأقسام الدولة العثمانية الواحدة.
تطور حدود مصر الشرقية أثناء وبعد حادثة طابا 1906

وتصاعد الضغط العثماني على الخديوي بطلب سحب "نور البحر" والقوة المصرية من جزيرة فرعون والتوقف عن بناء نقاط عسكرية وإلا "سوف تحدث أزمة". معنى هذا، حتى هجريا أرادت وضع يدها على المناطق الاستراتيجية في خليج العقبة والمناطق الحاكمة المجاورة، بغية تأمين مكاسب لها أسوة بما سقط على إثر فرمان أبريل 1892 أي حصولها على العقبة ومن ثم تزايد نفوذها وسيطرتها على البحر الأحمر، إضافة إلى التواصل الجغرافي بين الحجاز الشام، وأيضاً ما تمثله العقبة كبوابة شمالية للحجاز، وما يمثله رأس الخليج كأقرب نقطة للسيطرة عليها.

كان هذا التهديد يهدف إلى مساومة سلطات الاحتلال، واكتساب مواقع جديدة في سيناء وفي الضفة الغربية في خليج العقبة، على أساس عدم اكتراث السلطات البريطانية بالمصالح الوطنية المصرية، ولتفادي أزمة حادة بالتنازل عن بعض المواقع المصرية وهوما لا يكلف بريطاني الكثير. لم تقرأ الدولة العثمانية جيداً المصالح المصرية - البريطانية المشهجرة والمتمثلة في هدف إبعاد جميع ما يهدد قناة السويس وهوما يستوجب تأمين الحدود الشرقية، أي تأمين شبه جزيرة سيناء، باعتبارها خط الدفاع الأول عن القناة واعتبارها منطقة عازلة بين الممتلكات العثمانية وبين مصر - حسب المفهوم العسكري القديم حيث الصحراء أراض عازلة وفاصلة لتأمين البلاد.

إلى غير ذلك احتدمت أزمة طابا الأولى 1906 حيث:

  1. قوة مصرية لديها تعليمات محددة بالتواجد على أراضيها.
  2. قوة عثمانية سارعت باحتلال تلك الأراضي بالقوة.
  3. الدولة العثانية تمارس العنف السياسي ضد مصر لاجبارها على التنازل عن أراضيها.
  4. قوة سلطات الاحتلال البريطاني في مصر تعمل في الخفاء لتحقيق مصالحها في مصر.
  5. حرج مركز الخديوي عباس أمام:
    1. الحزب الوطني وشعبيته.
    2. الدولة العثمانية وقدرتها على ممارسة العنف السياسي ضد مصر.
    3. سلطات الاحتلال المسيطرة على مقدرات البلاد.
    4. ولاء الخديوي للدولة العثمانية.
مختار پاشا

وفي أبريل انعقد مؤتمر بين الخديوي وأحمد مختار پاشا، المفوض العثماني. وبدا حينها حتى الدولة العثمانية ليس لديها نية الاعتراف بالتفسير البريطاني لتلغرافثمانية أبريل 1892. فقد ادعت الدولة العثمانية حتى شبه جزيرة سيناء تتكون فقط من الأرض الواقعة جنوب الخط المستقيم من العقبة إلى السويس، وأن الأرض المصرية شمال ذلك الخط يحدها خط آخر من رفح إلى السويس. وكحل وسط، اقترح مختار باشا حتىقد يكون الحد بين مصر والدولة العثمانية هوخط مستقيم من رفح إلى رأس محمد (الطرف الجنوب لسيناء)، وهوالأمر الذي كان سيجعل جميع خليج السويس أرضاً عثمانية. وبعبارة أخرى، فإن انادىء الباب العالي كان، كما يلخصه اللورد كرومر:

اللورد كرومر

أن نمد الحدود والسكك الحديدية الاستراتيجية الهجرية إلى السويس على ضفاف القناة؛ أولوخط راس محمد تم اعتماده، فإن الحدود الهجرية ستمتد إلى محاذاة نخل، أي تصبح مصر في مرمى مدفعيتهم، ويصبح خليج العقبة بحيرة مغلقة مِلك هجريا وازعاج متواصل لأمن طريق التجارة إلى الشرق.

تلك العروض لم تكن بريطانيا العظمى لتقبلها؛ وبينما ظل السلطان متعسفاً ، فقد قدم السفير البريطاني في ثلاثة مايومذكرة إلى الباب العالي تطلب الانصياع للمقترحات البريطانية في ظرف عشرة أيام. السفير الهجري في لندن أبلغه وزير الخارجية البريطاني السير إدوارد گريْ أنه لووجدت بريطانيا حتى السيادة الإسمية للدولة العثمانية على مصر تتعارض مع حقوق الحكومة البريطانية بتدخل هجريا في الشئون المصرية وفي معارضة الاحتلال البريطاني لمصر، فإن الوضع البريطاني في مصر ستحافظ عليه الامبراطورية البريطانية بكل ما أوتيت من قوة. وتحرك أسطول بريطاني إلى الدردنيل في لقاء اسطنبول. فقط حينئذ، تراجع السلطان ووافق (في 14 مايو) على حتى خط الترسيم يبدأ من رفح ويتجه باتجاه الجنوب الشرقي "في خط مستقيم تقريباً إلى نقطة على خليج العقبة على بعد لا يقل عن ثلاثة ميل من العقبة" وتم سحب القوات العثمانية من طابا وتم ترسيم الحدود بلجنة هجرية-مصرية مشهجرة. وقد تم توقيع اتفاقية في 1 اكتوبر للإرساء النهائي لخط الحدود.


الحادثة

في عام 1906، اعتزم العثمانيون والألمان أعطى سكة حديدية من معان إلى العقبة، وهذه السكة تجعل لهجريا (وحليفتها ألمانيا) قوة جديدة على حدود مصر، وتهدد مركز الإحتلال الإنگليزي، فاهتم الإنگليز بهذا الحادث، واعتبروا حتى وصول السكك الحديدية الألمانية-العثمانية إلى العقبة سيشكل منافس لقناة السويس في الشحن بين الشرق والغرب. فأوفدت بريطانيا ضابطاً كبيراً عهدوا إليه وضع نقط عسكرية على طول الخط من العريش إلى العقبة، باعتبار أنها من أملاك مصر، إذ هي جزء من طور سيناء المعهودة ادارتها إلى مصر، ولكن الجنود الأتراك احتلوا مسقط طابا على بعد ثمانية أميال غربي العقبة.

قام لذلك خلاف شديد بين هجريا وإنگلترا، ظهرت فيه بمظهر الدولة الحامية لمصر، إذ طالبت إنگلترا هجريا باسم مصر حتى تجلوعن طابا، وتهددت وتوعدت كما لوكانت مصر جزءاً من أملاكها، فكان هذا المظهر من علامات الحماية التي أثارت سخط مصطفى كامل، فاستنكر موقف إنگلترا من هذه الحادثة ونادى الإنگليز إلى الجلاء عن مصر بدلاً من حتى يتظاهروا بالدفاع عن حقوقها.

كانت هجريا (وألمانيا) ترمي بعملها هذا إلى فتح باب المسألة المصرية من حديث لإجبار إنگلترا على الوفاء بعهودها في الجلاء، ومن هنا اتى عطف الأمة المصرية على موقفها في هذه الحادثة، إذ كان شبيها من بعض الوجوه بموقف فرنسا في حادثة فاشودة، وقد كانت هجريا تتسقط حتى تؤيدها بعض الدول الأوروبية في فتح المسألة المصرية، ولكن فرنسا كانت بحكم الاتفاق الودي مؤيدة لإنگلترا، وطلب سفيرها في الأستانة من الحكومة الهجرية الإذعان لمطالب إنگلترا، ووقفت روسيا موقفا يشبه موقف فرنسا، ولزمت ألمانيا الجمود حيال هذا الخلاف، مما جعل هجريا تجنح للتراجع.

إنسحاب العثمانيين

المواقع التاريخية بمنطقة رأس خليج العقبة.

انتهت الحادثة بانسحاب الهجر من طابا في مايوسنة 1906، وتأليف لجنة مصرية هجرية لتسوية مسألة الحدود على قاعدة معاهدة لندن سنة 1840 وتلغرافثمانية أبريل سنة 1892 المرسل إلى الخديوي عباس الثاني والذي خوّل مصر ادارة شبه جزيرة طور سيناء، وانتهت اللجنة من عملها في 1 أكتوبر سنة 1906، إذ تم الاتفاق على الحدود الشرقية على حتى تكون خطا ممتداً من رفح على البحر الأبيض المتوسط إلى نقطة واقعة غربي العقبة بثلاثة أميال، وبقيت طابا ضمن أملاك مصر والعقبة من أملاك هجريا.


اتفاقية ترسيم الحدود الشرقية البرية لمصر

أول أكتوبر 1906 - اتفاقية حدود مصر الشرقية

هذه هى الاتفاقية التى سقط عليها وتبودلت فى رفح 13 شعبان المعظم سنة 1324 الموافق 18 أيلول سنة 1322 الموافق أول أكتوبر سنة 1906 بين مندوبى الدولة العلية ومندوبى الخديوية الجليلة المصرية بشأن تعيين خط فاصل ادارى بين ولاية الحجاز ومتصرفية القدس وبين شبه جزيرة طورسينا. بما أنه قد عهد الى جميع من :

بما أنه قد عُهد إلى جميع من الأميرالاي أركان حرب أحمد مظفر بك والبكباشي أركان حرب "محمد فهمي بك" بصفتهما مندوبا الدولة العلية وإلى جميع من أمير اللواء إبراهيم فتحي والأميرالاي روجر كارمايكل روبرت أوين بك بصفتهما مندوبا الخديوية الجليلة المصرية بتعيين خط فاصل ادارى بين ولاية الحجاز ومتصرفية القدس وبين شبه جزيرة طورسينا قد اتفق الفريقان باسم الدولة العلية والخديوية الجليلة المصرية على ما يأتي:

  • مادة 1 - يبدأ الخط الفاصل الادارى كما هومبين بالخريطة المرفوقة بهذه الاتفاقية من نقطة رأس طابه الكائنة على الساحل الغربى لخليج العقبة ويمتد الى قمة جبل فورت مارا على رؤوس جبال طابه الشرقية المطلة على وادى طابه ثم من قمة جبل فورت يتجه الخط الفاصل بالاستقامات الآتية : من جبل فورت الى نقطة لا تتجاوز مائتى متر الى الشرق من قمة جبل فتحي باشا ومنها الى النقطة الحادثة من تلاقى امتداد هذا الخط بالعمود المقام من نقطة على مائتى متر من قمة جبل فتحى باشا على الخط الذى يربط مركز تلك القمة بنقطة المفرق ( المفرق هوملتقى طريق غزة الى العقبة بطريق نخل إلى العقبة ) ومن نقطة التلاقى المذكورة الى التلة التى الى الشرق من مكان ماء يعهد بثميلة الردادى والمطلة على تلك الثميلة ( بحيث تظل الثميلة غربى الخط) ومن هناك الى قمة رأس الردادى المدلول عليها بالخريطة المذكورة أعلاه بـ A3 ومن هناك الى رأس جبل الصفرة المدلول عليها بـ A4 ومن هناك الى القمة الشرقية لجبل أم قف المدلول عليها بـ A5 ومن هناك الى نقطة مدلول عليها بـ A7 الى الشمال من ثميلة سويلمة ومنها الى نقطة مدلول عليها بـ A8 الى غرب الشمال الغربى من جبل سماوى ومن هناك الى قمة التلة التى الى غرب الشمال الغربى من بئر المغارة ( وهوبئر فى الفرع الشمالى من وادى ما بين بحيثقد يكون البئر شرقى الخط الفاصل) ومن هناك الى A9 ومنها الى A9 bis غربى جبل المقراة ومن هناك الى رأس العين المدلول عليها بـ A10 bis ومن هناك الى نقطة على جبل أم حواويط مدلول عليها بـ A11 ومن هناك الى منتصف المسافة بين عمودين قائمين تحت شجرة على مسافة ثلثمائة وتسعين مترا الى الجنوب الغربى من بئر رفح والمدلول عليه بـ A13 ومن هناك الى نقطة على التلال الرملية فى اتجاه مائتين وثمانين درجة (280) من الشمال المغناطيسى (أعنى ثمانين درجة الى الغرب) وعلى مسافة أربعمائة وعشرين مترا فى خط مستقيم من العمودين المذكورين ومن هذه النقطة يمتد الخط مستقيما باتجاه ثلثمائة وأربع وثلاثين درجة (334) من الشمال المغناطيسى (أعنى ستا وعشرين درجة الى الغرب ) الى شاطئ البحر الأبيض المتوسط مارا بتلة خرائب على ساحل البحر.
  • مادة 2 - قد دل على الخط الفاصل المذكور بالمادة الأولى بخط أسود متبتر فى نسختى الخريطة المرفوقة بهذه الاتفاقية والتى يسقط عليهما الفريقان ويتبادلانها بنفس الوقت الذى يسقطان فيه على الاتفاقية ويتبادلانها.
  • مادة 3 - تقام أعمدة على طول الخط الفاصل من النقطة التى على ساحل البحر الأبيض المتوسط إلى النقطة التى على ساحل خليج العقبة بحيث ان جميع عمود منها يمكن رؤيته من العمود الذى يليه وذلك بحضور مندوبى الفريقين.
  • مادة 4 - يحافظ على أعمدة الخط الفاصل هذه جميع من الدولة العلية والخديوية الجليلة المصرية.
  • مادة 5 - اذا اقتضى فى المستقبل تجديد هذه الأعمدة أوالزيادة عليها فكل من الطرفين يرسل مندوبا لهذه الغاية وتطبق مواقع العمد التى تزاد على الخط المدلول عليه فى الخريطة.
  • مادة 6 - جميع القبائل القاطنة فى كلا الجانبين لها حق الانتفاع بالمياه حسب سابق عاداتها أى حتى القديم يبقى على قدمه فيما يتعلق بذلك وتعطى التأمينات اللازمة بهذا الشأن الى العربان والعشائر وكذلك العساكر الشهانية وأفراد الأهالى والجندرمة ينتفعون من المياه التى بقيت غربى الخط الفاصل .
  • مادة 7 - لا يؤذن للعساكر الشهانية والجندرمة بالمرور إلى غربي الخط الفاصل وهم مسلحون .
  • مادة 8 - تظل أهالي وعربان الجهتين على ما كانت عليه قبلا من حيث ملكية المياه والحقول والأراضي فى الجهتين كما هومتعارف بينهم .
التـوقـيــع
مندوبون من قبل الخديوية الجليلة المصرية       مندوبون من قبل الدولة العلية
أمير اللواء إبراهيم فتحي أميرالاي أركان حرب أحمد مظفر بك
أميرالاي أوين بك بكباشي أركان حرب "محمد فهمي بك"

النتائج

كان من نتائج شعور الكراهية الذي بدا من المصريين حيال الاحتلال في حادثة العقبة حتى قررت الحكومة البريطانية زيادة عدد جيش الاحتلال، فزاد من 2.906 جندياً إلى 4.758، وزادت النفقات التي تتحملها مصر في هذا الصدد من 97.500 جنيه إلى 141.375 جنيهاً، واتىت هذه الزيادة دليلاً على اتساع الهوة بين الأمة والاحتلال وتفنيداً لمزاعم أنصاره الذين كانوا يرجفون بأن الأمة راضية عنه مواليه لحكمه.

حادثة طابا ألهبت موجة من مشاعر الجامعة الإسلامية بقيادة مصطفى تام وغيره، الذين تحدوا حق بريطانيا في التفاوض على أراضي مصرية. وكان مصطفى تام قد بدأ للتوفي نشر جريدة اللواء لإذكاء الروح الوطنية ضد الإنجليز. ولذلك كان مصطفى تام مؤيداً لمطالب الدولة العثمانية في أخذ جزء من شبه جزيرة سيناء.

الأطماع الألمانية في قناة السويس

ثالث زيارة للامبراطور الألماني ڤيلهلم الثاني إلى الدولة العثمانية. ويظهر في عربة مع السلطان العثماني محمد رشاد وأنور پاشا، أكتوبر 1917

التداعيات السياسية

كانت تداعيات أزمة طابا الأولى عميقة الأثر في استكمال مسببات عزلة مصر، وفي استكمال مسببات القطيعة بين مصر والمشرق العربي، وامتدت آثارها بشكل مباشر على الشأن الداخلي المصري، فقد تنازعت مصر تيارات فكرية متوازية ما بين التيار التقليدي القائم على مفهوم التضامن الإسلامي، بهدف مقاومة خطر التغلغل الاستعماري الأوروبية في العالم الإسلامي، ووسيلة المقاومة هي التكتل تحت راية السلطان العثماني وتحت مظلة دولة الخلافة الإسلامية، وفي إطار الجامعة الإسلامية. وفي ظل هذا التيار التقليدي ظهر تيار فكري شديد الالتحام بالتيار الأصلي حيث يؤكد حركة الجامعة الإسلامية تحت لواء السلطان الهجري، ولكنه ينادي بالاستقلال الذاتي المحلي ويطالب بجلاء القوات البريطانية عن مصر. وكان هذا التيار التقليدي مدعوما من السلطان الهجري، وممولا من قبل المعتمد الهجري في مصر، وبتأييد وتحالف مع الخديوي عباس الثاني.

أما التيار الفكري الآخر فقد كان تيارا وطنيا تحريريا له ايديولجية مختلفة تماما، ويمكن حتى نطلق عليه حركة وطنية موجهة ضد الاستعمار البريطاني في مصر، وهيمنته على سياسة ومقدرات مصر. كان لهذه الحركة الوطنية مرتكزات مهمة منها عملية حراك سياسي وحراك اجتماعي ثقافي. كان هدف الحراك السياسي هوالقضية الوطنية والتي سرعان ما تحولت إلى حركة وطنية يقودها المتفهمون والمثقفون أمثال أحمد لطفي السيد، ومحمد حسين هيكل، وقد حسم الأمر لصالح التيار الوطني بعد إعلان الحماية البريطانية على مصر في 1914 لعدة مسببات يمكن ذكر بعض منها:

  1. شحوب الوجود العثماني في مصر منذ قدوم الحملة الفرنسية 1798.
  2. الدولة المركزية القائمة على تحديث الأنظمة الاقتصادية والتعليمية والادارية والعسكرية، ارتبطت بالثقافة الأوروبية التي تمد الايديولوجية الوطنية، وأن من حق جميع قومية حتىقد يكون لها وطن مستقل.
  3. اضمحلال الحزب الوطني بسبب:
    1. أدرك الخديوي عباس الثاني أنه لا فائدة من التعويل على الباب العالي لمقاومة الاحتلال البريطاني، وبالتالي فترت العلاقة بين المركز والوسيلة.
    2. لم يستطع تفسير موقفه تجاه رغبته في التنازل عن أرض مصرية إرضاء لدولة الخلافة الإسلامية على حساب حق الاقليم الأصيل في تام أراضيه.
    3. لم يستطع الحزب الوطني بقيادة مصطفى تام حتى يعترف بأن الدولة العلية والغازي مختار باشا، كانا يمدانه بالمال للقيام بالنادىية ضد الاحتلال البريطاني.
    4. انهيار الحزب الوطني بوفاة زعيمه مصطفى كامل، لقاء ظهور أحزاب سياسية ذات برامج وطنية أكثر تحررا وانفصالا من الجامعة الاسلامية.
  4. تنامي مشاعر الوطنية في مصر وتأكيد هويتها القطرية، في ضوء الانقلاب الدستوري العثماني وما أعقبه من التحول من الجامعة الإسلامية إلى الجامعة الطورانية.
  5. حادثة دنشواي في 13 يونيو1906 التي نبهت الشعور الوطني تنبيها عنيفا ضد سلطات الاحتلال في مصر. وأدرك الشعب المصري حتى الحادثة كانت مظاهرة للقوة، ولترويع الشعب المصري، حتى ينكفئوا على ذاتهم ويؤثرون السلامة. فهم - ولم يستكن - الشعب المصري حتى جميع من يتحدى السلطات المحتلةقد يكون أمثولة لإدخال الخوف والفزع في نفوس المصريين.
  6. خلع الخديوي عباس الثاني عن عرش مصر، بعدما فقدت السلطات البريطانية في مصر الثقة فيه، على إثر اطلاعهم على المراسلات السرية بينه وبين السلطان العثماني أثناء أزمة طابا، فكانت فرصة سفره ونشوب الحرب العالمية الأولى فرصة مواتية.
  7. تغير السياسة البريطانية إزاء مصر لاستيعاب الرأي العام.
  8. تحولات داخلية تلبية للرأي العام المصري المطالب بنظام يكفل اشتراك الأمة مع الحكومة في ادارة شؤونها الداخلية، أي انشاء نظام دستوري.
  9. القضاء على نفوذ المندوب الهجري في مصر، لقاء الهيمنة البريطانية، إلى حتى اضطرت سلطات الاحتلال في أول عهد وزارة بطرس غالي باشا إلى الاعتراف لمصر بحقها في ادارة شؤونها وتخويل مجلس شورى القوانين سلطات البرلمان مع حقه في مراقبة أعمال الحكومة.
  10. رغم مواقف اللورد كرومر الجيدة في أزمة طابا، فإن حادثة دنشواي وتنامي المشاعر الوطنية كانت من أبرز مسببات إنطقة الرجل من منصبه.

كان الحراك السياسي، والحراك الاجتماعي - الثقافي من معين التيارات الفكرية الوطنية التحررية، وإن كان الحراك السياسي يتسم بالفاعلية والنشاط، فإنه على النقيض من الحراك الاجتماعي لأنه يقابل مشكلات شديدة التعقيد، إضافة إلى أنه يتسم بالبطئ الشديد، ويقابل بمقاومة عنيفة بسبب المتراكم العقائدي المغلوط والموروث الثقافي مع ضيق أفق الحياة الاجتماعية التي ترفض التغيير لما سيترتب عنه من تغير الأنساق الاجتماعية والثقافية، إضافة إلى موقف سلطات الاحتلال لكل ما يتعارض مع مصالحها في مصر. كان الحراك الاجتماعي-الثقافي متمثلا في:

  • الدعوة إلى التفكير الحر، وفتح باب الاجتهاد في المسائل الدينية.
  • دعوة قاسم أمين لتحرير المرأة، وحقها في التعليم وحمل الحجاب والمشاركة في الحياة العامة.
  • الدعوة إلى مراجعة النظم السياسية وكتاب الشيخ علي عبد الرازق "الإسلام وأصول الحكم".
  • الدعوة إلى إنشاء جامعة مصرية أهلية.
  • الدعوة إلى تعريب التعليم في مراحله المتنوعة.

تلك بعض ملامح الحراك السياسي والحراك الاجتمااعي التي انعكست نتيجة حدة الصراح الذي احتدم بين الدولة العثمانية التي لها حق الملكية وبين سلطات الاحتلال البريطاني الذي يمثل السلطة العملية، والتي سرعان ما تحولت إلى تيارات فكرية ساعدت المجتمع المصري على التحول الجذري، وبالعمل أتت ثمارها.

لا شك في حتى لأزمة طابا الأولى 1906 انعكاساتها على الحياة السياسية والقوى السياسية والاجتماعية في مصر، تلك الأزمة التي وضعت بذور نشوء القومية المصرية - دون العربية - والانتماء المصري والولاء الوحيد لمصر، أوبعبارة أخرى، تحديد الذات والهوية والشخصية المصرية بعيدا عن الهيمنة العثمانية التي سيطر عليها عامل الدين أوعامل الجامعة الدينية. أيضا للأزمة انعكاساتها في المجال الدولي، فقد كانت الأزمة احدى وسائل تكريس وتطبيق الاتفاق الودي الإنجليزي الفرنسي 1904، فقد كانت محك الاختبار لبيان صلاحيته، ومصداقية أطرافه، إضافة ألى قياس مدى المكاسب التي يمكن جنيها من تضامنها.

وانعكست الأزمة على العلاقات العثمانية-الألمانية، فبالرغم من حتى الأزمة بدأت بسبب رغبة ألمانيا استخلاص أراضي في المشرق العربي لمشروعها سكة حديد الحجاز، إلا حتى ألمانيا من مساندة الدولة العثمانية في لقاءة التحالف الفرنسي-الروسي، والاتفاق الودي الفرنسي الإنجليزي، وهذا الموقف سيدفع هجريا للانضمام لدول الوسط "ألمانيا والنمسا" في لقاءة تكتل دول الوفاق عام 1914 مع بداية الحرب العالمية الأولى.

أيضا أوضحت أزمة طابا - دوليا - حتى الدولة العثمانية التي تبدومتشددة، هي دولة ضعيفة في ذاتها، أشد ضعفا في لقاءة التحالفات الأوروبية، حتى هذا الضعف الواضح والبادي للعيان، أثار دول البلقان التي كانت لا تزال خاضعة للنفوذ العثماني لفتح باب حروب البلقان للتخلص من السيطرة العثمانية لاسترداد حريتها واستقلالها.

أي حتى أزمة طابا الأولى 1906 كانت نموذجا لتعاون القوى الكبرى ضد الدولة العثمانية، وكانت بمثابة انكشاف لضعف هذه الدولة مما أدى إلى:

  • حروب البلقان، أي تراجع النفوذ الهجري من أوروبا.
  • محاربة مشروع الجامعة الإسلامية لتفتيت الممتلكات الهجرية.

في حقيقة الأمر، فإن موقف بعض التيارات السياسية المصرية المؤيدة لمشروع الجامعة الإسلامية، وما بدا من حتى الوطنيين المحليين يفضلون في البلاد الإسلامية التضحية ببلادهم وحقوقهم في أراضيهم، من الوقوف موقف العداء من دولة الخلافة الإسلامية، مما أظهر تلك الحركات أوالتيارات السياسية الوطنية على أنها ليست حركات سياسية تحررية، إنما هي حركات دينية مبنية على الولاء الديني، مما سهل على الدول الاستعمارية (إنجلترا وفرنسا) ضرب الحركات الوطنية، وضرب فكرة الجامعة الإسلامية بحجة مقاومة التعصب الديني، وبنتا سياستهما في العالم العربي على هذا الأساس مما ثبت وقوى نفوذهما ووجودهما لفترة طويلة في المنطقة العربية.

وما يخص موضوع الدراسة، أنه نتيجة للحياة السياسية ودور القوى السياسية المصرية، إضافة إلى سياسة سلطات الاحتالال التحكمية، فإن الخط الفاصل الذي لم يرق إلى مرتبة حدود دولية بحكم وضعية مصر القانونية واستمرار تبعية مصر الاسمية للدولة العثمانية، قد أخذ يزداد صلادة حتى عام 1914، وتحول الخط إلى حدود دولية في شرق مصر بعد أعلان الحماية البريطانية عليها.

ورغم تحوطات الدولة العثمانية في استمرار تبعية مصر لها كاحدى ولاياتها بحق الملكية، فإن حكومة لندن كانت تتحين الفرصة الملائمة ل:

  1. خلع الخديوي عباس من خديوية مصر.
  2. الاستئثار بمصر كمستعمرة بريطانية.
  3. شل فاعلية المندوب السامي الهجري في مصر.

وبالعمل مع نشوب الحرب العالمية الأولى في يوليو1914، وأثناء وجود الخديوي عباس الثاني في الأستانة لتمضية الصيف كعادته جميع عام، فقد رفضت الحكومة البريطانية مساعدته في العودة إلى مصر، ونصحته بالاتجاه إلى بلد محايد وليكن إيطاليا. والواقع حتى بريطانيا لم ترغب في مساعدة الخديوي في العودة إلى مصر لأنه لم يكن في توجهه السياسي بالنسبة لبريطانيا ما يشجعها على أجابة طلبه، خشيت حتى يزداد مركزها حرجا في هذه الظروف خلال فترة الحرب، فقررت عزله وعينت بدلا منه السلطان حسين تام في 19 ديسمبر 1914.

وقد عينت الحكومة البريطانية مندوبا بريطانيا ساميا وهوالسير هنري مكماهون، وبدلت اسم الوكالة البريطانية بدار الحماية البريطانية، وقد طرح السيد ملن شيتهام نائب الحكومة البريطانية في القاهرة سياسة حكومة لندن في عهد مصر الجديد في ظل الحماية البريطانية من خلال بلاغ أوفده إلى البرنس حسين كامل. من تحليل مضمون هذا البلاغ يمكن تحديد التالي بالترتيب وفق ما اتى بالبلاغ:

  1. أن نشوب الحرب ودخول هجريا إلى جانب دولتي الوسط، نتج عنه تغير في مركز مصر.
  2. أن بريطانيا ودول الحلفاء حريصون على عدم انتهاك حقوق الدولة العثمانية. إلا حتى هجريا أعربت الحرب واجتازت الحدود المصرية، وهاجم الأسطول الهجري الموانئ الروسية بقيادة ألمانية.
  3. لدى حكومة لندن الادلة الكافية على حتى الخديوي عباس قد انضم إلى أعداء بريطانيا منذ نشوب الحرب.
  4. سقوط جميع حقوق سلطان هجريا والخديوي عباس على مصر، وآلت إلى البرنس حسين تام الذي اعطته لقب سلطان مصر.
  5. جيوش بريطانيا هي المعنية الوحيدة بمسئولية الدفاع عن مصر.
  6. ضرورة تشكيل حكومة جديدة في ظل الوضعية الجديدة بعد استرداد حقوق السيادة وجميع الحقوق الاخرى.
  7. أن خير وسيلة للدفاع عن مصر هوإعلان الحماية البريطانية، واعتبار مصر محمية بريطانية، ولكن سيظل حكم مصر في أسرة محمد علي.
  8. أن بزوال السيادة العثمانية، تزول جميع القيود المفروضة بمقتضى الفرمانات والخاصة بعدد الجيش المصري، وحق السلطان في منح الرتب والنياشين.
  9. إلغاء وزارة الخارجية المصرية، لأن دار الحماية البريطانية هي المعنية بشؤون العلاقات الدولية.
  10. فيما يخص ادارة البلاد الداخلية، فإن التدرج في إشراك المحكومين في الحكم مشروط بمقدار ما تسمح به حالة الأمة من الرقي السياسي، وأن حكومة بريطانيا ترى حتى تحديد مركزها في مصر سيؤدي إلى التقدم سريعا نحوالحكم الذاتي.
  11. تؤكد على احترام العقائد الدينية ومذاهبها، مع التأكيد على أنه لا علاقة بين الروابط السياسية والروابط الدينية.
  12. ضرورة اجراء اصلاحات لتهيئة المصريين لتسهيل مهمة قائد الجيوش البريطانية المكلف بحفظ الأمن داخل البلاد وبمنع جميع عون للعدو.

هذا البلاغ يحتوي على أمور متعددة ويمكن تقسيمه إلى ثلاثة أقسام، فالقسم الأول يتناول تبريرا وتوضيحا لما طرأ على وضعية ومركز مصر. يوضح البيان أنه بسبب دخول هجريا الحرب في جانب ألمانيا، أي الجبهة المعادية لإنجلترا وحلفائها، وبسبب اجتياز القوات الهجرية الحدود الشرقية المصرية، والاعتداء عليها ودخول سيناء، لذا سقطت جميع حقوق هجريا في مصر.

وأيضاً بسبب الأدلة التي تؤكد انحياز الخديوي عباس إلى ألمانيا منذ نشوب الحرب، فقد سقط عنه حق حكم مصر وتم عزله، واستبداله بالبرنس حسين كامل، الذي منح لقب سلطان مصر. فقد رفضوا استخدام لقب خديوي باعتباره مسمى هجرياً ويشير بشكل ما إلى الدولة العثمانية، لذا استبعدوا استخدام هذا المسمى لإزالة أي لبس أوأي شكل من أشكال الارتباط بالدولة العثمانية، وكذلك لم يخلعوعليه لقب ملك مصر، حتى لا يتساوى جلالة ملك مصر مع جلالة ملك بريطانيا العظمى. ولكن حافظت حكومة لندن على حتىقد يكون الحكم من أمراء العائلة الخديوية طبقا للنظام الوراثي المعمول به.

أما القسم الثاني من البلاغ، فقد كان بهدف إعلان الحماية على مصر، أي حتى مصر مستعمرة بريطانية، وأن القوات البريطانية لها لحق ومسئوله - وحدها - عن الدفاع عن أمن مصر. وكذلك معنى الحماية حتى جميع الرعايا المصريين مشمولون بحماية حكومة ملك بريطانيا: لاشك في حتى هذه العبارة الأخيرة هي من قبيل الأساليب الدبلوماسية الفارغة المضمون، وهوما ستشهد به الأحداث حتى قيام ثورة 23 يوليو1952.

وأيضاً بتضمين هذا القسم، حتى وكيل الحكومة البريطانية هوفقط المعني بالعلاقات الخارجية، وبالتالي لا داعي لوزارة الخارجية المصرية، فهناك الوكيل المعني بتمثيل مصر دولياً.

ويشير القسم الثاني من البلاغ، على ضرورة طرح ومناقشة المعاهدات الدولية المعروفة بالامتيازات الأجنبية فيما بعد حتى تضع الحرب أوزارها.

أما القسم الثالث، والقسم الذي يكمل الصورة الاستعمارية في أسوأ صورها، حيث تدعى حتى بريطانيا وتنطقيدها السياسية الراسخة وبالاتحاد مع حكومة مصر يفترض أن تضمن الحرية الشخصية، وترقية التعليم، وإنماء مصادر ثروة البلاد الطبيعية، واتقدم الوعد بالتدريج - فيما بعد - في إشراك الشعب في الحكم ولكن الامر مشروط بدرجة الرقي السياسي للشعب المصري حتىقد يكون قادرا على ادارة الحكم وصولا إلى الاهدف وهوالحكم الذاتي. حتى صياغة البيان ليس بجديد على الدول الاستعمرياة، فهي وسيلتها كمحاولة لتبرير وجودها غير الشرعي، وسيلة قد يصدقها البعض لحين، ومن أسوأ الصياغات هي الوعد بمنح مصر الحكم الذاتي، رغم رؤيتها لنموالحركة الوطنية، وتزايد مشاعر الوطنية، والمطالبة بالاستقلال التام، لم تكن تهدف إلى الوصول إلى الحكم الذاتي تحت اشراف هيمنة بريطانية، وإنما يريدون عودة الوطن إلى أهله الأصليين.

وفي إطار البلاغ، يؤكد ملن شتيهام حتى حرية واحترام العقائد والمذاهب مكفولة، مع التأكيد على حتى اخلاص المسلمين المصرييين للخلافة لا علاقة له البتة بالروابط السياسية التي تربط بين مصر والأستانة.

وكذلك يطلب البلاغ من سلطان مصر حسين تام اجراء اصلاحات داخلية من شأنها تسهيل مهمة قائد الجيوش البريطانية، ومنع جميع عون للعدو، كان المقصود بالعدوالأول هجريا حيث المشاعر الدينية التي تجذب المواطنين البسطاء.

والعدوالثاني ألمانيا والنمسا، حتى لا تنجذب إليها قوى سياسية مصرية مؤيدة لألمانيا باعتبارها الدولة القوية المنتصرة التي تجتاح أوروبا، مما يسبب بلبلة في الشأن الداخلي، ويفتت الجبهة المصرية باعتبارها محمية بريطانية لابد حتى تلعب دور المؤيد والمساند والمعاون لها.

أي حتى الأمر تراوح ما بين التهيئة الداخلية، وما بين التهديد وهوما يعني حتى الأمر يحتاج إلى اجراءات استثنائية وفرض حالة الطوارئ والأحكام العهدية وفرض الرقابة على المطبوعات، إضافة إلى اجراءات أمنية مشددة داخل البلاد.

تلك طبائع الأمور في حالة دولة مستعمرة من قرون عديدة، وتقابل مستعمراً جديدا يطمع في فرض سيطرته على البلاد ومقدراتها، ولكن يظل البلاغ هوالصيغة الاستعمارية بانادىءاتها، التي تكرر نفسها حتى يومنا هذا.

وأهم ما يخص موضوع الدراسة، أنه سقطت حقوق الدولة العلية في مصر، ولم يعد الخط الاداري الفاصل في إطارة حوزة الدولة العثمانية، ولكنه أصبح حداً دولياً، ويتأكد ذلك من خلال مجموعة اجراءات مهمة تمت فيما بين الحرب العالمية الأولى 1914-1918، ثم في فترة الانتداب على فلسطين 1923-1948، ثم فيما بعد حرب 1948.

خليج العقبة، أم الرشراش، طابا

حدود مصر الشرقية بعد الهدنة وبعد عملية عوڤدا مارس 1949

الرأي العام

عندما احتلت هجريا طابا واعتبرتها أملاكاً هجرية، في مطلع عام 1906، صرح السلطان العثماني عبد الحميد الثاني: "أن شبه جزيرة سيناء تتبع الدولة العثمانية." واحتلت قوة هجرية مدينة طابا. فاعترضت الحكومة الانجليزية علي هذا الفرمان. خط مصطفى تام فى افتتاحية جريدة اللواء (22/4/1906)

"مصر لا ولاية لها على سيناء، وأنّ الفرمانات التى تـُعطى لمصر

سلطة إدارة سيناء إجراءات مؤقتة لا تؤثر فى الحق العثمانى الأصيل.

وفى عددثمانية مايو1906 خط منطقا آخر نطق فيه إنّ

حادث طابا يجب أنْ يُنظر إليه على أنه خلاف بين دولة مُحتلة بالاغتصاب هى بريطانيا، ودولة هى صاحبة السيادة على مصر هى هجريا.

أما أحمد لطفي السيد فهاجم الاحتلال الهجري لطابا ونطق: " سيناء أرض مصرية ومصر للمصريين فقط. " وخط في صحيفة الجريدة:

"مصر ليست جزءاً من دولة الخلافة ويجب ألا تتبع هجريا، لأنّ سيادة هجريا لا تجلب لمصر منفعة ولا تدفع عنها مضرة ولا تستطيع أنْ تـُنقذها من الاحتلال البريطانى الذى لا يمكن الخلاص منه إلاّ بالاعتماد على أنفسنا. وأنّ مصر يجب أنْ تكون للمصريين، لا للإنجليز ولا للعثمانيين."

انظر أيضاً

  • حدود مصر الشرقية
  • قناة السويس
  • الاحتلال البريطاني لمصر
  • الاتفاق الودي
  • الحلف الثلاثي
  • الاستيطان اليهودي
  • مقترحات وطن بديل للفلسطينيين في سيناء

الهامش

  1. ^ Thompson, Elizabeth. "Aqaba Incident". encyclopedia.com.
  2. ^ Artur Goldschmidt (2000). "Biographical dictionary of modern Egypt". Lynne Rienner Publishers. p. 102.
  3. ^ ألفت أحمد الخشاب (2008). تاريخ تطور حدود مصر الشرقية. دار الشروق.
  4. ^ Nurit Kliot (1995). "The evolution of the Egypt-Israel boundary: from colonial foundations to peaceful". IBRU. pp. 4 of 21.
  5. ^ P. Toye (1989). "Palestine Boundaries 1833–1947". Cambridge Archive Editions. pp. 2, 500 pages. ISBN  Check |isbn= value: invalid character (help).
  6. ^ Hugh Chisholm (1911). "Egypt: Taba Incident". Encyclopædia britannica. p. 118.
  7. ^ عبد الرحمن الرافعي (1984). مصطفى تام باعث الحركة الوطنية. دار المعارف.
  8. ^ الدكتور أنطون صفير بك. "اتفاقية حدود مصر الشرقية". محيط الشرائع - 1856 - 1952. pp. ص 1617.

المراجع

  • ألفت أحمد الخشاب (2008). تاريخ تطور حدود مصر الشرقية - وتأثيره على الأمن القومي المصري 1892-1988. القاهرة: دار الشروق. pp. 533 صفحة. ISBN  Check |isbn= value: checksum (help).
  • Holt, P. M. Egypt and the Fertile Crescent 1516–1922: A Political History. Ithaca, NY: Cornell University Press, 1966.
  • Vatikiotis, P. J. The History of Modern Egypt: From Muhammad Ali to Mubarak, 4th edition. Baltimore, MD: Johns Hopkins University Press, 1991.
تاريخ النشر: 2020-06-06 00:00:43
التصنيفات: CS1 errors: ISBN, طابا، جنوب سيناء, 1906 في مصر, 1906 في الدولة العثمانية, 1906 في فلسطين, الحدود الفلسطينية المصرية, الحدود الإسرائيلية المصرية, العقبة, خليج العقبة

مقالات أخرى من الموسوعة

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

آخر الأخبار حول العالم

بالأرقام.. أسعار إطلالات سيدات العالم الأوائل من أشهر بيوت الأزياء

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-01-17 17:23:17
مستوى الصحة: 46% الأهمية: 60%

طبيب سوري أمام القضاء الألماني

المصدر: جريدة الرياض - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-01-17 17:28:17
مستوى الصحة: 72% الأهمية: 78%

لبنانيون يعتصمون دعماً للقاضي البيطار

المصدر: جريدة الرياض - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-01-17 17:28:15
مستوى الصحة: 76% الأهمية: 78%

"كوفيد-19".. 3177 إصابة جديدة و18 حالة وفاة خلال ال24 ساعة الأخيرة

المصدر: MAP ANTI-CORONA - المغرب التصنيف: صحة
تاريخ الخبر: 2022-01-17 17:23:24
مستوى الصحة: 83% الأهمية: 85%

الكويت تدين "العدوان الإرهابي" على الإمارات

المصدر: مصراوى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2022-01-17 17:24:43
مستوى الصحة: 49% الأهمية: 64%

مقتل 12 شخصًا على الأقلّ إثر زلزال ضرب أفغانستان

المصدر: جريدة الرياض - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-01-17 17:28:21
مستوى الصحة: 77% الأهمية: 85%

منظمة العمل الدولية: انتعاش سوق العمل بعد «كورونا» سيتطلب أعواماً

المصدر: ألشرق الأوسط - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-01-17 17:27:58
مستوى الصحة: 91% الأهمية: 85%

التعليم: لا تعطيل للدراسة وامتحانات الترم الأول للطلاب تعقد بالمدارس

المصدر: اليوم السابع - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2022-01-17 17:24:14
مستوى الصحة: 41% الأهمية: 45%

أسترازينيكا: الجرعة الثالثة تساعد في التصدي لمتحورات كورونا

المصدر: طنجة 7 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-01-17 17:23:40
مستوى الصحة: 50% الأهمية: 66%

شباب الأهلي يتعادلون مع الإسماعيلي بروح +90 فى كأس الرابطة

المصدر: اليوم السابع - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2022-01-17 17:24:12
مستوى الصحة: 42% الأهمية: 46%

كيف تذهب إلى معرض القاهرة الدولى للكتاب.. تعرف على 11 خط سير

المصدر: اليوم السابع - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2022-01-17 17:24:16
مستوى الصحة: 30% الأهمية: 38%

تسونامي يعزل أرخبيل تونغا عن العالم

المصدر: جريدة الرياض - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-01-17 17:28:11
مستوى الصحة: 66% الأهمية: 82%

عرض عسكري لطالبان بعد اشتباك مع متمردين

المصدر: جريدة الرياض - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-01-17 17:28:13
مستوى الصحة: 80% الأهمية: 76%

كوريا الشمالية تنتهك العقوبات الجديدة

المصدر: جريدة الرياض - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-01-17 17:28:19
مستوى الصحة: 69% الأهمية: 79%

واشنطن تدعو بيونغ يانغ «للتوقف» عن الإطلاق «غير القانوني» للصواريخ

المصدر: ألشرق الأوسط - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-01-17 17:27:57
مستوى الصحة: 85% الأهمية: 97%

إيران تبدي تفاؤلها نحو مسار المحادثات النووية في فيينا

المصدر: مصراوى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2022-01-17 17:24:39
مستوى الصحة: 50% الأهمية: 69%

ثلاثة قتلى في احتجاجات السودان رفضاً للحكم العسكري

المصدر: ألشرق الأوسط - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-01-17 17:27:54
مستوى الصحة: 99% الأهمية: 99%

فلكية جدة: القمر «البدر» يزين السماء الليلة

المصدر: جريدة الرياض - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-01-17 17:28:26
مستوى الصحة: 72% الأهمية: 79%

السعودية تتهم ميليشيا الحوثي بالهجوم الإرهابي على مطار أبو ظ

المصدر: مصراوى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2022-01-17 17:24:36
مستوى الصحة: 45% الأهمية: 53%

البنك الخارجي يطلق شباكين جديدين للصيرفة الإسلامية بالعاصمة

المصدر: جريدة النصر - الجزائر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-01-17 17:25:45
مستوى الصحة: 58% الأهمية: 50%

فاس - فاس نيوز ميديا

المصدر: فاس نيوز - المغرب التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2022-01-17 17:27:33
مستوى الصحة: 59% الأهمية: 65%

تحميل تطبيق المنصة العربية