ذي قار هي معركة شهيرة قامت في جنوب العراق بين العرب والفرس إنتصر فيها العرب. وكان من أعظم أيام العرب ، وأبلغها في توهين أمر الأعاجم ، وهويوم لبني شيبان ، وهوأول يوم انتصرت فيه العرب على العجم . وخبره كالتالي :

ذكر كسرى بن هرمز يوماً الجمال العربي ، وكان في مجلسه رجل عربي ينطق له : زيد بن عدي ، وكان النعمان قد غدر بأبيه وحبسه ثم قتله ، فنطق له : أيها الملك العزيز إذا خادمك النعمان بن المنذر عنده من بناته وأخواته وبنات عمه وأهله أكثر من عشرين امرأة على هذه الصفة .

وأوفد كسرى زيداً هذا إلى النعمان ومعه مرافق لهذه المهمة ، فلما دخلا على النعمان نطقا له : إذا كسرى أراد لنفسه ولبعض أولاده نساءاً من العرب ، فأراد كرامتك ، وهذه هي الصفات التي يشترطها في الزوجات . فنطق له ا لنعمان : أما في مها السواد وعين فارس ما يبلغ به كسرى حاجته ،يا ترى؟ يا زيد سلّم على كسرى ، قل له : إذا النعمان لم يجد فيمن يعهدهن هذه الصفات ، وبلغه عذري . ووصل زيد إلى كسرى فأوغر صدره ، ونطق له : إذا النعمان يقول لك : ستجد في بقر العراق من يكفينك .

فطار صواب كسرى وسكت لكي يأمن النعمان بوائقه ، ثم أوفد إلى النعمان يستقدمه ، فعهد النعمان أنه مقتول لا محالة ، فحمل أسلحته ومضى إلى بادية بني شيبان حيث لجأ إلى سيدهم هانئ بن مسعود الشيباني وأودع عنده نسوته ودروعه وسلاحه ، ومضى إلى كسرى ، فمنعه من الدخول إليه وأهانه ، وأوفد إليه من ألقى القبض عليه ، وبعث به إلى سجن كان له ، فلم يزل به حتى سقط الطاعون هناك فمات فيه .

وأقام كسرى على الحيرة ملكاً جديداً هوإياس بن قبيصة الطائي ، وكلفه حتى يتصل بهانئ بن مسعود ويحضر ما عنده من نساء النعمان وسلاحه وعتاده ، فلما تلقى هانئ خطاب كسرى رفض تسليم الأمانات ، فخيره كسرى إما حتى يعطي ما بيده ، أوحتى يرحل عن دياره ، أوحتى يحارب ، فاختار الحرب ، وبدأ يعد جيشاً من بكر بن وائل ومن بني شيبان ومن عجل ويشكر والنمر بن قاسط وبني ذهل .

وفي أثناء ذلك جمع كسرى نخبة من أبطال الفرس ومن قبائل العرب التي كانت موالية له وخصوصاً قبيلة إياد ، ووجههم ليجتاحوا هانئاً ويحضروه صاغراً إلى كسرى.

فلما وصل جيش كسرى وحلفاؤهم من العرب أوفدت قبيلة إياد إلى هانئ : نحن قدمنا إلى قتالك مرغمين ، فهل نحضر إليك ونفرّ من جيش كسرى،يا ترى؟ فنطق لهم : بل قاتلوا مع جنود كسرى ، واصمدوا إلينا أولاً ، ثم انهزموا في الصحراء ، وإذ ذاك ننقض على جيش كسرى ونمزقهم .

وقدم الجيش الفارسي وحلفاؤهم من إياد فوجدوا جيش هانئ قد اعتصم بصحراء لا ماء فيها ولا شجر ، وقد استقى هانئ لجيشه من الماء ما يكفيهم ،فبدأ الفرس يموتون من العطش ، ثم انقضوا على جيش هانئ كالصواعق ، وبينما هم في جحيم المعركة انهزمت قبيلة إياد أمام هانئ وانقضت على الفرس الذين حولها ، فأثخنت فيهم ومزقتهم ، وقتل جميع أبطال فارس الذين أوفدهم كسرى لإحضار هانئ حياً ، فلما رجعت بعض فلول الفرس إلى كسرى إذا هم كالفئران الغارقة في الزيت .

وكانت ساحة ذي قار أرضاً يغطي الزفت والقطران كثيراً من أرضها ، فلما رآهم كسرى على ذلك الشكل نطق لهم : أين هانئ ،يا ترى؟ وأين أبطالكم الذين لا يعهدون الفرار، فسكتوا فصاح بهم ، فنطقوا : لقد استقبلنا العرب في صحرائهم فتهنا فيها ومات جميع القادة وخانتنا قبيلة إياد حين رأوا بني جنسهم ، فكاد كسرى يفقد عقله ، ولم يمضي عليه وقت قصير حتى توفي حسرة ، فتولى مكانه ابنه شيرويه .

وقد وقع بعض من جاء يوم ذي قار حتى قبائل بكر استصحبوا من خلفهم نساءهم وانقضوا على الجيش الفارسي ، فبرز أحد العلوج وطلب المبارزة فانقض عليه عربي من بني يشكر اسمه برد بن حارثة اليشكري فقتله ، وكان هانئ قد نصب كميناً من وراء الجيش الفارسي ، فانقض الكمين على الملك الجديد الذي كان كسرى عينه خلفاً للنعمان بن المنذر ، وفي أثناء ذلك أحس العرب روابط الأخوة التي تنتظمهم ، فانسحب من جيش فارس كثير من العرب الذين كانوا يعطون ولاءهم لفارس من قبائل تميم وقيس عيلان فانقضوا على الفرس الذين يلونهم بعد حتى كانوا يدينون بالولاء لهم ، وعهد العرب أنهم كانوا مخدوعين بملك رخيص كان كسرى يضحك به على بعض أذنابه منهم .

البداية

تحامل كسرى بن هرمز على النعمان في كثير من الأمور حيث أبى النعمان أعطى يد العون أومصاحبة كسرى إلى بلاد الروم عندما هرب من قائد جيشه بهرام جوبين. وكذلك رفض طلبا لكسرى حتى يهب له جوادا عربيا أصيلا كان قد طلبه منه. ثم اتىت الطامة الكبرى حيث طلب كسرى منه حتى يزوجه إبنته التي هي آية من الجمال فرفض، وقد ذكرت المصادر العربية السيرة بأن كسرى ذكر يوماً الجمال العربي وكان في مجلسه رجل عربي ينطق له: زيد بن عدي وكان النعمان قد غدر بأبيه عدي بن زيد وحبسه ثم قتله فنطق له: أيها الملك العزيز إذا النعمان بن المنذر عنده من بناته وأخواته وبنات عمه وأهله أكثر من عشرين امرأة على هذه الصفة.

وأوفد كسرى زيداً هذا إلى النعمان ومعه مرافق لهذه المهمة، فلما دخلا على النعمان نطقا له: إذا كسرى أراد لنفسه ولبعض أولاده نساءً من العرب فأراد كرامتك وهذه هي الصفات التي يشترطها في الزوجات. فقرأ عليه بالصفة التي أرادها. فشق ذلك على النعمان فنطق لزيد والرسول يسمع: أما في مها السواد وعين فارس ما يبلغ به كسرى حاجته،يا ترى؟ فنطق الرسول لزيد بالفارسية:ما المها والعين،يا ترى؟ فرد بالفارسية: "كاوان" أي البقر. فأمسك الرسول، فنطق زيد للنعمان: إنما أراد الملك كرامتك، ولوفهم حتى هذا يشق عليك لم يخط إليك به. فأنزلهما يومين عنده، ثم خط إلى كسرى: إذا الذي طلبه الملك ليس عندي، ونطق لزيد: اعذرني عند الملك.

فوصل زيد إلى كسرى فقرأ عليه كتاب النعمان. وأوغر صدره ونطق: فسل هذا الرسول الذي كان معي عما نطق. فنطق للرسول: مانطق،يا ترى؟ فنطق الرسول: أيها الملك، إنه نطق: أما في بقر السواد وفارس ما يكفيه حتى يطلب ماعندنا،يا ترى؟ فعهد الغضب في وجهه، وسقط في قلبه ما سقط، ولكنه لم يزد على حتى نطق: رب عبد قد أراد ماهوأشد من هذا، ثم صار أمره إلى التباب. فشاع هذا الكلام حتى بلغ النعمان، وسكت كسرى أشهرا على ذلك، وجعل النعمان يستعد ويتسقط، حتى أتاه كتاب كسرى.

طلب كسرى للنعمان

محاولته الهرب

أوفد كسرى إلى النعمان يستقدمه، فعهد النعمان أنه مقتول لا محالة فحمل أسلحته وما قوي عليه، ثم لحق بجبل طيء، وكان متزوجا إليهم، فأراد النعمان من طيء حتى تدخله الجبل وتمنعه، فأبوا خوفا من كسرى، ونطقوا له: لولا صهرك لقتلناك، فإنه لاحاجة بنا إلى معاداة كسرى ولا طاقة لنا به. فأقبل يطوف على قبائل العرب وليس أحد منهم يقبله، إلا بني رواحة من قطيعة بن عبس نطقوا له: إذا شئت قاتلنا معك -لمنة كانت له عندهم- فنطق: ما أحب حتى أهلككم، فإنه لاطاقة لكم بكسرى.

ومضى إلى بادية بني شيبان سرا، فلقي هانئ بن مسعود الشيباني، وكان سيدا منيعا، فاستجار به فأجاره، ونطق له: قد لزمني ذمامك، وأنا مانعك مما أمنع نفسي وولدي منه، وما بقي من عشيرتي الأدنين رجل، ولكن ذلك غير نافعك، لأنه مهلكي ومهلكك، وعندي لك رأي، لست أشير به عليك لأدفعك عما تريده من مجاورتي، ولكنه الصواب. فنطق: هاته. نطق: إذا جميع أمر يجمل بالرجل حتىقد يكون عليه إلا حتىقد يكون بعد الُملكِ سُوقة، والموت نازل بكل أحد، ولأن تموت كريما خير من حتى تتجرع الذل أوتظل سوقة بعد الملك، هذا إذا بقِيتَ، فامض إلى صاحبك، واحمل إليه هدايا ومالا، والق بنفسك بين يديه، فإما حتى صفح عنك فعدت ملكا عزيزا، وإما حتى أصابك فالموت خير من حتى يتلعّب بك صعاليك العرب ويتخطفك ذئابها، وتأكل مالك وتعيش فقيرا مجاورا أوتقتل مقهورا. فنطق: كيف من الممكن أن بحرمي،يا ترى؟ نطق: هن في ذمتي لا يخلص إليهن حتى يخلص إلى بناتي. فنطق: هذا وأبيك الرأي السليم ولن أجاوزه.

ذهابه إلى كسرى

اختار النعمان خيلا وحللا يمانية وجواهر ووجه بها إلى كسرى، وخط إليه يعتذر، ويفهمه أنه صائر إليه. ووجه بها مع رسوله، فقبلها كسرى وأمره بالقدوم إليه، فعاد إليه الرسول فأبلغه بذلك وأبلغه بأنه لم ير له عند كسرى سوءا. فأودع هانئ بن مسعود أهله وماله وفيه أربعمائة درع وقيل ثمانمائة درع. وتوجه النعمان إلى كسرى فلقي زيد بن عدي على قنطرة ساباط فنطق: انج نعيم إذا استطعت الناتى. فنطق: أنت يا زيد عملت هذا! أما والله لئن انفلت لأعملن بك ما عملت بأبيك. فنطق له زيد: امض نعيم فقد والله وضعت لك عنده أخية لا يبترها المهر الأرن. فلما بلغ كسرى أنه بالباب بعث إليه فقيده وبعث به إلى خانقين حتى سقط الطاعون فمات فيه نطق: والناس يظنون أنه توفي بساباط ببيت الأعشى وهويقول: فذاك وما أنجى من الموت ربّه بساباط حتى توفي وهومحرزق وكان موته قبل الإسلام سنة 595-604م.

ماقبل المعركة

أقام كسرى على الحيرة ملكاً جديداً هوإياس بن قبيصة الطائي وكلفه حتى يتصل بهانئ بن مسعود ويحضر ماعنده من نساء النعمان وسلاحه وعتاده، فبعث إياس إلى هانئ يأمره بأن يرسل ما استودعه النعمان عنده من الدروع وغيرها، ونطق له: لا تكلفني حتى أبعث إليك ولا إلى قومك بالجنود تقتل المقاتلة وتسبي الذرية. فأبى هانئ حتى يسلم ما عنده. ورغم ذلك فإن الروايات تتحدث حتى إياس نفسه لم يكن يود للفرس وكان يتمنى هزيمتهم؛ إذ أخر العرب وجعل الفرس في المقدمة أمام البكريين، مما مهّد الطريق لقبائل العرب بالانسحاب من أرض المعركة بناءا على اتفاقها السري مع بني شيبان وبكر.

فلما أبى هانئ غضب كسرى، فأوفد إلى إياس بن قبيصة، واستشاره في الغارة على بكر، فنطق له: ماذا ترى،يا ترى؟ وكم ترى حتى نغزيهم من الناس،يا ترى؟ فنطق له إياس: أرى ان تبعث عليهم العيون حتى ترى غرة منهم، ثم ترسل حلبة من العجم فيها بعض القبائل التي تليهم، فيسقطون بهم سقطة الدهر ويأتونك بطلبتك. فنطق له كسرى: أنت رجل من العرب، وبكر بن وائل أخوالك، فأنت تتعصب لهم ولا تألوهم نصحا. فنطق إياس: رأي الملك أفضل. فقام إليه عمروبن عدي بن زيد -أخوزيد بن عدي- وكان محرره وترجمانه بالعربية وفي أمور العرب، ونطق له: أقم أيها الملك، وابعث إليهم بالجنود يكفونك. وكان عنده النعمان بن غرسة التغلبي وهويحب هلاك بكر بن وائل فنطق لكسرى: أمهلهم حتى يقيظوا ويتساقطوا على ذي قار تساقط الفراش في النار فتأخذهم كيف من الممكن أن شئت. فوافقه كسرى وأقرهم، حتى إذا قاظوا اتىت بكر بن وائل فنزلت بالحنو، حنوذي قار.

مسير جيش كسرى إلى ذي قار

لما بلغ كسرى نزول بكر بن وائل حنوذي قار، عقد للنعمان بن غرسة على تغلب، وخالد بن يزيد البهراني على قضاعة وإياد، جعل إياس بن قبيصة على العرب كلها ومعه كتيبتاه الشهباء والدوسر، وكانت العرب ثلاثة آلاف، وعقد للهامرز على ألف من الأساورة، وعقد لخنابرين على ألف، وبعث معهم باللطيمة -وهي عير تخرج من العراق فيها البز والعطر والألطاف، توصل إلى باذان عامل كسرى باليمن- وأمر عمروبن عدي حتى يسير بها، وكانت العرب تخفرهم وتجيرهم حتى تصل اليمن، وعهد إليهم كسرى إذا شارفوا بلاد بكر ودنوا منها حتى يبعثوا النعمان بن غرسة يأخذ منهم وديعة النعمان ومائة غلام منهمقد يكونون رهنا بما أحدث سفهائهم، أوالقتال، وقد كان كسرى قد عاقب بني تميم يوم الصفقة عندما نهبوا اللطيمة، لذا فالعرب وجلة وخائفة منه. فأوفدت هند بنت النعمان تنذر بكر بن وائل بالجيش.

سار هانئ بن مسعود حتى انتهى إلى ذي قار فنزل به. وأقبل النعمان بن غرسة حتى هبط على ابن أخته مرة بن عمرومن بني عجل فحمد الله النعمان وأثنى عليه ثم نطق إنكم أخوالي وأحد طرفي وإن الرائد لا يكذب أهله وقد أتاكم مإلا قبل لكم به من أحرار فارس وفرسان العرب والكتيبتان الشهباء والدوسر وإن في هذا الشر خيارا. ولأن يفتدي بعضكم بعضا خير من حتى تصطلموا فانظروا هذه الحلقة فادفعوها وادفعوا رهنا من أبنائكم إليه بما أحدث سفهاؤكم. فنطق له القوم: ننظر في أمرنا.

رد بني بكر على طلب كسرى

انتظرت بكر بن وائل حتى مقدم ساداتهم، فقدم أولا حنظلة بن ثعلبة بن سيار العجلي
فنطقوا: يا أبا معدان قد طال انتظارنا وقد كرهنا حتى نبتر أمرا دونك وهذا ابن أختك النعمان بن غرسة قد اتىنا والرائد لا يكذب أهله.
نطق: فما الذي أجمع عليه رأيكم واتفق عليه ملؤكم.
نطقوا: نطق إذا اللخي أهون من الوهي وإن في الشر خيارا ولأن يفتدي بعضكم بعضا خير من حتى تصطلحوا جميعا.
نطق حنظلة: فقبح الله هذا رأيا لا تجر أحرار فارس غرلها ببطحاء ذي قار وأنا أسمع الصوت ثم أمر بقبته فضربت بوادي ذي قار ثم هبط ونزل الناس فأطافوا به.فنطق: لاأرى غير القتال، فإنا إذا ركبنا الفلاة متنا عطشا، وإن أعطينا مابأيدينا تقتل مقاتلتنا وتسبى ذرارينا. ثم نطق لهانئ بن مسعود: يا أبا أمامة إذا ذمتكم ذمتنا عامة وإنه لن يوصل إليك حتى تفنى أرواحنا فأخرج هذه الحلقة ففرقها بين قومك فإن تظفر فسترد عليك وإن تهلك فأهون مفقود. فأمر بها فأخرجت ففرقها بينهم ثم نطق حنظلة للنعمان: لولا أنك رسول لما أبت إلى قومك سالما. فرجع النعمان إلى أصحابه فأبلغهم بما رد عليه القوم فباتوا ليلتهم مستعدين للقتال وباتت بكر بن وائل يتأهبون للحرب، وقد استقوا الماء لنصف شهر تحسبا للمعركة.

مساعدة قبائل العرب لبكر

قبل حتى تبدأ الحرب، جرت المراسلات بين بني شيبان وقبائل العرب، كما جرت المراسلات بين قبائل بكر نفسها. فاتىت الوفود من بني بكر بن وائل في اليمامة والبحرين، وكذلك طلب الأسرى من بني تميم عند بني شيبان منهن حتى يقاتلوا معهم قائلين: نقاتل معكم، فإنا نذب عن أنفسنا. وقد أوفد قوم من طيء والعباد وإياد وسائر من كان مع العجم من العرب سرا إلى بكر يفهمهم حتى فوزهم على الفرس أحب إليهم، ونطق رسولهم: أي الأمرين أحب إليكم،يا ترى؟ حتى نطير تحت ليلتنا هذه، فنمضى،يا ترى؟ أونقيم ونفر حين تلاقون القوم،يا ترى؟ نطقوا: بل تقيمون، فإذا التقا الناس انهزمتم بهم.

المعركة

فلما أصبحوا أقبلت الأعاجم نحوهم وأمر حنظلة بالظعن جميعا فوقفها خلف الناس ثم نطق يا معشر بكر بن وائل قاتلوا عن ظعنكم أودعوا فأقبلت الأعاجم يسيرون على تعبئة. وكان ربيعة بن غزالة السكوني ثم التجيبي يومئذ هووقومه نزولا في بني شيبان فنطق: يا بني شيبان أما لوأني كنت منكم لأشرت عليكم برأي مثل عروة الفهم فنطقوا: فأنت والله من أوسطنا فأشر علينا فنطق: لا تستهدفوا لهذه الأعاجم فتهلككم بنشابها ولكن تكردسوا لهم كراديس فيشد عليهم كردوس فإذا أقبلوا عليه شد الآخر فنطقوا: فإنك قد رأيت رأيا فعملوا.

إثارة الحماسة عند بكر

فلما تقارب القوم والتقى الزحفان قام حنظلة بن ثعلبة فنطق: يا معشر بكر بن وائل إذا النشاب الذي مع الأعاجم يعهدكم فإذا أوفدوه لم يخطئكم فعاجلوهم باللقاء وابدأوهم بالشدة. ثم قام إلى وضين راحلة امرأته فبتره ثم تتبع الظعن يبتر وضنهن لئلا يفر عنهن الرجال، ونطق :ليقاتل جميع رجل منكم عن حليلته. فسمي يومئذ مبتر الوضين. ثم ضرب قبة على نفسه ببطحاء ذي قار، وآلى لايفر حتى تفر القبة، وبتر سبعمائة رجل من شيبان أيدي أقبيتهم من مناكبها لتخف أيديهم لضرب السيوف. ثم قام هانئ بن مسعود فنطق: يا قوم مهلك معذور خير من ناتى معرور وإن الحذر لا يدفع القدر وإن الصبر من مسببات الظفر المنية ولا الدنية واستقبال الموت خير من استدباره والطعن في الثغر خير وأكرم من الطعن في الدبر يا قوم جدوا فما من الموت بد فتح لوكان له رجال أسمع صوتا ولا أرى قوما يا آل بكر شدوا واستعدوا وإلا تشدوا تردوا.
ثم قام شريك بن عمروبن شراحيل بن مرة بن همام فنطق: يا قوم إنما تهابونهم أنكم ترونهم عند الحفاظ أكثر منكم وكذلك أنتم في أعينهم عمليكم بالصبر فإن الأسنة تردي الأعنة يا آل بكر قُدُما قُدُما.

المعركة

كانت بنوعجل في الميمنة بإزاء خنابرين وعليهم حنظلة بن ثعلبة. وبنوشيبان في الميسرة بإزاء كتيبة الهامرز، وعليهم بكر بن يزيد بن مسهر. وباقي بكر بن وائل في القلب وعليهم هانئ بن مسعود. فخرج أسوار من الأعاجم مسور، في أذنيه درتان، من كتيبة الهامرز يتحدى الناس للمبارزة، فنادى في بني شيبان فلم يبرز له أحد حتى إذا دنا من بني يشكر برز له يزيد بن حارثة أخوبني ثعلبة بن عمروفشد عليه الرمح، فطعنه فدق صلبه، وأخذ حليته وسلاحه. ثم إذا القوم اقتتلوا صدر نهارهم أشد قتال رآه الناس، وحملت ميسرة بكر وعليها حنظلة على ميمنة الجيش، وحملت ميمنة بكر وعليها يزيد بن مسهر على ميسرة الجيش، وخرج عليهم كمين كانوا اعدوه للفرس وعليهم يزيد بن حمار فشدوا على قلب الجيش، وولت إياد منهزمة كما وعدتهم. فشد الحوفزان ومسماه الحارث بن شريك - على الهامرز فقتله، وقتلت بنوعجل خنابرين، وضرب الله وجوه الفرس فانهزموا، وتبعتهم بكر بن وائل، فلحق مرثد بن الحارث، النعمان بن غرسة، فأهوى له طعناً، فسبقه النعمان بصدر فرسه فأفلته، ولحق أسود بن بجير العجلي النعمان بن غرسة، فنطق له: يا نعمان، هلم إلي، فأنا خير آسر لك، وخير لك من العطش. نطق: ومن أنت،يا ترى؟ نطق: الأسود بن بجير، فوضع يده في يده، فجز ناصيته، وخلى سبيله، وحمله الأسود على فرس له، ونطق له: انج على هذه، فإنها أجود من فرسك، واتى الأسود بن بجير على فرس النعمان بن غرسة، وأفلت إياس بن قبيصة على فرس له، وقتل خالد بن يزيد البهراني، قتله الأسود بن شريك بن عمرو، وقتل يومئذ عمروبن عدي بن زيد العبادي الشاعر أخوزيد بن عدي صاحب النعمان.

ثم كان اليوم الثاني من القتال فجزعت الفرس من العطش، فصارت إلى الجبابات وأتبعتهم بكر بن وائل إلى الجبابات فعطش الأعاجم فمالوا إلى بطحاء ذي قار وبها اشتدت الحرب، فأتبعتهم بكر بن وائل يقتلونهم بقية يومهم وليلتهم، حتى أصبحوا من الغد، وقد شارفوا السواد ودخلوه، فذكروا حتى مائة من بكر بن وائل، وسبعين من عجل، وثلاثين من أفناء بكر بن وائل، أصبحوا وقد دخلوا السواد في طلب القوم، فلم يلفت منهم كبير أحد وأقبلت بكر بن وائل على الغنائم فقسموها بينهم، وقسموا تلك اللطائم بين نسائهم.

وصول الخبر إلى كسرى

فكان إياس بن قبيصة أول من أتى كسرى بعد الهزيمة وكان لا يأتيه أحد بهزيمة جيش إلا نزع كتفيه، فلما أتاه إياس سأله عن الخبر، فنطق: هزمنا بكر بن وائل، فأتيناك بنسائهم، فأعجب بذلك كسرى وأمر له بكسوة، وإن إياساً استأذنه عند ذلك، فنطق: إذا أخي مريض بعين التمر، فأردت حتى آتيه، وإنما أراد حتى يتنحى عنه ويفر، فأذن له كسرى، فهجر فرسه "الحمامة" وهي التي كانت عند أبي ثور بالحيرة، وركب نجيبة فلحق بأخيه، ثم أتى كسرى رجل من أهل الحيرة وهوبالخورنق، فسأل: هل ولج على الملك أحد،يا ترى؟ فنطقوا: نعم، إياس، فنطق: ثكلت إياساً أمه! وظن أنه قد حدثه بالخبر، فدخل عليه فحدثه بهزيمة القوم وقتلهم، فأمر به فنزعت كتفاه.

نتائج المعركة

عزل كسرى أبرويز بعد خسارة المعركة إياس بن قبيصة عن حكم الحيرة وعين عليها حاكما فارسيا هوآزاذبه بن ماهان الهمذاني، إلا أنه لم يتمكن من إعادة الثقة التي كانت بين المناذرة والأكاسرة، ومن تحسين العلاقة التي ساءت بين العرب والفرس، فتمردت بكر بن وائل التي استقلت بالبحرين فتبعها قبائل في أواسط الجزيرة العربية. مما اضطر الفرس حتى يعيدوا حكم الحيرة إلى أحد أبناء النعمان وهوالمنذر المغرور في محاولة لعودة الأوضاع إلى ماقبل المعركة ولكن الأمور تغيرت بظهور دولة الخلافة وبدء حروب الردة.

ما روى عن الرسول عن المعركة

ذكر الإصفهاني في كتابه الأغاني بأن سقطة ذي قار كانت بعد سقطة بدر بأشهر، ورسول الله بالمدينة، فلما بلغه ذلك نطق: هذا يوم انتصفت فيه العرب من العجم، وبي نصروا. ولم يؤكد أحد من المؤرخين ذلك حيث ان سقطة بدر كانت سنة 624 م وواقعة ذي قار كانت 609م (احتمال أواخر سنة 609م وبداية سنة 610م، وهوسن بلوغ الرسول صلى الله عليه وسلم سن 40)، وهذا الحديث ضعفه الألباني في سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة برقم 579.

جزء من قصيدة الأعشى -أعشى قيس- يصف يوم ذي قار

1. إن الأعز أبانا ـكان نطق لنا : أوصـيـكـم بـثـلاث إنـني تــلـف
2. الضيف أوصيكم بالضـيف ، إذا له حــقـاً عليّ ، فأعـطيـه وأعـترف
3. والجار أوصيـكم بالجـار ، إذا له يوماً من الدهر يثنيه ، فينصرف
4. وقاتلوا القوم ان القتل مكرمة إذا تـلوى بـكـف المعـصم العهد
5. وجند كسرى غداة الـحنوصبـحهم منا كتائب تزجي الموت فانصرفوا
6. لما التقـينا كشفـنا عن جماجمـنا ليـعلـموا أننـا بكر فينحرفوا
7. نطقوا : البـقيّة والهندي يحصدهم ولا بقيّة إلا الـنار ، فانكشفوا
8. جحاجـح ، وبـنوملـك غطـارفـة من الأعـاجم ، في آذانـها النطف
9. إذا أمالوا إلى النشاب أيديهـم ملنـا ببيـض فـظـل الهام يخـتطف
10. وخيل بـكر فما تنـفك تطـحنهـم حتى تولوا ، وكاد اليوم ينـتـصف
11. لوحتى كـل معـد كـانـشاركـنـا في يوم ذي قار ما أخطاهم الشرف

ومن هذه القصيدة نستنتج أن :

1. أغلب جيش العرب كان من بني بكر ، راجع البيت السادس.
2. جيش كسرى لجأ إلى الرمي بالأسهم أما العرب فاستمروا بالسيوف الهنديّة، راجع البيت التاسع.
3. أغلب جيش العرب كان جيّالة وليسوا راجله (مشاة) ، راجع الشطر الأول من البيت العاشر.
4. استمرت المعركة منذ الصباح الباكر (كعادة العرب) وحتى الظهيرة ، راجع الشطر الثاني من البيت العاشر.
5. يبرهن الأعشى على الهزيمة النكراء لجيش كسرى بطريقة غير مباشرة حيث يقول أنهم نالهم الشرف في يوم ذي قار والشرف لا يأتي إلّا بدحر الأعداء ، راجع البيت العاشر.

مراجع

• يوم ذي قار - مسقط سيرة الاسلام
• مسقط التاريخ

انظر أيضا

• الفتح الإسلامي لفارس
• الهامرز
• جلابزين

مشاع الفهم فيه ميديا متعلقة بموضوع Battle of Dhi Qar.