• الإسراف لغة:

هومجاوزة القصد ينطق: أسرف في ماله: عجل من غير قصد، وأصل هذه المادة يدُلُّ على تعدِّي الحدِّ..

واصطلاحا:

هوصرف الشيء فيما لا ينبغي زائدًا على ما ينبغي.

ونطق الراغب السرف تجاوز الحد في كلِّ عمل يعمله الإنسان وإن كان ذلك في الإنفاق لأشهر).

ونطق الجرجاني الإسراف: هوإنفاق المال الكثير في الغرض الخسيس. وقيل تجاوز الحدِّ في النفقة).

• والتبذير لغة:

التفريق، أفسده وأنفقه في السرف. والمبذِّر: المسرف في النفقة؛ وأصل هذه المادة يدلُّ على نثر الشيء وتَفْرِيقه .

واصطلاحًا: نطق الشافعي التبذير إنفاق المال في غير حقِّه . وقيل: هوتفريق المال على وجه الإسراف .

التفريق بين التبذير والإسراف

الإسراف:صرف الشيء فيما ينبغي زائدًا على ما ينبغي، أما التبذير: فإنه صرف الشيء فيما لا ينبغي.

فبينهما عموم وخصوص إذ قد يجتمعان فيكون لهما المعنى نفسه أحيانًا، وقد ينفرد الأعم وهوالإسراف.

التفريق بين الإسراف والبذخ

البَذَخ: الكِبْر وتطاول الرجل بكلامه وافتخاره، بَذَخَ يَبْذَخْ ويَبْذُخُ، وتَبَذَّخَ: تطاول وتكبر وفَخَر وعلا وشَرَفٌ .

ويُنطق: "ما هَذا البَذَخُ في الأكْلِ واللِّباسِ!": أي: ما هَذا الإفْراطُ والإنْفاقُ الكَثيرُ والافْتِخارُ بِذَلِكَ !، ويُظْهِرُ بَذَخَهُ أي: أُبَّهَتَهُ وتَطاوُلَهُ بِكَلامِهِ وافْتِخارِهِ، والباذخ: المفرط في الترف والرفاهية.

فبهذا يتبين حتى البذخ، هوإسراف ولكن معه تفاخرٌ وتعالٍ، ولحدثة البذخ، معانٍ أوسع عديدة، فقد يطلق على الجبل الشاهق العالي (ينطق: هذا جبل باذخ، أي شاهق عالٍ)، وينطق هذه امرأة بَيْذَخ، أي: امرأة بادنة..

النهي عنهما في القرآن

نطق سبحانه (في سورة الإسراء):

–  وَآَتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا  إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا  

نطق ابن كثير أي في التبذير والسفه وهجر طاعة الله ولهذا نطق: ((وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا)) أي: جحودًا؛ لأنَّه أنكر نعمة الله عليه ولم يعمل بطاعته بل أقبل على معصيته ومخالفته) .

ونطق القاسمي: (أي: أمثالهم في كفران نعمة المال بصرفه فيما لا ينبغي. وهذا غاية المذمة؛ لأن لا شرَّ من الشيطان، أوهم إخوانهم أتباعهم في المصادقة والإطاعة، كما يطيع الصديق صديقه والتابع متبوعه، أوهم قرناؤهم في النار على سبيل الوعيد. والجملة تعليل المنهي عنه عن التبذير، ببيان أنَّه يجعل صاحبه مقرونًا معهم. وقوله: وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا من تتمة التعليل. نطق أبوالسعود: أي: مبالغًا في كفران نعمته تعالى؛ لأنَّ شأنه حتى يصرف جميع ما أعطاه الله تعالى من القوى إلى غير ما خلقت له من أنواع المعاصي، والإفساد في الأرض، وإضلال الناس، وحملهم على الكفر بالله، وكفران نعمه الفائضة عليهم، وصرفها إلى غير ما أمر الله تعالى به. وتخصيص هذا الوصف بالذكر، من بين سائر أوصافه القبيحة؛ للإيذان بأنَّ التبذير، الذي هوتعبير عن صرف نعم الله تعالى إلى غير مصرفها، من باب الكفران، اللقاء للشكر الذي هوتعبير عن صرفها إلى ما خلقت هي له. والتعرض لوصف الربوبية؛ للإشعار بكامل عتوِّه. فإنَّ كفران نعمة الرب، مع كون الربوبية من أقوى الدواعي إلى شكرها، غاية الكفران ونهاية الضلال والطغيان) .

ونطق تعالى (في سورة الأنعام):

–  وَهُوَ الَّذِي أَنشَأَ جَنَّاتٍ مَّعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفًا أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشَابِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ كُلُواْ مِن ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُواْ حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ  

نطق الطبري: (السرف الذي نهى الله عنه في هذه الآية، مجاوزة القدر في العطية إلى ما يجحف برب المال) .

وقوله تعالى (في سورة الأعراف):  يَا بَنِي آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ  .

(نطق السدي: ولا تسرفوا، أي: لا تعطوا أموالكم فتقعدوا فقراء. نطق الزجاج: على هذا إذا منح الإنسان كلَّ ماله، ولم يوصل إلى عياله شيئًا فقد أسرف).

ونطق الماوردي: (فيه ثلاثة تأويلات:

• أحدها: لا تسرفوا في التحريم -نطقه السدي-.
• والثاني: معناه لا تأكلوا حرامًا فإنَّه إسراف -نطقه ابن زيد-.
• والثالث: لا تسرفوا في أكل ما زاد على الشبع فإنَّه مضرٌّ).

ونطق السعدي: (فإنَّ السرف يبغضه الله، ويضرُّ بدن الإنسان ومعيشته، حتى إنه من الممكن أدَّت به الحال إلى حتى يعجز عما يجب عليه من النفقات، ففي هذه الآية الكريمة الأمر بتناول الأكل والشرب، والنهي عن هجرهما، وعن الإسراف فيهما).

ونطق تعالى (في سورة الفرقان):

–  وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا  

نطق ابن كثير أي ليسوا بمبذرين في إنفاقهم فيصرفون فوق الحاجة ولا بخلاء على أهليهم فيقصرون في حقِّهم بل عدلًا خيارًا، وكما نطق سبحانه في سورة الإسراء:  وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا  .

النهي عنهما في السنة

عن أبي هريرة أنَّه نطق: نطق رسول الله :

– ((إنَّ الله يرضى لكم ثلاثًا ويكره لكم ثلاثًا، فيرضى لكم حتى تعبدوه ولا تشركوا به شيئًا، وأن تعتصموا بحبل الله جميعًا ولا تفرَّقوا ويكره لكم قيل ونطق وكثرة السؤال وإضاعة المال)).

نطق العيني قوله إضاعة المال هوصرفه في غير ما ينبغي .

وذكر القاري عن الطيبي قوله: (قيل: والتقسيم الحاصر فيه الحاوي بجميع أقسامه حتى تقول: إنَّ الذي يصرف إليه المال، إما حتىقد يكون واجبًا، كالنفقة والزكاة ونحوهما، فهذا لا ضياع فيه، إلى غير ذلك إذا كان مندوبًا إليه، وإما حتىقد يكون مباحًا، ولا إشكال إلا في هذا القسم، إذ كثير من الأمور يعدُّه بعض الناس من المباحات، وعند التحقيق ليس كذلك، كتشييد الأبنية وتزيينها، والإسراف في النفقة، والتوسع في لبس الثياب الناعمة والأطعمة الشهية اللذيذة، وأنت تفهم أنَّ قساوة القلب وغلظ الطبع يتولَّد من لبس الرقاق، وأكل الرقاق، وسائر أنواع الارتفاق، ويدخل فيه تمويه الأواني والسقوف بالمضى والفضة، وسوء القيام على ما يملكه من الرقيق والدواب، حتى تضيع وتهلك، وقسمة ما لا ينتفع الشريك به كاللؤلؤة والسيف يكسران، وكذا احتمال الغبن الفاحش في البياعات، وإيتاء المال صاحبه وهوسفيه حقيق بالحجر، وهذا الحديث أصل في فهم حسن الخلق الذي هومنبع الأخلاق الحميدة، والخلال الجميلة).

عن عمروبن شعيب حتى رجلًا أتى النبي فنطق: إني فقير ليس لي شيء ولي يتيم

– نطق: ((كلْ من مال يتيمك غير مسرف ولا مباذر ولا متأثِّل))

نطق النخعي لا يلبس الكتان ولا الحلل ولكن ما يستر العورة ويأكل ما يسدُّ الجوعة).

عن عمروبن شعيب، عن أبيه، عن جده، نطق: نطق رسول الله : (( كلوا واشربوا وتصدقوا والبسوا ما لم يخالطه إسراف، أومخيلة )).

نطق ابن حجر: (ووجه الحصر في الإسراف والمخيلة حتى الممنوع من تناوله أكلًا ولبسًا وغيرهما، إما لمعنى فيه، وهومجاوزة الحدِّ، وهوالإسراف؛ وإما للتعبد كالحرير إذا لم تثبت علة النهي عنه، وهوالراجح، ومجاوزة الحد تتناول مخالفة ما ورد به الشرع فيدخل الحرام، وقد يستلزم الإسراف الكبر وهوالمخيلة، نطق الموفق عبد اللطيف البغدادي: هذا الحديث جامع لفضائل تدبير الإنسان نفسه، وفيه تدبير مصالح النفس والجسد في الدنيا والآخرة؛ فإنَّ السرف في كلِّ شيء يضرُّ بالجسد، ويضرُّ بالمعيشة؛ فيؤدِّي إلى الإتلاف، ويضرُّ بالنفس إذ كانت تابعة للجسد في أكثر الأحوال، والمخيلة تضرُّ بالنفس حيث تكسبها العجب، وتضرُّ بالآخرة حيث تكسب الإثم، وبالدنيا حيث تكسب المقت من الناس).

أقوال الفهماء في ذم الإسراف ومدح التدبير

• نطق القرطبي: (وهوحرام – أي التبذير- لقوله تعالى (في سورة الإسراء): ((إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُواْ إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ))، وقوله: "إِخْوَانَ" يعني أنهم في حكمهم، إذ المبذِّر ساع في إفساد كالشياطين، أوأنهم يعملون ما تسول لهم أنفسهم، أوأنهم يقرنون بهم غدًا في النار).

ونطق ابن عباس : ( كلْ ما شئت، والبس ما شئت، ما أخطأتك خلَّتان: سرف أومخيلة )

– ابن أبي شيبة، المصنف

• ونطق الشافعي: (التبذير إنفاق المال في غير حقِّه، ولا تبذير في عمل الخير).

نطق عمر : ( كفى بالمرء سرفًا حتى يأكل جميع ما اشتهى )

– ابن حجر الهيتمي، الصواعق المحرقة

• وعن عثمان بن الأسود نطق: (كنت أطوف مع مجاهد بالبيت فنطق: لوأنفق عشرة آلاف درهم في طاعة الله ما كان مسرفًا، ولوأنفق درهمًا واحدًا في معصية الله، كان من المسرفين).

ونطق مالك: (التبذير هوأخذ المال من حقِّه، ووضعه في غير حقِّه، وهوالإسراف)

– القرطبي، الجامع لأحكام القرآن

وقيل: (ما سقط تبذير في كثير إلَّا هدمه، ولا ولج تدبير في قليل إلا ثمره).

من أصلح ماله فقد صان الأكرمين: الدين، والعرض. ما عالَ مقتصدٌ. أصلحوا أموالكم لنَبْوة الزمان، وجفوة السلطان. الإصلاح أحد الكاسبين. لا عيلة على مصلحٍ، ولا مال لأخرق، ولا جود مع تبذير، ولا بخل مع اقتصادٍ. التدبير يثمر اليسير، والتبذير يبدد الكثير. حسن التدبير مع الكفاف، أكفى من الكثير مع الإسراف. القصد أسرع تبليغًا إلى الغاية، وتحصيلًا للأمر. إنَّ في إصلاح مالك جمال وجهك، وبقاء عزِّك، وصون عرضك، وسلامة دينك. التقدير نصف الكسب. أفضل القصد عند الجِدَة. عليك من المال بما يعولك ولا تعوله. من لم يُحمد في التقدير، ولم يُذمَّ في التبذير، فهوسديد التدبير

– الثعالبي، التمثيل والمحاضرة

التوسط في الإنقاق

نطق تعالى (في سورة الإسراء):  وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا  

((عليك بالقصد بين الطريقتين، لا منع ولا إسراف، ولا بخل ولا إتلاف. لا تكن رطبًا فتعصر، ولا يابسًا فتكسر، ولا تكن حلوًا فتسترط، ولا مُرًّا فتلفظ.

ونطق آخر:

الآثار والعواقب السيئة للإسراف

1. الإسراف وحده لسبب لعدم محبة الله للعبد: *نطق تعالى: ((إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ)) [الأنعام: 141].
2. الإسراف في الأكل يضرُّ بصحة الإنسان، ويجعله كسولاً وربما عاجزاً عن استدارك عمره في الأعمال الصالحة، وفيما ينفعه ويحمله: *نطق تعالى: ((وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ)) [الأعراف: 31].
3. الإسراف في الإنفاق في غير وجوه الخير، يعرض الإنسان للمساءلة والعتاب أوالعقاب يوم القيامة: فلقد روي عن أبوبرزة الأسلمي، نطق: نطق رسول الله :
   «لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن عمره فيما أفناه، وعن فهمه فيم عمل، وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه، وعن جسمه فيم أبلاه»
4. قد يحدث الإسراف والتبذير طريقاً ينتهي بالفرد إلى تطاول يده للمال الحرام، حتى يلبي لنفسه ما اعتادت عليه من الترف والرفاهية والإسراف في الإنفاق. ~يقول ابن عاشور: (والإسراف إذا اعتاده المرء حمله على التوسع في تحصيل المرغوبات، فيرتكب لذلك مذمَّات كثيرة، وينتقل من ملذَّة إلى ملذَّة فلا يقف عند حدٍّ. وقيل عطف على وَآتُواْ حَقَّهُ أي: ولا تسرفوا فيما بقي بعد إتيان حقِّه، فتنفقوا أكثر مما يجب، وهذا لاقد يكون إلا في الإنفاق والأكل ونحوه)
5. عاقبة الإسراف وخيمة ليس على مستوى الفرد فقط، بل على مستوى الأسرة والمجتمع بأكمله، لأن فيه استنزافاً لموارد البيئة، واختلالاً في التوازن الطبقي بين البشر.
6. قد يؤدي الإسراف والتبذير إلى الكبر والعجب والتفاخر والغرور، وهي من أمراض القلوب وباطن الإثم الذي أمر الله باجتبابه وهجره، نطق تعالى ذ (في سورة الأنعام): " وَذَرُواْ ظَاهِرَ الإِثْمِ وَبَاطِنَهُ إِنَّ الَّذِينَ يَكْسِبُونَ الإِثْمَ سَيُجْزَوْنَ بِمَا كَانُواْ يَقْتَرِفُونَ  "

المصادر