پريكليس

عودة للموسوعة

پريكليس

بركليز 495 - 729 ق.م.
عملة من فئة 20 دراخما منقوش عليها صورة بركليز

بركليز (495 - 429 ق.م.) Perikles ، Περικλῆς ، ومسماه باللغة اليونانية القديمة يعني (المحاط بالمجد) ، وقد كان بركليز رجل سياسي محنك وخطيب بالغ. وقد أصبح فيما بعد صاحب السلطة العليا على جميع قوى أثينا المادية والروحية في خلال عصر عظمتها ومجدها.

النشأة

كان والده زنثپوس Xanthippus ممن حاربوا في سلاميس ، وقد تولى قيادة الأسطول الأثيني في معركة ميكالي ، واسترد مضيق الهلسبنت لبلاد اليونان. وكانت أجرستي Agariste أم بركليس حفيدة المصلح كليسثنيز ، ولهذا فإن نسبه من جهة أمه يتصل بأسرة الألقميونيين القديمة. وقد قيل أنه لما قرب يوم مولده رأت أمه في منامها أنها ولدت أسداً ، وبعد بضعة أيام ولدت پريكليس - وكان جسمه كاملاً سوياً في جميع شئ ما عدا رأسه ، فقد كان طويلاً بعض الطول غير متناسب مع جسمه" وكثيراً ما سخر نقاده من طوله.

تفهم الموسيقى على يد دامون Damon أشهر مفهميها في زمانه، وفهمه فيثاغورس الموسيقى والأدب، واستمع إلى محاضرات زينون الإيلي في أثينا، وأصبح صديقاً وتلميذاً للفيلسوف أنكساگوراس. وتثقف في أثناء نموه بثقافة عصره السريعة النماء، وجمع في ذهنه واستخدم في سياسته جميع نواحي الحضارة الأثينية - الاقتصادية، والعسكرية، والأدبية، والفنية، والفلسفية. وكذلك عهد بأنه أكمل إنسان أنجبته بلاد اليونان جميعها.

أسبازيا صديقة پريكليس


حياته العملية

لما رأى بركليز حتى مبادئ الحزب الألجركي لا تتسار مع روح العصر انضم من بداية حياته العامة إلى حزب "الديموس" (الشعب) أي سكان أثينا الأحرار. وكانت حدثة "الشعب" وقتئذ، كما كانت في أمريكا إلى أيام جفرسون، تفترض فيمن تطلق عليه بعض القيود الخاصة بالملكية. وكان حين ينزل ميدان السياسة بوجه عام وحين يقدم على أي عمل سياسي بوجه خاص ، يستعد له أكمل استعداد، فلا يتردد في حتى يمضي في أي عمل تفرضه عليه قواعد التربية الحقة، لا يتحدث إلا قليلاً، ولا يطيل الكلام، ويدعوالآلهة حتى تمسك لسانه فلا ينطق بأي حدثة لا تمت بصلة قوية للموضوع الذي يتحدث فيه.

وكان الناس كلهم ومنهم الشعراء الهزليون الذين يحقدون عليه، يسمونه "الأولمبي" الفصيح اللسان الذي لم تسمع أثينا قبله مثل فصاحته في قوتها وعظيم تأثيرها، ومع هذا فالمؤرخون كلهم مجمعون على حتى خطبه كانت خالية من الانفعال، تتأثر بها العقول المستنيرة. ولم يكن نفوذه مستمدا من ذكائه فحسب، بل كان مستمداً كذلك من صلاحه واستقامته، ولم يكن يستنكف حتى يستعين بالرشا ليحصل للدولة على أغراضها، أما هونفسه فكان "بلا جدال مبرئاً من جميع ضروب الفساد وأكبر من حتى يهتم بالمال".

بركليز وأناكسگوراس بريشة أوجستين لويس بيل 1757 - 1841

بركليز حاكما

يحدثنا المؤرخون حتى پريكليس لم يضف طوال حياته العامة شيئاً ما إلى ما ورثه من أبيه، على حين حتى ثمستكليس تولى المناصب العامة وهوفقير وخرج منها وهوواسع الثراء ومما يشير على فطنة الأثينيين وحكمتهم في ذلك العهد أنهم ظلوا خلال ثلاثين عاماً أونحوها بين 467 و428 ينتخبونه ويجددون انتخابه - ما عدا فترات قصيرة - ليكون واحداً من الاستراتجوى أي القادة العشرة، وكان بقاؤه في منصبه هذه المدة الطويلة نسبياً مما جعله صاحب السلطة العليا في المجلس العسكري، وأمكنه حتى يجعل منصب الاستراتجوس أوتوكراتور أي القائد صاحب السلطة أعلى المناصب الحكومية شأناً وأعظمها سلطاناً.

وحصلت أثينا في أيامه على فوائد الحكم الأرستقراطي والدكتاتوري، وإن كانت قد استمتعت أيضاً بجميع مزايا الديموقراطية. فقد بقي لها ما كان يزدان به عهد بيسستراتس من حكم صالح وعمل على نشر الثقافة وتشجيعها ، واجتمع لها ما كان في عهد بيسستراتس من حسن توجيه ، وفرط ذكاء، وسرعة البت في الشئون العامة، مضافة إلى رضاء المواطنين الأحرار رضاءً كاملاً يظهرونه عاماً بعد عام.

وكان وجوده برهاناً يثبت به التاريخ المبدأ القائل إذا خير وسيلة لتطبيق الإصلاحات القائمة على أسس الحرية وأضمن الطرق لتثبيت هذه الإصلاحات وتقوية نادىئمها هي حتى يتولاها زعيم حذر معتدل ، يستمتع بتأييد الشعب. ومن أجل ذلك بلغت الحضارة اليونانية أعلى درجاتها حين نمت الديموقراطية نمواً يكفي لأن يكسبها قوة وتعدداً في نواحي نشاطها ، وبقي فيها من الأرستقراطية ما يكسبها حسن النظام وسلامة الذوق.

وأدت إصلاحات بركليز إلى زيادة سلطة الشعب زيادة عظيمة. ذلك حتى عدم أداء أجور للقضاة نظير عملهم في المحاكم كان قد أكسب الطبقات الثرية سلطاناً عظيماً فيها وإن كانت سلطتهم قد زادت من قبل في عهد صولون وكليسثنيس وإفيلتيز. وأدرك بركليز هذا ، فقرر في عام 451 أبولتين Obols أي ما يعادل 0.34 من الريال الأمريكي لكل قاض عن جميع يوم يجلس فيه للقضاء ، ثم حمل هذا الأجر بعدئذ إلى ثلاث أبولات ، وكان هذا الأجر في كلتا الحالتين يعادل وقتئذ نصف ما يكسبه الأثيني العادي من عمله اليومي(13). ولسنا نستطيع حتى نحمل محمل الجد قول بعضهم: إذا هذه الأجور القليلة أضعفت قوة أثينا وأفسدت أخلاق أهلها ؛ لأن هذا لوصح لقضى من وقت بعيد على جميع دولة تؤجر قضاتها أومحلفيها.

ويلوح حتى پريكليس قرر كذلك مكافأة قليلة لمن ينخرطون في سلك الخدمة العسكرية. وقد توج كرمه الذي يعيبه عليه بعض الناس بأن خصص من مال الدولة أبولتين في العام لكل مواطن من مواطنيها يؤديها أجراً لدخوله لمشاهدة ما يعرض من المسرحيات والألعاب في الأعياد العامة ، وحجته في هذا حتى هذه المسرحيات والألعاب يجب ألا تكون ترفاً تختص به الطبقات العليا والوسطى ، بل يجب حتى تهدف إلى حمل مستوى الناخبين العقلي على بكرة أبيهم. على أننا يجب حتى نذكر في هذا المقام حتى أفلاطون، وأرسطاطاليس، وبلوتارخ - وهم جميعاً محافظون - مجمعون على حتى هذه الأجور أضرت بأخلاق الأثينيين.

وواصل بركليز عمل إفيلتيز فنقل إلى المحاكم الشعبية ما كان للأركونيين وكبار الموظفين من اختصاصات قضائية، فأصبحت الأركونية من ذلك الحين منصباً إدارياً أكثر منها منصباً يوجه سياسة الدولة، أويفصل في القضايا أويصدر الأحكام والأوامر. وفي عام 457 وسع حق الانتخاب للأركونية حتى ضم الطبقة الثالثة من الأهلين، الزوگتاي Zeugitai ، وكان من قبل مقصوراً على الطبقات الغنية ؛ ولم تلبث أحط الطبقات منزلة وهي طبقة الثيتيين حتى حصلت على حق الانتخاب لهذا المنصب من غير حاجة إلى إجراءات شكلية، وذلك بأن غالت في تقدير دخلها ، وتغاضت سائر الطبقات عن هذا الخداع والتزوير لما كان لهذه الطبقة الدنيا من شأن عظيم في الدفاع عن أثينا. ثم اختط پريكليس إلى أجل قصير خطة مغايرة لخطته السالفة الذكر فأقنع الجمعية في عام 451 بأن تقصر حق الانتخاب على الأبناء الشرعيين الذين يولدون من آباء أثينيين وأمهات أثينيات.

وحرّم عقد زواج شرعي بين مواطن وغير مواطن. وكان يقصد بهذا الإجراء عدم تشجيع الزواج بين الأثينين والأجانب والإقلال من عدد الأبناء غير الشرعيين ، ولعله كان يريد أيضاً حتى يحتفظ لأهل مدينة أثينا الحريصين على حقوقهم بما يعود عليهم من هذه الحقوق الوطنية والإمبراطورية من مزايا. ولكن بركليز لم يلبث حتى عثر من الأسباب ما جعله يندم على هذا التشريع الضيق المانع. وأدرك بركليز حتى أي أنواع الحكم يظهر في أعين الناس صالحاً إذا عاد عليهم بالرخاء ، وأن أحسن أنواعه يظهر لهم سيئاً إذا لم يعد عليهم به ، فوجه عنايته إلى سياسة البلاد الاقتصادية بعد حتى ثبت نادىئم مركزه السياسي ، فعمل على تقليل ضغط السكان على مواد أتكا الضئيلة بإسكان جاليات من فقراء المواطنين الأثينيين في البلاد الأجنبية ، وهيأ العمل للمتعطلين بأن جعل الدولة تستخدم من الأهلين عدداً كبيراً لم يكن له نظير في بلاد اليونان من قبل: فزاد عدد سفن الأسطول ، وأنشأ دور الصنعة ، وبنى في بيرية مصنعاً عظيماً لتجارة الحبوب.

وأراد حتى يحمي أثينا حماية قوية من خطر الغزوعن طريق البر ، وأن يهيئ في الوقت نفسه عملاً جديداً للمتعطلين ، فأقنع الجمعية بأن توافق على صرف الأموال اللازمة لبناء أسوار لا يقل طولها عن ثمانية أميال سميت "الأسوار الطويلة" تصل أثينا ببيرية وفالروم Phalerum. وقد جعلت هذه الأسوار مدينة أثينا ومرفأيها كنفاً واحداً حصيناً لا يتوصل إليه في وقت الحرب إلا من طريق البحر - الذي يسيطر عليه الأسطول.

The Parthenon, a masterpiece prompted by Pericles, from the south


غزوأسبرطة

نظرت اسبرطة غير المسورة إلى البرنامج الواسع من برامج التسليح الذ اتخذه بركليز نظرة عدائية ، ورأى الحزب الألجركي في هذا العداء فرصة تتيح له الاستيلاء على زمام السلطة السياسية ، فأوفد رسله سراً إلى الإسبارطيين يدعونهم لغزوأتكا ، وتعهدوا لهم بأن يوقدوا في أثناء الغزونار الفتنة في المدينة ، فيقضوا بذلك على الحكومة الدمقراطية ، كما تعهدوا أيضاً بهدم "الأسوار الطويلة". ووافق الإسبارطيون على هذه الخطة ، وسيروا على أثينا جيشاً هزم الأثينيين عند تنجارا Tangara ، ولكن الألجركيين عجزوا عن القيام بثورتهم ، وعاد الإسبارطيون إلى البلوبونيز بخُفّي حنين ، ينتظرون على مضض حتى تتاح لهم فرصة أحسن من هذه الفرصة يقضون بها على منافستهم المزدهرة التي أخذت تنتزع منهم زعامتهم التقليدية على بلاد اليونان. وقاوم بركليز ما حدثته به نفسه من الانتقام من إسبارطة ، ووجه جهوده كلها بدلاً من هذا إلى تجميل أثينا.

An ostracon with Pericles' name written on it (c. 444–443 BC), Museum of the ancient Agora of Athens.

إصلاحات داخلية

وضع بركليز منهاجاً ضخماً يهدف إلى الانتفاع بجهود جميع عباقرة الفن الأثينيين ومن بقي فيها من المتعطلين في تزيين الأكوربوليس ؛ وكان يرجومن وراء ذلك حتى يجعل المدينة مركز هلاس الثقافي ، وأن يعيد بناء الهياكل القديمة - التي خربها الفرس - على نطاق واسع فخم يبعث العزة والفخار في نفس جميع مواطن في المدينة. ويقول بلوتارخ في هذا: "لقد كانت رغبته وغايته ألا يحرم جمهور الصناع غير المهذبين من نصيبه في الأموال العامة ، على ألا ينالوا نصيبهم هذا وهم متعطلون لا يعملون شيئاً ، ومن أجل هذا وضع البرنامج الضخم للمنشآت العامة". أما المال اللازم لهذه المشروعات فقد حصل عليه بأن اقترح نقل ما تجمّع من الأموال في خزانة حلف ديلوس من هذه البلدة غير المأمونة ، بعد حتى ضل فيها زمناً طويلاً لا ينتفع منه بشيء ، وأن يستخدم ما لا يحتاج إليه منه للدفاع المشهجر عن البلاد اليونانية في تجميل المدينة التي يرى بركليز أنها هي العاصمة الشرعية للإمبراطورية الصالحة الخيرة.

وكان نقل خزانة حلف ديلوس إلى أثينا عملاً صالحاً في نظر الأثينيين جميعاً بما فيهم الألجركيون. ولكن الناخبين ترددوا في السماح بإنفاق أي قدر كبير من الأموال لتجميل المدينة - وقد يحدث الباعث لهم على هذا عدم ارتياح ضمائرهم إلى هذا العمل ، أوأنهم كان يخالجهم أمل خفي في حتى يحصلوا بطريقة أقرب من طريقة بركليز وأيسر منها على هذه الأموال لينفقوها في قضاء حاجاتهم وفي ملذاتهم. وكان زعماء الحزب الألجركي مهرة في الاستفادة من هذا الشعور ، فلما حتى اقترب اليوم الذي سيعرض فيه هذا الأمر على الجمعية لتقترع عليه بدا أنها سترفضه لا محالة.

ويحدثنا بلوتارخ عن الطريقة الماكرة التي حول بها بركليز هذا التيار إلى صالحه فيقول: "ونطق بركليز: حسن جداً ، فلتمضى نفقات هذه المنشآت إلى جيبي أنا لا إلى جيوبكم ، ولينقش عليها اسمي لا اسمكم ، فلما سمعوا قوله هذا نادوه بأعلى أصواتهم حتى ينفق المال ... وأن لا يقف عن الإنفاق حتى ينفذ عن آخره ، ولسنا نعهد أكان هذا لأنهم دهشوا من عظمته النفسية أم لأنهم أرادوا حتىقد يكون لهم فضل القيام بهذه الأعمال". وبينما كانت هذه الأعمال قائمة على قدم وساق ، وكان بركليز يبسط معونته وحمايته الى فدياس، وإكتنوس Ictinus، ونسكليز Mnesicles وغيرهم من الفنانين الذين كانوا يكدحون لتحقيق أحلامه ، كان هويناصر الأدب والفلسفة ؛ وبينما كان الشقاق بين الأحزاب في سائر المدن اليونانية يستنفذ جهود المواطنين ، وغصن الأدب يذوي ويذبل ، كانت الثروة المتزايدة في أثينة والحرية الدمقراطية تتعاونان مع الزعامة الحكيمة المثقفة على خلق عصرها المضىي المجيد.

وبينما كان بركليز، وأسبازيا ، وفدياس ، وأنكساگوراس ، وسقراط يشاهدون مسرحيات يوربديز في ملهى ديونيسس ، كان في وسع أثينية حتى تشهد هي الأخرى ذروة مجد الحياة في بلاد اليونان وكمال وحدتها - من سياسة ، وفن ، وفهم ،وفلسفة ،وأدب ، ودين ، وأخلاق ، تشهد هذه كلها ولا يناسبكل ناحية منها حياة منفصلة عن الأخرى في صحف المؤرخين ، بل تراها وقد اندمجت بعضها ببعض فتكون منها صرح متعدد الألوان هومفخرة تاريخ هذه الأمة. وترددت عواطف بركليز بين الفن والفلسفة ، ولعله كان يصعب عليه حتى يقول أي الرجلين يحب أكثر من الآخر: فدياس أوأنكساغوراس ؛ ولعله أيضاً قد ولى وجهه شطر أسبازيا لكي يوفق بين رغبته في الجمال وفي الفلسفة معاً. وينطق لنا إنه "كان يكن لأنكساغوراس منتهى الإجلال والإعجاب". ويقول أفلاطون إذا الفيلسوف هوالذي دفع بركليز إلى شؤون السياسة والحكم ؛ ويعتقد بلوتارخ حتى اتصال بركليز الطويل الأمد بأنكساغوراس هوالذي أفاد منه سموالقصد وقوة اللغة التي سمت كثيراً فوق بلاغة الغوغاء وما فيها من سخف حقير دنيء ؛ هذا فضلاً عما أفاده من هدوء واطمئنان ووقار في جميع حركاته ، وثبات لا يتزعزع قط مهما يحدث حوله في أثناء خطبه.

ولما تقدمت بأنكساغوراس السن وانهمك بركليز في الشؤون العامة نسي رجل الحكم رجل الفلسفة فلم يعد له مكان ما في حياته زمناً ما ؛ ولكنه لما سمع فيما بعد حتى أنكساغوراس يعاني مرارة الجوع والحرمان بادر إلى معونته ، وقبل منه في تواضع ما وجهه إليه من اللوم بقوله: "إن من يحتاجون يوماً ما إلى مصباح ، يمدونه بالزيت". وقد لا يصدق الإنسان لأول وهلة حتى هذا "الأولمبي" الصارم كان مرهف الحس بمفاتن النساء ، وإن كان لا يرى بعد حتى يعيد التفكير حتى ذلك من الأمور الطبيعية التي لا غبار عليها. ذلك حتى سيطرته على نفسه كانت تدفعه إلى مقاومة حساسيته الرقيقة ، على حين حتى متاعب المنصب قد قوّت بلا ريب حنينه الشديد السوي إلى رقة الأنوثة.

Painting of Hector Leroux (1682–1740), which portrays Pericles and Aspasia, admiring the gigantic statue of Athena in Phidias' studio.

أسبازيا الملكة غير المتوجة

كان بركليز حين التقى بأسبازيا قد مضى على زقابل زمن طويل ؛ وكانت هي من ذلك الطراز الذي كانت تحاول خلقه في بلاد اليونان ، طراز المؤنسات اللاتي أصبح لهن بعد قليل شأن كبير في الحياة الأثينية. كانت أسبازيا امرأة تأبى العزلة التي يفرضها الزواج على النساء في أثينا ، وكانت تفضل حتى تعيش معيشة الاختلاط الجنسي غير المشروع بل الاختلاط الجنسي المطلق إلى حد ما إذا كان هذا يمكنها من حتى تستمتع بحرية الحركة وبالحرية الخلقية اللتين يستمتع بهما الرجال ، وأن تشهجر معهم في الأعمال الثقافية. وليس لدينا من الأدلة ما نستند إليه إذا شئنا حتى نقدر جمال أسبازيا ، وإن كان الكتّاب القدامى يتحدثون عن "قدمها الصغيرة المقوسة إلى أعلى" وعن "صوتها الفضي" وشعرها المضىي ، وإن كان أرستفنيز ، وهوعدوسياسي لدود لبركليز ، لا يؤنبه ضميره لتوجيه أية تهمة له ، يصفها بأنها عاهر من ميليطس ، أنشأت بيتاً فخماً للنادىرة في مجارا، ثم اتىت في ذلك الوقت ببعض فتياتها إلى أثينا. ويشير محرر الملاهي العظيم من طرف خفي إلى حتى النزاع الذي قام بين أثينا ومجارا والذي عجل إشعال نار حرب البلوبونيز كان سببه حتى أسبازيا أقنعت بركليز بأن يثأر لها من المجاريين الذين اختطفوا بعض فتياتها. لكن أرستفنيز لم يكن مؤرخاً ، ولا يصح حتى يوثق به إلا فيما لا يتصل بشخصه هو.

ولما وصلت أسبازيا إلى أثينا في عام 450 افتتحت فيها مدرسة لتعليم البلاغة والفلسفة ، وأخذت تشجع بجرأة عظيمة خروج النساء من عزلتهن، واختلاطهن بالرجال ، وتربيتهن تربية عالية. والتحقت بمدرستها كثيرات من فتيات الطبقات العليا، وأوفد كثيرون من الأزواج زوجاتهم ليدرسن معها.

وكان الرجال أيضاً يستمعون إلى محاضراتها، ومن بينهم بركليز وسقراط، وأكبر الظن حتى أنكساگوراس نفسه، ويوريپيدس، وألسبياديس، وفدياس كانوا يستمعون إليها. ويقول سقراط إنه تفهم منها فن البلاغة، ويؤكد بعض قدماء النمامين الثرثارين حتى رجل الحكم قد ورثها من الفيلسوف. ووجد بركليز وقتئذ حتى الفرصة الطيبة قد واتته إذ أحبت زوجته رجل آخر، فلم يكن منه إلا حتى عرض عليها حتى تستمتع بحريتها نظير استمتاعه هوبحريته، فرضيت بذلك ، واتخذت لها زوجا ثالثاً ، واتى بركليز بأسبازيا إلى بيته. غير حتى قانونه الذي سنه في عام 451 لم يكن يبيح له حتى يتخذها زوجة له لأنها من مواليد ميليطس, وإذا ولد له منها طفل كان هذا الطفل بمقتضى هذا القانون نفسه طفلاً غير شرعي، لا يستطيع حتى ينال حق المواطنة الأثينية. ويلوح أنه كان شديد الحب والإخلاص لها، بل إننا لا نبالغ إذا قلنا إنه كان يهيم بها هياماً شديداً، فلا يغادر بيته ولا يعود إليه دون حتى يقبلها، ثم أوصى آخر الأمر بكل ما يملك إلى ولدها منه.

وانبتر من ذلك الوقت عن الحياة الاجتماعية كلها خارج بيته ، وقلما كان يغادره إلى أي مكان غير ساحة المدينة ، أوقاعة المجلس ، حتى أخذ أهل أثينا يشكون بعده عنهم. أما أسبازيا نفسها فقد جعلت بيته أشبه بالندوات الفرنسية في عهد الاستنارة تناقش فيه الفنون ، والعلوم ، والآداب ، والفلسفة ، وشؤون الحكم والسياسة في أثينا ، مناقشة تجمع بين هذه النواحي المتنوعة وتؤثر جميع منها في الأخرى. وكان سقراط يُعجب بفصاحتها ويُدهش منها ، ويعزوإليها فضل إنشاء الخطبة الجنائزية التي ألقاها بركليز بعد الخسائر الأولى في حرب البلوبونيز. وما لبثت أسبازيا حتى أصبحت ملكة أثينا غير المتوجة ، تشيع فيها آخر أنماط الحياة الاجتماعية ، وعنها تأخذ نساء المدينة "مُثُل الحرية العقلية والأخلاقية التي يتطلعن لها والتي تثير حماستهن".

Phidias Showing the Frieze of the Parthenon to his Friends Pericles, Aspasia, Alcibiades and friends viewing Phidias' work. Alma-Tadema, 1868, Birmingham Museum & Art Gallery


الحرب الپلوپونيزية

النهاية

التغير الكبير الذي حل ببركليز بعد دخول أسبازيا إلى حياته الخاصة وحياة اليونان العامة وكذلك انقطاعه عن الحياة الاجتماعية وانشغاله عن شئون الحكم ، كان هذا كله صدمة قوية لمشاعر المحافظين من الأهلين ، فأخذوا ينددون ببركليس لأنه يدفع اليونان لحرب اليونان كما وقع في إيجينا وساموس ، ثم اتهموه بأنه يبدد الأموال العامة ، ثم سلطوا عليه الممثلين الهزليين فأساءوا استخدام حرية الكلام التي سادت أثينا في عهده ، فاتهمه هؤلاء بأنه جعل داره بيتاً من بيوت الفساد السيئة السمعة ، وبأن بينه وبين زوجة ابنه علاقة غير شريفة. وإذ كانوا لا يجرؤون على عرض تهمة من هذه التهم علناً أمام القضاء أخذوا يهاجمونه بالكيد لأصدقائه. فاتهموا فدياس باختلاس بعض الذي عهد إليه لصنع تمثال أثينا المضىي العاجي ، ويلوح أنهم أفلحوا في إثبات التهمة عليه. ووجهوا إلى أنكساغوراس تهمة تتعلق بالدين، ففر الفيلسوف إلى خارج البلاد اتباعاً لمشورة بركليز.

ووجهوا تهمة دينية أخرى إلى أسبازيا مضمونها أنها لا تخضع لأوامر الدين ، وإنها جهرت بعدم تعظيمها آلهة اليونان. وهجاها الشعراء الهزليون هاتىً قاسياً ووصفوها بأنها ديانيرا Deianeira التي أهلكت بركليز وأطلقوا عليها بلغة يونانية صريحة اسم العاهر ، واتهمها واحد منهم يدعى هرميپوس Hermippus بأنها تعمل لكسب المال من طريق غير شريف ، ذلك بأنها قوادة لبركليز ، تأتي إليه بالحرائر ليستمتع بهن ، وقدمت للمحاكمة ونظرت قضيتها أمام ألف وخمسمائة من القضاة ، ودافع عنها بركليز دفاعاً مجيداً استخدم فيه جميع ما وهب من بلاغة ، بل إنه استخدم فيه دموعه نفسها ، ورفضت الدعوة. وبدأ بركليز من ذلك الوقت يفقد سيطرته على الشعب الأثيني ، ولما وافته منيته بعد ثلاثة سنين من ذلك الوقت كان قد أصبح رجلاً مهدماً كسير القلب والجسم.

ذكراه

رواية "پريكليس، أمير صور" من تأليف وليام شيكسپير.


انظر أيضاً

  • الفن في اليونان القديمة
  • ثقافة اليونان
  • النحت في اليونان القديمة
  • خط زمني لليونان القديمة

وصلات خارجية


المصادر

  • ول ديورانت. سيرة الحضارة. ترجمة بقيادة زكي نجيب محمود. Unknown parameter |coauthors= ignored (|author= suggested) (help)

وصلات خارجية

تاريخ النشر: 2020-06-06 17:11:31
التصنيفات: Pages with citations using unsupported parameters, مواليد عقد 490 ق.م., وفيات 429 ق.م., أثينيو القرن الخامس ق.م., Alcmaeonidae, جنرالات يونانيون قدماء, رجال دولة يونانيون قدماء, Ancient Greeks who died from disease, أثينيون في الحروب الفارسية-اليونانية, أثينيون في الحرب الپلوپونيزية, الثقافة اليونانية, الديمقراطية الأثينية, حكام أثينا, حضارة يونانية

مقالات أخرى من الموسوعة

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

آخر الأخبار حول العالم

حماس تكشف عن شروطها لإتمام صفقة "أدوية الأسرى"

المصدر: مصراوى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2024-01-17 12:22:42
مستوى الصحة: 52% الأهمية: 70%

الذهب يستقر بعد تراجع الآمال في خفض أسعار الفائدة

المصدر: صحيفة الإقتصادية - السعودية التصنيف: إقتصاد
تاريخ الخبر: 2024-01-17 12:23:24
مستوى الصحة: 30% الأهمية: 40%

الحكم على فرحات مهني و 6 متهمين آخرين بـ 20 سنة سجنا نافذا

المصدر: جريدة النصر - الجزائر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-01-17 12:25:11
مستوى الصحة: 57% الأهمية: 68%

تعليق صادم من شقيق ياسمين عبدالعزيز على طلاقها من أحمد العوضي

المصدر: المصريون - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2024-01-17 12:22:11
مستوى الصحة: 51% الأهمية: 59%

فنان شهير يتعرض لحادث مروع أثناء بث مباشر على "تيك توك"

المصدر: المصريون - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2024-01-17 12:21:55
مستوى الصحة: 52% الأهمية: 51%

بعد الطلاق الرسمي من ياسمين عبدالعزيز.. تعليق مفاجئ من أحمد العوضي

المصدر: المصريون - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2024-01-17 12:21:57
مستوى الصحة: 59% الأهمية: 53%

قطر تنقل أدوية للأسرى الإسرائيليين في قطاع غزة

المصدر: مصراوى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2024-01-17 12:22:50
مستوى الصحة: 47% الأهمية: 58%

السوداني وستولتنبرج يبحثان انهاء تواجد قوات التحالف الدولي ف

المصدر: مصراوى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2024-01-17 12:22:56
مستوى الصحة: 46% الأهمية: 61%

"كافد" و"سكاي" يزيحان الستار عن مشروع نوعي في مجال المدن الذكية

المصدر: صحيفة الإقتصادية - السعودية التصنيف: إقتصاد
تاريخ الخبر: 2024-01-17 12:23:05
مستوى الصحة: 30% الأهمية: 43%

دمج وزارة الدفاع مع الداخلية.. الحكومة الكويتية الجديدة تضم

المصدر: مصراوى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2024-01-17 12:23:23
مستوى الصحة: 54% الأهمية: 67%

بلينكن: لا تكامل إقليمياً دون دولة فلسطينية - أخبار السعودية

المصدر: صحيفة عكاظ - السعودية التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2024-01-17 12:25:23
مستوى الصحة: 53% الأهمية: 58%

انطلاق امتحانات الفصل الدراسي الاول للشهادة الاعدادية بأسوان

المصدر: وطنى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2024-01-17 12:21:52
مستوى الصحة: 56% الأهمية: 53%

لشكه في سلوكها.. محاسب ينهي حياة زوجته بـ 20 طعنة

المصدر: المصريون - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2024-01-17 12:22:00
مستوى الصحة: 53% الأهمية: 64%

في عز البرد.. العثور على جثتي توأم داخل صندوق قمامة بمكناس

المصدر: أخبارنا المغربية - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-01-17 12:23:38
مستوى الصحة: 73% الأهمية: 85%

ثلاث مباريات في الجولة الثانية بكأس رابطة الأندية المصرية

المصدر: وطنى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2024-01-17 12:21:51
مستوى الصحة: 58% الأهمية: 67%

احتراق منزل جراء قصف إسرائيلي على جنوب لبنان

المصدر: مصراوى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2024-01-17 12:23:15
مستوى الصحة: 60% الأهمية: 54%

كشف هوية الفتاة الحسناء التي ظهرت في أحضان حسين فهمي

المصدر: المصريون - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2024-01-17 12:22:06
مستوى الصحة: 51% الأهمية: 58%

نفوق قطيع من الأغنام يحرك الدرك الملكي و"أونسا" وهذا ما أظهرته التحقيقات

المصدر: أخبارنا المغربية - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-01-17 12:23:46
مستوى الصحة: 68% الأهمية: 80%

تركيا: عمليات متزامنة في 7 ولايات ضد حزب العمال الكردستاني

المصدر: مصراوى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2024-01-17 12:23:09
مستوى الصحة: 49% الأهمية: 51%

بهدفي غريب والبليهي .. السعودية ترفع رصيدها في آسيا إلى 71 هدف

المصدر: صحيفة الإقتصادية - السعودية التصنيف: إقتصاد
تاريخ الخبر: 2024-01-17 12:23:09
مستوى الصحة: 35% الأهمية: 37%

بلينكن: هناك فرصة لاندلاع حرب أوسع في الشرق الأوسط

المصدر: مصراوى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2024-01-17 12:23:02
مستوى الصحة: 54% الأهمية: 68%

تحميل تطبيق المنصة العربية