توماس كروموِل

عودة للموسوعة

توماس كروموِل

The Right Honourable
Thomas Cromwell
KG 
Portrait of Thomas Cromwell,
Hans Holbein the Younger, (1532–1533)
Lord Great Chamberlain
في المنصب
17 April 1540 –عشرة June 1540
العاهل Henry VIII
سبقه John de Vere, 15th Earl of Oxford
خلفه Robert Radcliffe, 1st Earl of Sussex
Governor of the Isle of Wight
في المنصب
2 November 1538 –عشرة June 1540
العاهل Henry VIII
سبقه Sir James Worsley
خلفه Vacant
Lord Privy Seal
في المنصب
2 July 1536 –عشرة June 1540
العاهل Henry VIII
سبقه Thomas Boleyn
خلفه William Fitzwilliam
Master of the Rolls
في المنصب
8 October 1534 –عشرة July 1536
العاهل Henry VIII
سبقه John Taylor
خلفه Christopher Hales
Principal Secretary
في المنصب
April 1534 – April 1540
العاهل Henry VIII
سبقه Stephen Gardiner
خلفه Thomas Wriothesley
Chancellor of the Exchequer
في المنصب
12 April 1533 –عشرة June 1540
العاهل Henry VIII
سبقه John Bourchier
خلفه John Baker
تفاصيل شخصية
وُلِد circa 1485
Putney, Surrey
توفي 28 July 1540 (aged 54–55)
Tower Hill, London
المدفن Chapel Royal of St. Peter ad Vincula, Tower of London, London, United Kingdom
الزوج Elizabeth Wyckes
الأنجال Gregory Cromwell, 1st Baron Cromwell
Anne
Grace
Jane
الوالدان Walter Cromwell

Thomas Cromwell, 1st Earl of Essex KG  ( // or //;ح. 1485 – 28 July 1540) was an English lawyer and statesman who served as chief minister to King Henry VIII of England from 1532 to 1540.

Cromwell was one of the strongest and most powerful advocates of the English Reformation. He helped to engineer an annulment of the king's marriage to Queen Catherine of Aragon so that Henry could lawfully marry Anne Boleyn. Henry failed to obtain the Pope's approval for the annulment in 1534, so Parliament endorsed the king's claim to be Supreme Head of the Church of England, giving him the authority to annul his own marriage. Cromwell subsequently charted an evangelical and reformist course for the Church of England from the unique posts of vicegerent in spirituals and vicar-general.:658, fn. 2

During his rise to power, Cromwell made many enemies, including his former ally Anne Boleyn. He played a prominent role in her downfall. He later fell from power, after arranging the king's marriage to German princess Anne of Cleves. Cromwell had hoped that the marriage would breathe fresh life into the Reformation in England, but Henry found his new bride unattractive and it turned into a disaster for Cromwell, ending in an annulment six months later. Cromwell was arraigned under a bill of attainder and executed for treason and heresy on Tower Hill on 28 July 1540. The king later expressed regret at the loss of his chief minister.

Until the 1950s, historians discounted Cromwell's role, calling him a doctrinaire hack who was little more than the agent of the despotic King Henry VIII.[]Geoffrey Elton, however, featured him as the central figure in the Tudor revolution in government in The Tudor Revolution (1953). Elton portrayed Cromwell as the presiding genius, much more so than the king, handling the break with Rome and creating the laws and administrative procedures that reshaped post-Reformation England. Elton wrote that Cromwell had been responsible for translating royal supremacy into parliamentary terms, creating powerful new organs of government to take charge of Church lands, and largely removing the medieval features of central government.

Subsequent historians have agreed with Elton as to Cromwell's importance, though not with his claims of "revolution". Leithead (2004) wrote, "Against significant opposition he secured acceptance of the king's new powers, created a more united and more easily governable kingdom, and provided the crown, at least temporarily, with a very significant landed endowment."

سيرته

كان توماس كرومويل أشد وكلاء هنري العدوانيين في هذه الأمور. وقد ولد عام 1485، وهوابن حداد من بوتني، ونشأ في فقر ومسغبة، ومضى يضرب سنوات في أرض فرنسا وإيطاليا أفاقاً بالعمل، وعاد إلى إنجلترا واشتغل بصناعة النسيج وأصبح مرابياً وكون ثروة، وخدم ولزى بإخلاص خمس سنوات، ودافع عنه في أيام البؤس، واكتسب احترام هنري بسهب صناعته وولائه. وعين على التوالي حاجباً لخزانة الدولة وأميناً للسجلات وكاتم سر للملك (مايوسنة 1534)، وكان في الفترة من عامي 1531 و1540 المدبر الأكبر لشئون الحكومة باعتباره منفذاً مطيعاً للإرادة الملكية. واتهمه أعداؤه الأرستقراطيون، الذين احتقروه بوصفه حديث نعمة يرمز لخصومهم الصاعدين، رجال الأعمال، بأنه يطبق مبادئ "أمير" مكيافلي، بقبول الرشا وبيع المناصب وحب الثروة والسلطان حباً يجاوز الحدود. وكان هدفه، الذي سعى جاهداً لإخفائه، هوحتى يجعل الملك صاحب الحدثة العليا في جميع مجال من مجالات الحياة الإنجليزية، وأن يمول ملكية مطلقة بثروة الكنيسة المصادرة، وأظهر في سعيه لتحقيق أغراضه مقدرة تامة لا تعهد تأنيب الضمير، وضاعف ثروته، وكسب جميع معركة خاضها ما عدا الأخيرة، والراجح حتى هنري، وقد أزعجه تزايد عداء الشعب له، استدرج المجلس النيابي، بناء على اقتراحه وعن طريق احتياله، إلى الموافقة على قانون وراثة العرش (30 مارس سنة 1534) الذي أعرب حتى الزواج بكاثرين غير سليم، وحول ماري إلى ابنة سفاح، وعين اليزابث وريثة للعرش إلا إذا أنجبت آن ولداً، ونص على حتى أي إنسان يجادل في صحة زواج آن بهنري يستحق أقصى عقاب. وقضى القانون بأن يحلف جميع الإنجليز رجالاً ونساء يميناً بالولاء للملك. وأخذ مندوبون للملك يؤازرهم جنود، يخترقون البلاد راكبين، ودخلوا البيوت والقصور وأديار الرهبان وأديار الراهبات، وانتزعوا اليمين كرهاً. ولم يرفض حلف اليمين إلا قلة ضئيلة من بينهم الأسقف فيشر وتوماس مور: وعرضوا حتى يحلفوا على ما اتى بشأن وراثة العرش على ألا يقسموا على باقي ما تضمنه القانون. وحكم عليهم بالسجن في البرج. وصوت المجلس النيابي آخر الأمر على قانون السيادة الحاسم (12 نوفمبر سنة 1534)، وأكد هذا القانون سيادة الملك على الكنيسة والدولة في إنجلترا، وعمد الكنيسة الوطنية الجديدة باسم الكنيسة الأنجليكانية، وخول الملك جميع هذه السلطات على الأخلاق والتنظيم والهرطقة والعقيدة والإصلاح الكنسي، وكانت حتى وقتذاك من اختصاص الكنيسة. ونص القانون على حتى المرء يرتكب جريمة الخيانة إذا تحدث عن الملك أوخط عنه أنه مغتصب أوطاغية أوانقسامي أوهرطيق أوكافر. وطلب من جميع الأساقفة حتى يحلفوا يميناً جديدة بأنهم يقبلون سيادة الملك المدنية والكنسية دون تحفظ "بقدر ما تسمح شريعة المسيح"، وأنهم لن يرضوا أبداً في المستقبل باستئناف السلطة البابوية في إنجلترا. وانتشرت جميع قوات الحكومة لشل حركة المعارضة لهذه المراسيم، التي لم يسبق لهذا مثيل، وتظاهر رجال الأكليروس الفهمانيون بالخنوع شيئاً فشيئاً، وأحجم كثير من الرهبان والأخوان الرهبان عن حلف الأيمان، نظراً لولائهم للبابا، وأسهمت مقاومتهم في اتخاذ الملك قراره الأخير بإغلاق الأديار.

وأحنق عناد الاخوة الرهبان في تشارنر هاوس، وهودير كاتوزي في لندن، هنري وكرومويل بخاصة. واتى ثلاثة من رؤساء الأديار الكارتوزيين إلى كرومويل ليقدموا له إيضاحاً عن إحجامهم عن الاعتراف بأي فهماني رئيساً للكنيسة في إنجلترا، فبعث بهم كرومويل إلى سجن البرج. وفي يوم 26 أبريل سنة 1535 حوكموا هم وراهب آخر وقسيس فهماني أمام قضاة الملك الذين كانوا يميلون إلى الصفح عنهم، غير حتى كرومويل خشي حتى يشجع الرفق على المزيد من المقاومة، فطالب بقرار بالإدانة وأذعن القضاة.

وفي يوم ثلاثة مايوجر الرجال الخمسة وكانوا لا يزالون يرفضون قبول قانون السيادة على زحافات إلى تيبرن وعلقوا واحداً وراء الآخر وأسقطوا ببتر الحبال وهم أحياء وبتروا أرباً(18) وعلقت ذراع مبتورة على مدخل عقد تشارتر هاوس لتلقين الرهبان الباقين درساً، ولكن أحداً منهم لم يتراجع عن رفضه. وسجن ثلاثة في البرج وشد وثاقهم وهم منتصبون بسلاسل من حديد حول أعناقهم وأقدامهم، وأكرهوا على الوقوف في هذا الوضع سبعة عشر يوماً، وقدم إليهم الطعام، ولكن لم يفك وثاقهم لتمضية أي حاجة طبيعية. أما باقي الرهبان الكارتوزيين، وكانوا لا يزالون يبدون عناداً ومشاكسة فقد تشتتوا في أديا أخرى ما عدا عشرة منهم، سجنوا في نيوجيت ومات تسعة من هؤلاء من "حمى السجن وقذره(19)".

وكان هنري وقتذاك هوالحكم الوحيد فيما يتعين على الشعب الإنجليزي حتى يؤمن به في مجالي الدين والسياسة. ولما كان لاهوته لا يزال كاثوليكياً من جميع وجه فيما عدا السلطة البابوية فقد اتخذ مبدأ مطاردة النقاد البروتستانت للممضى الكاثوليكي بغير تحيز، والنقاد الكثالكة لسيادته الكنسية، والحق حتى مطاردة الهراطقة قد استمرت وظلت طوال مدة حكمه. وفي عام 1531 أحرق توماس بلني بأمر أصدره الحاجب توماس مور، لأنه انتقد الصور الدينية، ورحلات الحج والصلوات من أجل الميت. وقبض على جيمس بينهام لأنه اعتبر حتى المسيح لاقد يكون حاضراً في القربان المقدس إلا بروحه فعذب لكي ينتزع منه أسماء هراطقة آخرين، وتشبث بما نطق وأحرق في سمثفيلد في أبريل عام 1532. واحرق آخران في ذلك العام وعرض أسقف لندن حتى يمنح في خلال أربعين يوماً صك غفران للمسيحيين الصالحين الذين يحملون حزمة من الحطب لتغذية النار(20).

ووصل عهد الإرهاب إلى ذروته في اضطهاد فيشر ومور، وقد وصف أرازموس أسقف روشستر بأنه "شخص مثقل بكل فضيلة(21") بيد حتى فيشر نفسه قد اقترف ذنب الاضطهاد، وقد انضم إلى السفير الإسباني في حث شارل على غزوإنجلترا وخلع هنري(22). وقد اقترف في نظر القانون جريمة خيانة الدولة، وهوأمر لم يشفع له عندما احتج بأنه كان مخلصاً للكنيسة. وارتكب الحبر الأعظم الجديد، بولس الثالث خطأ بتعيين الأسقف المسجون كاردينالاً، وعلى الرغم من حتى فيشر أعرب إنه لم يسعَ إلى هذا الشرف، فإن هنري رأى وقتذاك في هذا التعيين تحدياً له. وفي 17 يونيه سنة 1535 قدم الأسقف، وكان وقتذاك في عامه الثمانين، إلى محاكمة أخيرة ورفض مرة أخرى حتى يسقط على قسم يعترف فيه بهنري رئيساً للكنيسة الإنجليزية، واقتيد في 22 يونيه إلى كتلة على تل تاور. ووصفه شاهد عيان بأنه "جسد طويل أعجف، لا شيء فيه سوى الجلد والعظام، إلى حد حتى معظم مَن شاهدوه دهشوا من رؤية رجل لا يزال فيه رمق من حياة، على الرغم من بلوغه هذا الحد من الوهن(23)".

وتلقى وهوعلى منصة المقصلة عرضاً بالعفوعنه إذا حلف اليمين فرفض وعلق رأسه المقطوع فوق جسر لندن. ونطق هنري: "في وسعه حتى يمضى الآن، إذا استطاع، إلى روما ويحصل على قلنسوة الكاردينال(24)". ومع ذلك فقد بقي هناك مكابر عنيد أشد مراساً.


الفصل الخامس والعشرون: هنري الثامن والأديار 1535 - 1547

1- تقنية الحل

كان هنري عام 1535 مشغولاً جداً بالحب والحرب فلم يستطع حتى يلعب دور البابا جملة أوتفصيلاً، فعين كرومويل الذي يؤمن بفلسفة اللاأدرية(1) "نائباً للملك في جميع قضائه الكنسي". ووجه كرومويل وقتذاك السياسة الخارجية التشريع الوطني والسلطة القضائية العليا والمجلس الخاص والمخابرات وقاعة النجم وكنيسة إنجلترا، ولم يكن لولزى في أوج مجده قط أصابع طويلة متشبثة بفطائر عضة بهذه الكثرة. وكان يراقب أيضاً جميع الطباعة والنشر وأقنع الملك بأن يحرم طبع الخط أوبيعها أواستيرادها إلا بعد الحصول على موافقة وكلاء التاج، وأمر بنشر الخط المناهضة للبابوية على نفقة الحكومة.

وقام جواسيس كرومويل، وهم لا يحصون، بإبلاغ كرومويل بكل حركات أوبيانات المعارضين لهنري أوله. وكانت أية إشارة تدل على الإشفاق على فيشر أومور وأي نادىبة تدور حول الملك يمكن حتى تؤدي إلى محاكمة سرية وسجن طويل(2)، وكان التنبؤ بوفاة الملك يعرض المرء لفقد حياته(3). وقام كرومويل، في بعض القضايا الخاصة بدور ممثل الاتهام والمحلفين والقاضي ليصل إلى نتائج محققة. وكان جميع واحد في إنجلترا يخشاه ويكرهه.

وكانت أكبر معضلة قابلها هي حتى هنري كان مفلساً، على الرغم من سلطانه العظيم. وكان الملك يتوق إلى زيادة حجم البحرية والإكثار من مرافئه وموانيه أوتحسينها، وكانت حاشيته تتجاوز الحدود ونفقاته الشخصية باهظة، ونظام كرومويل في الحكم يحتاج إلى نهر عريض من الأموال. فكيف يجمع المال،يا ترى؟ كانت الضرائب مرتفعة إلى الحد الذي تقابل فيه بمقاومة تجعل الجباية تكلف من النفقات أكثر مما تدر من الربح، وكان الأساقفة قد استنزفوا أبرشياتهم لتهدئة سورة الملك، ولم يكن هناك مضى يتدفق من أمريكا، كما يتدفق يومياً لإغاثة الإمبراطور عدوإنجلترا. ومع ذلك كانت في إنجلترا مؤسسة واحدة ثرية وموضع ريبة وعاجزة لا تجد مَن يدافع عنها وهي الأديار. كانت موضع ريبة لأن ولاءها الأخير كان للبابا، واشتراكها في قانون السيادة يعد من قبيل المداهنة وغير تام، وكانت في نظر الحكومة هيئة خارجية ملزمة بتأييد أي حركة كاثوليكية ضد الملك، وكانت عاجزة لأنها في كثير من الحالات كفت عن القيام بوظائفها التقليدية في مجالات التعليم والضيافة والبر، وكانت لا تجد مَن يدافع عنها لأن الأساقفة استاءوا من إعفائهم من المراقبة الأسقفية، ولأن الأشراف، وقد أفقرتهم الحرب الأهلية، طمعوا في ثروتها، ولأن طبقة رجال الأعمال كانوا يرون في الرهبان والاخوة من الرهبان متلفين كسالى للموارد الطبيعية، ولأن القسم الأكبر من العامة، ومنهم كثير من الكثالكة الصالحين، لم يعودوا يؤمنون بفاعلية المخلفات التي كان الرهبان يعرضونها، أوبالقداسات التي كان يقيمها الرهبان للموتى، إذا دفع لهم الأجر. وكانت هناك سوابق رائعة لإغلاق الأديار، فقد أغلقها زونجلى في زيورخ والأمراء اللوثريون في ألمانيا وولزى في إنجلترا. وكان المجلس النيابي قد صوت (1533) بالموافقة على تخويل الحكومة سلطة التفتيش على الأديار وإجبارها على تقويم اعوجاجها.

وأوفد كرومويل في صيف عام 1535 ثالوثاً من "المفتشين" جميع منهم معه عدد كبير من الموظفين لفحص حالة أديار الرهبان والراهبات في إنجلترا من النواحي البدنية والأخلاقية والمالية وتقديم تقرير عنها، وكذلك للتفتيش على الجامعات والكراسي الأسقفية كإجراء مقبول. وكان هؤلاء "المفتشون" شباناً متهورين، "من المرجح حتى يقوموا بتطبيق عملهم في إتقان أكثر مما يتوسلون في تطبيقه بالرقة(4)"، ولمقد يكونوا في عصمة من قبول "الهدايا"(5)، وكان "الهدف من مهمتهم الحصول على قضية للتاج، ولعلهم لجئوا إلى جميع الوسائل المخولة لهم لحث الرهبان والراهبات على إدانة أنفسهم(6)". ولم يكن من الصعب حتى يعثر في 600 دير في إنجلترا على عدد مقنع ويدل على وجود انحرافات جنسية - وأحياناً انحرافات جنسية شاذة(7) - ونظام متحلل واستغلال لمخلفات زائفة هدفه اكتناز المال، وبيع أوعية مقدسة أومجوهرات مقدسة لإضافة المزيد إلى ثروة الدير، وما فيه من ضروب الراحة(8)، وإهمال الشعيرة أوالضيافة أوالبر(9). ولكن التقارير أغفلت عادة ذكر نسبة الرهبان الآثمين إلى الرهبان الجديرين بالتقدير، والتمييز بوضوح بين الثرثرة والدليل(10).

وقدم كرومويل للمجلس النيابي الذي انعقد في ثلاثة فبراير عام 1536 "كتاباً أسود"، ضاع الآن، يكشف عن الأخطاء في الأديار، وينصح، باعتدال استراتيجي، بإغلاق أديار الرهبان والراهبات التي يبلغ دخلها 200 جنيه (20.000 دولار) أوأقل في العام. فوافق المجلس النيابي الذي كان معظم أعضائه قد اختيروا بواسطة معاوني كرومويل(11). وعين الملك محكمة المزايدات لكي تتسلم لصالح خزانة الملك أموال وموارد هذه الأديار الصغرى البالغ عددها 376. وأطلق سراح ألفي راهب ليمضىوا لدور أخرى أويخرجوا إلى العالم - وفي الحالة الأخيرة كانوا يمنحون مبلغاً صغيراً أومعاشاً يسد رمقهم إلى حتى يجدوا عملاً. ولم يكن بين 130 دير للراهبات سوى 18 ديراً يتجاوز دخلها 200 جنيه، ولكن لم يغلق منها وقتذاك إلا نصفها. وقامت في الشمال ثورة ثلاثية بترت دراما الحل. وكما نشأت المسيحية في المُدن ووصلت إلى القرويين - الوثنيين - فكذلك نهض الإصلاح الديني في المُدن بسويسرة وألمانيا وإنجلترا، ولقي مقاومة دامت طويلاً في الريف. وتقلص ظل البروتستانتية في إنجلترا وسكوتلندة حدثا ابتعدت المسافة من لندن أوأدنبرة، ووصلت متأخرة إلى ويلز وشمالي إنجلترا، ولقيت ترحيباً ضئيلاً في إيرلندة. وفي المراكز الشمالية بإنجلترا أشعل سلب الأديار الصغرى نار الاستياء التي كانت مهيأة للاشتعال منذ وقت طويل بسبب الضرائب المتزايدة والحكم الملكي المطلق على رجال الأكليروس والتحريض الخفي للقساوسة. وانضم الرهبان، الذين جردوا من أموالهم ووجدوا حتى من الصعب عليهم الحصول على مرتباتهم أوعلى عمل، إلى المتعطلين الكثيرين المكتئبين، أما الراهبات اللاتي جردن من أملاكهن واللاتي كن يتجولن من مأوى إلى مأوى فقد أثرن غضب الجمهور ضد الحكومة. وألهب معاونوكرومويل "نار" الغضب بتزيين أنفسهم بأسلاب المعابد بالأديار وصناعة صديريات من القباء، وسروج من صدرات القساوسة وقرابات خناجر من محافظ المخلفات(12).

وفي يوم 2 أكتوبر سنة 1536 هاجم جمهور في لوث مفتشاً، كان قد أغلق تواً ديراً للراهبات في لجبورن المجاورة لها، وتم الاستيلاء على سجلاته وأوراق اعتماده وأحرقت وصوب إلى صدره سيف وأكره على حتى يحلف يمين الولاء للعامة. وحلف جميع مَن كان حاضراً بين الجمهور يميناً بأنقد يكون مخلصاً للملك والكنيسة الرومانية المقدسة. وفي اليوم التالي احتشد جيش ثائر في كايستور على مسيرة بضعة أميال، حرضه قساوسة ورهبان لا مأوى لهم، واضطر أعيان الجهة - ومنهم مَن عمل ذلك باختياره - إلى الانضمام لجيش الثوار. وفي اليوم نفسه تجمع حشد كبير من القرويين في هورن كاسل، وهي مدينة أخرى تقع في لنكولنشاير. واتهم حاجب أسقف لنكولن بأنه عميل لكرومويل، وانتزع من فراشه، وضرب حتى الموت بالهراوات. وصمم الثوار فهماً يصور محراثاً وقدحاً وبوقاً، و"الحدثات الخمس الأخيرة" للمسيح، واستخلصوا مطالب أوفدت إلى الملك: يجب حتى تعاد الأديار وتخفف الضرائب أوتيسر، وألا يدع رجال الأكليروس ضرائب العشور أوموارد السنة الأولى من التعيين إلى التاج، وأن يبعد "الدم الخبيث" (أي كرومويل) من المجلس الخاص، وأن ينطق الأساقفة الهراطقة - وبخاصة كرانمر ولاتيمر - ويعاقبون.

وانضم إلى الثورة مجندون من الأنطقيم الشمالية والشرقية. واحتشد في لنكولن حوالي 60.000 رجل، ولبثوا يرقبون رد الملك.

وكان رده عنيفاً لا يقبل التفاهم. واتهم الثوار بإنكار جميل حاكم كريم، وأصر على حتى إغلاق الأديار الصغرى إنما تم بإرادة الأمة التي عبرت عنها عن طريق المجلس النيابي، وأمر الثائرين بتسليم زعمائهم، وأن يتفرقوا وينصرفوا إلى بيوتهم، وإلا تعرضوا لعقوبة الإعدام ومصادرة أموالهم. وفي الوقت نفسه أمر هنري أعوانه بحشد قواتهم والزحف بقيادة ايرل أف سفولك لمساعدة اللورد شروسبري، الذي كان قد نظم تابعيه لصد الهجوم، وخط رسائل خاصة إلى الأشراف القلائل الذين كانوا قد انضموا إلى الثورة. وعندما استوعب هؤلاء وقتذاك حتى الملك لا يمكن إرهابه، وأن الثوار المسلحين تسليحاً سيئاً يفترض أن يقهرون وشيكاً، اقتنع الكثيرون منهم بالعودة إلى قراهم، وسرعان ما ذاب جيش الثوار فوق احتجاجات القساوسة. وسلمت لوث خمسة عشر زعيماً وأسر مائة آخرون، وأعرب صدور عفوملكي عن الباقين. وأخذ الأسرى إلى لندن والبرج وشنق ثلاثة وثلاثون، منهم سبعة قساوسة، وأربعة عشر راهباً، وأطلق سراح الباقين على مهل(13). وفي غضون ذلك كانت هناك فتنة أشد خطورة قد نمت في يوركشاير. عثر رتشارد آسك، وهومحام شاب، نفسه متورطاً بدنياً وعاطفياً في الحركة. وأفزع محام آخر فتولى قيادة فرقة ثائرة في بفرلي، وأعار اللورد دارسي أف تمبلهرست، وهوكاثوليكي متحمس، الثورة تأييده الخفي، وانضم اثنان من أسرة برسي، وحذا حذوهم معظم أشراف الشمال.

وفي 15 أكتوبر سنة 1536 ضرب الجيش الرئيسي، المكون من 9.000 رجل، الحصار على يورك. وأجبر المواطنون في المدينة العمدة على فتح الأبواب. ومنع آسك رجاله من نهب المدينة، وحافظ بوجه عام على نظام ملحوظ في جيشه غير المدرب. وأعرب إعادة فتح الأديار، وعاد إليها الرهبان في اغتباط، وأدخلوا السرور على أفئدة الأتقياء بحرارة ترانيمهم الجديدة. وتقدم آسك واستولى على بومفريه، واستولى ستابلتون على هل دون إراقة دماء. وانضم آخرون إلى رجال لنكولنشير في تقديم المطالب وأوفدوا للملك: "أن يقمع جميع الهراطقة وخطهم، ويستأنف الروابط الكنسية مع روما، وأن يسبغ صفة الشرعية على ماري، ويعزل مفتشي كرومويل ويعاقبهم، ويلغي جميع تسوير للأراضي العامة منذ عام 1489. كانت هذه أحرج لحظة في عهد هنري. كان نصف البلاد يحمل السلاح ضد سياسته، وكانت إيرلندة في ثورة، وكان بولس الثالث والكاردينال بول يحثان فرانسيس الأول وشارل الخامس على غزوإنجلترا وخلع الملك. واستجمع قواه المتخاذلة، وأوفد أوامر إلى جميع الجهات بحشد فرق موالية، وفي الوقت نفسه أصدر تعليمات للدوق أف نورفولك بأن يتغفل الزعماء الثائرين بإجراء مفاوضات. ورتب الدوق مداولة مع آسك وعدة نبلاء وأغراهم بوعد منه بالعفوعنهم جميعاً. ونادى هنري آسك إلى لقاء شخصي ومنحه جواز أمان. فاتى إلى الملك وافتتن بعبير الملكية، وعاد وديعاً، ولم يلحقه أذى إلى يوركشاير (يناير سنة 1537)، وعلى أية حال فإنه قبض عليه هناك وأوفد سجيناً إلى لندن. وانبترت صلة الجيش الثائر بقواده فانشعب إلى فرق غاضبة وساده اضطراب همجي، وتضاعفت حالات التمرد. وبينما كانت فرق الملك المتحدة تقترب اختفى الجيش الثائر كسراب تبدد (فبراير سنة 1537).

وعندما استوثق هنري من انهيار الثورة والغزومعاً أنكر وعد نورفولك بالعفوالعام، وأمر بالقبض على مَن يمكن العثور عليه من الزعماء مثيري الفتنة، وأعدم الكثيرون منهم ومن ضمنهم آسك، وخط إلى الدوق يقول: "يسرنا حتى نراك قبل حتى نطوي فهمنا مرة أخرى حتى تقوم بإعدام مروع لعدد لا بأس به من السكان في جميع مدينة وقرية ومحلة تكون قد أجرمت، حتىقد يكون في هذا عبرة لكل مَن تسول له نفسه حتى يقوم بمثل ذلك في المستقبل... ومادامت هذه الاضطرابات كلها قد نتجت من تحريض الرهبان والكنسيين في هذه البقاع ومؤامراتهم الغادرة، فإننا نريد منك في هذه الربوع التي تأمر فيها، ودافعوا عن بيوتهم بالقوة... حتى تأمر بلا رحمة أوشفقة بشد وثاق هؤلاء الرهبان رجال الكنيسة الذين ثبت خطؤهم بأية وسيلة دون تأخير أواجراء رسمي(14).

وعندما رأى كرومويل ما لحق بالمعارضة من رعب شديد مضى قدماً في إغلاق الدور الدينية الباقية في إنجلترا. وحلت يوماً جميع أديار الرهبان والراهبات التي كانت قد انضمت إلى الثورة وصودرت ممتلكاتها لمصلحة الدولة. وامتد مجال الزيارات التفتيشية، وأثمرت تقارير عن الخروج على النظام والفجر والخيانة والانحلال. وتسقط كثير من الرهبان سلفاً إغلاق الأديار فباعوا المخلفات والنفائس التي في دورهم إلى أعلى مزايد، وبلغ ثمن إصبع لسانت اندروأربعين جنيهاً(15). وأدين الرهبان في والسنجهام بتزييف معجزات، وألقي تمثال العذراء، الذي كان يدر عليهم أرباحاً، في النار. وهدم ضريح سانت توماس بيكيت التاريخي في كانتربري، وأعرب هنري الثامن أنه في فوزه على هنري الثاني لم يكن قديساً حقاً، وأحرقت المخلفات التي أساءت إلى كوليه، وتفكه بها أرازموس، ونقلت التحف الثمينة التي وهبها الحجاج الورعون في خلال 250 عاماً إلى الخزانة الملكية (1538)، ولبس هنري بعد ذلك في إبهامه خاتماً محلى بياقوتة كبيرة أخذت من الضريح. وسعت بعض الأديار إلى خداع القدر بإرسال المال والهدايا لكرومويل، وقبل كرومويل جميع شيء وأغلقها جميعاً. وما حتى حل عام 1540 حتى كانت جميع الأديار وكل الأملاك الديرية ما عدا كنائس دير الكاتدرائية قد انتقلت إلى الملك.

وعلى الجملة فقد أغلق 578 ديراً للرهبان وحوالي 139 ديراً للراهبات، ونشئت 6521 راهباً أوأخاً و1560 راهبة. وتخلى حوالي خمسين راهباً وراهبتان من هؤلاء عن الرداء الديني، بيد حتى الكثيرين توسلوا حتى يسمح لهم بمتابعة حياتهم التي ألفوها في الدير في مكان آخر(16)، وفقد حوالي 12.000 شخص، كانت الدور الدينية تستخدمهم فيما مضى أوكانوا يعتمدون عليها في معيشتهم، وظائفهم أومخصصاتهم من الصدقات، وكانت الأراضي والمباني المصادرة تدر دخلاً سنوياً قدره حوالي 200.000 جنيه (20.000.000 دولار) غير حتى عقود البيع التي أبرمت سريعاً خفضت الدخل السنوي للأملاك بعد التأميم إلى حوالي 37.000 جنيه، ولابد حتى يضاف إلى هذا المبلغ 85.000 جنيه من المعدن الثمين المصادر، ومن ثم قد يبلغ ما حصل عليه هنري إبان حياته من جملة الأسلاب والدخل حوالي 1.423.500 جنيه(17).

وكان الملك سخياً بهذا الأسلوب. فقد وهب بعض هذه الممتلكات - ومعظمها باعه بأسعار بعد مساومة - لنبلاء صغار أومواطنين أحرار كبار - تجار أومحامين - ممن أيدوه أووجهوا سياسته. وتسلم كرومويل أواقتنى ستة أديار لها ولج سنوي قدره 2239 جنيهاً، وتسلم ابن أخيه سير رتشارد كرومويل سبعة أديار تدر دخلاً قدره 2552 جنيهاً(18) وكانت هذه أصل الثروة التي جعلت من أوليفر الحفيد الثاني لرتشارد رجلاً من رجال الثروة المادية والنفوذ في القرن التالي. ومضىت بعض الأسلاب لبناء سفن وحصون وموان وبعضها ساعد في تمويل الحرب ومضى بعضها إلى القصور الملكية في وستمنستر وتشلسي وهامبتون كورت، وفقد الملك بعضها في لعب النرد(19). وأعيدت ستة أديار إلى كنيسة الأنجليكانية لتستخدم كراسي أسقفية، وخصص مبلغ صغير لمواصلة أعمال البر العاجلة التي كان يقدمها فيما تجاوز الرهبان والراهبات، وأصبحت الأرستقراطية الجديدة التي نشأت بفضل هدايا هنري وعقود البيع التي أبرمها، عضداً قوياً للعرش التيودوري، ونادىمة للمصلحة الاقتصادية ضد أي عودة للكاثوليكية. وقد أبادت الأرستقراطية الإقطاعية القديمة نفسها، أما الأرستقراطية الجديدة، التي تأصلت جذورها في التجارة والصناعة، فإنها غيرت طبيعة الأشراف من السلبية المحافظة إلى عمل إيجابي، وصبت دماً جديداً وطاقة جديدة في الطبقات العليا بإنجلترا. ولعل هذا - والأسلوب كان مصدر خصب العهد الإليزبيثي.

وكانت نتائج التحلل معقدة بلا حدود. ولعل الرهبان المتحررين قد أسهموا بدور متواضع أولم يسهموا في زيادة عدد سكان إنجلترا من حوالي 2.500.000 عام 1485 إلى حوالي 4.000.000 عام 1547(20) وساعدت زيادة مؤقتة في عدد المتعطلين على تخفيض أجور الطبقات الدنيا جيلاً كاملاً، وأثبت ملاّك الأراضي الجدد أنهم أكثر جشعاً من القدامى(21).

وكانت النتيجة من الناحية السياسية هي زيادة سلطة الملكية، وفقدت الكنيسة آخر معقل للمقاومة، وكانت النتائج من الناحية الأخلاقية ازدياد الجرائم والخصاصة والتسول وتقلص الموارد اللازمة لأعمال البر(22). وأغلق ما يزيد على مائة مستشفى تديرها الأديار، وقامت السلطات البلدية بتزويد قلة منها بالحاجة. أما المبالغ التي أوصت بها الأرواح الخائفة أوالموقرة للقساوسة، كتأمين ضد نار جهنم أونار المطهر، فقد صودرت على أساس حتى هناك أملاً في ألا يلحق الموتى أذى، وانتزع الملك(23) 2374 من الهبات الموقوفة على إقامة قداسات للأرواح. وكانت أقسى النتائج في مجال التعليم. فقد كانت أديار الراهبات تهيئ مدارس للبنات، وكانت الأديار والقساوسة المشرفون على الهبات المخصصة للقداسات قد حافظت على مدارس وتسعين كلية للبنين، وحلت جميع هذه المؤسسات.

وبعد حتى ذكرنا الحقائق بإنصاف لا يشوبه إلا تحامل يصدر عن اللاوعي، فإنه يسمح للمؤرخ بإضافة تعليق افتراضي يعترف به. إذا جشع هنري وجور كرومويل هما اللذان ساعدا في مدى جيل على تخفيض حتمي في عدد الأديار الإنجليزية وإضعاف نفوذها. وكانت هذه الأديار قد قامت يوماً بعمل يدعوا للإعجاب في مجالات التعليم والبر والعناية بالسقمى في المستشفيات، بيد حتى إسباغ الصفة الفهمانية على هذه الوظائف كان يسير قدماً في سائر أنحاء غربي أوربا، حتى في المناطق التي كانت تغلب عليها الكاثوليكية. وكان ضعف الغيرة الدينية والنزعات الدنيوية الأخرى تحتجز تدفق المترهبين على المؤسسات الديرية. وانخفض عدد هؤلاء المترهبين إلى حد بدا أنه لا يتناسب مع فخامة مبانيهم والدخل الذي تدره أراضيهم. ومما يؤسف له حتى الموقف قوبل بالاندفاع الفجائي الفظ من كرومويل، بدلاً من خطة ولزى الإنسانية، والأسلم، وتنحصر في تحويل المزيد من الأديار إلى كليات.

وكانت الوسيلة التي لجأ إليها هنري هنا، كما عمل من قبل في سعيه للحصول على ابن، أسوأ من الهدف الذي ينشده. لم يكن هنا بأس في وضع نهاية، إلى حد ما، لاستغلال ورع ساذج بغش يتظاهر بالورع. وإنا لنعرب عن عظيم أسفنا لما وقع للراهبات اللاتي كن في الغالب الأعم يشقين قياماً بالواجب في إقامة الصلوات والتدريس وأعمال البر، بل إذا المرء الذي لا يستطيع حتى يشاركهن إيمانهن الذي لا يتزعزع يجب حتىقد يكون شاكراً لأن لهن مثيلات يمددن يد العون مرة أخرى، بإخلاص يدوم مدى الحياة، ويلبين حاجة السقمى والفقراء.


2- الإيرلندي العنيد 1300-1558

برر الملوك الإنجليز سيطرتهم على إيرلندة على أساس حتى قوة معادية في القارة يمكن في أي لحظة حتى تستخدم هذه الجزيرة المخضرة للقيام بهجوم جانبي على إنجلترا، وأصبح هذا الاعتبار، بعد حب السلطة، أشد قوة عندما فشلت إنجلترا البروتستانتية في كسب إيرلندة إلى صفها من الكنيسة الرومانية. وكان الشعب الإيرلندي، الذي يعشق البطولة والفوضى والمشهور بالرجولة والعنف، والموهبة الشاعرية، والذي يفتقر إلى النضج السياسي، يقاوم جميع يوم خضوعه لدم أجنبي ولغة دخيلة.

وازدادت سيئات الاحتلال الإنجليزي. وعاد كثير من أملاك الأراضي الإنجلو-إيرلنديين إلى إنجلترا في عهد إدوارد الثالث، ليعيشوا هناك في يسر على ما تدره إيجارات الأراضي الإيرلندية، وعلى الرغم من حتى المجلس النيابي الإنجليزي ندد مراراً بهذا العمل فإن "ملكية الأرض الغائبة" ازدادت خلال ثلاثة قرون، لتصبح حافزاً أكبر للثورات الإيرلندية. ومال الإنجليز الذين ظلوا في إيرلندة إلى الزواج من فتيات إيرلنديات، وامتزجوا تدريجياً بالدم الإيرلندي، الذي يسيطر عليه المقيمون الإنجليز، ويغلب عليه النفوذ الإنجليزي، تواقاً إلى سد هذه البالوعة السلالية فأجاز قانون كلكتى الشهير (1366) الذي منع، مع بعض النصوص السخية التي لا تخلومن حكمة، الزواج المختلط أوالتربيب أوأي علاقات ألفة أخرى بين الإنجليز والإيرلنديين في إيرلندة وأي حديث بالإيرلندية أوتقليد للعادات الإيرلندية أوارتداء الزي الإيرلندي بواسطة الإنجليز، وإلا تعرضوا للسجن وخسارة الممتلكات، ولم يكن يحق لإيرلندي آنذاك حتى يستقبل في أي منظمة دينية إنجليزية، ولا لمنشدين أوقصاصين إيرلنديين حتى يدخلوا بيوتاً إنجليزية(24). وفشل هذا الحظر فقد تألقت الورود الإيرلندية، وفاقت سلطة القانون واستمر الاندماج السلالي في تلك المناطق الضيقة مارش أوبوردر أوبيل التي لم يجرؤ الإنجليز على السكنى إلا فيها وحدها .

وكان يمكن لإيرلندة إبان حروب الوردتين حتى تطرد الإنجليز، لوحتى الزعماء الإيرلنديين اتحدوا، ولكنهم آثروا النزاع الأخوي، وشجعهم أحياناً على هذا المضى الإنجليزي. ووطد هنري السابع من حديث السلطة الإنجليزية في منطقة بيل، ودفع نائبه الإقطاعي سير إدوارد بويننجز في المجلس النيابي الإيرلندي "قانون بويننج" المذل (1494)، ونص على أنه ليس للمجلس النيابي الإيرلندي حتى ينعقد في المستقبل حتى تكون جميع مشروعات القوانين المقدمة له قد وافق عليها الملك والمجلس الخاص في إنجلترا. وأصبحت الحكومة الإنجليزية في إيرلندة، بعد حتى أضعفت إلى هذا الحد، أشد الحكومات في العالم المسيحي عجزاً وجوراً وفساداً. وكانت حيلتها الأثيرة هي تعيين واحد من ستين زعيماً إيرلندياً كمندوب لنائب الملك، وتفويضه في شراء أوإخضاع الباقين. وحقق جيرالد إيرل كلدار الثامن، الذي عين على هذا النحو، شيئاً من التقدم في هذا الاتجاه وخفف من حدة التمرد بين القبائل، مما ساعد المظالم الإنجليزية على إبقاء إيرلندة ضعيفة وفقيرة. وعند وفاته (1513) عين ابنه جيرالد فيتز جيرالد ليخلف كنائب. وكان لهذا الإيرل التاسع لكلدار سير حياة جارية نمطية للوردات الإيرلنديين. واتهم بالتآمر مع إيرل أف دزموند بالسماح لقوة فرنسية بالنزول إلى أرض إيرلندية، فاستدعي إلى إنجلترا وحكم عليه بالسجن في البرج، وأطلق هنري الثامن سراحه، وعينه من حديث نائباً لدى وعده بمساعدة القضية الإنجليزية بإخلاص. وسرعان ما اتهم بسوء الحكم وأحضر إلى إنجلترا مرة أخرى وأوفد من حديث إلى البرج حيث توفي خلال عام (1534)، وأعرب ابنه المخلص "سلكن توماس" (توماس الحريري) فتزجيرالد على الفور الحرب على الإنجليز، وحارب بشجاعة وتهور أربعة عشر شهراً وقهر وشنق (1537).

وفي هذا الوقت كان هنري الثامن قد أكمل إجراءات انفصاله عن الكنيسة الرومانية. وأمر المجلس النيابي بقحة تميز بها حتى يعترف به رئيساً للكنيسة في إيرلندة، وكذلك في إنجلترا، فأذعن، وطلب من جميع الموظفين الحكوميين في إيرلندة حتى يحلفوا يميناً بقبول سيادته الكنسية، وفرض حتى تدفع جميع ضرائب العشور الكنسية مذ ذاك إلى الملك. ودخل المصلحون الدينيون إلى الكنائس في منطقة النفوذ الإنجليزي في إيرلندة وحطموا المخلفات والتماثيل الدينية. وأغلقت الأديار جميعاً ما عدا قلة في مكان قصي، واستولت الحكومة على ممتلكاتها، وطرد رهبانها على حتى يمنحوا معاشاً إذا لم يثيروا ضجيجاً، ووزعت بعض الأسلاب على الزعماء الإيرلنديين وقبل معظمهم، بعد حتى رشوا على هذا النحو، ألقاب نبلاء من الملك الإنجليزي، واعترفوا بسيادته الدينية وأنكروا قسمهم للبابا (1539)(25). وألغي نظام العشيرة، وأعرب حتى إيرلندة مملكة، وهنري ملك لها (1541).

كان هنري ولكنه فان، ومات في خلال خمس سنوات من فوزه. وبقيت الكاثوليكية في إيرلندة. واعتبر الزعماء مروقهم حادثاً عابراً في السياسة وظلوا كثالكة (كما عمل هنري)، اللهم إلا فيما يختص بتجاهل البابا، وظل القساوسة الذين أيدوهم في خدماتهم الدينية وتقبلوها محافظين تماماً في العقيدة. ولم تتعرض عقيدة الشعب لأي تغيير أوبالحري اكتسبت حيوية جديدة، لأنها حافظت على عزة القومية في وجه ملك ينزع إلى الانشقاق. وفيما بعد أمام ملكة بروتستانتية. وأصبح الكفاح من أجل الحرية أشد مما كان عليه من قبل، لأنه كان وقتذاك يدور لصالح الجسد والروح.


3- ملك من قمة رأسه إلى أخمص قدميه

كان هنري في عام 1540 أعظم ملك يحكم حكماً مطلقاً عهدته إنجلترا، وكان النبلاء النورمنديون القدامى الذين كبحوا جماح وليام الفاتح، يخضعون صاغرين في جبن، ونسوا تقريباً العهد الأعظم (الماجناكارتا) الذي نص على امتيازاتهم. أما النبلاء الجدد، الذين أثروا من التجارة وأنعم عليهم الملك، فقد وقفوا حاجزاً أمام الثورات الأرستقراطية أوالدينية. وأذعن له مجلس العموم الذي كان يوماً الحامي الغيور للحريات الإنجليزية، وكان وكلاء الملك وقتذاك قد اختاروه بعناية، وخول تقريباً سلطات لم يسبق لها مثيل: الحق في مصادرة الأملاك وتعيين مَن يشاء خلفاً له، وتجديد العقيدة المحافظة والهرطقة، وإرسال رجال للإعدام بعد محاكمة مزيفة، وإصدار إعلانات لها سلطة القوانين الصادرة من المجلس النيابي "كانت روح الاستقلال الإنجليزية في عهد هنري تشتعل خافتة في وقبها وحب الحرية غدا فاتراً(26)". وقبل الشعب الإنجليزي هذا الحكم المطلق بسبب الخوف من ناحية، ولأنه خيل إليه أنه البديل لحرب ورد أخرى. كان النظام أبرز من الحرية.

وأغرت نفس البديلات الإنجليز بتحمل سيادة هنري على الشئون الكنسية، وعندما رأى هنري حتى الكثالكة والبروتستانت على استعداد لأن يمسك جميع منهما بخناق الآخر، ورأى حتى المواطنين الكاثوليك والسفراء والحكام يتآمرون ضده إلى حد الغزوتقريباً، افترض حتى النظام لا يمكن حتى يستتب في الحياة الدينية في إنجلترا إلا بتحديد الملك للعقيدة والشعيرة، وقبل ضمناً حالة السلطة في الدين التي كانت من خلق الكنيسة. وحاول حتى يملي مَن يجب حتى يتلوالكتاب المقدس. وعندما صادر الأساقفة ترجمة تندال للكتاب المقدس، أمرهم بإعداد ترجمة أفضل، وعندما توانوا طويلاً جاز لكرومويل بتفويض مايلز كوفردال في اعداد ترجمة جديدة. وظهرت أول نسخة كاملة بالإنجليزية في زيورخ عام 1535. ونشرت عام 1539 طبعات منقحة، وأمر كرومويل بأن يوضع هذا "الكتاب المقدس العظيم" في جميع كنيسة إنجليزية. ومنح هنري "بدافع من الكرم والطيبة الملكيين" المواطنين امتياز تلاوة الكتاب المقدس في بيوتهم، وسرعان ما أصبح تقليداً يومياً عند جميع أسرة إنجليزية تقريباً. ولكنه كان ينبوعاً للشقاق والإلهام أيضاً، فقد أنبتت جميع قرية مفسرين هواة، أثبتوا أي شيء أوعكسه بما ورد في الكتاب المقدس، وتجادل المتعصبون حوله في الكنائس، وتعرضوا لضربات بشأنه في الحانات(27). ومنح بعض الرجال الطموحين زوجاتهم أوامر قضائية بالطلاق، أواحتفظوا بزوجتين في آن واحد، بحجة حتى هذا عمل سليم أباحه الكتاب المقدس(28). وأسف الملك لحرية التلاوة التي منحها للناس، وعاد إلى مظاهرة الكاثوليك. وحث المجلس النيابي عام 1543 على سن قاعدة بأنه لا يجوز قانوناً حيازة الكتاب المقدس إلا للنبلاء والملاّك، ولا يجوز لغير القساوسة الوعظ به أوالجدال فيه علناً(29).

وكان من الصعب على الناس - وحتى على الملك - حتى يعهد ما يدور في ذهن الملك. واستمر الكثالكة يرسلون إلى المحرقة أوالمقصلة بسبب إنكارهم سيادته في الشئون الكنسية، والبروتستانت بسبب جدلهم في اللاهوت الكاثوليكي؛ وعُلِّق فورست وهورئيس شعبة المتشددين من الفرنسسكان الممتثلين في جرينوتش، رفض حتى ينكر سلطة البابا، على نار وهومكبل بالأغلال، وشوي ببطيء حتى توفي (31 مايوسنة 1537)(30). وقبض على جون لامبرت؛ وهوبروتستانتي بسبب إنكاره وجود المسيح حقيقة في القربان المقدس، وحاكمه هنري بنفسه، وحكم عليه هنري بالموت وأحرق في سمثفيلد (16 نوفمبر سنة 1538) ومع تزايد نفوذ استيفن جاردنر أسقف ونشستر مال هنري أكثر وأكثر نحوالعقيدة المحافظة، وفي عام 1539 أعرب الملك والمجلس النيابي والمجمع الأكليروسي بـ "قانون المواد الستة" موقف الكنيسة الرومانية الكاثوليكية في موضوعات الحضور الحقيقي للمسيح وعزوبة رجال الأكليروس وأقسام رهبان الدير والقداسات من أجل الموتى، وضرورة الاعتراف السرّي أمام قسيس وكفاية تناول القربان المقدس من ضرب واحد. وكل مَن ينكر شفاهاً أوكتابة، الحضور الحقيقي للمسيح، يتعرض للموت حرقاً دون حتى تتاح له فرصة لإنكار ما نطق أوللاعتراف أوالغفران، وكل مَن ينكر أية مادة أخرى يجب حتى تصادر أملاكه عند ارتكابه الذنب لأول مرة وتزهق روحه عند ارتكابه له مرة أخرى.

وأعرب حتى جميع الزيجات التي عقدها القساوسة حتى وقتذاك باطلة، وأي قسيس يحتفظ بزوجته بعد ذلك يعد مرتكباً لجريمة الخيانة العظمى(31). وكان الناس لا يزالون محافظين من حيث العقيدة، فوافقوا على هذه المواد، غير حتى كرومويل بذل جهده لتخفيفها عند التطبيق، وفي عام 1540 تحول الملك مرة أخرى، فأمر بوقف المطاردة بموجب هذا القانون... ومع ذلك فإن الأسقفين لاتيمر وشاكستون، اللذين لم يوافقا على مواد القانون، عزلا وسجنا. وفي يوم 30 يوليوسنة 1540 تعرض ثلاثة من البروتستانت وثلاثة من الكاثوليك للموت في سمثفيلد في وفاق تم رغم إرادتهم، أما البروتستانت فلأنهم حاولوا التشكيك في بعض العقائد الكاثوليكية، وأما الكثالكة فلأنهم رفضوا الاعتراف بسيادة الملك على الشئون الكنسية(32).

وكان هنري قوياً شديداً في الحكم وفي اللاهوت، وعلى الرغم من أنه احتفظ بحاشية كثيرة العدد، وقضى وقتاً طويلاً في التهام الطعام، فإنه تعب كثيراً في الاضطلاع بأعباء الحكم. واختار أعواناً مهرة وجائرين مثله. وأعاد تنظيم الجيش، وجهزه بأسلحة جديدة، ودرس آخر ما توصل إليه الخبراء في التكتيك والاستراتيجية. وبنى أول أسطول بحري ملكي دائم طهر السواحل والقناة من القراصنة، وأعد العدة للفوزات البحرية التي تمت في عهد اليزابث، ولكنه فرض على شعبه مكوساً إلى الحد الذي يحتمله، وخفض قيمة العملة مراراً، وصادر الأملاك الخاصة بحجج واهية، أوطلب "اشتراكات"، وأنكر ديونه، واقترض من آل فوجر، وروج الاقتصاد الإنجليزي مؤملاً حتى يعود عليه بدخل إضافي.

وكانت الزراعة في تدهور، وكان رق الأرض لا يزال منتشراً. ولم ينبتر تسوير الأراضي لترعى فيها الأغنام وضاعف ملاك الأراضي الجدد، الذين لم تصدهم تنطقيد الإقطاع، إيجارات الأراضي مرتين أوأربع مرات على مستأجريهم، بحجة إرتفاع الأسعار، ورفضوا تجديد عقود الإيجار المنتهية "وشق آلاف المستأجرين الذين جردوا من أراضيهم المستأجرة طريقهم إلى لندن وطرقوا بشدة أبواب المحاكم لحمل الظلم، وهوأمر لم يستطيعوا الحصول عليه(33)".

ورسم مور الكاثوليكي صورة مؤثرة للفلاحين المتسولين(34)، وندد لاتيمر البروتستانتي بـ "اللوردات الحديثي النعمة الذين يحملون الإيجارات"، ورأى مثل لوثر ماضياً مثالياً كاثوليكياً. عندما كانت أفئدة الرجال مفعمة بالشفقة والحنان(35). "وفرض المجلس النيابي عقوبات صارمة على الضرب في الآفاق والتسول. وكان قانون 1530-31 يفرض على جميع مَن يتسول، ويكون قادراً جسمانياً على العمل، سواء كان رجلاً أوامرأة، حتى يشد وثاقه إلى عربة وهوعار ويجلد بالسياط في سائر أنحاء المدينة إلى حتى يتلطخ جسده بالدم". وإذا عاد لارتكاب الذنب مرة أخرى تبتر أذنه، وإذا ارتكب مرة ثالثة تبتر أذنه الأخرى، ومهما يكن من أمر فإن ارتكاب الذنب للمرة الثالثة كان يعرض المتسول للإعدام(36). ووجد الفلاحون المبعدون تدريجياً عملاً في المُدن وخففت الإغاثة المقررة للفقراء من سقط الخصاصة. وارتفعت إنتاجية الأرض في آخر الأمر بالزراعة على نطاق واسع بيد حتى عجز الحكومة عن تخفيف التحول كان بمثابة فشل إجرامي قاس للحنكة السياسية.

وأسبغت الحكومة نفسها الحماية على الصناعة بالتعريفات الجمركية. وأفاد أصحاب المصانع من رخص أجر العمل، الذي تيسر بهجرة الفلاحين للمُدن، وأعادت الطرق الرأسمالية تنظيم صناعة النسيج، وحملت طبقة جديدة من الأثرياء، لتقف إلى جانب التجار في مساندة الملك. وحل القماش محل القماش محل الصوف باعتباره أبرز صادرات إنجلترا. وكانت معظم الصادرات من الضروريات التي تنتجها الطبقة الدنيا، وكانت معظم الواردات من سلع الترف التي لا يحصل عليها إلا الأغنياء(37). وأفادت التجارة والصناعة من قانون صدر عام 1536 يغير أسعار الفائدة بواقععشرة في المائة. وكان ازدياد الأثمان السريع في صالح المشروع وبمثابة عقاب حكم به على العمال والفلاحين واللوردات الإقطاعيين من النمط القديم. وارتفعت الإيجارات إلى 1000 في المائة بين عامي 1500 و1576(38). وارتفعت أسعار الطعام من 250 إلى 300 في المائة، وارتفعت الأجور بمقدار 150 في المائة(39). وخط توماس ستار في حوالي عام 1537: "أن الفقر يسود الآن إلى حد يقف فيه أمام أي خير حقيقي ومزدهر للجماعة(40)".

ووجد أعضاء الطوائف الحرفية شيئاً من الفرج في التأمين والمساعدة المتبادلة، زودهم بما يسد رمقهم، أمام الفقر والنار، غير حتى هنري صادر عام 1545 أملاك الطوائف الحرفية(41).


4- التنين يتقاعد

أي ضرب من الرجال كان هذا الملك الغول،يا ترى؟ لقد رسم هولبين الصغير، الذي اتى إلى إنجلترا حوالي عام 1536، صوراً شخصية لهنري وجين سيمور. فالكساء الفاخر يكاد يخفي بدانة الملك، والأحجار الكريمة

وفروالفاقم، واليد التي تقبض على سيف محلى بالجواهر، تكشف عن استعلاء السلطة وزهورجل لم يجد مَن يقاومه، والوجه العريض المكتنز ينم على ميل شديد للذات الحسية، والأنف نادىمة قوية، والشفتان المضمومتان والعينان القاسيتان تنم على طاغية مستبد سريع الغضب بارد إلى حد القسوة. وكان هنري وقتذاك في السادسة والأربعين، في أوج مجده السياسي، ولكن بدأ الضعف يدب في جسده. وقدر له حتى يتزوج ثلاثاً مرة أخرى، ومع ذلك لم يرزق بعدها بذرية. ولم ينجب من زوجاته الست سوى ثلاثة أطفال، عاشوا إلى ما بعد سن الطفولة. وأحد هؤلاء الثلاثة، وهوإدوارد السادس، كان معتل الصحة، ومات في الخامسة عشرة من عمره، وظلت ماري عاقراً بائسة عندما تزوجت، أما إليزابث فإنها لم تجرؤ قط على الزواج، وربما كان ذلك لشعورها بوجود عائق جسماني. وأصابت لعنة شبه العقم أوالعيب الجسماني أعظم الأسر الحاكمة اعتزازاً بنفسها في التاريخ الإنجليزي.

وكان هنري حاد الذهن وحكمه على الرجال يشير على الفراهة، وشجاعته عظيمة، وقوة إرادته هائلة. وكان سلوكه فظاً ووساوسه تبددت مع شبابه، ومهما يكن من أمر فإنه ظل مع أصدقائه شفوقاً كريماً، ولطيفاً بشوشاً، قادراً على كسب ودهم وإخلاصهم. وقد ولد ليكون ملكاً، وأحيط منذ ولادته بالخضوع والملق، ولم يجرؤ على معارضته إلا قليلون، وقد دفنوا بعد حتى بترت رءوسهم. وخط مور عن سجن البرج: "مما يؤسف له كثيراً ولا شك حتى نرى أي أمير مسيحي على استعداد لأن يلبي رغباته بواسطة مجلس يركع أمامه، وبواسطة رجال دين ضعاف... والملق، فاشتط في ظلم الناس بصورة مخجلة(42)"، كان هذا هوالمصدر الخارجي لنكوص هنري على عقبيه في الخلق - فقد أدى عدم وجود مقاومة لإرادته، بعد وفاة مور، إلى حتى يصبح خائراً معنوياً وبدنياً: ولم يكن أكثر تهاوناً في الجنس من فرانسيس الأول ويبدوأنه بعد حادث آن بولين قد أصبح أشد تحمساً للزواج بواحدة، على التوالي، من شارل الخامس. ولم يكن الانحلال الجنسي أسوأ نقيصة فيه. وكان نهمه للمال لا يقل عن نهمه للسلطة، وقلما جاز لاعتبارات إنسانية حتى تقف في زجه استيلائه على الأموال. وليس من شك في حتى استعداده المتسم بالجحود لقتل النساء اللاتي أحبهن أوالرجال، أمثال مور وكرومويل، الذين خدموه بإخلاص سنوات طوال، أمر خسيس، ومع ذلك يمكن القول أنه لم يسفك من الدماء عشر ما سفكه شارل التاسع حسن النية، عندما أجاز مذبحة سانت بارتلوميو، أوشارل الخامس عندما صفح عن نهب روما، أوالأمراء الألمان عندما حاربوا ثلاثين عاماً للحصول على حقهم في تحديد المعتقدات الدينية لرعاياهم.

والأصل الداخلي لفساده هوما تعرضت له إرادته من إحباط متكرر في الحب والأبوة. فقد خاب أمله طويلاً في الحصول على ابن، وصد بطريقة خادعة في طلبه المعقول إعلان بطلان زقابل الأول، وخدعته (كما اعتقد) الزوجة التي خاطر من أجلها بعرشه، وفقد سريعاً الزوجة الوحيدة التي أنجبت له وريثاً، وخدعته في الزواج امرأة خارجية تختلف عنه تماماً في اللغة والمزاج، وخانته (كما ظن) زوجة خيل إليه أنها ستحقق له آخر الأمر بيتاً تخيم عليه السعادة - ها هوملك كان يملك إنجلترا بأسرها، ولكنه حرم من المباهج العائلية التي يستمتع بها أبسط زوج في مملكته، وكان يعاني من ألم متبتر بسبب قرحة في ساقه، وكافح الثورات والأزمات في سائر مدة حكمه، واضطر في جميع لحظة تقريباً حتى يتسلح لصد الغزووالخيانة والاغتيال - فكيف كان في وسع رجل مثل هذا حتى ينموويصبح سوياً، أويتحاشا الفساد والتورط في الشك والدهاء والقسوة،يا ترى؟ وكيف يتأتى لنا، نحن الذين نغضب من وخز محنة نتعرض لها، حتى نفهم رجلاً جمع في عقله وفي شخصه عاصفة الإصلاح الديني الإنجليزي وثقله، وحرم شعبه بخطوات محفوفة بالمخاطر من ولاء جذوره عميقة، ومع ذلك لابد أنه كان حرياً بأن يشعر في روحه المنقسمة بدهشة مفتتة - أحرر أمة أومزق ضم المسيحية،يا ترى؟ كان الوسط الذي عاش فيه هوالخطر وكذلك السلطة. ولم يكن في وسعه قط حتى يعهد المدى الذي يصل إليه أعداؤه، أومتى ينجحون. وفي عام 1538 أمر بالقبض على سير جيوفري بول شقيق ريجينالد. وخشي جيوفري حتى يتعرض للتعذيب، فاعترف بأنه هووشقيق آخر يدعى لورد مونتاجو، وسير ادوار فيفيل والمركيز والمركيزة أف إكستر كانوا يتبادلون رسائل تنطوي على خيانة الدولة مع الكاردينال. وظفر جيوفري بالصفح أما إكستر ومونتاجووآخرون عديدون فقد شنقوا وشطروا إلى أربعة أقسام (1538-39)، وأما ليدي اكستر فقد سجنت، ووضعت الكونتيسة أف سالزبوري، والدة بول واخوته الأشقاء تحت الحراسة. وعندما زار الكاردينال شارل الخامس في طليطلة (1539) يحمل له طلباً لا طائل تحته من بول الثالث يرجوفيه من الإمبراطور حتى ينظم إلى فرانسيس في تحريم التجارة مع إنجلترا(43)، انتقم هنري بالقبض على الكونتيسة، التي كانت وقتذاك في السبعين من عمرها، ولعله كان يأمل بالاحتفاظ بها في البرج، حتى يكبح جماح الكاردينال للغزو. كان جميع شيء عادلاً في لعبة الحياة والموت.

وبعد حتى ظل هنري عامين دون حتى يتزوج أمر كرومويل حتى يبحث له عن حلف بالمصاهرة يقوي سلطانه ضد شارل. فنصح كرومويل بالزواج من أخت زوجة الأمير المختار لساكسونيا، وشقيقة الدوق أف كليفس الذي كان وقت ذاك على خلاف مع الإمبراطور. وآلى كرومويل على نفسه حتى يتم هذا الزواج الذي كان يعلق عليه آمالاً بتكوين حلف من الولايات البروتستانتية آخر الأمر، وبهذا يجبر هنري على إلغاء المواد الست المناهضة للوثر. وأوفد هنري المصور هولبين لرسم صورة للسيدة، ولعل كرومويل أضاف بعض التعليمات للفنان، واتىت الصورة، ورأى هنري أنها محتملة، فهي تبدوحزينة، لا تشجع في الصورة التي رسمها هولبين، والمعلقة في متحف اللوفر، ولكن تقاطيعها ليست أقل وضوحاً من جين سيمور التي رققت لحظة من قلب الملك.

وعندما اتىت آن بشحمها ولحمها، وسقطت أنظار هنري عليها (أول يناير سنة 1540) توفي الحب لدى أول نظرة. وأغمض عينيه وتزوجها، وتضرع مرة أخرى حتى يرزقه الله بإبن يوطد به وراثة العرش في آل تيودور إذ كان مظهر الأمير إدوارد وقتذاك يشير على ضعفه الجسماني. ولكنه لم يصفح قط عن كرومويل. وأمر بالقبض على وزيره الذي أفاده أكثر من أي وزير آخر بعد أربعة شهور زاعماً غلطه وفساده. ولم يكن يعترض عليه، فقد كان كرومويل تابعاً يحظى بأكبر نصيب من الكراهية في إنجلترا - بسبب أصله ووسائله وخسته وثروته. وطلب في سجن البرج حتى يسقط بيانات يعارض فيها صحة الزواج. وأعرب هنري أنه لم يكن قد قدم "رضاه الباطني" عن الزواج، وأنه لم يدخل بزوجته قط. واعترفت آن بأنها لا تزال عذراء ووافقت على بطلان الزواج، لقاء معاش يوفر لها سبيل الراحة. وكرهت حتى تقابل أخاها، فاختارت حتى تعيش وجيدة في إنجلترا، وكان لها عزاء صغير في أنها دفنت في لقاء دير وستمنستر عند وفاتها (1557). وبترت رأس كرومويل يوم 28 يوليوسنة 1540.

وفي اليوم نفسه تزوج هنري من كاثرين هوارد، البالغة من العمر عشرين عاماً، وهي من أسرة كاثوليكية لا تحيد عن عقيدتها قيد أنملة، وكان هذا كسباً للحزب الكاثوليكي، وكف الملك عن حتى يتقرب من البروتستانت بالقارة، وعقد صلحاً مع الإمبراطور، وعندما شعر بأنه أصبح أخيراً آمناً في ذلك الحمى تحول بفكره شمالاً معلقاً الآمال على ضم سكوتلندة، وبذلك يكمل دائرة الحدود الجغرافية لبريطانيا ويضمن لها الأمن. وصرفته عن هذا ثورة أخرى في شمالي إنجلترا. وقبل حتى يرحل لقمعها وإخماد مؤامرة دبرت وراء ظهره، أمر بإعدام جميع المسجونين السياسيين في البرج ومنهم الكونتيسة أف سالزبوري (1541). وانهارت الثورة وعاد هنري إلى هامبتون كورت يتخبط في الهموم، لينشد السلوى عند ملكته الجديدة.

وكانت كاثرين الثانية أجمل زوجاته، وتفهم الملك كيف من الممكن أن يحبها تقريباً، وهويعتمد أكثر من قبل على الخدمات الجديرة بزوجة، وحمد الله على الحياة الطيبة التي كان يعيشها، والتي راوده الأمل في حتى يحققها تحت إشرافها، ولكن في اليوم الذي ردد فيه تسبيحة الشكر هذه (2 نوفمبر سنة 1541) سلمه رئيس الأساقفة كرانمر وثائق تدل على حتى كاثرين كانت لها علاقات سابقة للزواج مع ثلاثة خاطبين متعاقبين. واعترف اثنان من هؤلاء وكذلك اعترفت الملكة. ونطق السفير الفرنسي في تقرير له: حتى هنري تملكه حزن شديد، حتى ساد الاعتقاد بأنه جن(44). وأمضه الخوف من حتى تكون لعنة الله قد حلت بكل زيجاته. وكان يميل إلى الصفح عن كاثرين، ولكن قدم إليه مرشد على أنها اقترفت الزنى مع ابن عمها بعد زقابلا بالملك. وأقرت بأنها استقبلت ابن عمها في جناحها الخاص في ساعة متأخرة بالليل، ولكن وقع هذا في حضور الليدي روشفورد، وأنكرت أنها ارتكبت أي ذنب وقتها، أوفي أي وقت منذ زقابلا، وشهدت ليدي روشفورد بصحة هذه البيانات بقدر ما وصل إلى فهمها(45). بيد حتى المحكمة الملكية أعربت حتى الملكة مذنبة. وفي يوم 13 نوفمبر سنة 1542 بتر رأسها في نفس البقعة التي سقط فيها رأس آن بولين قبل ذلك بست سنوات، أما عشاقها فقد حكم عليهم بالسجن مدى الحياة.

وكان الملك وقتذاك رجلاً محطماً. وأعيت قرحته طب عصره، وكان الزهري الذي لم يشفَ منه تماماً ينتشر ويعيث فساداً في هيكله(46).وبعد حتى فقد لذة الحياة جاز لنفسه بأن يصبح كتلة ضخمة من اللحم، وكان خداه متهدلين ويكادان يغطيان فكيه، وكادت عيناه الضيقتان حتى تختفيا في تلافيف وجهه. ولم يكن في وسعه حتى يسير من غرفة إلى أخرى دون حتى يستند إلى أحد. وأدرك أنه لن يعيش إلا بضع سنوات فأصدر (1543) مرسوماً جديداً يحدد فيه وراثة عرشه: يتولاه أولاً إدوارد ثم ماري ثم اليزابث، ولم يمضى إلى أبعد من ذلك، لأن مَن تليهم في سلسلة النسب هي ماري ستيوارت ملكة أسكوتلندة. وقام بمحاولة لكي ينجب ولداً سليماً معافى، بعد حتى حثه مجلسه مراراً فبنى بزوجة سادسة (12 يوليوسنة 1543). وكانت كاثرين بار قد عاشت بعد وفاة زوجين سابقين، ومع ذلك فإن الملك لم يعد يصر على الزواج من عذارى. وكانت امرأة على حظ من الثقافة والفطنة، فقامت برعاية مريضها الملك في صبر، وصالحته مع ابنته اليزابث، التي طال إهماله لها، وحاولت حتى تلطف لاهوته، وتخفف حماسته للاضطهاد.

ولم تنبتر المشاعل اللاهوتية حتى نهاية حكمه، فأحرق ستة وعشرون شخصاً بتهمة الهرطقة في الثماني السنوات الأخيرة من عهده. وفي عام 1543 أبلغ الجواسيس الأسقف جاردنر حتى هنري فيلمر نطق: "إذا كان الرب موجوداً حقاً (في القربان المقدس) فإني أكون قد أكلت في حياتي عشرين رباً". وأن روبرت تسوود حذر القسيس عند حمل القربان المقدس، من حتى يهجر الرب يسقط، وأن أنتوني بيرسون وصف جميع قسيس يعظ الناس بأي شيء سوى "حدثة الله" - أي الكتاب المقدس -قد يكون لصاً. وأحرق جميع هؤلاء الرجال تطبيقاً لأوامر أصدرها الأسقف الأنجليكاني، في مرج أمام القصر الملكي في وندسور. وانزعج الملك لأنه عثر حتى الدليل الذي قدمه شاهد في هذه القضايا كان قسماً زوراً، وأوفد الجاني الأثيم إلى سجن البرج(47). وفي عام 1546 أدان جاردنر أربعة آخرين، وأوفدهم إلى المحرقة لإنكارهم وجود المسيح حقاً في القربان المقدس. وكانت إحداهم امرأة شابة تدعى آن أسكيوتشبثت بهرطقتها طوال خمس ساعات من الاستجواب ونطقت في محاكمتها: "إن ما تسمونه ربكم بترة من الخبز، والدليل على ذلك أنكم لوهجرتموها في صندوق لمدة ثلاثة شهور لتعفنت". وعذبت حتى أشرفت على الموت لكي تكشف عن أسماء هراطقة آخرين، وظلت صامتة لم تنبس ببنت شفة، وهي تتوجع، وسارت إلى حتفها وهي تقول: "إنني سعيدة كواحدة خط عليها حتى تتجه للسماء(48)". ولم يكن للملك دور فعال في هذه المطاردات غير حتى الضحايا استغاثوا به دون جدوى.

واشتبك عام 1543 في حرب مع أسكتلندة و"أخيه المحبوب" فرانسيس الأول، وسرعان ما عثر نفسه متحالفاً مع عدوه القديم شارل الخامس، ولكي يمول حملاته طالب رعاياه بتقديم "قروض" جديدة، وامتنع عن سداد قروض عام 1542 وصادر الهبات للجامعات(49). وحمل إلى ميدان القتال ليشهجر فيها شخصياً وأشرف على حصار بولونيا والاستيلاء عليها. وغزت جيوشه أسكتلنده، وهدمت أديار ملروز ودرايبورج وخمسة أديار أخرى، ولكنها هزمت هزيمة منكرة في انكرم مور (1545)، وأبرم اتفاق فيه فائدة مع فرنسا (1546)، واستطاع الملك حتى يموت في سلام.

وكان وقتذاك ضعيفاً واهناً إلى حد حتى الأسر النبيلة أخذت تتنازع فيما بينها على مَن تكون له الوصاية على إدوارد الصغير. وكان إيرل أف سوري، وهوشاعر، واثقاً حتى أباه الدوق أف يورك يفترض أنقد يكون وصياً إلى حد أنه اتخذ درعاً وضع عليه شارة لا تصلح إلا لولي العهد، وقبض هنري عليهما معاً فاعترفا بأنهما مذنبان وبتر راس الشاعر في التاسع من يناير عام 1547، أما الدوق فقد سجل في قائمة انتظار الذين ينفذ فيهم حكم الإعدام بعد السابع والعشرين فوراً.

ولكن الملك توفي في اليوم الثامن والعشرين، وكان في الخامسة والخمسين من عمره، ولكنه عاش عمره عشرات المرات. وهجر مبلغاً كبيراً، يدفع لإقامة قداسات لكي ترقد روحه في اطمئنان. وقد دام عهده سبعة وثلاثين عاماً، حول إنجلترا إلى بلاد أخرى أعمق مما كان يتصور أويشتهي. وفكر في حتى يخلف البابا، ويهجر العقيدة القديمة التي عودت الناس على القيود الأخلاقية والخضوع للقانون دون حتى يمسها بتغيير، ولكن تحديه للبابوية الذي صادفه التوفيق، وتشتيته السريع للرهبان والمخلفات، وإذلاله المتكرر لرجال الأكليروس، ونزعه لملكية الكنيسة وإسباغ الصفة الفهمانية على الحكومة، جميع ذلك أضعف الهيبة الكنسية والسلطة الدينية إلى حد كبير، مما أدى إلى حدوث التغييرات اللاهوتية التي أعقبت ذلك في عهدي إدوارد وإليزابث. كان الإصلاح الديني الإنجليزي أقل اعتماداً على العقيدة من الإصلاح الديني الألماني، ولكنهما أثمرا نفس النتيجة البارزة - وهي فوز الدولة على الكنيسة. ونجا الشعب من براثن بابا معصوم ليقع في أحضان ملك مستبد.

ولم يغنم شيئاً من الناحية المادية. فقد دفع ضرائب العشور كما دفع من قبل، غير حتى صافي الفائض عاد إلى الحكومة. وكان كثير من لفلاحين يغرسون وقتذاك أراضيهم المستأجرة "للورداتهم المحدثين"، وكانوا أشد قسوة من الرهبان الذين اتخذ منهم كارلايل مثالاً في كتابه "الماضي والحاضر". ومن رأي وليام كوبت حتى "الإصلاح الديني الإنجليزي" كان في الحقيقة من وجهه الاجتماعي، ثورة قام بها الأغنياء ضد الفقراء(50)، وتشير سجلات الأسعار والأجور إلى حتى العمال الزراعيين وعمال المُدن كانوا أحسن حالاً عندما ارتقى هنري العرش منهم عند وفاته(51).

وكانت المظاهر الأخلاقية لهذا العهد سيئة، فقد ضرب الملك للأمة مثلاً يشير على فساد خلقه بانغماسه في علاقات جنسية وبانتنطقه الفظ في خلال بضعة أيام من مصرع زوجة إلى فراش الزوجة التالية وبقسوته الهادئة وعدم أمانته المالية وجشعه المادي. وأشاعت الطبقات العليا الفوضى في البلاط والحكومة بما دبرته من مؤامرات فاسدة. وتبارى الأعيان مع هنري في الاستحواذ على ثروة الكنيسة وابتز رجال الصناعة عمالهم وابتزهم الملك. ولم تكمل الصورة باضمحلال البر لأنه بقي هناك الخضوع الحقير لحاكم مطلق أناني من شعب يرتجف هلعاً. ولم ينقذ الموقف سوى شجاعة الشهداء البروتستانت والكاثوليك وأشرفهم فيشر ومور قد اضطهدا في دورهما.

وإذا تأملنا بمنظور واسع هذه السنوات المريرة نجد أنها كانت تحمل بعض الثمار الطيبة. ولم يكن هناك بد من الإصلاح الديني. ولابد حتى نذكر أنفسنا مراراً وتكراراً بهذا ونحن نسجل شيطنة القرن الذي ولد فيه، كان الانفصام عن الماضي عنيفاً ومؤلماً ولم يكن في الإمكان زعزعة قبضته على أذهان الناس إلا بتوجيه ضربة وحشية. وعندما أزيل الكابوس أصبحت روح القومية، التي سمحت في أول الأمر بالاستبداد، حماسة شعبية وقوة خلاقة. وأدى تخلص الشئون الإنجليزية من البابوية إلى هجر الناس تحت رحمة الدولة حيناً من الزمن، ولكنه أجبرهم في المدى الطويل على الاعتماد على أنفسهم في كبح جماح حكامهم والمطالبة، عقداً وراء عقد، بقدر من الحرية يكافئ ذكائهم. ولن تكون الحكومة قوية دائماً كما كانت في عهد هنري الرهيب، بل يفترض أن تكون ضعيفة في عهد ابن عليل وابنة تطوي جوانحها على مرارة شديدة، ثم تنهض الأمة بعد حتى تتفجر طاقتها المنطلقة من عنطقها في عهد ملكة مذبذبة، ولكنها ظافرة، وتحمل نفسها إلى مرتبة زعامة الفكر الأوربي. ولولم تكن إنجلترا قد تحررت على يد أسوأ وأقوى ملوكها فربما كان قدر للعالم ألا يرى إليزابث وشكسبير.


انظر أيضا

  • أسرة تيودور
  • أسرة تيودور (مسلسل)

مراجع

  1. ^ "Cromwell". Collins English Dictionary. HarperCollins. Retrieved 18 December 2013.
  2. ^ Logan argues that these titles refer to a single position. F. Donald Logan (July 1988). "Thomas Cromwell and the Vicegerency in Spirituals: A Revisitation". The English Historical Review. Oxford University Press. 103 (408): 658–67. JSTOR 572696.
  3. ^ Hutchinson 2008, p. 269.
  4. ^ Bernard 1998, pp. 587–607 Bernard argues Elton exaggerated Cromwell's role.
  5. ^ Coby 2009, p. 197.
  6. ^ Kenyon 1983, p. 210.
  7. ^ Leithead 2008.

وصلات خارجية

اقرأ اقتباسات ذات علاقة بتوماس كروموِل، في فهم الاقتباس.
  • CROMWELL, Thomas (by 1485–1540), of London at historyofparliamentonline.org
  • Cromwell, Thomas, Earl of Essex Encyclopædia Britannica, 11th ed., vol. VII at archive.org
  • نطقب:Cite DNB
  • Thomas Cromwell with details on his policies at englishhistory.net
  • Thomas Cromwell, 1st Lord Cromwell, Great Chamberlain Family tree
  • توماس كروموِل at Find A Grave
  • Portrait of Thomas Cromwell at the Indianapolis Museum of Art
  • نطقب:NPG name
  • نطقب:UK National Archives ID
مناصب سياسية
سبقه
John Bourchier
Chancellor of the Exchequer
1533–1540
تبعه
John Baker
سبقه
Stephen Gardiner
Secretary of State
1534–1540
تبعه
Thomas Wriothesley
Ralph Sadler
سبقه
John Taylor
Master of the Rolls
1534–1536
تبعه
Christopher Hales
سبقه
Thomas Boleyn
Lord Privy Seal
1536–1540
تبعه
William Fitzwilliam
سبقه
James Worsley
Governor of the Isle of Wight
1538–1540
شاغر
اللقب حمله بعد ذلك
John Paulet
سبقه
The 15th Earl of Oxford
Lord Great Chamberlain
1540
تبعه
The 16th Earl of Oxford
مناصب قانونية
سبقه
The Lord Darcy de Darcy
Justice in Eyre
North of the Trent

1537–1540
تبعه
The Earl of Rutland

نطقب:Chancellors of the Exchequer نطقب:Masters of the Rolls نطقب:Deans of Wells

تاريخ النشر: 2020-06-07 11:40:57
التصنيفات: EngvarB from February 2015, مقالات تستعمل قوالب صيانة غير مؤرخة, All articles with unsourced statements, Articles with unsourced statements from April 2016, Articles with invalid date parameter in template, Commons category link is locally defined, مواليد 1485, وفيات 1540, 16th-century English politicians, British and English royal favourites, Chancellors of the Exchequer of England, Chancellors of the University of Cambridge, Converts to Anglicanism from Roman Catholicism, Cromwell family, Deans of Wells, Earls of Essex, English Anglicans, محامون إنگليز, English MPs 1523, English MPs 1529–36, English MPs 1536, People convicted under a bill of attainder, Executions at the Tower of London, Knights of the Garter, اللوردات حملة ختم الخاصة الملكية, Lord Great Chamberlains, Masters of the Rolls, People associated with the Dissolution of the Monasteries, People executed under Henry VIII of England, People executed by Tudor England by decapitation, Executed people from London, People from Putney, People of the Tudor period, Prisoners in the Tower of London, Secretaries of State of the Kingdom of England, Burials at St. Peter ad Vincula (London), 16th-century English lawyers, English politicians convicted of crimes, Masters of the Jewel Office, أشخاص في عهد أسرة تيودور, أنگليكان إنگليز, إنگليز, إنگليز القرن 16, إنگليز معدمون, إرلات إنگلترا, سجناء برج لندن, فرسان الرباط, كاثوليك تحولوا إلى الأنجليكانية, محامون إنجليز, معدمون بقطع الرأس, معدمون في برج لندن, معدمون في عهد أسرة تيودور, صفحات بها أخطاء في البرنامج النصي

مقالات أخرى من الموسوعة

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

آخر الأخبار حول العالم

مانشستر سيتي يطيح بضيفه ليفربول من كأس الرابطة (فيديو)

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-12-23 00:17:17
مستوى الصحة: 80% الأهمية: 91%

بروتوكول تعاون بين وزارة الاتصالات والهيئة العامة للمستشفيات

المصدر: بوابة أخبار اليوم - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-12-23 00:19:39
مستوى الصحة: 59% الأهمية: 58%

استمرار سقوط الأمطار الغزيرة على عدد من المحافظات| صور و فيديو

المصدر: بوابة أخبار اليوم - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-12-23 00:19:36
مستوى الصحة: 55% الأهمية: 51%

واشنطن تطالب موسكو بتحمل مسؤولية الأزمة في أوكرانيا

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-12-23 00:17:14
مستوى الصحة: 90% الأهمية: 88%

الأزهر عن قرار طالبان بحرمان تعليم الفتيات: يناقض الشريعة

المصدر: العربية - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-12-23 00:17:55
مستوى الصحة: 77% الأهمية: 99%

الأرصاد: سقوط أمطار ونشاط الرياح وارتفاع الأمواج.. غداً

المصدر: بوابة أخبار اليوم - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-12-23 00:19:40
مستوى الصحة: 46% الأهمية: 52%

الدانمارك تقدم مساعدة طارئة لأوكرانيا بقيمة 37.7  مليون دولار

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-12-23 00:17:12
مستوى الصحة: 92% الأهمية: 95%

القيادة المركزية الأميركية: مسيرات إيران تهدد أمن المنطقة

المصدر: العربية - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-12-23 00:17:34
مستوى الصحة: 87% الأهمية: 99%

غداً.. انتخابات التجديد الكلي لانتخابات نادي قضاة مصر

المصدر: بوابة أخبار اليوم - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-12-23 00:19:37
مستوى الصحة: 58% الأهمية: 51%

مطلوب دوليا.. تركيا تجلب تاجر مخدرات من دولة أوروبية (صورة)

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-12-23 00:17:09
مستوى الصحة: 94% الأهمية: 100%

السلطات المغربية تسيطر على حريق بمنشأة للغاز.. ولا إصابات

المصدر: العربية - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-12-23 00:18:19
مستوى الصحة: 94% الأهمية: 97%

الرئيس الجزائري يعلق على أنباء بشأن الوساطة مع المغرب

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-12-23 00:17:11
مستوى الصحة: 87% الأهمية: 89%

حمد الدوسري: الاتحاديون تغيروا عليّ بعد التوقيع مع حمدالله

المصدر: العربية - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-12-23 00:18:31
مستوى الصحة: 91% الأهمية: 94%

محكمة أوروبية توبخ إسبانيا لعدم تنظيف الهواء في مدريد

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-12-23 00:17:15
مستوى الصحة: 87% الأهمية: 89%

تونس.. قيس سعيّد يختم قانون المالية لسنة 2023

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-12-23 00:17:08
مستوى الصحة: 91% الأهمية: 92%

الفيفا يبدأ مفاوضات بيع حقوق بث مباريات كأس العالم للأندية

المصدر: الأهلى . كوم - مصر التصنيف: رياضة
تاريخ الخبر: 2022-12-23 00:19:20
مستوى الصحة: 38% الأهمية: 45%

طفل مصري أسرع من الحاسبة.. شاهد كيف يجري عمليات حسابية

المصدر: العربية - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-12-23 00:17:57
مستوى الصحة: 78% الأهمية: 86%

تحميل تطبيق المنصة العربية