العقيدة المسيحية

عودة للموسوعة

العقيدة المسيحية

أيقونة تصور قسطنطين الأول (في الوسط) وآباء مجمع نيقيا الأول (325) يمسكون العقيدة النيقية-القسطنطينية في 381

يعد الدين من كثير من الوجوه أكثر أساليب الإنسان طرافة لأنه آخر ما تفسر به الحياة، وهوسبيله الوحيدة لاتقاء الموت. وليس في تاريخ العصور الوسطى كله ما أعظم أثراً في النفس من الدين، فإنك تراه في جميع مكان، ويكادقد يكون أعظم القوى في تلك العصور. وليس من السهل على من يعيشون الآن منعمين تتوافر لهم جميع حاجاتهم حتى يدركوا حق الإدراك، ما كان في تلك العصور من فوضى وعوزهما اللذان شكلا عقائد الناس في خلالها. ولكن من واجبنا حتى ننظر إلى ما كان عند المسيحيين واليهود من خرافات، وأسرار خفية، ووثنية، وسذاجة، وسلامة طوية، نقول إذا من واجبنا حتى ننظر إلى هذا كله بنفس العطف الذي يجب حتى ننظر به إلى عنائهم، وفقرهم، وأحزانهم، وإن فرار الآلاف المؤلفة من الرجال والنساء من "الدنيا، واللحم، والشيطان" إلى أديرة الرجال والنساء ليوحي إلينا بما كان يسود ذلك الوقت من اضطراب، واختلال أمن، وعنف أوفت على الغاية أكثر مما يوحي بجبن أولئك الفارين وخور عزيمتهم. وبدا حتى من البداءة حتى لا سبيل إلى السيطرة على الدوافع البشرية الوحشية إلا بقانون أخلاقي تؤيده قوة تعلوعلى القوى البشرية. وكان أكبر ما يحتاجه العالم وقتئذ هوعقيدة توازن المحن بالآمال، وتخفف من سقط الحرمان بالسلوى والعزاء، وتزيل من ملل الكدح بخيال العقيدة، وتمحوقصر الأجل بعقيدة الخلود، وتضفي على المسرحية الكونية معنى ملهما يشرفها ويحمل من قدرها، لولاه لكانت موكباً لا معنى له ولا يمكن احتماله، موكباً من الأنفس، والأجناس، والنجوم، تهوى واحدة بعد واحدة إلى الفناء الذي ليس منه محيص.

وسعت المسيحية إلى الوفاء بهذه الحاجات بفكرة حماسية رائعة عن الخلق والخطيئة الآدمية، والأم العذراء، والإله المعذب، والنفس الخالدة التي قدر عليها حتى تقابل يوم الحساب فيقضى عليها بالتردي في الجحيم إلى أبد الآبدين، أوحتى تنجووتنال النعيم السرمدي على يد كنيسة توفر لها بأسرارها المقدسة البركة الإلهية التي حلت على العالم بموت منقذه. وكانت حياة الكثرة الغالبة من المسيحيين تجول وتجد معناها في هذه النظرة الكاملة إلى العالم.

وكان أعظم ما أهدته العقيدة الدينية إلى العالم في العصور الوسطى هوثقته بأن الحق سيعلوآخر الأمر، وأن جميع نصر ظاهري للشر سيفنى آخر العهد حين يظفر الخير بالشر في العالم كله، وتلك ثقة تعلى من قدر البشرية وتدعم كيانها. وكانت عقيدة يوم الحساب أساس العقيدة المسيحية واليهودية والإسلامية. وبقى الاعتقاد بعودة المسيح إلى الأرض، ونهاية العالم لتكون هذه العودة وتلك النهاية تمهيداً ليوم الحساب الأخير، بقى هذا الاعتقاد بعد هبوط مسعى الرسل، ومرور العام المتمم للألف بعد المسيح، ومخاوف أربعين قرناً وآمالها. نعم إذا هذا الاعتقاد أضحى أقل وضوحاً وأضيق انتشاراً مما كان قبل، ولكنه لم يمنح من النفوس، فقد نطق روجر بيكن Roger Bacon في عام 1271 : إذا "العقلاء من الناس" يرون حتى نهاية العالم قد قربت(1)، وكان جميع وباء شامل، وكل كارثة مدلهمة، وكل زلزال مروع، وكل مذنب يظهر في السماء، وكل حادثة غير عادية، كان جميع شيء من هذا القبيل يعد نذيراً بنهاية العالم، وحتى إذا ظل العالم باقياً فإن الموتى وأجسامهم ستبعث من فورها بعد وفاتها لتحاسب على ما قدمت من خير وشر.

وكانت تجيش في صدور الناس آمال غامضة بدخول الجنة، ولكنهم كانوا يخافون النهار خوفاً واضحاً صريحاً لا غموض فيه، وكان في الدين المسيحي في العصور الوسطى كثير من الرقة والرأفة، ولكن رجال الدين والوعاظ الكاثوليك، والبروتستنت الأولين، كانوا يشعرون بأن من الواجب عليهم حتى يروعوا الناس بأهوال الجحيم . ولم يكن المسيح في هذا العهد هو"عيسى الوديع الرقيق"، بل كان هوالمنتقم الجبار لكل ما يرتكبه وينطق إذا القديس البشر من آثام. وكان في الكنائس كلها تقريباً رمز من يمثل المسيح في صورة قاض، وكان في الكثير منها صور ليوم الحساب، تمثل ضروب التعذيب التي يلقاها الملعونون تمثيلاً أشد وضوحاً من النعيم الذي يتمتع به السعداء المقربون. مثوديوس استطاع حتى يقنع بوريس Boris ملك بلغاريا باعتناق الدين المسيحي بأن رسم له صورة الجحيم على جدار القصر الشيطان مشدوداً إلى مشواة ملتهبة من الحديد بسلاسل حمراء من شدة الحرارة، لا ينبتر له الملكي(4). وكان كثيرون من المتصوفة يدعون أنهم رأوا في أحلامهم صوراً للنار، وقد وصفوها وصفاً جغرافياً، وصوروا ما فيها من عذاب(5)، ونقل إلينا الراهب تنديل Tundale من رهبان القرن الثاني عشر تفاصيل لها دقيقة: فنطق إذا في وسط الجحيم يرى صراخ من فرط الألم، ويداه طليقتان يمدهما ليقبض بهما على العصاة المذنبين، يحطمهم بأسنانه كما يحطم العنب، وأنفاسه النارية تجذبهم إلى حلقة الملتهب. ويقذف أعوانه من الشياطين أجسام المذنبين بخطاطيف من الحديد في النار مرة وفي الماء الزمهرير مرة أخرى، أويعلقونهم من ألسنتهم، أوينشرون أجسامهم بالمناشير أويطرقونها بالمقاطع على سندان، أويقلونها في النار، أويعصرونها حتى تصفى من بترة من النسيج. وكان الكبريت يمزج بالنار حتى تزيد رائحته الكريهة من عذاب الآثمين. وليس للنار ضوء، ولهذا فإن الظلمة المروعة تغشى هذه الآلام المتنوعة التي لا يحصى لها عدد(6). أما الكنيسة نفسها فلم يصدر عنها رسمياً قول يحدد مكان النار أويصفها، ولكنها كانت تعلن سخطها على أمثال أرجن Origen الذين يرتابون في حقيقة نيرانها المادية(7). ولوحتى أهوال هذه العقيدة قد نالها بعض التخفيف لأخفقت تحقيق غرضها، ولهذا فإن القديس تومس أكويناس كان يؤمن بأن "النار التي ستعذب فيها أجسام المجرمين نار مادية" وحدد مكان الجحيم "في أسفل الأرض"(8).

ولم يكن الشيطان في خيال العامة من أهل العصور الوسطى، وفي خيال رجال من أمثال جريجوري الأكبر، رمزاً أوكتلة أوتشبيها، بل كان جسماً حقيقياً حياً من لحم ودم، يغشى جميع مكان في العالم، يغوي الناس بضروب من المغريات ويخلق جميع أنواع الشر. وكان من المستطاع عادة حتى يطرد بقضه وقضيضه بقدر من الماء المقدس أوبعلامة الصليب، ولكنه في هذه الحال يخلف وراءه رائحة خبيثة هي رائحة الكبريت المحترق. والشيطان شديد الإعجاب بالنساء، ويتخذ بسماتهن ومفاتهن أدوات يغوى بها ضحاياه، وينال رضاءهن بعض الأحيان- إذا كان لنا حتى نصدق النساء أنفسهم. فقد اعترفت امرأة من طلوشة (طولوز Toulouse) أنها كثيراً ما ضاجعت الشيطان، وأنها وهي في الثالثة والخمسين من عمرها ولدت منه هولة لها رأس ذئب، وذئب أفعى(9). وللشيطان في رأي أقوام العصور الوسطى عدد لا يحصى من أعوانه الأبالسة، يحومون حول جميع نفس، ويعملون دائبين على جرها إلى ارتكاب الإثم. وهؤلاء أيضاً يحبون حتى يضاجعوا النساء اللاتي يهملن أنفسهن، أوينمن وحدهن، أوينبترن للدين والعبادة(10). وقد وصف الراهب ريكالم Richalm أولئك الأبالسة بأنهم "ويملاؤن العالم كله، وأن الهواء كله ليس إلا كتلة سميكة منهم يترصدوننا في جميع زمان ومكان.... ومن أحب العجائب حتى يبقى واحد منا حيا يرزق، ولولا رحمة الله لما نجا أحد من شرهم"(11). وكان الناس كلهم تقريباً بما فيهم الفلاسفة أنفسهم يؤمنون بهذا العدد الجم من الأبالسة والشياطين، ولكن روح الفكاهة المنجية كانت تخفف من رهبة هذا الإيمان بهم، وكان كثير من الرجال ذوي العقول المتزنة ينظرون إلى أولئك الأبالسة الصغار على أنهم جماعة من الخبثاء أكثر منهم خلائق مروعين. وكان من العقائد الشائعة أوأولئك الأبالسة يتدخلون تدخلاً مسموعاً، ولكنه غير منظور، في أحاديث الناس، ويخرقون أثوابهم، ويلقون بالأقذار على عابري السبل. وينطق إذا شيطاناً متعباً جلس مرة على خمسة فأكلتها راهبة وهي لا تدري ما تعمل(12). وأكثر رهبة من العقيدة السالفة الذكر الاعتقاد بأن "كثيرين يدعون وقليلين ينتخبون" (الآية 14 من الإصحاح 22 من إنجيل متى). وكان المؤمنون المستمسكون بدينهم يعتقدون حتى الكثرة الغالبة من الجنس البشري ستتردى في الجحيم(13)، وكان كثيرون من رجال الدين المسيحيين يؤمنون بحرفية القول المعزوإلى المسيح : "من آمن واعتمد خلص، ومن لم يؤمن يدن" (مرقس إصحاح 16 الآية 16). ووصل القديس أوغسطين على الرغم منه إلى النتيجة القائلة إذا من توفي من الأطفال قبل التعميد مآله النار(14)، وكان القديس آنسلم يظن حتى ليس في عذاب الأطفال غير المعمدين (الآثمين لأن آدم وحواء قد ارتكبوا الإثم) من المخالفة للعقل والمنطق أكثر مما في فرض الرق على أبناء الأرقاء- وهولا يرى حتى في هذا بعداً ما عن المعقول(15). وقد خففت الكنيسة من هول هذه العقيدة بأن فهمت الناس حتى الأطفال غير المعمدين لا يلقون في الجحيم بل يلقون في يمبوس Infernus puerorum حيث لاقد يكون عذابهم إلا ما يشعرون به من ألم لأنهم حرموا من الجنة(16).

وكانت الكثرة الغالبة من المسيحيين تعتقد حتى المسلمين جميعاً- كما كانت الكثرة الغالبة من المسلمين ما عدا النبي محمداً تعتقد حتى المسيحيين جميعاً- سيلقون في النار، وكان الاعتقاد السائد حتى "غير المؤمنين" سيعذبون(17). ومضى مجلس لاتران الرابع إلى أبعد من هذا فأعرب (1215) حتى لا نجاة لأحد من النار إذا لم يكن من أتباع الكنيسة الجامعة(18). وقرر البابا جريجوري التاسع حتى ما كان يأمله ريمند للي Raymond Lully من حتى "الله يحب شعبه حباً يؤدي إلى نجاة الناس جميعاً تقريباً، لأنه لوكان المعذبون أكثر من الناجين لكانت رحمة المسيح خالية من كثير الحب"(19)، وليس ثمة رجل آخر من رجال الدين البارزين أجاز لنفسه حتى يعتقد- أوحتى يقول- إذا الناجين سيزيدون على المعذبين(20). وقدر برثلد الرجنز برجي Bertshold of Regensburg، وهومن أشهر وعاظ القرن الثالث عشر وأحبهم إلى الناس، نسبة المعذبين إلى الناجين بمائة ألف إلى واحد(21). ويرى القديس تومس أكويناس حتى "في هذا أيضاً رحمة الله أكثر مما تظهر في شيء سواه، لأنه يحمل القليلين إلى معارج النجاة، التي يعجز عن إدراكها الكثيرون"(22). وكان كثيرون من الناس يعتقدون حتى البراكين هي أفواه جهنم، وأن قعقعتها ليست إلا صدى خافتاً لأنين المعذبين(23)، وكان جريجوري الأكبر يقول إذا فوهة بركان إتنا تزيد أتساعاً في جميع يوم لتبتلع العدد الذي لا يحصى من الأرواح التي خط عليها العذاب(24). وكانت أحشاء الأرض المزدحمة تضم ثناياها الحارة الكثرة الغالبة من جميع من ولدوا من بني الإنسان، ولا يستطيع أحد حتى يستريح أويفر من النار إلى أبد الدهر، وفي ذلك يقول بوئلد : إحص رمال شواطئ البحار، أوالشعر الذي ينبت على أجسام البشر والحيوان من يوم حتى خلق آدم، وقدر سنة من العذاب لكل حبة رمل أوشعرة، ثم افهم حتى هذه الحقبة من الزمن التي تصل إليها لا تكاد تمثل بداية آلام المعذبين(25). وكانت اللحظة الأخيرة في حياة الإنسان هي اللحظة في البداية كلها، وكان خوف الناس من حتىقد يكون الإنسان في هذه اللحظة الأخيرة آثماً لم تغفر له ذنوب، كان هذا الخوف عبئاً ثقيلاً ترزح تحته النفوس البشرية.

وكانت عقيدة المطهر أوالأعراف تخفف من هذه الأهوال تخفيفاً غير قليل. وكانت الصلوات من أجل أرواح الموتى عادة قديمة قدم الكنيسة نفسها، وفي وسعنا حتى نرجع طقوس التفكير عن الذنوب والصلاة على أرواح الموتى إلى عام 250م(26). وقد تحدث أوغسطين عن وجود موضع يتطهر فيه الموتى من ذنوب غفرت لهم ولكنها لم يكفر عنها تكفيراً كافياً بعد موتهم، وقبل جريجوري الأول هذه الفكرة، ونطق إذا ما تعانيه الأرواح في المطهر من آلام قد يخفف ويقصر مداه بفضل نادىء الأحياء من أصدقائهم وصلواتهم(27)، غير حتى هذه النظرية لم تصبح من العقائد الواسعة الانتشار حتى نفخ فيها بطرس دميان Peter Damian حوالي عام 1070 من روحه الحماسية وأذاعها ببلاغته. وزاد انتشار هذه الفكرة في القرن الثاني عشر حين ذاعت سيرة تقول إذا القديس بتريك St. Patrick أراد حتى يقنع بعض المتشككين فأجاز حفر حفرة في إيرلندة هبط إليها بعض الرهبان، ثم عاد بعضهم، كما تقول السيرة، ووصفوا المطر والنار وصفاً واضحاً ثبط عزيمة من يريدون حتى يحذوا حذوه، وأدعى أون Owen الفارسي الأيرلندي أنه هبط من هذه الحفرة إلى الجحيم في عام 1153، ووصف ما لاقاه في العالم السفلي وصفاً لاقى نجاحاً منبتر النظير(28). فقد أقبل الناس من بعيد لزيارة هذه الحفرة، ونشأت من ذلك شرور ومساوئ مالية اضطرت الباب إسكندر السادس حتى يأمر في عام 1497 بردمها لأنها من الانادىءات الباطلة(29).

ترى كم من الناس في العالم المسيحي أثناء العصور الوسطى كانوا يصدقون العقائد المسيحية، إننا نسمع عن وجود ملحدين كثيرين، ولكن الكثرة الغالبة من أولئك الملحدين كانت تتمسك بالمبادئ الأساسية للعقائد المسيحية، وقد وقع بمدينة أورليان Orleans في عام 1017 حتى "رجلين من أكرم الناس أباً وأوسعهم فهماً" أنكروا عقائد خلق العالم، والتثليث، والجنة، والنار، ونطقا إنها كلها مجرد هذيان"(30). ويقول جون السلزبري John of Salisbury في القرن الثاني عشر إنه سمع إنه كثيرين من الناس يتحدثون "أحاديث لا يقبلها الدين"(31)، ويقول فلاني Villani إنه كان بمدينة فلورنس في ذلك القرن نفسه جماعة من الأبيقوريين، يسخرون من الله والقديسين، ويطلقون العنان لشهواتهم الجسمية(32). ويحدثنا جرالدس كمبرنسس Giraldus Cambrensis (1146؟- 1220) عن قس، لا يذكر إسمه، لامه قس آخر على عدم عنايته بالاحتفال بالقداس، فكان رده حتى سأل ناقده هل يؤمن هوحقاً باستحالة مادة القربان إلى لحم المسيح ودمه، وبعقيدة التجسد، وبمولد المسيح من مريم العذراء، وبالبعث ـ وزاد على ذلك حتى نطق : هذا كله قد اخترعه القدماء الماكرون ليرهبوا الناس ويسيطروا عليهم ، وإن طائفة من المنافقين يحذون الآن حذوهم(33). وينقل جرلد الويلزي نفسه قول العالم سيمون التورنائي Simon of Tournai (حوالي 1201) في حسرة وألم: "رباه ياذا الجلال!

إلى متى تظل هذه الشيعة المخرفة من المسيحيين، وتدوم هذه البدعة التي لا أصل لها؟"(34). وتقول إحدى القصص المتداولة عن سيمون هذا إنه أثبت في محاضرة له عقيدة التثليث بالحجج القوية البارعة، فلما رأى إعجاب مستمعيه به تاه بنفسه عجباً فنطق إذا في وسعه حتى يثبت عكس هذه العقيدة بحجج أخرى أقوى من حججه الأولى، فلما نطق بهذا- كما تقول السيرة- أصيب من فوره بالشلل والعته(35). وفي عام 1200 خط بطرس رئيس دير الثالوث المقدس Holy Jrinity في ألدجيت Aidgate بلندن يقول: "من الناس من لا يعتقدون بوجود الله، ويقولون إذا العالم سيره الصدفة.. ومنهم كثيرون لا يؤمنون بالملائكة الأخيار أوالأشرار، ولا بالحياة بعد الموت أوبأي شيء روحي لا تراه العين"(36). وقد أثار شجن فنسنت من أهل بوفيه Vincent of Beauvais (1200 ؟- 1264) حتى كثيرين يسخرون من الرؤى ومن القصص (قصص القديسين)" ويقولون "إنها من خرافات العوام أوإنها بدع كاذبة"، ويضيف إلى ذلك قوله : "وليس لنا حتى نعجب من حتى هذه القصص لا تقبلها عقول الذين لا يعتقدون بوجود النار"(37). وبقد كانت عقيدة الجحيم من العقائد التي لا يستسيغها الكثيرون. وكانت بعض النفوس الساذجة تتساءل: "لم خلق الله الشيطان إذا كان قد سبقت في فهمه خطيئته وسقوطه؟"(38). ونطق بعض المتشككين إذا الله لا حتى تصل قسوته إلى الحد الذي يجعله يعاقب على الذنب المحدد بالألم الغير المحدود ؛ ويجيب رجال الدين عن هذا الاعتراض بقولهم إذا الذنب الذي يرتكبه الآدمي إجرام في حق الله، وإنه لهذا يعد إثماً لا نهاية له. ولم يقنع هذا القول ناسجاً كان يعيش في طولوز عام 1247 فنطق : لوأنني استطعت حتى أقبض على هذا الإله الذي لا ينجى من جميع ألف من خلقه إلا واحداً ثم يعذب الباقين، لانتزعت أسنانه وأظافره كما يعمل بالخونة المارقين، ولبصقت في وجهه"(39). ولبعض المتشككين أقوال لا تبلغ من العنف هذا المبلغ كله، فيقولون مثلاً إذا نار الجحيم لابد حتى تكلس الروح والجسم حتى يصبحا عديمي الإحساس بها ويصير "من اعتاد الجحيم مستريحاً فيها راحته في أي مكان سواها"(40). وتبدوفي نشيد أوكاسين ونيقولت Gueassin et Nieolette (حوالي عام 1230) الفكاهة القديمة القائلة بأن الإنسان يلقي في الجحيم صحاباً أظرف ممن يلقاهم في الجنة(41). ويشكوالقسيسون من حتى معظم الناس يؤجلون التفكير في النار إلى آخر لحظة في حياتهم لوثوقهم من أنهم مهما تكن آثامهم فإن "ثلاث حدثات" (ego-te absolvo) "تكفي لنجاتي"(42).

ويبدوأنه كان في القرى وقتئذ كما فيها الآن من لا يؤمنون بالله، ولكن الكافرين القرويين لا يهجرون وراءهم ذكريات تحدث عنهم، يضاف إلى هذا حتى معظم ما وصل إلينا من أدب العصور الوسطى قد خطه رجال الدين أوحتى رجال الدين قد أخفوا الجزء الأكبر منه ولم يبرزوا لنا إلا ما سقط عليه اختيارهم. وسنجد فيما بعد "فهماء جوالين"يقولون شعراً يظهر فيه عدم الاحتشام، ولصوصاً غلاظاً ينطقون بأشد الأقوال تجديفاً، وأناساً ينامون ويغطون(43)، بل ويرقصون(44) ويفجرون(45) في الكنائس، كما نجد من يرتكبون "العهر، والنهم، والقتل، والسرقة في يوم الأحد" (كما يقول أحد الرهبان) "أكثر ممن يرتكبون هذه الذنوب في جميع أيام الأسبوع الذي قبله"(46). وفي وسعنا حتى نذكر في هذه الصفحة ما لا يحصى من الأمثلة نجمعها من مائة بلد وبلد، ومن ألف عام وعام ؛ وكلها تدل على ما كان في العصور الوسطى من نقص في الإيمان الحق، وتحذرنا من التغالي في الاعتقاد بتقوى الناس في تلك العصور، ولكن العصور الوسطى لا تزال مع هذا تغمر الباحث في جومن العبادات والعقائد الدينية، فلقد كانت جميع دولة أوروبية تأخذ المسيحية في كنفها وتحت حمايتها، وترغم الناس بقوة القانون على الخضوع للكنيسة، وكان جميع ملك، إلا القليل النادر منهم، يثقل الكنيسة بالهبات، وكانت جميع حادثة تقع في التاريخ، إلا ما ندر منها، تفسر على أساس من الدين، وكل واقعة في أسفار العهد القديم تسبق إلى تصوير شيء في أسفار العهد الجديد.

ومن أمثلة ذلك ما يقوله الأسقف العظيم من حتى داود حين يراقب بتشبع وهويستحم إنما يرمز إلى المسيح إذ يرى كنيسته تظهر نفسها من دنس هذه الدنيا(47). وكان جميع شيء عادي طبيعي علامة على شيء خارق للمادة، كما كان لكل جزء من كنيسة، في رأي جيوم ديورانث Guiuame Durant (1237- 1296)، أسقف مندى mende، معنى ديني، فمدخل الكنيسة هوالمسيح، الذي يوصلنا إلى الجنة، وعمدها تمثيل المطارنة وفهماء الدين، الذين يقيمون صرح الكنيسة، وغرفة المقدسات التي يلبس فيها القس ثيابه هي رحم مريم، الذي يتجسد فيه المسيح بجسد الآدميين(48)، ويقول أصحاب هذه النزعة إذا لكل حيوان معنى في الدين، من ذلك ما اتى في كتاب عن الحيوان مؤلف في العصور الوسطى وهونموذج لغيره من أمثاله : "إذا ولدت لبؤة شبلاً، فهي تلده ميتاً، وتظل تعني به ثلاثة أيام حتى يأتي أبوه في اليوم الثالث وينفخ في وجهه، ويبعث فيه الحياة. وبهذه الطريقة عينها أحيا الله جل وعلا ابنه سيدنا عيسى المسيح من بين الموتى(49).

وكان الناس يسرون بسماع مائة ألف من القصص عن الحوادث، والقوى، ووسائل الشفاء الخارقة، أويخلقونها خلقاً من عند أنفسهم، كقولهم إذا صبياً إنجليزياً حاول حتى يسرق بعض زغاليل الحمام من عشها، فالتصقت يده بقوة سماوية بالحجر الذي اتكأ عليه، ولم تفك إلا بعد حتى قضى أهله ثلاثة أيام في الصلاة النادىء(50). وقدم طفل طعاماً لتمثال المسيح الطفل المنحوت في مزار صور فيه مولده، فما كان من الطفل المسيح إلا حتى شكره ونادىه إلى دخول الجنة، ولم تمض على هذا الحادث ثلاثة أيام حتى توفى الطفل الذي قدم الخبز للمسيح(51).

وكلف قس فاسق بإحدى النساء، فلما عجز عن استمالتها إليه احتفظ بجسم المسيح الطاهر في فمه بعد القربان، لعله إذا قبلها والجسم في فمه استجابت إلى رغبته بقوة القربان المقدس... ولكنه لما أراد حتى يخرج من الكنيسة خيل إليه حتى جسمه قد تضخم حتى اصطدم رأسه بسقفها" فدفن الخبر المقدس في أحد أركان الكنيسة، واعترف بعدئذ بما وقع لقس آخر، فأخرجا الخبز من الأرض فوجداه قد استحال إلى صورة رجل مصلوب يقطر منه الدم(52). واحتفظت إحدى النساء بالخبز المقدس في فمها وهي في طريقها من الكنيسة إلى بيتها، ثم وضعته في قفير نحل لتقلل بذلك من عدد ما يموت من نحلها، فما كان من النحل "إلا حتى بنى لضيفه العزيز من أحلى ما يخرجه من الشهد معبداً صغيراً بديع الصنع(53)" وملأ البابا جريجوري الأول مؤلفاته بقصص من هذا القبيل. ولعل الناس، أوالمتفهمين منهم، كانوا يشكون في هذه القصص ويرون أنها أقاصيص مسلية طريفة وليست أسوأ من القصص العجيبة التي يطرد بها الملوك ورؤساء الجمهوريات في الوقت الحاضر الأم عن أنفسهم ويريحون بها عقولهم المجهدة، ولعل السذج في العصور الخالية لم يقبلوا أكثر من تبديل نوعها لا مداها، وإن في كثير من أقاصيص العصور الوسطى لشواهد على إيمان أهل تلك العصور إيماناً يحدث في النفس أعمق الأثر، وحسبنا حتى نذكر منها أنه لما عاد البابا ليوالتاسع المحبوب إلى إيطاليا بعد رحلة الإصلاح التي قام بها في فرنسا وألمانيا انشق له نهر أنين Aniene كما انشق البحر الأحمر لموسى ليستطيع حتى يجتازه(54).

وترجع قوة الدين المسيحي إلى أنه يعرض على الناس الإيمان لا الفهم، والفن لا الفهم، والجمال لا الحقيقة، وقد فضله الناس في صورته هذه، وكانوا يرون حتى ليس فيهم من يستطيع حتى يجيب عن أسئلتهم، ولهذا كانوا يشعرون بأن من الحزم حتى يؤمنوا بالأجوبة التي ينطق بها رجال الدين، ويؤكدوها توكيداً يزيل مخاوفهم. ولوحتى الكنيسة قد اعترفت بأنها تخطيء تارة وتصيب تارة أخرى لفقدوا ثقتهم فيها، ولعلهم كانوا يرتابون الفهم ويرون أنها الثمرة المرة للشجرة المحرمة تحريماً ينطق بالحكمة، أوالسراب الذي يضل الناس ويغويهم ليخرجوا من جنة السذاجة والحياة الخالية من الشك. إلى غير ذلك استسلم العقل في العصور الوسطى للإيمان في أغلب الأوقات والحالات، وجعل جميع اعتماده على الله وعلى الكنيسة، كما يثق رجل هذه الأيام بالفهم وبالدولة. أنظر إلى قول فليب أغسطس لملاحيه أثناء عاصفة ثارت في منتصف الليل : "إنكم تهلكوا لأن آلافا من الرهبان يقومون من فراشهم في هذه اللحظة، ولن يلبثوا حتى يصلوا من أجلكم(55)". وكان الناس يعتقدون أنهم تسيطر عليهم قوة أعظم مما تستطيع الفهم البشرية حتى تهبهم، وكانوا في العالم المسيحي، كما كانوا في العالم الإسلامي، يسلمون أنفسهم إلى الله، كما كانوا حتى في دنسهم، وعفتهم، وفجورهم يبتهلون إليه حتى ينجيهم. لقد كان هذا عصراً ثملاً بنشوة الإيمان بالله.

وصلات خارجية

  • The Creeds of Christendom - A website linking to many formal Christian declarations of faith.
  • Creeds and Canons - A Guide to Early Church Documents from Internet Christian Library
  • ICP Website International Creed for Peace
تاريخ النشر: 2020-06-07 13:30:18
التصنيفات: معتقدات, Statements (religion), معتقدات ومذاهب دينية, Religious terminology

مقالات أخرى من الموسوعة

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

آخر الأخبار حول العالم

الكويت.. إصابة 10 أشخاص بحريق في ميناء مصفاة الأحمدي

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-01-14 11:15:18
مستوى الصحة: 92% الأهمية: 97%

روسيا تحذّر: لن ننتظر رد الغرب للأبد.. ومستعدون لأي سيناريو

المصدر: العربية - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-01-14 11:16:38
مستوى الصحة: 85% الأهمية: 90%

ارتفاع ملحوظ بأسعار الغاز في أوروبا

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-01-14 11:15:23
مستوى الصحة: 97% الأهمية: 86%

أوكرانيا.. لا خسائر جسيمة في الهجوم الرقمي وأوروبا تؤكد دعمها

المصدر: TRTعربي - تركيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-01-14 11:19:48
مستوى الصحة: 69% الأهمية: 81%

الطبيب المتهم بقتل وائل الإبراشي يخرج عن صمته ويكشف عن مفاجآت مدوية

المصدر: العربية - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-01-14 11:18:44
مستوى الصحة: 88% الأهمية: 99%

فيديو.. رجل يطلق النار عشوائياً على الكلاب في القاهرة

المصدر: العربية - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-01-14 11:17:29
مستوى الصحة: 83% الأهمية: 90%

موعد مباراة الأهلي والتأمين في دوري السوبر والقنوات الناقلة

المصدر: الأهلى . كوم - مصر التصنيف: رياضة
تاريخ الخبر: 2022-01-14 11:21:57
مستوى الصحة: 42% الأهمية: 49%

نمو اقتصاد ألمانيا بـ 2.7% في 2021 بما يتماشى مع التوقعات | آخر الأخبار

المصدر: CNBC عربية - الإمارات التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-01-14 11:20:29
مستوى الصحة: 63% الأهمية: 73%

ستولتنبرغ: الناتو لن يتنازل عن توسيع الحلف ونشر قواته في الشرق

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-01-14 11:15:24
مستوى الصحة: 98% الأهمية: 90%

من هي المرأة وراء فضائح الأمير أندرو.. وكيف هربت من قبضته؟

المصدر: العربية - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-01-14 11:18:40
مستوى الصحة: 83% الأهمية: 95%

ضربة موجعة لريال مدريد قبل نهائي السوبر الإسباني

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-01-14 11:15:41
مستوى الصحة: 93% الأهمية: 96%

السعودية تواصل تسجيل أرقام قياسية جديدة بإصابات كورونا

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-01-14 11:15:22
مستوى الصحة: 84% الأهمية: 98%

تأكد غياب إيهاب أمين عن لقاء التأمين.. وموقفه من مباراة الزمالك

المصدر: الأهلى . كوم - مصر التصنيف: رياضة
تاريخ الخبر: 2022-01-14 11:21:55
مستوى الصحة: 36% الأهمية: 35%

وزير الهجرة ببلجيكا أصله عراقي طرد الإمام المغربي لأكبر مساجدها

المصدر: العربية - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-01-14 11:18:47
مستوى الصحة: 95% الأهمية: 89%

تحميل تطبيق المنصة العربية