كلود أدريان هلڤتيوس

عودة للموسوعة

كلود أدريان هلڤتيوس

كلود أدريان هلڤتيوس
وُلـِد 26 فبراير 1715
باريس, فرنسا
توفي 26 ديسمبر 1771
فرنسا
العصر فلسفة القرن 18
المنطقة فلاسفة غربيون
المدرسة Utilitarianism, French materialism
الاهتمامات الرئيسية
الأخلاق, فلسفة سياسية
هلڤتيوس

كلود ادريان هلڤتيوس Claude Adrien Helvétius (باريس، 26 فبراير 1715 - فرنسا، 26 ديسمبر 1771 ) ، فيلسوف وموسوعى فرنسي، له نظرية تقول ان الناس كلهم يولدوا بقدرات متساوية لكن ظروف التربيه والتعليم تجعلهم متفاوتين في القدرات، وأن جميع نشاط عقلي صادر من الاحساس، وحتى الروح نفسها تعبير عن القدره على الاحساس، ويعتقد حتى الصالح الذاتي هوالدافع وراء تصرفات الناس. من مؤلفاته : " عن الروح " De l'esprit (نشر 1758 ) والذي نجح ولكن سبب له مشاكل مع القساوسة المسيحيين الذين اعتبروه كتاب خطر، واعتبرته الكنيسه هرطقة وحرق في الشارع في باريس. ومن أقواله ”الناس تولد بَشر ليسوا بأغبياء، والتربية هي التي تجعلهم أغبياء.“


حياته

إنحدرت الأسرة من أصل سويسري ألماني سئل هؤلاء الأقوام الأشداء الممتلئين نشطاً الذين تزهووتزدهر بهم اليوم برن وزيورخ. واتخذ أحد الأعضاء في نيوشاتل اسم Schweitzer ومعناه سويسري. وحمل آخر إنتقل إلى الأراضي الواطئة اسم Helvetius ومعناه أيضاً سويسري، وانتقل هذا الفرع الثاني إلى باريس حوالي 1680، وهنا أصبح جان كلود أدريان هلفشيوس طبيباً للملكة ماري لزكزنسكا. من أولاده العشرين يعنينا هنا كلود أدريان الذي ولد 26 يناير 1715 والذي نشأ وترعرع في كنف الطب الذي هجر بعض بصمات على فلسفته وبعد حتى تلقى تعليمه على يد الجزويت في كلية لويس العظيم تتلمذ على يد جباة الضرائب. وسرعان ما أثرى. وفي سن الثالثة والعشرين بلغ دخوله نحو360 ألف جنيه في السنة(1) وكان وسيماً وراقصاً ومبارزاً بارعاً كان محبوباً لدى رجل الحاشية ونسائها، وعين سديراً للشؤون الداخلية للملكة. ولم يكن مستعداً بأية حال ليكون فيلسوفاً، اللهم إلا أنه كان يحذق تأليف الخط.

ولكنه في 1738 التقى بفولتير فروعه عقله وشهرته وراوده حلم الكتابة والتأليف. فهلاقد يكون امتيازاً غريباً أوغير مألوف حتىقد يكون رأسمالياً وفيلسوفاً في وقت معاً،يا ترى؟ وقضى بعض الوقت بوردوضيفاً على منتسكيو، ثم في برجندي مع بيفون. وعمل تأثير هذين الرجلين على تشكيل هلفشيوس، وأصبح صديقاً وثيق الصلة بمليونير آخر هوالبارون دي هولباخ الذي كان الزعيم المادي في هذا العصر. وفي أمسيات العشاء لدى البارون وفي صالون مدام دي جرافيني التقى بديدور وجريم وروسووديكلوس وجالياني ومارمونتيل وترجو. ومن ثم تحولت إتجاهاته.

وفي 1751 اتخذ قرارين خطيرين، فتخلى عن منصبه الوفير الكسب وهومنصب الملتزم العام للضرائب، ولجأ إلى ضيعة إقطاعية في Vore-au Perche وتفرغ لتأليف كتاب يهز العالم وفي العام نفسه وهوفي السادسة والثلاثين تزوج من آن كاترين دي أوتريكورت؛ وهي كونتيسة من الإمبراطورية الرومانية المقدسة، وكانت آنذاك في الثانية والثلاثين من العمر وهي من أجمل السيدات وأكثرهن كياسة وعقلاً في فرنسا وأخذها على الفور إلى بلدته فوريه حتى لا تفسدها باريس على حد قول جريم. وهناك أوفي باريس ولج فونتيل وكان يناهز مائة عام إلى حجرة ملابس الكونتسة الجميلة وهي تكاد تكون عارمة عارية تماماً، فصرخ وهويرتد من من الحجرة فرحاً: آه يا سيدي لوأني كنت في سن الثمانين فقط(2). واحتفظ الزوجان السعيدان كذلك بدار في باريس. وهنا جذب إليها كرم هلفشيوس ومفاتن زوجته كثيراً من قادة الفكر مثل ديدروودي هولباخ وفونتنيل وبيون ودالمبير وبيفوت وترجووحالباني وموريلي وكوندرسيه وهبو. ويقول مارمونتيل: كم أصبحت هذه الدار ملائمة مريحة لرجال الأدب(3) وحاول هفشيوس في حفلات العشاء حتى يوجه المناقشة إلى الموضوعات التي فكر في حتى يخط فيها، ويثير النقد لأفكاره وأبدى أنه يصغي جميع الإصغاء لما ينطق من نقد، وشكا موريليه من حتى هلفشيوس يؤلف كتابه شركة بينهم(4).

وظل هلفشيوس يعمل في إعداد الكتاب سبع سنين دأباً، حتى خرج الكتاب المرموق في 15 يوليو1758 بعنوان "الذكاء" ولشد ما كانت دهشة الأصدقاء الذين رأوا المخطوطة حين ظهر الكتاب متمتعاً بالترخيص الملكي الثمين بالنشر. ذلك حتى مالشرب كان قد عهد إلى جان بييرترسيية بمراجعة الكتاب تمهيداً لنشره (عمل الرقابة على المصنفات)، فقرر ترسييه "من رأيي أنه ليس في الكتاب ما يحول دون نشره(5) ولكن المحامي العام في برلمان باريس دفع الكتاب فيستة أغسطس بأنه محشوبالهرطقة والكفر، وألغى مجلس الدولة فيعشرة أغسطس الترخيص يالطبع، وسرعان ما عزل ترسييه عن مناصبه المربجة. ودفع يهاجم المسيحية قائلاً: بأي لون من الإلحاد والكفر يتهمونني،يا ترى؟ أنا أنكر في أي جزء من الكتاب التثليث أوألوهية المسيح أوخلود الروح أوبعث الموتى أوأية ناحية أخرى من نواحي العقيدة البابوية، ومن ثم فإني لم أهاجم الديانة بأي شكل من الأشكال(6). وخشي فولتير حتى يرسل هلفشيوس إلى الباستيل فنصحه بالرحيل، ولكن هلفشيوس كان مستريحاً في ذاك إلى حد لا يضحي معه من أجل الكتاب، فأصدر تراجعاً في في صيغة الرسالة إلى قسيس، فأعربت الحكومة بأن هذا غير كافٍ فنشر هواعتذار يقول جريم "أنه مذل إلى حد لا يدهش معه المرء حتى يرى رجلاً يؤثر حتى يلجأ إلى الهوتنتوت (قبائل السود في جنوب أفريقية) على حتى يضع اسمه على مثل هذه الاعترافات(7)" وقصدت مدام هلفشيوس إلى فرساي لتشفع لزوجها ورضيت الحكومة بأن يأوي إلى ضيعة امدة عامين، وربما أصبحت العقوبة أشد من ذاك لولا حتى الملك تذكر حتى والد هلفشيوس أنقذ حياته ذات مرة حين كان طبيباً للملكة. وفي ثلاثة يناير اتهم البابا كايمنت الثالث عشر الكتاب بأنه مخز فاسق لا يلتزم قواعد الدين، وفي فبراير أحرق علناً بأمر البرلمان. ولقد رأينا كيف من الممكن أن حتى هذه "الضجة حول مسألة تافهة كما سماها فولتير قد أسهمت مع منطقة دالمبير جنيف في تضييق الخناق على موسوعة ديدور. وبكل هذا الإعلان الواسع النطاق عن كتاب "الذكاء" تهافت الناس على قراءته أكثر مما أقبلوا على أي كتاب لعب دوراً في الحملة على المسيحية، وظهرت منه عشرون طبعة بالفرنسية على مدى ستة أشهر. وسرعان ما ترجم إلى الإنجليزية والألمانية واليوم لا يعهد عنه شيئاً إلا القليل من الفهماء والباحثين ويكادقد يكون من المتعذر الحصول على نسخة منه.

ولم ينشر هلفشبوس شيئاً بعد ذلك، ولكنه استمر يخط. وصرح ثانية وتوسع متروياً غاضباً في شرح وجهات نظره في رسالة "عن الإنسان" وهي التي هاجم فيها رجال الدين بوصفهم باعة متجولين يتجرون في الراتى والخوف وينشرون الجهل ويقتلون الفكر. وفي هذين الكتابين نجد جميع مثله العليا في هذا العصر الطموح، الحرية والمساواة والأخوة: حرية الكلام والصحافة والاجتماع والعبارة، والمساواة بين الجنسين كليهما، وبين جميع الطبقات في فرص التعليم وأمام القانون، وتأييد يكادقد يكون اشتراكياً لدولة الخير العام حماية وتعويضاً للفقراء السذج ضد الأغنياء الأذكياء". وكل هذه الآراء والمثل العليا يتوجها إيمان شبيه بالإيماء الديني الديني في إمكان بلوغ الجنس البشري مرتبة الكمال المطلق. وهنا أيضاً إذا أصغينا جيدا لسمعنا صوت الثورة.


فلسفته

ومثل جميع الفلاسفة تقريباً يبدأ هلفشيوس بلوك. فكل الأفكار مستمدة من الإحساس، ويلي ذلك من خبرة الفرد. فكل الحالات العقلية تعبير عن مجموعات متضامنة من الأحاسيس يشعر بها الإنسان حالياً أوتنبعث من حديث من الماضي عن طريق الذاكرة، أويتصورها مستقبلاً عن طريق الخيال. أما إصدار الحكم أواتخاذ القرار فهوالإحساس بالفوارق بين الأحاسيس. أما العقل فهومجموعة من الأحكام أوالقرارات.

وليس الذهن والنفس شيئاً واحداً هوتجمع أوتعاقب للحالات العقلية. أما النفس فهي حساسة الكائن الحي أي القدرة على استقبال الأحاسيس وكل الإحساس مادي. وكل النفس قوة في المادة. حتى جميع ظواهر الطب والتاريخ الطبيعي تثبت بوضوح حتى هذه القوة...تبدأ بتكوين أعضاء الجسم، وتبقى ما بقيت ثم تنقضي هذه النفس بانحلال هذه الأعضاء وفنائها(8). وللحيوانات أنفس. ويسموا الإنسان على الحيوان بفضل نموه واستواء قامته حيث تتحول قوائمه الأمامية تدريجياً إلى أيد قادرة على الإمساك بالأمور ومعالجتها.

وحيث بدأ هلفشيوس بجون لوك فأنه يتابع المسيرة مع هويز. فكل عمل رغبة تستجيب لأحاسيس حالية أومبتعثة. والرغبة هي تذكر اللذة التي اقترنت بأحاسيس معينة، والأفعال رغبة ملحة، وتختلف في شدتها تبعاً للألم أواللذة المتذكرة والمتسقطة. والانفعالات تؤدي بنا غالباً إلى الخطأ، لأنها هجريز انتباهنا على ناحية معينة من شيء أوموقف بعينه ولا تهيئ لنا المجال لتدبيره من جميع جوانبه(9). والذكاء بهذا المعنى هوتأخر رد العمل ليهيئ إدراكاً أوسع واستجابة أوفى. وعلى الرغم من ذلك فالانفعالات بالنسبة للخلق هي الحركة بالنسبة للمادة. وهي تزودنا بالدافع حتى الدافع إلى الفهم. فالإنجاز العقل لأي إنسان يختلف تبعاً لحدة انفعالاته فالإنسان العبقري إنسان ذوانفعالات قوية والإنسان الغبي مجرد منها(10). والانفعال الأساسي هوحب القوة والسيطرة، وهوأساسي لأنه يزيد في قدرتنا على تحقيق رغباتنا. وعند هذا الحد استحق عمل هلفشيوس ما وصفه به فولتير من أنه "عجة بيض" أي خليط من الأفكار التي كانت سائدة منذ عهد طويل في دنيا الفلسفة، ولكنه انطلق الآن إلى أكثر آرائه ومسائله امتيازاً. فحيث حتى جميع الأفكار تنبع من خبرات الفرد وتجاربه فإن التباين بين أفكار الأفراد والأمم وخلقها يعتمد على الفوارق بين بيئة الفرد أوالأمة. ولدى جميع الناس عند مولدهم استعداد متساوٍ للفهم والحكم وليس، وهناك تفوق فطري أوطبيعي في الذهن. لقد وهب الجميع قوة وقدرة على الانتباه كافيتين للارتفاع بهم إلى مرتبة الرجال اللامعين المرموقين إذا كانت البيئة والتعليم والظروف ملائمة لهم. وعدم المساواة في القدرة والأهلية هودائماً نتيجة الاختلاف في الموقف الذي تصادف حتى وضعوا فيه(11).

"وفي اللحظة التي يخرج فيها الطفل من بطن أمه....يدخل إلى الحياة دون أفكار ودون انفعالات. وكل ما يحس به هوالجوع. إننا في المهد (أي عن طريق الوراثة) لا نتلقى انفعالات الزهووالكبرياء والجشع والطمع والرغبة في حسن التقدير والمجد والعظمة. إذا هذه الانفعالات المثيرة للشقاق والشغب التي تتولد بين البلدان والمدن تفترض مقدماً وجود تنطقيد وقوانين قائمة بالعمل بين الناس...ومثل هذه الانفعالات لا تكون معروفة لدى من تحمله ساعة مولده عاصفة إلى صحراء مقفرة يغذيه ذئب مثل روميلوس. وحب المجد والعظمة شيء مكتسب، ومن ثم فهونتيجة تفهم وتعليم(13)". وحتى العبقرية نفسها نتاج البيئة، أي الخبرة بالإضافة إلى الظروف ويضيف العبقري المستوى الأخيرة إلى خطوات اكتشفت واتخذت قبله. وهذه المستوى الأخيرة تكون تبعاً للظروف. وكل فكرة جديدة هي نعمة من نعم الصداقة، أي سلسة من النتائج والآثار لا ندرك لها سبب(13).

"ومن أين يأتي عدم المساواة التامة في الفهم والذكاء"،يا ترى؟ السبب في هذا هوحتى أي إنسان لا يدرك على وجه الدقة نفس الأمور، وليس على وجه الدقة في نفس الموقف، ولم يتلق نفس التعليم، كما حتى الصدفة أوالحظ الذي يسموعلى تعليمنا لا يؤدي بكل الناس إلى كنوز غنية بقدر سواء. وإننا من أجل هذا ننسب إلى التعليم-بكل ما في هذه الحدثة من معنى، مع أخذ فكرة المصادفة والحظ في اعتبارنا-ننسب عدم المساواة في الفهم والذكاء(14).

ومن الجائز حتى هذا التحليل النفسي وهوسخي بصفة خاصة من أحد أصحاب الملايين، مشتق أونابع من وضع سياسي. فالمحافظون يؤكدون فوارق الوراثة وتأثيرها، والحاجة إلى الحرص والحذر في تغيير النظم المتأصلة في عدم المساواة الطبيعية والمحلية في القدرة والخلق. أما نادىة الإصلاح فيؤكدون على الفوارق البيئية وتأثيرها، مما يجعل عدم المساواة في القدرة والقوة الثروة يظهر راجعاً إلى المصادفة والحظ، إلى مفارقات المولد وميزات الظروف أكثر من إلى جدارة فطرية. ومن ثم يمكن خفض عدم المساواة بالمساواة في التعليم وتحسين البيئة. ويطبق هلفشيوس نظريته في المساواة الطبيعية على الأجناس والأفراد. فكان يمكن حتى تصل جميع الأجناس إلى نمومتساوٍ إذا تساوت الفرص البيئية لديها. وينتج عن هذا حتى الغرور القومي أوالاعتزاز بالجنس مثل الغرور الفردي أواعتزاز الفرد بنفسه، ليس له في الواقع أي مبرر. حتى الحرية التي يفاخر بها الإنجليز...ليست جزاء لشجاعتهم بقدر ما هي نعمة الحظ-"أعنى القنال الإنجليزي والبحار التي تحميهم (الحرية الداخلية إذا تساوت الأمور الأخرى تتفاوت عكسياً مثل الخطر الخارجي)".

وواضح على هذه الأسس حتى طريق التقدم يتبع تحسين التعليم والمجتمع والحكومة. "إن التعليم قادر على التأثير في جميع شيء". ألا يدرب التعليم الدب على الرقص(15)،يا ترى؟ حتى جميع التقدم، حتى في الأخلاق يتوقف على انتشار الفهم وتدريب الذكاء. اقضِ على الجهل وبذلك تقضي على جميع بذور الشر(16) ومن أجل الاقتراب من هذا الهدف يجدر حتى يعاد بنا نظام التعليم في فرنسا كما ينبغي حتى يحرر من ربقة الكنيسة ويعهد به إلى الدولة، كما يجب حتىقد يكون في متناول جميع الأفراد من الجنسين كليهما وفي جميع الأعمار. ويجدر حتى يحل تدريس العلوم والتقنيات محل تعليم اللاتينية والإغريقية، ويجب حتىقد يكون ثمة هجريز حديث على بناء الأجسام السليمة "والعقول السليمة المتمسكة بالفضيلة(17)".

وعلى الرغم من حتى هلفشيوس لم ينكر أية تعاليم مسيحية نراه هنا يدخل في دعوى مثيرة بقصد تقليص نفوذ الكنيسة في فرنسا. أنه يهاجم الكنيسة من وجهة نظر اجتماعية لا لاهوتية، أنه يشجب وجهة النظر الكاثوليكية في تمجيد العزوبة والفقر، ولكنه يطرب ويبتهج لأن قلة ضئيلة من المسيحيين هم الذين ينظرون إلى هذه الأفكار بعين الجد. "أن ميلاً خفياً إلى الشك وعدم التصديق يقاوم هذه الأثر الخبيث المؤذي للمبادئ الدينية(18) أنه يتهم سيطرة الكاثوليك على التعليم لا بأنه تعوق النقد الفني والفهمي في الأمة بتجاهل العلوم والاستخفاف بها فحسب، بل بأنها كذلك تمكن رجال الدين من تشكيل ذهن الطفل لإخضاعه للسيطرة الكهنوتية(19).

"إن رغبة رجال الدين في جميع العصور انصرفت إلى القوة والنفوذ والثراء. وبأية وسيلة يمكن إشباع هذه الرغبة،يا ترى؟ ببيع الراتى (في التعليم) والخوف (من الجحيم). إذا الكهنة وهم تجار جملة في هذه السلع كانوا يحسون ويدركون حتى هذا البيع سيكون مؤكداً رابحاً(20).....وتتوقف قوة الكاهن وسلطانه على الخرافات، وعلى تصديق الناس في غباء وحمق لهم. وليس اتعليمهم قيمة لديه. وحدثا قلت الفهم عندهم ازدادوا امتثالاً لأوامره(21)....إن أول هدف للكهنة في جميع ديانة هوخنق حب الاستطلاع عن الناس، والحيلولة دون فحص أية تعاليم ومبادئقد يكون سخفها ملموساً محسوساً إلى حد لا يمكن إخفاؤه(22)... لقد ولد الإنسان جاهلاً، ولكنه لم يولد مغفلاً أبله، وليس إلا بالجهد والمشقة ليكون كذلك، ولا بد لذلك وليكون قادراً على إطفاء هذا النور الطبيعي في داخله من استخدام كثير من الخدع والحيل والأساليب، ومن ثم يكدس التوجيه والتربية في ذهنه أخطاء فوق أخطاء(23) وليس ثمة شيء تعجزه قوة الكهنوت بمساعدة الخرافة عن تطبيق، لأنها تسلب الحكام والقضاة سلطانهم وسيادتهم، والملوك سلطتهم الشرعية، وبذلك تخضع الناس وتحرز السيطرة عليهم. وغالباً ما تكون هذه أعلى من سيادة القوانين، ومن ثم تفسد في النهاية المبادئ الأخلاقية نفسها(24).

التسامح

ويضيف هلفشيوس ثمانية فصول عن التسامح.

"أنه التعصب أم عدم التسامح الديني هوربيب الطمع الكهنوتي وسرعة التصديق الغبي الأحمق(25)...وإذا أنا صدقت مربيتي أومفهمي! إذا جميع ديانة أخرى باطلة زائفة، وديانتي وحدها هي السليمة الحقة. ولكن هل يعترف العالم كله بهذا،يا ترى؟ لا، فإن الأرض لا تزال تئن تحت وطأة المعابد الكثيرة الموقوفة على الخطأ(26). وماذا يفهمنا تاريخ الأديان،يا ترى؟ أنها أضاءت في جميع مكان مشعل التعصب وملأت السهول بالجثث وخضبت الحقول بالدماء وأحرقت المدن وأقامت إمبراطوريات مهلهلة(27). أليس الأتراك، ودينهم دين جهاد وحرب، أكثر تسامحاً منا،يا ترى؟ إننا نشهد الكنائس في القسطنطينية ولكنا لا نرى مساجد في باريس(28). إذا التسامح يخضع الكاهن للأمير ولكن التعصب يخضع الكاهن للأمير ولكن التعصب يخضع الأمير للكاهن(29). ويميل هلفشيوس إلى القول باستثناء واحد في جانب التعصب، حيث يقول: "هناك سبب واحد يمكن حتىقد يكون فيه التعصب ضاراً بالشعب، حيثقد يكون التسامح مع عقيدة تتسم بالتعصب مثل الكاثوليكية. فإن مثل هذه العقيدة التي تصبح أقوى ما تكون في دولة ما يفترض أن تسفك دائماً دماء حماتها الأغبياء. لا تسمحوا للكاثوليك المتملقين حتى يستغلوا البروتستنت. إذا القساوسة الذين يعتبرون التعصب في بروسيا أمراً بغيضاً وخرقاً للقانون الطبيعي والسماوي ينظرون إلى التسامح في فرنسا على أنه جريمة وهرطقة. وماذا يجعل الإنسان مختلفاً عن غيره في مختلف الأقطار،يا ترى؟ ليس إلا ضعفه في بروسيا وقوته في فرنسا. وإذا تأملنا في سلوك المسيحيين الكاثوليك، لوجدنا أنهم في البداية حينقد يكونون ضعافاً يبدون وكأنهم حملان وديعة حتى إذا أصبحوا أقوياء كانوا وحوشاً ضارية(30).

لا يرفض المسيحية

وأدلى هلفشيوس من حين إلى حين بحدثة طيبة عن المسيحية، وبخاصة عن البروتستنتية ولم يكن ملحداً ولكنه كره تصوير الأصفار المقدسة للإله طاغية...يعاقب على الهنات الهينات بالعذاب المقيم(31). وراوده الأمل في ديانة عالمية تقيم تحت رقابة الدولة "أخلاقيات طبيعية" متحررة من الثواب والعقاب بعد الموت(32). ووضع العقل الإنساني فوق جميع نادىوى الإنسان للوحي الإلهي. فإن الرجل الأمين يفترض أن يمتثل دائماً لعقله مؤثراً إياه على الوحي. لأنه سيقول بينه وبين نفسه عن يقين بالغ بأن الله هومنشئ العقل البشري أكثر من أنه مؤلف كتاب بعينه(33).

الأخلاق مستقلة عن الدين

ولكن أليست المعتقدات الخارقة والوازع الديني ضرورية لفاعلية القانون الأخلاقي،يا ترى؟ يقول هلفشيوس. كلا "ليس على الدين ولكن على التشريع أوالقانون وحده تتوقف رذائل الناس وفضائلهم وقوتهم وهناءتهم...إن جميع جريمة لا يعاقب عليها القانون تقترف جميع يوم فأي مرشد أقوى من هذا على عقم الدين وعدم جدواه؟... ومن أين ينشأ الأمن الحالي في باريس،يا ترى؟ هل ينشأ من تقوى أهلها وتبتلهم،يا ترى؟ كلا إنما ينشأ من نظام الشرطة ويقظتهم...وفي أية فترة أصبحت القسطنطينية وكر الرذائل،يا ترى؟ في نفس اللحظة التي قامت فيها المسيحية هناك...إن أشد الملوك تمسكاً بالمسيحية لمقد يكونوا أعظم الحكام. إذا قليلاً منهم تحلوا بفضائل تيتس أوتراجان أوأنطونيوس وأي أمير تقي ورع يمكن حتى يقارن بهؤلاء؟(34).

ومن هنا بدا لهلفشيوس حتى مهمة الفلسفة حتى تبتكر وتنشر أخلاقيات مستقلة عن العقيدة الدينية. ومن وجهة النظر هذه خط ما أسماه أحد الباحثين "أعظم اختبار على الأخلاق الاجتماعية خطه يراع أي فيلسوف(35) أنه عقد العزم على ألا ينتقص من قدر الطبيعة البشرية أويجعلها بل يأخذها كما وجدها بكل ما فيها من أنانية، ويحاول حتى يبني عليها أخلاقاً طبيعية. إذا الإنسان ليس خيراً أوشراً بالطبيعة. إنه مخلوق حاول حتى يحافظ على ذاته في عالم يحاول جميع كائن آخر فيه حتى يفتك به إذا عاجلاً أوآجلاً(36). إذا الصورة التي كان قد رسمها روسوحديثاً للمجتمع البدائي بدت لهلفشيوس خيالاً تافهاً غير ذي قيمة. وكان هوبر أقرب إلى الحقيقة حين وصف "حالة الطبيعة" بأنها صراع جميع فرد ضد المجتمع. إذا لفظتي الخير والشر في تطبيقها على الناس ليس لهما معنى إلا في مجتمع، وكل الطيبة فضيلة اجتماعية وهي نتاج التدريب أوالتعليم الاجتماعي على الغابات والأغراض الاجتماعية. "إن الأمير الذي يثق في استقامة الخلق الفري المتأصل في النفوس شقي تعس. إذا روسويفترض وجود هذه الاستقامة، ولكن الخبرة تنكر وجودها. وكل من يتأمل في هذا سينتهي إلى حتى الطفل يقتل الذباب ويضرب كلبه ويخنق عصفوره أي حتى غب الطفل جميع رذائل الرجل. إذا الرجل وهوفي أوج سلطانه، (متحرراً من جميع القيود والضوابط الاجتماعية) غالباً ماقد يكون جائراً ظالماً. والطفل القوي مثله تماماً: فإنه إذا لم يكبح جماحه وجود رفاقه مثل الرجل في أوج سلطانه يستحيل لنفسه حلوى رفيقه وأدوات لعبه ويستولي عليها(37).

ومن الواضح عندئذ أنه ليس هناك حاسة أخلاقية فطرية، فكل الأحكام على الخطأ والصواب تنموعن طريق خبرة الفرد نتيجة لتعاليم أسرته وجماعته وحكومته وكنيسته، وفرضها عليه قسراً. فإذا تحر ر الفرد من هذا القسر. كما هوالحال في الحكم المطلق أوالحرب أوالزحام-فإنه يميل إلى العودة إلى مخالفة القانون والتمرد عليه، وإلى عدم التمسك بالمبادئ الأخلاقية. وهنا "لا تكون الأخلاق في معظم الأمم آنئذ إلا مجرد مجموعة من تعاليم وقواعد سلوكية يمليها ويفرضها الأقوياء ليضمنوا سيطرتهم وسيادتهم، مع الاستمرار في ظلمهم وطغيانهم، مع الإفلات من أي عقاب" ولكن الأخلاق بمعناها السليم هي "فهم الوسائل التي يبتدعها الناس ليعيشوا معاً وجنباً إلى جنب في أسعد حال...وإذا كان من بيدهم الأمر والسلطة لا يعارضون تقدم الفهم بهذه الوسائل فإنها تنهض وتتقدم حدثا أكتسب الناس فهم جديدة"(39).

ممضى المتعة

وهلفشيوس يعتنق صراحة ممضى المتعة (اللذة أوالسعادة). وهي الخير الرئيسي أوالأوحد في الحياة: فالسعادة هي هدف الحياة هنا على الأرض، والسعادة هي استمرار اللذة ودوامها، وكل اللذة حسية أوفسيولوجية أساساً(40) "إن نشاط الذهن واكتساب الفهم، هما أعظم اللذات إشباعاً على الدوام(41) ولكنهما ماديان أيضاً بصفة جوهرية. والزهد أوالتقشف ضرب من الحمق. واللذة الجنسية مشروعة تماماً إذا لم تؤذ أحداً. وليست الفضيلة هي الامتثال لشرائع الله بل هي السلوك الذي يوفر أعظم اللذة لأكبر عدد من الناس. وهنا وبشكل واضح هلفشيوس الأخلاق النفعية التي اتى بها بالعمل هتشنسون (1725) والتي شرحها بنتام فيما بعد (1789). "ولكي تكون فاضلاً يجب حتى تجمع بين نبل النفس والعقل المستنير. وهذا الذي يجمع بين هاتين النعمتين إنما يتجه إلى المنفعة العامة. وهذه المنفعة هي قاعدة جميع الفضائل الإنسانية وأساس جميع التشريع...وكل القوانين يجب حتى تتبع مبدأ أوقاعدة واحدة وهي نفع الناس جميعاً أي أكبر عدد من الناس في ظل الحكومة نفسها...فهذا المبدأ يتضمن جميع الأخلاقيات وكل التشريع(42).

وعلى الرغم من ذلك فإن جميع الأفعال في رأي هلفشيوس مهما كانت أخلاقية وفاضلة أنانية. وقد لا تكون الأفعال بالضرورة أنانية، فكثير منها يتسم بالغيرة (حب الغير) بمعنى أنه مقصود به نفع الآخرين وفي بعض الأحيان تكلف فاعليها تمناً غالياً. ولكن حتى مثل هذه الأفعال أنانية بمعنى حتى الدافع إليها هوإرضاء الذات. أننا غيريون (نحب الغير) إننا بالفطرة أوبالتعليم والمران يمكن حتى نجد لذة كبيرة في إدخال السرور على الآخرين وإسعادهم. إلى غير ذلك قد تضحي الأم من أجل طفلها أوالبطل من أجل وطنه. إننا إذ نعمل الخير لغيرنا فذلك يرجع إلى أننا عن قصد أوعن غير قصد نتذكر في لذة وسرور ما قوبلت به مثل هذه الأفعال في الماضي من حب أوتقدير اجتماعي. وبهذه الطريقة قد تصبح الأفعال الغيرية عادة لدينا، وقد نشعر بالإزعاج أوالخوف إذ لم نقم بها. وقد يظهر النسك أوالتبتل الديني عملاً فاضلاً إلى درجة عالية، ولكنه "مجرد استثمار طويل الأجل في سندات السماء" أي مجرد محاولة طويلة الأمد لضمان حسن الجزاء في السماء "فإذا فرض ناسك أوراهب على نفسه قانون الصمت وجلد نفسه بالسوط في جميع ليلة وعاش على الحبوب والماء وافترش الأرض على القش فأنه يظن أنه بفضل النحول والهزال سيحظى بمنزلة رفيعة في الجنة(43). وإذا لم يحكم المجتمع المحلي على أي تصرف أوعمل وحشي قاس بالإدانة ويستنكره فإن هؤلاء الرجال المقدسين سيرتكبونه دون خجل أولجوء إلى القانون، مثال ذلك إحراقهم المهرطقين(44). إذا الصداقة نفسها ضرب من الأنانية: فهي تبادل خدمات حتى ولوكانت مجرد تأييد، وحيثما انبتر مثل هذا التبادل تبترت أواصر هذه الصداقة، وليس ثمة شيء استثنائي أوغير مألوف أكثر من الصداقة التي لا تدوم طويلاً(45)، وجوهر الحقيقة إننا دائماً نحن الذين نحب أنفسنا في غيرنا(36).

وحين هبط لاروشفوكول بالمثل بمختلف الدوافع إلى حب الذات فأنه شعر بالأسى باعتبار حتى حب الذات هذا رذيلة. ولكن هلفشيوس ارتضاه على اعتباره فضيلة، على أنه سهى للمحافظة على الذات. وعلى أية حال فتلك حقيقة عامة من حقائق الحياة "فالغضب أوالشعور بالضيق من الأفعال القائمة على حب الذات وهومثل الشكوى من زخات المطر في الربيع أومن حر الصيف...أوصقيع الشتاء"(47). ومن منطلق عمومية حب الذات تماماً يقترح هلفشيوس إقامة أخلاقيات "فهمية". فالتعليم والتشريع يمكن حتى يشكلا الأخلاق والعادات إلى حد الإزعاج والشعور بالقلق والضيق بالأفعال أوالتصرفات غير الاجتماعية، والشعور باللذة والسرور في الفضيلة-أي في الأفعال التي تفيد الجماعة وتسدي إليها خيراً. ويجدر بالفيلسوف حتى يفهم السلوك الإنساني والحاجة الاجتماعية بقصد اكتشاف أي شكل من أشكال السلوك أكثر نفعاً وخيراً لأكبر عدد من الناس، ويحاول مع المفهمين والمشرعين التماس المغريات والمحاذير التي يمكن مع الاستعانة بحب الذات حتى تشجع السلوك الاجتماعي، وأية فوائد تعود على الجنس البشري من مثل هذا الاتفاق بين الفلاسفة والملوك؟" إذا فضائل الشعب وسعادته لا تنبع من قدسية عقيدتهم الدينية ونقاوتها بل من حكمة قوانينهم(48).

إلى غير ذلك تحول هلفشيوس في قمة فلسفته إلى دراسة التشريع والحكومة. أنه من الناحية السياسية أشد الفلاسفة تطرفاً. أنه لا يشارك فولتير إيمانه "بالحكم المطلق المستنير" فإن مثل هؤلاء الحكام قد ينزعون إلى إخماد أية آراء غير آرائهم هم أنفسهم، التي قد تكون خاطئة ضارة. ويقتبس قول فردريك الأكبر لأكاديمية برلين "ليس ثمة ما أفضل من حكومة استبدادية يرأسها أمير عادل إنساني عطوف متمسك بالفضيلة، وليس ثمة شيء أسوأ من حكم الملوك العاديين البسطاء"(49). والملكية المحددة السلطة أوالدستورية مثل إنجلترا صالحة طيبة، والأحسن منها اتحاد من جمهوريات ديمقراطية تعاهدت على العمل المشهجر ضد أي ظالم(50). والأرستقراطية جائرة نظرياً حيث حتى المقدرة العليا نتاج الصدفة، ولكن الديمقراطية الكاملة غير مرغوب فيها، ما دام الفقراء غير متفهمين لا يملكون شيئاً. ومن ثم فإن المشرع الحكيم يسعى إلى نشر التعليم وحسن توزيع الملكية.

إن هذا "المليونير" الخبير بشؤون المال يرثي لهجريز الثروة وتيسير هذا الهجريز عن طريق الاقتصاد القائم على المال:"إن هذا الشقاء الذي يخيم على جميع الناس والأمم تقريباً إنما ينشأ من قصور قوانينهم والتوزيع البعيد جميع البعد عن المساواة لثرواتهم. وفي معظم الممالك توجد طبقتان فقط من المواطنين: واحدة في مسيس الحاجة إلى الضروريات والأخرى تبذر تبذيراً(51)...وإذا كان فساد السلطة في الشعب أبرز ماقد يكون في عصور الترف والبذخ فما ذاك إلا لأن ثروة الأمة في تلك العصور كانت مركزة في أيدي أقل نفر من الناس(52).

إن الاستعاضة بالمال أوالنقود عن الأرض رمزاً للسلطة والقوة ونقطة ارتكاز لهما، ينشأ عنها سباق على الثروة، فيه تفويض للاستقرار الاجتماعي وتصعيد الصراع الطبقي، كما يؤدي إلى تضخم مدمر. "وفي الأمة التي تزداد تدريجاً ثروتها ومالها-وبخاصة العملة الورقية-وترتفع أسعار الحاجيات وأجور العمال باستمرار..وحدثا أصبح العمل غالي التكلفة في أمة غنية فإنها لابد تستورد من الأمم الأخرى أكثر مما تصدر إليها. وإذا ظلت جميع العوامل الأخرى على حالها...فإن أموال الأمة الغنية يفترض أن تنتقل أوتتسرب دون حتى يشعر بها أحد إلى الأمة الأفقر التي ستدمر نفسها بدورها وبنفس الطريقة إذا أصبحت غنية(53).

وهل ثمة مهرب من هجريز الثروة أوالتزاحم على المال،يا ترى؟ "يجدر بالإنسان حتى يضاعف عدد الملاك عن طريق توزيع حديث للأرض. فإذا زادت أرض أحد الناس عن قدر معين من الأفدنة فيجب حتى تفرض عليها ضرائب تفوق قيمة إيجارها. ومثل إعادة توزيع الأرض هذه قد تكون محالة تقريباً في اقتصاد يقوم على المال، ولكن إذا أمكن تداركها بحكمة فمن المستطاع تطبيقها بتغيرات دائمة غير محسوسة(54).

فلنعمد إلى إنقاص ثروة الناس وزيادة آخرين ونهيئ للفقراء حالة من اليسر والرخاء حتى يتمكنوا بسبع أوثمان ساعات من العمل في اليوم حتى يوفروا لأنفسهم ولذويهم وسائل العيش ويسدوا حاجتهم، ومن ثم يصبح الشعب سعيداً بقدر ما تسمح به الطبيعة البشرية(55).


تأثير هلفشيوس

وهنا في كتابين لرجل واحد نجد جميع الأفكار التي صنعت الثروة الفرنسية وكل الأفكار التي تعتلج في صدور الأمم وتحركها اليوم. فلا عجب حتى وضعت الفئات الفرنسية المتفهمة المثقفة في الربع الثالث من القرن الثامن عشر هلفشيوس في منزلة سواء تقريباً مع فولتير وروسووديدرو، ورحبت بكتابه الأول وهللت له مما كاد لا يحظى به كتاب غيره في ذاك العصر. ونطق برونيتييز "إن أي كتاب غيره لم يحث مثل هذه الضجة في زمانه، ولم ينشر في الخارج أفكاراً أكثر أخذت تشق طريقها إلى العالم بأسره(56).

وذكر بريسوفي 1775 "لقي منهج هلفشيوس وآراؤه أعظم رواج وشعبية". وشكا ترجوعلى حين كان يعارض هذا المنهج من حتى الناس امتدحوا وأثنوا عليه في شيء من الشدة والعنف: ونطق آخر "إن هذا الكتاب كان يوجد على جميع منضدة(57)". وأطرى جميع النقاد وضوح أسلوبه وقوة حكمه وتصويراته البارعة والروح الإنسانية البارزة في رجل يدافع عن إعادة توزيع الثروة على حين أنه ثري أوتي جميع شيء.

ومهما يكن من شيء فإن الفلاسفة أنفسهم انتقدوا "منهج هلفشيوس" باعتباره قائماً على مفاهيم خاطئة. ودافع فولتير عن نادىوى الوراثة. فكل الناس عند الميلاد ليسوا متساويين في التفوق الذهني والخلقي الكامن ورأى حتى العقوبات مولودة لا مصنوعة(58). واتفق ديدرومع فولتير فيما مضى إليه. وفي تفنيد لكتاب هلفشيوس بعنوان "الإنسان" (خط في 1775، ولكن لم ينشر إلا بعد مائة عام من تأليفه)، دفع ديدروبأن الأحاسيس تنتقل بأشكال مختلفة الأفراد بغعل الفوارق الموروثة في هجريب المخ وينيته(59) "لا يولد الإنسان غفلاً أوخالياً من جميع شيء، حقاً أنه حقاً أنه يولد بدون أفكار أوانفعالات موجهة، ولكنه منذ اللحظة الأولى يوهب استعداد أوميلاً إلى التصوير والمقارنة والاحتفاظ ببعض الأفكار في تلذذ واستمتاع أكثر من غيرها. وميلاً ونزعات مسيطرة تنتج عنها فيما بعد الانفعالات الواقعية"(60).

وهنا نجد ديدرو، الذي كان قد بدأ بجون لوك بتحول إلى ليبنتز ويمد يده إلى كانت. حتى تأثير البيئة والتعليم في نظر ديدرو، محدود دائماً بالوراثة "إننا لا نستطيع حتى نعطي ما رفضته الطبيعة، وربما نقضي على ما تهبه الطبيعة..إن التعليم يعمل على تحسين ما تهبه لنا"(61) واستاء من الهبوط بالمناهج الفكرية إلى لذة حسية، واشهجر في الاحتجاج العام على فكرة هلفشيوس التي تقول بأن جميع الغيرة (حب الغير) أنانية غير محسوسة أومحتجبة.


وكانت مدام دي ديفان واحدة من النفر القليل الذين اتفقوا مع هلفشيوس في هذه النقطة. ونطقت "إن هذا الرجل كشف الغطاء عن سر جميع إنسان"(62) أما آدم سميث الذي كان يتبع صديقه هيوم فإنه أصر على حتى الغيرة مؤسسة على مشاعر عطف فطرية مثل الأنانية سواء بسواء، ولكنه في كتابه "ثروة الأمم" أسس نظريته الاقتصادية على شمولية حب الذات. وفي نشوة الثورة أثار هلفشيوس اشمئزاز مدام رولان. "لقد شعرت أني مدفوعة بكرم لم يعترف هوبه قط....وقابلت نظرياته بالأبطال العظام الذين خلدهم التاريخ(63).

ولا يمكن حل هذه المسائل بسهولة في فقرة من الفقرات، ويبدوواضحاً حتى الاختلافات في التكوين الوراثي أوالخلقي تؤثر تأثيراً جوهريا في عمل البيئة والتعليم. وكيف إذن نفسر بأي شكل آخر الخلق والنموالمتبادلين جميع التباين في الأخوة على الرغم من التشابه في النشأ والأصل والفرص،يا ترى؟ ومع ذلك فإن هلفشيوس كان على حق،يا ترى؟ في نطاق الحدود التي فرضتها البيئة، فيمكن حتى تحدث تغييرات جسيمة في سلوك الأفراد والجماعات بعمل الاختلافات فب البيئة والتعليم والتشريع، إلا كيف من الممكن أن نفسر انتنطق الإنسان من الهمجية إلى المدنية،يا ترى؟ وربما يجدر بنا حتى نسلم لهلفشيوس بأنه ليس ثمة إنسان يعمل واعياً بطريقة أشد إيلاماً من بديلتها. ولكن بعض الغرائز الاجتماعية-حب الأم، حب العيش مع أبناء جنسه، حب الاستحسان-على الرغم من أنها لا تقدر على منافسة غرائز النزعة الفردية في كمال القوة، فإنها أي الغرائز الاجتماعية قوية إلى حد تستطيع معه توليد أفعال اجتماعية قبل أي ترجيح واعٍ للذة أوالألم أوالنتيجة. فكل منا ذات أو"أنا" ولكن بعض الذوات أو"الأنا" تتسع لتضم أسرتنا أوجماعتنا أووطنا أوالجنس البشري بأسره. وعلى هذا الأساس تكون أوسع "أنا" هي الأفضل. وعلى أية حال فإن كثيراً من الناس تأثروا وتحركوا للتفكير والعمل بفضل أراء هلفشيوس. ومن الجائز أنه تحت تأثير هلفشيوس بدأ لاشالوتيه حملته لإبدال مدارس كهنة القرى وكليات الجزويت بطرق تعليمية تشرف عليها الدولة. وترجع المدارس العامة في أمريكا إلى مقترحات كوندرسيه الذي سمى نفسه تلميذ هلفشيوس ومريده(64) وأكد بكاريا Beccaria إذا كتابات هلفشيوس هي التي أوحت بكتابة دفاعه التاريخي عن إصلاح قانون العقوبات والسياسة. وصرح بنتام بأنه "مدين لكتاب هلفشيوس "الذكاء" بكثير من أفكاره"-بما في ذلك مبدأ المنفعة بالتماس أعظم السعادة لأكبر عدد من الناس في الأخلاق وفي التعليم(65). وشهد "الميثاق الوطني" في 1792 بتقدير تأثير هلفشيوس في الثروة، بأن منح بنات هلفشيوس لقب "بنات الأمة". وبنى وليم جودون Goduin بحثه في العدل السياسي (1793) على تعاليم هلفشيوس. أما زوجته ماري ولستونكرافت فقد وجهها إلى حد ما إلى تأليف كتابها المؤذن بعهد حديث "حقوق المرأة"، دعوى هلفشيوس بأن الفوارق بين الجنسين ترجع إلى حد كبير إلى التفاوت في التعليم وفي الفرص(66).

وقابل كثير من معاصري هلفشيوس بين نظريته في شمولية الأنانية وبين كرم خلقه وحياته الموسومة بالخير والإحسان. وخطت عنه مارمونتيل: "ليس ثمة رجل أفضل منه، فهومتحرر كريم جواد دون تظاهر أوتصنع، محسن من صميم قلبه(67) ووصف جريم الذي نادراً ما كان مسرفاً في مدحه، هلفشيوس بأنه "رجل مهذب وديع حقاً، منصف متسامح، ليس سريع الغضب أبداً، زوج صالح ووالد عطوف، وصديق وفي وإنسان طيب(68). وكان يصدق على شخصه ذلك الذي اتى في مؤلفه "الذكاء" "من أجل حتى نحب الناس يجدر حتى نتسقط القليل منهم...إن جميع إنسان مادامت أهواؤه وانفعالاته لا تغشى عقله سيكون أكثر تسامحاً حدثا ازداد استنارة...فإذا كان الرجل العظيم هودائماً أكثر تسامحاً...وإذا كان يقابل أخطاء الآخرين ببلسم الإشفاق الشافي ويتمهل في الكشف عن هذه الأخطاء، فما ذاك إلا لأن سموعقله لا يجيز له حتى يطنب في رذائل أفراد بعينهم وحماقاتهم، بل يحوم حول رذائل وحماقات الجنس البشري بصفة عامة(69).

إنه في فوري وفي باريس عاش مع زوجته وأطفاله أنشودة الإخلاص والسعادة. وفي عام 1764 تجول في إنجلترا وألمانيا. وقابل هيوم وجيبون وفردريك الأكبر. وفي عام 1770 أسهم في تكاليف التمثال الذي أقامه بيجال لفولتير. وفي 1771 فارق الحياة على فراشه مع دي هولباخ وغيره من الأصدقاء. ووفاء لذكراه رفضت أرملته جميع من طلب يدها للزاوج، بما فيهم بنيامين فرنكلين. وعمرت بعد وفاة زوجها تسعاً وعشرين سنة. ومرت بعهد الثورة في سلام وأمان وقضت نحبها في عام 1800، في سن الواحد والثمانين.


المصادر

ول ديورانت. سيرة الحضارة. ترجمة بقيادة زكي نجيب محمود. Unknown parameter |coauthors= ignored (|author= suggested) (help)

  • تحوي هذه الموضوعة معلومات مترجمة من الطبعة الحادية عشرة لدائرة المعارف البريطانية لسنة 1911 وهي الآن من ضمن الملكية العامة.



وصلات خارجية

  • by Helvétius - English translation by W. Hooper, 1777, Google Books
  • by Helvétius - English translation by William Mudford, 1807, Google Books
تاريخ النشر: 2020-06-07 17:22:20
التصنيفات: Articles with hCards, Pages with citations using unsupported parameters, مقالات مأخوذة من الطبعة الحادية عشرة لدائرة المعارف البريطانية, مواليد 1715, وفيات 1771, أشخاص من پاريس, فلاسفة القرن 18, فلاسفة العصر الحديث المبكر, فلاسفة التنوير, فلاسفة ملحدون, فرنسيون ملحدوم, ناشطو الإلحاد, كتاب فرنسيون من القرن 18

مقالات أخرى من الموسوعة

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

آخر الأخبار حول العالم

اعتقال رجل في تركيا حاول خطف طفل نجا من الزلزال - أخبار السعودية

المصدر: صحيفة عكاظ - السعودية التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2023-02-16 18:24:49
مستوى الصحة: 60% الأهمية: 68%

الرياض.. ضبط قائد مركبة لسيره دون لوحات

المصدر: اليوم - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-02-16 18:25:58
مستوى الصحة: 54% الأهمية: 53%

بوريطة:التغير المناخي أثر بشدة على النساء الإفريقيات

المصدر: موقع الدار - المغرب التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2023-02-16 18:25:14
مستوى الصحة: 47% الأهمية: 69%

بايتاس: "تناولت اللحم الذي اشتريته بـ75 درهما وأنا في صحة جيدة"

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-02-16 18:26:00
مستوى الصحة: 49% الأهمية: 61%

زلزال جنوب تركيا.. الوفيات في صفوف الجالية المغربية ترتفع إلى 13

المصدر: موقع الدار - المغرب التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2023-02-16 18:25:20
مستوى الصحة: 52% الأهمية: 69%

حصيلة وفيات المغاربة تبلغ 13 حالة في زلزال تركيا

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-02-16 18:25:52
مستوى الصحة: 45% الأهمية: 69%

بايتاس: "تناولت اللحم الذي اشتريته بـ75 درهما وأنا في صحة جيدة"

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-02-16 18:25:57
مستوى الصحة: 45% الأهمية: 68%

حراسات أمن نسائية لتطوير منظومة الخدمات في المسجد النبوي السعودية

المصدر: جريدة الوطن - السعودية التصنيف: إقتصاد
تاريخ الخبر: 2023-02-16 18:24:50
مستوى الصحة: 46% الأهمية: 62%

ساحل القطب الجنوبي "بلا جليد".. وعلماء: الوضع بالغ الصعوبة

المصدر: اليوم - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-02-16 18:26:02
مستوى الصحة: 58% الأهمية: 64%

حصيلة وفيات المغاربة تبلغ 13 حالة في زلزال تركيا

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-02-16 18:25:47
مستوى الصحة: 60% الأهمية: 51%

تحميل تطبيق المنصة العربية