البابا إسكندر السادس

عودة للموسوعة

البابا إسكندر السادس

إسكندر السادس
Alexander VI
اعتلى السـُدة 11 أغسطس 1492
انتهى سـُدته 18 أغسطس 1503
سبقه إنوسنت الثامن
خلفه پيوس الثالث
التكريس 1468
الترسيم 30 أكتوبر 1471
أصبح كاردينال 17 سبتمبر 1456 (cardinal deacon)
تفاصيل شخصية
اسم الميلاد رودريك ليانكول ده بورخا
وُلِد 1 يناير 1431
چاتيبا، مملكة بلنسية، تاج أراگون
توفي 8 أغسطس 1503
روما، الدول الباوية
دُفِن Santa Maria in Monserrato degli Spagnoli, Rome
الجنسية أراگوني
الوالدان
  • Jofré Llançol i Escrivà
  • Isabel de Borja
الأنجال
  • جوڤاني (أوخوان)
  • تشزارى
  • Lucrezia
  • گوفردو(أوجوفرى)
  • Ottaviano.
الجامعة الأم جامعة بولونيا
پاپوات آخرون اسمهم إسكندر

البابا إسكندر السادس Pope Alexander VI (بالاسپانية: Alejandro VI)، ولد بإسم رودريك ليانكول ده بورخا؛ 1 يناير 1431 - أغسطس 1503) كان پاپا من 1492 حتى وفاته في 18 أغسطس 1503. وهوأحد أكثر پاپاوات النهضة المثيرون للجدل، ولقبه العائلي المطليَن بورجيا أصبح مرادف للمعايير غير الأخلاقية للپاپوية في ذلك العهد، وأكثرهم فضائحية وليمة الكستناء في 1501.

المولد والأسرة

ولد أظرف بابوات النهضة على الإطلاق في چاتيبا، إسپانيا في اليوم الأول من شهر يناير عام 1413. وكان والداه ابني عم كلاهما من آل بورجيا، وهي أسرة يمكن حتى تعد من الأشراف. وتلقّى رودريگوRoderigo تعليمه في أكساتيفا، وبلنسيةـ وبولونيا، ولمّا أصبح عمه كردنالاً ثم البابا كالكستس الثالث Calixtus III فتح أمام الشباب طريق التقدم في السلك الكهنوتي. وانتقل ردريگوإلى إيطاليا وغير اسمه إلى بورجيا.


الكردينال بورجيا

وأصبح كردنالاً وهوفي الخامسة والعشرين من عمره، ولمّا بلغ السادسة والعشرين عين نائباً لقاضي القضاة أي رئيساً للحكومة البابوية وقام بواجبات منصبه بحزم وكفاية، ونال بعض الشهرة في حسن الإدارة، وعاش عيشة التقشف، واتخذ له كثيراً من الأصدقاء من كلا الجنسين، ولم يكن بعد قساً- ولنقد يكون حتى يبلغ السابعة والثلاثين من العمر.

وكان في أيام شبابه وسيم الخلق، جذاباً حلوالطبع، حاراً في عشقه، مرحاً في مزاجه، قوياً مقنعاً في بلاغته وفكاهته المرحة. وقد بلغ في هذه الصفات كلها درجة يصعب معها على النساء حتى يقاومنه. وإذا كان ردريجوقد نشأ في جوالتساهل الأخلاقي الذي كان يسود إيطاليا في القرن الخامس عشر، حيث يرى كثيرين من رجال الدين والقساوسة يبيحون لأنفسهم التمتع بالنساء، فقد قرر ردريجوحتى يستمتع بكل النعم التي منحهم ومنه إياها الله سبحانه. يروى حتى بيوس الثاني لامه مرة لحضوره "رقصاً خليعاً مثيراً للشهوات" 1460، ولكن البابا قبل اعتذار ردريجووأبقاه نائباً لقاضي القضاة ومعينه وموضع ثقته(1). وفي ذلك العالم ولد لردريجوابنه الأول بدرولويس Pedro Luis أوجيء له به، وولدت له كذلك ابنته جيرولاما التي تزوجت في عام 1482(2). أوجيء له بها. ولسنا نعهد من كانت أم ابنة أوابنته. وعاش بدروفي أسبانيا حتى عام 1488ثم انتقل في ذلك العام إلى روما حيث توفي بعد مجيئه إليها بقليل. ورافق ردريجوبيوس الثاني إلى أنكونا في عام 1464 وهناك أصيب بسقم تناسلي خفيف "لأنه لم ينم بمفرده" على حد تعبير طبيبه(3).

العشيقات والعائلة

ڤانوتسا ده كاتاني

ثم عقد حوالي عام 1466 صلة أكثر دواماً من صلاته النسائية السابقة مع ڤانوتسا ده كاتاني Vanozza de' Catanei، وكانت وقتئذ في حوالي الرابعة والعشرين من العمر. وكان من سوء الحظ أنها تزوجت بدومينيكودا رنيانوDomenico d'Arignano ولكن دومينيكوهجرها في عام 1476(4). وولدت فانتسا لردريجو(الذي أصبح قساً في عام 1468) أربعة أبناء: جيوفني في عام 1474، وسيزاري في عام 1476، ولكرديسيا في 1480، وجيوفري في 1481. وقد نسب هؤلاء إلى فانتسا على شاهد قبرها. واعترف بهم ردريجوأبناء له في أوقات مختلفة(5). ويوحي وجود هؤلاء الأبناء به واحداً بعد واحد وجود علاقة بين ردريجووفانتسا بمفردها ؛ ولعل الكردنال بورجيا إذا قورن بغيره من رجال الكنيسة يمتاز بقسط من الوفاء والاستقرار في علاقاته النسائية. وكان أباً خيّراً رحيماً؛ وكان مما يؤسف له حتى ما بذله من الجهود لترقية أبنائه في المناصب الكنسية لمن يكن على الدوام مما يحمل من شأن الكنسية. ولمّا حتى تطلع ردريجوإلى كرسي البابوية عثر لفانتستا زوجاً متسامحاً، وعمل على حتى تعيش في رخاء ونعيم. وقد ترملت مرتين، وتزوجت بعد ترملها، ثم عاشت في عزلة بعيدة عن المظاهر الفخمة، وابتهجت حين علا صيت أبنائها وأثروا، وحزنت لفراقها إياهم، واشتهرت بعدئذ بالتقي والصلاح، وتوفيت في السادسة والسبعين من عمرها. (1518)؛ وأوصت بأملاكها العظيمة القيمة للكنيسة. وأوفد ليوالعاشر رئيس تشريفاته للاشتراك في موكب جنازتها(7).

جوليا فارنـِزى في شخصية – شابة ويونيكورن، بريشة دومنيچينو، حوالي 1602، من قصر فارنـِزى

وإنا لنخطئ في فهم معنى التاريخ إذا حكمنا على أسكندر السادس من وجهة النظر الأخلاقية في عصرنا هذا ـ أوعلى الأصح في أيام شبابنا. وكان معاصروه ينظرون إلى خطيئاته الجنسية قبل حتى يرقى عرش البابوية على أنها آثام مرذولة حسب قوانين الكنيسة لا أكثر، ولكنهم يرونها بالنسبة للجوالأخلاقي السائد في زمانه من الصفات التي يتسامح فيها ويعفى عنها، بل إذا الرأي العام حتى أثناء الجيل المحصور بين الوقت الذي أنب فيه بيوس ردريجوعلى استهتاره وارتقائه عرش البابوية قد أصبح اكثر تسامحاً في نظره إلى الانحراف الجنسي وعدم إطاعة قانون الكنيسة الذي يفرض العزوبة على رجال الدين. بل إذا بيوس الثاني نفسه كان له أطفال من عشيقاته في أيام شبابه، قبل حتى ينتظم في سلك رجال الدين، ولقد نادى هونفسه في وقت من الأوقات إلى إباحة زواج القساوسة؛ كذلك كان لسكستس الرابع عدة أبناء، واتى إنوسنت الثامن بأبنائه إلى الفاتيكان. ولقد ندد بعضهم بأخلاق ردريجو، ولكن يظهر حتى أحداً لم يذكر شيئاً عن هذه الأخلاق حين انعقد المجلس المقدس ليختار خلفاً إنوسنت. وكان خمسة بابوات منهم نقولاس الخامس ذوالفضائل المعقولة قد عينوه في مناصب موفورة الدخل خلال تلك السنين كلها، وعهدوا إليه بمهام شاقة ووضعوه في مناصب عظيمة التبعة؛ ويلوح أنهم لم يعبأوا قط بما كان له من أبناء كثيرين (إذا استثنينا منهم بيوس الثاني في وقت من الأوقات)(9). وكان جميع الذي عنوا بملاحظته في عام 1492 هوإنه قد عيّن مرتين نائباً لرئيس المحكمة البابوية العليا، وأنه قضى في ذلك المنصب خمساً وثلاثين، وأن خمسة من البابوات المتعاقبين عينوه وأعادوا تعيينه فيه؛ وأنه قام بمهامه بجد وحزم ملحوظين، وأن فخامة قصره في الظاهر تخفي وراءها حياة خاصة بسيطة إلى حد عجيب. وقد وصفه ياقوبودا فلتيرا في عام 1486 بأنه: "رجل ذوذكاء يمكّنه من عمل أي شيء يريد، وذوعقل كبير؛ وهوخطيب سريع البديهة، فطن بطبيعته، حاذق حذقاً عجيباً في تصريف الأمور"(10). وكان أهل روما يحبونه، لأنه متّعهم بالألعاب؛ ولمّا حتى بلغته أنباء سقوط غرناطة في أيدي المسيحيين متّعهم بمصارعة الثيران على الطراز الأسباني.

ولعل الكرادلة الذين اجتمعوا في المجمع المقدس قد تأثروا أيضاً بثروته لأن المناصب الإدارية التي تولاها في خلال حكم خمسة من البابوات قد جعلته أغنى الكرادلة الذين شهدتهم روما إذا استثنينا دستوتفيل من هذا التعميم وكانوا يعتمدون عليه فيما سيمنحه من الهدايا القيّمة لمن يعطونه أصواتهم في الانتخاب، ولم يخيب هوراتىهم فيما أمّلوه. فقد وعد الكردنال أسفوردسا بأن يعينه نائباً عنه في المحكمة البابوية العليا، كما وعده بعدة مناصب تدر عليه إيراداً كبيراً، وبقصر آل بورجيا في روما. أما الكردنال أرسيني فقد وعده بأسقفية قرطاجنة الأسبانية وإيراد كنائسها، وببلدتي منتيتشيلي وسريانو، وبأن يتولى حكم أنطقيم الحدود. ووعد الكردنال سافيلي Savelli بتشيفيتا كستيلانا Civita Castellana وأسقفية مايورقة، وما إلى ذلك. وقد وصف إنفيسورا هذه الأعمال بأنها: "توزيع إنجيلي لبضائعه على الفقراء". على أنها لم تكن من الأعمال الغير مألوفة، فقد كان يستخدمها جميع مرشح للبابوية، في كثير من المجاميع المقدسة الماضية، كما يستخدمها جميع مرشح للمناصب السياسية في هذه الأيام. ولسنا واثقين من حتى الرشا النقدية كان لها أيضاً نصيب في هذا الانتخاب. وقد كان صاحب الصوت الحاسم هوالكردنال غراردوGherardo وهورجل في السادسة والتسعين من عمره "لا يكاد يحتفظ بقواه العقلية". واندفع الكرادلة جميعاً آخر الأمر فانضموا إلى الجانب الفائز حتى كان انتخاب ردريجوبورجيا بإجماع الآراء (10 أغسطس سنة 1492). ولما سئل أي اسم يريد حتى يسمى به وهوبابا أجاب بقوله: "باسم الإسكندر الذي لا يقهر". وكانت هذه بداية وثنية لولاية دينية وثنية.


الپاپوية

وكان اختيار المجمع المقدس هوالاختيار الذي يريده الشعب. ولم يحدث حتى كان ابتهاج الناس بانتخاب البابا مماثلاً لابتهاجهم في هذه المرة، كما كان تتويج واحد من البابوات أفخم من تتويجه. لقد ابتهج الشعب بالموكب الفخم المؤلف من الخيول البيضاء، والأشخاص الرمزيين، والسجف المنقوشة، والصور الملونة، والفرسان، والعظماء، والجنود الرماة،والخيالة الأتراك،والقساوسة السبعمائة، والكرادلة في أثوابهم ذات الألوان الزاهية، وأخيراً بالإسكندر نفسه، وهوفي الواحدة والستين من العمر، ولكنه رائع المنظر، منتصب طويل القامة، يفيض صحةً ونشاطاً وكبرياءً. "رصين الوجه مهيب الطلعة" كما يصفه شاهد عيان، يظهر كأنه إمبراطور حتى وهويبارك الجموع المحتشدة.ولم يكن أحد غير عدد قليل من ذوي الأصالة أمثال جوليانودلا روفيري وجيوفني ده ميديتشي يبدي مخاوفه من حتى يستخدم البابا الجديد، المعروف بأنه أ ب مغرم بأبنائه، سلطانه في حمل شأن أسرته بدل حتى يستخدمه في تطهير الكنيسة وتقويتها.

وبدأ أعماله بداية حسنة. فقد حدثت في روما في الستة والثلاثين يوماً بين موت إنوسنت وتتويج الإسكندر مائتان وعشرون من حوادث الاغتيال التي عهدت. ولكن البابا الجديد ضرب المثل بأول قاتل قبض عليه؛ فقد شنق هذا المجرم، وشنق معه أخوه، وهدم بيته، وارتضت المدينة هذه القسوة، وأخفت الجريمة رأسها؛ وعاد النظام إلى روما، وأبتهجت إيطاليا كلها إذ وجدت يداً قوية تقبض على أزمة الشئون. وكان الأدب والفن يترقبان من يأخذ بناصرهما. وقد وجدا في الإسكندر نصيرهما، فقد شاد البابا الجديد كثيراً من المباني داخل روما وخارجها، وتبرع بالمال الذي أنشئ به سقف حديث لكنيسة سانتا ماريا مجيوري مضافاً إلى هدية من المضى الأمريكي من عند فرديناند وإزبلا، وأعاد تخطيط ضريح هدريان فأحاله إلى قصر سانت أنجيلوالحصين، وأعاد زخرفته من الداخل ليجعل منه سجوناً انفرادية للمساجين البابويين، وأجنحة مريحة للبابوات المنهكين. وأنشأ بين هذا القصر والفاتيكان طريقاً مغطىً طويلاً وقاه من شارل الثامن في عام 1494، وأنجى حدثنت السابع من مكيدة لوثرية أثناء أنتهاب روما. واستخدم بنتورتشيوفي تزيين مسكن بورجيا في الفاتيكان، فأعيد بناء أربع من حجره الست، وفتحت للجمهور أيام ليوالثامن؛ وتحتوي كوة في واحدة منها صورة رائعة للإسكندر نفسه - ذات وجه مشرق، وجسم ممتلئ سليم، وأثواب فخمة. وفي حجرة أخرى صورت مريم تفهم الطفل القراءة، وقد وصفها فاساري(17) بأنها صورة لجويليا فارنيزي Guilia Farnese وهي عشيقة مزعومة للبابا. ويضيف فاساري إلى قوله السابق حتى الصورة تحتوي أيضاً "رأس البابا إسكندر تزدان به" ولكنّا لا نرى صورة له واضحة هناك.

وأعاد بناء جامعة روما، واستدعى إليها طائفة من المفهمين الممتازين وكان يؤدي إليهم أجورهم بانتظام لم يسمع بمثله في تلك الأيام. وكان يحب التمثيل، ويسره حتى يمثل طلاب المجمع الفهمي في روما بعض المسالي والتمثيليات الراسيرة في الحفلات التي تقيمها أسرته؛ وكان يؤثر الموسيقى الخفيفة على الفلسفة الثقيلة؛ ومن أعماله أنه أعاد الرقابة على المطبوعات في عام 1501 بأن أصدر مرسوماً يحرم أي كتاب إلاّ بعد حتى يوافق عليه كبير الأساقفة المحلي. ولكنه هجر حرية واسعة للهاتى والمناظرة. وكان يضحك عليه سيزاري بورجيا من وجوب تأديب هؤلاء الهجائين.

ونطق يوماً لسفري فيرارً: "إن روما مدينة حرة يستطيع جميع إنسان فيها حتى يقول أويخط ما يشاء. وهويقولون عني كثيراً مما يسوءني ولكنني لا أبالي يما يقولون".

وكان تصريفه شئون الكنيسة في السنين الأولى من ولايته تصريفاً يشهد له بالقدرة والكفاية إلى حد غير مألوف. ومن الأدلة على ذلك حتى إنوسنت السابع هجر الخزانة مدينة، "في حاجة إلى جميع ما وهب الإسكندر من مقدرة لإصلاح حال المالية البابوية، وتطلبت منه موازنة الميزانية سنتين كاملتين".

التورط الفرنسي

إيطاليا 1494

وقد تذرع إلى ذلك بإنقاص عدد موظفي الفاتيكان، وتخفيض النفقات،ولكن السجلات كان يعتني بحفظها وتدوينها، وكانت مرتبات الموظفين تؤدى في أوقاتها. وكان الإسكندر يواظب على إقامة المراسم الدينية الشاقة التي يستلزمها منصبه بأمانة، ولكنه كان يملها ملل الرجل الكثير المشاغل. وكان رئيس تشريفاته رجلاً ألمانياً يدعى جوهان بركهارد Hojann Burchard، عمل على تخليد شهرة مولاه وسوء سمعته بأن دوّن في يومياته جميع ما شاهده تقريباً بما في ذلك الكثير مما كان الإسكندر يود ألاّ يطلع عليه الناس. وقد وفى الإسكندر للكرادلة بما وعدهم به في المجمع المقدس، بل إنه كان أكثر سخاء لمن كانوا أطول الناس مقاومة له أمثال الكردنال ده ميديتشي، وعين بعد سنة من توليته أثني عشر كردنالاً جديداً وزيادة على الكرادلة الأصليين. ومن هؤلاء من كانوا ذوي مقدرة وكفاية حقة، ومنهم من عينوا استجابة لرغبة بعض السلطات السياسية التي كان من الحكمة استرضاؤها؛ وكان اثنان منهم صغيري السن إلى حد يدعوللقيل والنطق، وهما إبوليتودست ولم يكن يتجاوز الخامسة عشرة وسيزاري بورجيا وكان في الثامنة عشرة؛ ومنهم ألسندوفرنيزي الذي كان مديناً بمنصبه إلى أخته جويليا فرنيزي وهي في اعتقاد الكثيرين عشيقة البابا. وكان أهل روما طويلواللسان، الذين لم يدركوا وقتئذ أنهم سيلقبون ألسندروفي يوم من الأيام بولس الثالث، يسمونه الكردنال ذا التنورة. وغضب جوليانودلا روفيري أقوى الكرادلة الشيوخ حين عثر أنه وهوالذي كان يسيطر على إنوسنت الثامن ليس له نفوذ عند الإسكندر بعد حتى اتخذ الكردنال اسفوردسا مستشاره الأمين وقربه إليه، وانتابته نوبة من القنط فمضى إلى كرسيه الأسقفي في أستيا وأنشأ لنفسه حرساً مسلحاً، ثم فر إلى فرنسا بعد عام من ذلك الوقت، وطلب إلى شارل الثامن حتى يغزوإيطاليا، ويعقد مجلساً عاماً، ويخلع الإسكندر الذي لا يتورع عن بيع المناصب الكهنوتية.

وكان الإسكندر في ذلك الوقت يقابل المشاكل السياسية القائمة أمام بابوية تكتنفها القوى الإيطالية التي تأتمر بها من جميع جانب. وكانت الولايات البابوية قد سقطت مرة أخرى في أيدي طغاة محليين، يدعون أنهم خدام الكنيسة ولكنهم انتهزوا الفرص التي أتاحها لم إنوسنت الثامن فاستردوا الاستقلال العملي الذي فقدوه هم وأسلافهم في عهد ألبرنوز أوسكستس الرابع.وكانت الدول المجاورة للمدن البابوية قد استولت على بعض هذه المدن، فاستولى نابلي مثلاً على سورا Sora وأكويليا في عام 1467، استولت ميلان على تورلي في عام 1488.ولها كان أول واجبات الإسكندر هوحتى يخضع هذه الولايات تحت حكم بابوي مركزي، يفرض عليها الضرائب، كما أخضع ملوك أسبانيا، وفرنسا، وإنجلترا السادة الإقطاعيين. وكانت هذه هي المهمة التي عهد بها إلى سيزاري بورجيا والتي أنجزها بسرعة وقسوة جعلت مكيفلي يعجب به ويدهش من مقدرته.

وكان أقرب إلى روما وأشَّد مضايقة للبابا وإقلاقاً لراحته النبلاء أشباه المستقلين الخاضعون للبابا نظرياً والمعادون له والخطرون عليه عملاً. وكان ضعف البابوية من الناحية الزمنية منذ أيام بنيفاس الثامن (المتوفى عام 1303) قد هجر لهؤلاء النبلاء سيادة إقطاعية على ضياعهم شبيهة بما كان لأمراء الإقطاع في العصور الوسطى، فكانوا يسنون لأنفسهم قوانينهم، وينظمون جيوشهم، ويحاربون، حدثا شاءوا، حروبهم الخاصة غير مبالين بالبابوات أنفسهم، وقد أدى هذا كله إلى اضطراب النظام وكساد التجارة في لاتيوم. ولم يمض على ارتقاء الإسكندر عرش البابوية إلاّ قليل من الوقت حتى باع فرانتشيسكتستوكسيبوإلى فرجينيوأورسيني Virginio Orisini ضياعاً خلفها له والده إنوسنت الثامن بمبلغ 40.000 دوقة (500.000 دولار)؛ ولكن أرسيني هذا كان ضابطاً كبيراً في جيش نابلي؛ وكان قد تلقى من فيرانتي الجزء الأكبر من المال الذي ابتاع به الضياع، والواقع حتى نابلي كانت قد امتلكت في الأراضي البابوية حصنين ذوي مركزين حربيين خطيرين(22). ورد الإسكندر على هذا بأن عقد حلفاً مع البندقية، وميلان، وفيرارا، وسينا، وبتجنيد جيش، وتحصين الأسوار القائمة بين سانت أنجيلووالفاتيكان. وخشي فرديناند الثاني ملك أسبانيا حتى يؤدي الهجوم المشهجر على نابلي إلى القضاء على سلطان أرغونة في إيطاليا، فأقنع الإسكندر وفيرنتي حتى يتفاوضا؛ ونفح أرسيني البابا بأربعين ألف دوقة نظير احتفاظه بالأملاك التي اشتراها، وخطب الإسكندر لابنه جيوفري، وكان وقتئذ في الثالثة عشرة من عمره، سانتشيا Sancia حفيدة ملك نابلي الحسناء (1494).

وكافأ الإسكندر فرديناند على وساطته الموفقة بأن منحه الأمريكتين. ذلك حتى كولمبس كان قد كشف "جزائر الهند" بعد شهرين من تولية الإسكندر ومنح فرديناند وإيزابلا تلك البلاد. غير حتى البرتغال طالبت بملك العالم الجديد بالاستناد إلى مرسوم صدر من كالكستس الثالث (1479)، يؤيد فيها امتلاكها جميع الأراضي الواقعة على شاطئ المحيط الأطلنطي. وردت أسبانيا على هذا بان المرسوم لم يكن يقصد غير الأراضي الواقعة على الشاطئ الشرقي من ذلك المحيط. وكانت نيران الحرب وشيكة الاشتعال بين الدولتين حين أصدر الإسكندر مرسومين (في الثالث والرابع من شهر مايوسنة 1493) يمنحان أسبانيا جميع الأراضي المكتشفة في غرب خط وهمي يمتد من أحد القطبين إلى القطب الثاني على بعد مائة فرسخ إسباني من جزائر أزوره والرأس الأخضر، كما يمنح البرتغال جميع الأراضي المكتشفة في شرقه، مشترطاً ألاّ تكون الأراضي ما يسكنه المسيحيون، وأن يبذل الفاتحون جميع ما أوتوا من جهد في حتى ينشروا الدين المسيحي بين رعاياهم الجدد. ولم تكن "منحة" البابا بطبيعة الحال إلاّ تأييداً لحق الفتح بالسيف، ولكنها حافظت على السلم في شبه جزيرة أيبريا؛ ويبدوحتى أحداً لم يفكر قط في حتى لغير المسيحيين أي حق في الأراضي التي يسكنونها.


تقهقر الفرنسيين

وإذا كان في مقدور الإسكندر حتى يوزع القارات، فقد عثر كثيراً من الصعوبة في الاحتفاظ بالفاتيكان. فقد وقع عقب وفاة فيرنتي صاحب نابولي (1494) حتى استقر رأي شارل الثامن على غزوإيطاليا وإعادة نابلي إلى أملاك فرنسا. وخشي الإسكندر حتى يخلع من عرشه فخطا تلك المستوى الخطيرة وهي طلب المعونة من سلطان الأتراك. ولهذا بعث في شهر يولية من عام 1494 بأمين له يدعى جورجيوبوتشاردوGiorgio Bocciardo ليحذر بايزيد الثاني من عزم شارل على دخول إيطاليا والاستيلاء على نابولي، وخلع البابا أوالسيطرة عليه، وتحريض جم على المطالبة بعرش آل عثمان، واستغلال هذا في حرب صليبية ضد القسطنطينية. وعرض الإسكندر حتى ينضم إلى البابوية، ونابلي، ضد فرنسا، وربما انضمت إليهم أيضاً البندقية. واستقبل بايزيد بوتشاردوبالحفاوة المأثورة عن الشرقيين، ورده بالأربعين ألف دوقة المستحقة عليه نظير نفقات جم يصحبه رسول من عنده إلى الإسكندر. ولمّا وصل بوتشاردوإلى سنغاليا Sengallia قبض عليه جوڤاني دلا روفيري أخوالكردنال الحانق، واستولى على الأربعين ألف دوقة، وعلى خمس رسائل قيل إنها مرسلة من السلطان إلى البابا. وتشير إحدى هذه الرسائل على البابا بأن يقتل جم ويرسل جثته إلى القسطنطينية على حتى يؤدي السلطان عقب وصولها ثلاثمائة ألف دوقة (3.750.000،يا ترى؟ دولار): (تستطيع بها يا صاحب العظمة حتى تبتاع أملاكاً لأبنائك)(23)، وأوفد الكردنال دلا روفيري صوراً من هذه الرسائل إلى ملك فرنسا. ونطق الإسكندر إذا الكردنال قد زور الرسائل، وأنه اخترع السيرة من أولها إلى آخرها. والشواهد التي لدينا تؤيد رسالة البابا إلى بايزيد، ولكنها لا تؤيد رد السلطان وتنطق بأنه في أغلب الظن مزيف(24). وكانت البندقية ونابلي قد دخلتا من قبل في مفاوضات مثل هذه مع الأتراك، وسنرى فرانسيس الأول يحذوحذوهما فيما بعد؛ ذلك حتى الدين عند الحكام إنما هوأداة من أدوات السلطان.

كاستل سانتانجلوفي روما

وأقبل شارل، وتقدم مجتازاً ميلان الصديقة، وأرهب فلورنس واقترب من روما (ديسمبر عام 1494). وساعده آل كولنا باستعدادهم لغزوالعاصمة. واستولى أسطول فرنسي على أستيا - مرفأ روما على منصب التيبر - وهدد بمنع وصول الحبوب إليها من صقلية. وأعرب كثيرون من الكرادلة، ومنهم اسكانيواسفوردسا تأييدهم لشارل؛ وفتح فرجينوأرسيني قصوره للملك، وتوسل إليه نصف الكرادلة في روما حتى يخلع البابا(24). وانسحب الإسكندر إلى قلعة سانت أنجلو، وبعث مندوبين عنه ليفاوضوا الفاتح. ولم يكن شارل يريد حتى يثير أسبانيا ضده بإقدامه على خلع البابا، بل إذا هدفه كان الاستيلاء على نابلي التي لم يكن ثراؤها يغيب قط عن عقول ضباطه. ولهذا عقد الصلح مع الإسكندر مشترطاً حتى يسمح لجيوشه باختراق لاتيوم دون عائق، وأن يعفوالبابا عن الكرادلة الذين انضموا إلى شارل، وأن يسلمه جم. وقبل الإسكندر هذه الشروط، وعاد إلى الفاتيكان، واستمتع بركوع شارل ثلاث ركعات أمامه، وتفضل فمنعه من حتى يقبل قدمي البابا، وتلقّى من الملك "طاعة" فرنسا الرسمية - أي تخليه عن جميع خططه التي كانت تهدف إلى خلع البابا. وزحف شارل على نابلي في الخامس والعشرين من يناير ومعه جم، ومات جم في الخامس والعشرين من فبراير على أثر نزلة شعبية، ويقول بعضهم إذا الإسكندر الماكر سقاه بطيئاً، ولكن أحداً لم يعد يصدق هذه السيرة(25).

وما كاد الفرنسيون يرحلون حتى استرد الإسكندر شجاعته. وأكبر الظن أنه أيقن في ذلك الوقت حتى ولايات بابوية قوية، وجيشاً صالحاً، وقائداً محنكاً لا غنى عنها لسلامة البابوات من سيطرة أصحاب السلطة الزمنية(26). ولهذا عقد مع البندقية، وألمانيا، وأسبانيا، وميلان حلفاً مقدساً (31 مارس من سنة 1495) هدفه في ظاهر الأمر الدفاع المتبادل ومحاربة الأتراك، ولكنه يهدف في السر إلى طرد الفرنسيين من إيطاليا. وعهد شارل السر، وارتد إلى بيزا عن طريق روما؛ وأراد الإسكندر حتى يتحاشى الاصطدام به فراح إلى أرفينووبروشيا. ولما فر شارل عائداً إلى فرنسا ولج الإسكندر روما دخول الظافرين، وطلب إلى فلورنس حتى تنظم إلى الحلف، وأن تطرد منها سفنرولا صديق فرنسا وعدوالبابا أوترغمه على السكوت، وأعاد تنظيم الجيش البابوي، ووضع على رأسه جيوفني أكبر أبنائه الأحياء، وأمره حتى يفتح حصون آل أرسيني الثائرة ويضمها لأملاك البابوية. (1496). ولكن جيوفني لم يكن قائداً محنكاً فهزم في سريانوSoriano وعاد إلى روما يجلله العار، وأنغمس في الشهوات التي أدت في أغلب الظن إلى موته المبكر. لكن الإسكندر رغم هذا استرد الحصون التي بيعت لفرجينوأسيني، كما أسترد أستيا من الفرنسيين. وبدا له أنه تغلب على جميع الصعاب، فأمر بنتورتشيوحتى ينقش على جدران الجناح البابوي في سانت أنجيلومظلمات تمثل فوز البابا على الملك. وكان الإسكندر وقتئذٍ قد وصل إلى ذروة مجده.

سياسته

وحمدت له روما حسن إدارته الداخلية ونجاحه رغم تردده في سياسته الخارجية، ولامته لوماً خفيفاً على مغامرات حبه، ولوماً عنيفاً على سعيه لتوفير الثراء لأبناءه، وحقدت عليه لتعيينه في مناصب الدولة بروما حشداً كبيراً من الأسبان كان منظرهم الأجنبي ولغتهم الأجنبية مثاراً لغضب الإيطاليين. وكان عدد ضخم من الأسبانيين من أقارب البابا قد هرعوا إلى روما "حتى لم تعد مائة بابوية تكفي ذلك الحشد من أبناء الأعمام"؛ كما يقول شاهد عيان. وكان الإسكندر وقتئذ قد أصبح إيطالياً كاملاً في ثقافته، وسياسته، وأساليبه ولكنه لا يزال يحب أسبانيا، ويتحدث بالإسبانية أكثر مما يجب مع سيزاري ولكريدسيا، وحمل إلى مقام الكردنالية تسعة عشر أسبانياً، وأحاط نفسه بخدم ومساعدين قطلانيين، حتى لقبه الإيطاليون الحاسدون آخر الأمر "البابا الهجين"(28) يشيرون بذلك إلى انحداره من يهود أسبانيين اعتنقوا المسيحية. ورد الإسكندر على هذا بقوله إذا كثيرين من الإيطاليين، وبخاصة في مجمع الكرادلة، قد غدروا به، وإنه لا بد حتى يجمع حوله طائفة من الأنصار يرتبطون معهم برباط الولاء الشخصي القائم على فهمهم بأنه هوحاميهم الأوحد في روا.

وكان هو، وأمراء أوربا حتى زمن نابليون، يقولون هذا القول عينه ليبرروا ترقية أقاربهم إلى مناصب الثقة والسلطان. وقد ظل البابا فترة من الوقت يأمل حتى يعينه ابنه جيوفني على حماية الولايات البابوية، ولكن جيوفني ورث عن أبيه حسه المرهف نحوالنساء غير مصحوب بقدرته على حكم الرجال. وأدرك الإسكندر حتى ابنه سيزاري دون سائر أبناءه هوالذي أوتي العزيمة والصرامة اللتين لا بد منهما لخوض غمار السياسة الإيطالية في ذلك العصر المليء بالعنف، فخلع عليه عدداً كبيراً من المناصب الدينية تدر عليه إيراداً يفي بنفقات هذا الشاب ذي السلطان المطرد الزيادة. وحتى لكريدسيا الظريفة نفسها اتخذت أداة سياسية، فالفت نفسها وقد ارتقت إلى حكم إحدى المدن أوإلى فراش الدوق جليل الشأن. وكان البابا يحب لكريدسيا حباً أدى ببعض المغتابين النمامين إلى اتهامه بمضاجعتها وتصويره بالوالد الذي ينافس أبناءه في عشقها(29). وقد وقع في مرتين اضطر فيهما ألكسندر إلى الغياب عن روما حتى عهد إلى لكريدسيا بحجرة في الفاتيكان وخولها حق فض رسائله وتصريف جميع الشؤون العادية. وكان تخويل النساء مثل هذه السلطة كثير الحدوث في بيوت الحكام بإيطاليا - كما وقع في فيرارا، وأرمينو، ومانتوا - ولكن هذا العمل روع روما نفسها وهي المتخمة بالمفاسد. ولما حتى قدم جيوفري وسانتشيا من نابولي بعد زفافهما، خرج سيزاري لكريدسيا لاستقبالهما، وهرول الأربعة إلى الفاتيكان، وسعد الإسكندر بقربهم. وفي ذلك يقول جوتشيارديني Guicciardini " لقد اعتاد غير الإسكندر من البابوات حتى يخفوا فضائحهم بأن يسموا أبنائهم أبناء أخواتهم، ولكن الإسكندر كان يسره حتى يعهد العالم كله أنهم أبناءه(30).

وكانت روما قد غفرت للبابا علاقته بفانتسا الساذجة، ولكنها دهشت لعلاقته بجويليا التي تنقلت من عشيق إلى عشيق. واشتهرت جويليا فرنيزي Gullia Farnese بجمالها الرائع وخاصة بشعرها المضىي؛ فإذا أوفدته ووصل إلى قدميها كان له منظر يلهب دم رجال أقل توقداً من الإسكندر. وكان أصدقاؤها يلقبونها "الجميلة La Belle". ويصفها سانودوSanudo بأنها "محبوبة البابا، وأنها فتاة رائعة الجمال، قوية الإدراك، رحيمة، ظريفة(31). ووصفها إنفيسورا في عام 1493 فنطق إنها شهدت مأدبة زواج لكريدسيا في الفاتيكان، وسماها "محظية الإسكندر؛ وأطلق ماتارتسوالمؤرخ البيرولوجي هذا اللقب ذاته على جويليا ولكنه في أغلب الظن كان ينقل عن إنفيسورا، وسماها أحد الظرفاء الفلورنسيين في عام 1494 "عروس المسيح Sposa di Cristo" وتلك تعبير لا تطلق عادة إلاّ على الكنيسة(32). وقد حاول بعض الفهماء حتى يطهروا اسم جويليا بحجة حتى لكريدسيا التي دل البحث عن نقاء سريرتها - ظلت صديقتها إلى آخر أيامها، وأن أرسينوأرسيني Orsino Orsini زوج جويليا بنى معبداً تكريماً لذكراها الشريفة(33). وولدت جويليا في عام 1492 ابنة سميت لورا Laura، قيدت رسمياً منسوبة إلى أرسيني، ولكن الكردنال ألسندروفارنيزي اعترف بأن الطفلة ابنة الإسكندر نفسه(34) . وينسب إلى البابا أيضاً ابن غامض خفي ولد له من امرأة أخرى حوالي عام 1498 ويعهد في يومية بركهار باسم الطفل رومانوس Infans Romanus،(35). وليست نسبته إلى البابا مؤكدة، ولكن زيادة واحد أونقصه في عدد أولئك الأبناء أمر غير ذي بال.

وليس ثمة شك في حتى الإسكندر هذا كان رجلاً شهوانياً حار الدم إلى درجة لا تتفق قط مع العزوبة. والشواهد على ذلك كثيرة: منها أنه أقام احتفالاً عاماً في الفاتيكان مثلت فيه مسلاة (فبراير، 1503)، وأنه استمتع في هذه المناسبة بكثير من ضروب الملاهي، وسره حتى يلتف حوله عدد من النساء الرائعات الجمال، وأن يجلسن على مقاعد منخفضة عند قدميه.ذلك أنه كان رجلاً، ويبدوأنه كان يشعر بما يشعر به كثيرون من رجال الدين في تلك الأيام، وهوحتى فرض العزوبة على رجال الدين خطأ سقط فيه هلدبراند، وأن الكرادلة أنفسهم يجب حتى يسمح لهم بأن يستمتعوا بلذة صحبة النساء، وإحنهن. وكان يظهر لفانتسا مشاعر الحنان الزوجي، ولعله كان يظهر لجويليا الحب الأبوي. لكن إخلاصه لأبنائه، الذي كان يتغلب في بعض الأحيان على إخلاصه لمصالح الكنيسة، يمكن حتى يتخذ حجة تبرر بها حكمة القانون الكنسي الذي يفرض العزوبة على القسيسين.

وكان الإسكندر في السنين الوسطى من ولايته، وقبل حتى يطغى عليه فيها سيزاري بورجيا، تتصف بكثير من الفضائل. نعم إنه كان في تصريف الشئون العامة مهيباً ذا شمم وكبرياء، ولمنه في أحواله الخاصة مرحاً، طيب السريرة، بشوشاً، حريصاً على الاستمتاع بالحياة، يستطيع حتى يضحك ملء شدقيه حين يرى من نافذة غرفته استعراضاً للرجال المقنعين "ذوي أنوف مزيفة طويلة كبيرة الحجم في شكل عضوالتذكير"(36). وكان وقتئذ بديناً إلى حد ما إذا جاز لنا حتى نثق بصورته وهويصلي التي رسمها له بنتورتشيووالتي يظهر لنا أنها صورة صادقة. ومع هذا فإن جميع ما خط عنه يشهد بأنه كان مقتصداً في طعامه وشرابه، وأن مائدته كانت تبلغ من البساطة حداً ينفر منه الكرادلة(37).وأنه لم يكن يرعى حق بدنه أثناء قيامه بالشئون الإدارية، فكان يقضي في العمل جزءاً كبيراً من الليل، ويراقب بجد ونشاط شئون الكنيسة في جميع أنحاء العالم المسيحي.

ترى هل كان استمساكه بالدين المسيحي تصنعاً ورياءً،يا ترى؟ أكبر الظن لا. ودليلنا على ذلك حتى رسائله حتى التي تختص منها بجويليا مليئة بعبارات التقى التي لم تكن من مستلزمات الرسائل الخاصة(38). ولقد كان هورجل نشاط وعمل تغلبت عليه أخلاق زمانه السهلة غير المتحرجة، حتى لم يكن يرى، إلاّ في القليل النادر من الأوقات، حتى ثمة تناقضاً بين حياته وبين مبادئ الأخلاق المسيحية. وكانت كمعظم الذين يستمسكون بقواعد الدين كاملة، يسلك مسلك رجال الدنيا كاملاً. ويبدوأنه كان يشعر حتى البابوية في الظروف المحيطة بها في عهده بحاجة إلى حاكم سياسي لا إلى ولي من أولياء الله الصالحين. وكان يعجب بالتقى والصلاح، ولكنه كان يظن حتى هذا من مستلزمات الرهبنة والحياة الخاصة، لا من صفات يضطر إلى حتى يعامل في جميع خطوة من خطواته طغاة، دهاة، يعملون للكسب والسلطان، أودبلوماسيين غادرين لا ذمة لهم ولا ضمير. وانتهى به الأمر إلى اتباع جميع أساليبهم، واصطناع أكثر ما تحوم حوله الريب من حيل من سبقوه في البابوية.

واضطرته حاجته إلى المال لأداء نفقات حكومته وحروبه، فباع المناصب، واستولى على ضياع الموتى من الكرادلة، واستغل عيد سنة 1500 أتم استغلال، فكان الإعفاء من الواجبات الدينية والإذن بالطلاق يمنحان على أنهما عملان مربحا حقيقيان في المساومات السياسية. مثال ذلك حتى لادسلاس ملك المجر دفع 30.000 دوقة نظير إلغاء زقابل ببياتريس أميرة نابلي؛ ولوحتى هنري الثامن قد عثر بابا كالإسكندر يتعامل معه، لبقى إلى آخر أيامه حامي حمى الدين. ولمّا لاح حتى العيد سيخفق من الناحية المالية لأن الذين كانوا يريدون الحج قعدوا في منازلهم خوفاً من اللصوص، أوالوباء أوالحروب، لم يشأ الإسكندر حتى يخسر ما قدره لنفسه من مال، وجرى على سنة أسلافه البابوات، فأصدر مرسوماً بابوياً (4 مارس سنة 1500) يفصل فيه ما يستطيع المسيحيون أداءه من المال ليحصلوا على الغفران الذي كانوا سيحصلون عليه بالحج إلى رومة؛ وبأي ثمن يستطيع التائبون حتى يغفر لهم زقابلم من المحارم؛ وكم يؤدي رجل الدين لكي يغفر له بيع المناصب أو"الشذوذ"(39). وأمر في السادس عشر من ديسمبر حتى يمد العيد حتى يوم الغطاس. ووعد الجباة دافعي المال بأن أموالهم ستستخدم في حرب صليبية على الأتراك، ووفى بهذا الوعد بالنسبة إلى الأموال المجموعة من بولندة والبندقية، ولكن سيزاري بورجيا استخدم ما تجمع من الأموال فيما شنه من الحروب لاستعادة الولايات البابوية(40). وأراد الإسكندر حتى يزيد حفلات العيد جلالاً فعين في الثامن والعشرين من سبتمبر عام 1500 اثني عشر كردنالاً جديداً بلغ مجموع ما أدوه ثمناً لمناصبهم 120.000 دوقة؛ ويقول جوتشيارديني إذا هذه المناصب "لم يرق إليها أكثر الناس جدارة بها بل كانت من نصيب من يؤدون فيها أغلى الأثمان"(41). ثم عين في عام 1503 تسعة كرادلة آخرين حصل منهم على أثمان مجزية(42). وأنشأ كذلك في هذه السنة ذاتها ثمانين منصباً في الحكومة البابوية لا موجب لها على الإطلاق، وبيع جميع منصب من هذه المناصب بسبعمائة وستين دوقة كما يقول جوستيانينيGuistianini سفير البندقية وأحد أعداء البابا(43). ولصق أحد الهجائين على تمثال بسكوينو(1503) هذا الهاتى اللاذع: "إن المفاتيح ومذابح الكنائس والمسيح يبيعها الإسكندر؛ وحق له حتى يبيعها، فقد أدى هوثمنها"(44).

وكان القانون الكنسي ينص على حتى تعود أملاك رجال الدين إلى الكنيسة بعد وفاتهم، إلاّ إذا قضى البابا غير هذا(45). وكان الإسكندر يقضي بغير هذا على الدوام إلاّ إذا كان المتوفى من الكرادلة. واستجاب الإسكندر لضغط سيزاري بورجيا وإلحاحه فجعل الاستيلاء على الثروة التي يهجرها وراءهم كبار رجال الكنيسة من المبادئ العامة المقررة، واتىت بهذه الطريقة أموال موفورة إلى بيت المال. وخدع كثيرون من الكرادلة البابا بمنح هبات كثيرة من أموالهم قبل وفاتهم، ومنهم من عمد في أثناء حياته إلى إنفاق أموال كثيرة لإعداد أنصاب تذكارية لهم تظل بعد موتهم. ولمّا توفي الكردنال ميشيل (1503) جرد عملاء البابا من فورهم بيته من جميع ما كان فيه، وقبض البابا ثمنه، إذا صدقنا ما يقوله جوستنيانا، البالغ مائة وخمسين ألف دوقة. وكان مما يشكومنه الإسكندر أنه لم يتسلم منه نقداً سوى 23.832 دوقة(46).

وسنرجىء هنا البحث المفصل فيما يعزى للإسكندر أوسيزاري بورجيا من دس السم لكبار رجال الكنيسة الذين تطول أعمارهم، ولكننا نقبل مؤقتاً النتيجة القائلة بأنّا "لا نجد قط دليلاً يثبت حتى الإسكندر قد دسّ السم لإنسان"(47). على حتى قولنا هذا لا يثبت براءته، وربما كان هوأمهر من حتى يهجر وراءه للتاريخ ما يدينه؛ لكنه مع ذلك لم ينج من الهجائين والنمامين، وغيرهم من الظرفاء الذين كانوا يبيعون نكاتهم القاتلة إلى أعداءه، وقد رأينا كيف من الممكن أن كان سنادسارويسلط شعره القاتل المقفى على البابا وولده أثناء النزاع الذي شجر بين البندقية ونابلي؛ كذلك سخر أنفيسورا قلمه للتشنيع على البابا خدمةً لآل كولنا، وكان جيرونيمومنشيوني Geronimo Mancioni في يد بارونات سافلي أقوى من فرقة عسكرية. وكان من الوسائل التي استخدمها الإسكندر نفسه في حروبه مع نبلاء كمبانيا، حتى أصدر في عام 1501 مرسوماً بابوياً يفصل فيه الجرائم التي ارتكبها آل سافلي وكولنا. وكان أشد من هذا مبالغة - الرسالة الذائعة الصيت التي خطها منتشيوني والمسماة "رسالة إلى سلفيوسافلي" يعدد فيها رذائل الإسكندر وسيزاري بورجيا وجرائمهما. وقد نشرت هذه الوثيقة في مدى واسع، وكان لها أثر كبير في تصوير الإسكندر بصورة وحش في قسوته وشذوذه(48). وفاز الإسكندر في حرب السيف، ولكن أعداءه النبلاء، الذين لم يكبح جماحهم عدوه البابا يوليوس الثاني ظفروا به في حرب القلم ونقلوا صورته التي صوروه بها إلى التاريخ.

ولم يكن يبالي قط بالرأي العام، وقلما كان يرد على السباب التي ضاعفت من غير رحمة عيوبه الحقة. لقد عقد الرجل العزم على إقامة دولة قوية، وكان يظن حتى هذه الدولة لا تقام بالأساليب المسيحية. وكان استخدامه لأدوات السياسة المأثورة التقليدية - النادىوة، والخداع، والدسائس، والنظام، والحرب - لابد حتى يسيء إلى أعيان روما، ودول إيطاليا الذين يرون حتى من مصلحتهم حتى يسود الضعف والفوضى في البابوية نفسها وفي ولاياتها. وكان الإسكندر في بعض الأحيان يقف ليحكم على حياته حسب المقاييس الإنجيلية، ثم يقر بأنه كان يبيع الرتب الكهنوتية، وأنه فاسق، وأنه قضى بالحرب على حياة بني الإنسان. وقد فقد مرة مبادئه المكيفلية التي لا تقيد صاحبها بالتبعة الأخلاقية، واعترف بذنوبه وأقسم حتى يصلح من أمره وأمر الكنيسة.

وكان يحب ابنه جيوفني حباً يفوق لكريدسيا نفسها؛ ولما أنبه ابنه بدرولويس حرص الإسكندر على حتى يهب جيوفني دوقية غنية في أسبانيا.

وكان من اليسير حتى تحب فتاة هذا الصبي، فقد كان وسيماً، رقيقاً، مرحاً. ولكن الأب الشفوق بولده لم يكن يرى حتى الشاب خلق للحب بل للحرب؛ ولهذا عينه قائداً للجند، وأثبت القائد الشاب أنه غير كفء لهذا العمل، فقد كان جيوفني يرى حتى امرأة جميلة أثمن من فتح مدينة. وفي الرابع عشر من شهر يونية تعشى مع أخيه سيزاري وغيره من الضيوف في بيت أمه فاثندسا، وافترق جيوفني عن سيزاري وسائر الضيوف وهوعائدون، ونطق إنه يريد حتى يزور سيدة من معارفه.

ولم يُر حياً بعد تلك الساعة. ولما لوحظت غيبته طلب البابا حتى يبحث عن أبنه الحبيب، واعترف صاحب زورق أنه رأى جثة تلقى في نهر التيبر في ليلة الرابع عشر من الشهر؛ ولما سئل لِمَ لَم يبلغ عنها، نطق أنه شاهد في حياته مائة حادث من هذا النوع، وإنه تفهم ألا يشغل باله بها. وفتش مجرى النهر، ووجدت الجثة، مطعونة في تسعة مواضع مختلفة؛ ويلوح حتى الدوق الشاب هاجمه عدد من الأشخاص؛ وحطم الحزن قلب الإسكندر وأدى به إلى حتى يغلق على نفسه باب غرفته الخاصة، ويمتنع عن الطعام، وكان أنينه يسمع في الشارع نفسه. وأمر حتى يبحث عن القتلة، ولكن لعله ارتضى بعد قليل من الوقت حتى يبقى الحادث في طي الخفاء. وكانت الجثة قد عثر عليها بالقرب من قصر أنطونيوبيكومير ندولا Antonio Pico della Mirandola وينطق إذا الدوق أغوى ابنته الحسناء؛ ويعزوكثيرون من المعاصرين ومنهم أسكالونا Scalona سفير مانتومقتله إلى جماعة من السفاحين المتشردين أستأجرهم الكونت لهذا الغرض؛ ولا يزال قولهم هذا أقرب التفاسير احتمالاً(49). ويعزوآخرون ومنهم سفيرا فلورنس وميلان في روما هذه الجريمة إلى أحد أبناء أسرة أرسيني التي كانت وقتئذ مشتبكة مع البابا في حرب(50)؛ ويقول بعض الثرثارين النمامين إذا جيوفني غازل أخته لكريدسيا، وإن مقتله كان بأيدي بعض أتباع زوجها جيوفني اسفوردسا(51). ولم يتهم أحد في ذلك الوقت سيزاري بورجيا، ويبدوحتى سيزاري، وهووقتئذ في الحادية والعشرين من عمره، كان على أتم وفاق مع أخيه؛ فقد كان كردنالاً، وكان يسير في طريق الرقي الخاص به، ولم يغير هذا الطريق ويسلك طريق الجندية إلا بعد أربعة عشر شهراً من الحادث؛ ولم يفد شيئاً ما من مقتل أخيه، ولم يكن هوليتنبأ بأن جيوفني سيفارقه في طريقه وهما عائدان من بيت فاندسا. ولم يرتب الإسكندر وقتئذ في سيزاري، بل إنه عمل ما يشير على عكس هذا، فعينه مصفياً لهجرته. وكان أول ما ورد من الأقوال عن حتى سيزاري هوالقاتل في رسالة خطها بنيا Pinga سفير فيراراً في الثاني والعشرين من فبراير عام 1498 بعد ثمانية عشر شهراً من وقوع الحادث، ولم يربط الرأي العام بينه وبين الجريمة إلا بعد حتى كشف عن جميع ما في أخلاقه من قوة وقسوة؛ وحينئذ فقط اتفق مكيفلي وجوتشيا رديني على اتهامه بها. ولعله كان قادراً على ارتكابها في فترة أخرى من مراحل تطوره لوحتى جيوفني عارضه في أمر من الأمور الحيوية؛ ولكنا نكاد نجزم أنه برئ من هذه الجريمة.

ولما أسترد البابا سلطانه على نفسه جمع مجلساً من الكرادلة (19 يونية سنة 1497)، وتلقى تعازيهم وأبلغهم حتى "دوق غنديا كان أحب إليه من أي إنسان في آخر العالم"، ونطق إذا هذه المصيبة "هي أكبر المصائب التي يمكن حتى تحل به" عقاباً له من عند الله على ذنوبه، ثم أضاف "ولقد عقدنا العزم على حتى نصلح من شأن حياتنا، وأن نصلح الكنيسة.... وستكون المناصب من هذه الساعة وقفاً على من يستحقونها، تعطى حسب أصوات الكرادلة. ولن نتحيز قط لأقاربنا، وسنبدأ الإصلاح بإصلاح أنفسنا، ثم نسير به في جميع مراتب الكنيسة حتى ننجز العمل كله"(53). وعينت لجنة من ستة كرادلة لتعد برنامجاً للإصلاح؛ وأخذت تعمل بجد وقدمت للإسكندر مرسوماً بهذا الإصلاح بلغ من عظم الشأن درجة لونفذت معها مواده لنجت الكنيسة من حركات الإصلاح الديني التي حدثت في هذه الفترة ومن حركة الإصلاح المضادة. غير أنه لما سئل الإسكندر كيف من الممكن أن تقوم موارد البابوية، بغير المال الذي يدفع نظير التعيين في المناصب الكنسية، بالوفاء بنفقات الحكومة، لم يجد جواباً شافياً. ولكن لويس الثاني عشر يتأهب في ذلك الوقت لغزوإيطاليا مرة أخرى، وعرض سيزاري بورجيا حتى يسترد الولايات البابوية "نائبي البابا" المعاندين. واستحوذ على روح البابا ذلك الأمل العظيم وهوإيجاد صرح قوي يهب الكنيسة سلطاناً مادياً ومالياً في عالم متمرد غير مستقر. ولهذا أخذ يرجئ الإصلاح من يوم إلى يوم؛ ثم نسيه آخر الأمر وسط الفوزات المثيرة التي نالها ولد له أخذ يفتح له مملكة، ويجعله ملكاً بحق.

وفاته وانهيار سلطان آل بورجا

The tomb of Pope Alexander VI
Jacopo Pesaro being presented by Pope Alexander VI to Saint Peter, painting by Titian

يبدوحتى الإسكندر قضى سني حياته الأخيرة سعيداً موفقاً. فقد تزوجت ابنته في أسرة من الأدواق، وكانت فيرارا كلها تجلّها وتعظمها؛ كذلك أنجز ولده ما عهده إليه بوصفه قائداً وحاكماً؛ وكانت الولايات البابوية مزدهرة ذات حكومة ممتازة. ويصف سفير البندقية البابا في تلك السنين بأنه مرح نشيط، يظهر أنه مرتاح الضمير "لا ينغّص عليه حياته شيء". وقد بلغ في أول يناير من عام 1501 سن السبعين ولكنه، كما يصفه السفير: "يخيل إلى من يراه أنه ينقص في السن يوماً عن يوم،"(108).

وحدث في الخامس من شهر أغسطس من عام 1503 حتى كان الإسكندر، وسيزاري، وجماعة غريهما يتعشون في الهواء المطلق في بيت الكردنال أدريانوكاستليزي Adriano Castellesi الخلوي غير البعيد عن الفاتيكان، وبقوا جميعاً في حديقة المنزل حتى منتصف الليل لأن حرارة الجوداخل الدار لم تكن تطاق. فلمّا كان اليوم الحادي عشر أصيب الكردنال بحمى شديدة دامت ثلاثة أيام ثم زالت. وفي اليوم الثاني عشر أصيب البابا وولده بحمى وقيء واضطرا لملازمة الفراش. وتحدثت روما كعادتها عن السم ونطق النمامون إذا سيزاري أمر بدس السم للكردنال ليحصل على ماله، وإن الضيوف كلهم تقريباً أكلوا خطأ من الطعام المسموم. لكن المؤرخين الآن متفقون مع الأطباء الذين عالجوا البابا على حتى الحمى هي عدوى من الملاريا سببها طول التعرض لهواء الليل في روما في منتصف الصيف(109). وقد أصيب بهذا السقم نفسه نصف آل بيت البابا، وكان كثير من هذه الإصابات مميتاً (110)، وقد توفي بها في روما عدة مئات في ذلك الفصل عينه.

وظل الإسكندر ثلاثة عشر يوماً بين الحياة والموت، يستعيد صحته تارة حتى يستطيع عقد المجالس الدبلوماسية؛ بل وقع في الثالث عشر من أغسطس حتى تسلى بلعب الورق. وحجمه الأطباء عدة مرار، ولعلهم قد أخذوا من دمه في إحداها أكثر مما يجب، بحيث استنزفوا قواه الطبيعية. وتوفي البابا في الثامن عشر من أغسطس؛ وما لبثت جثته حتى أصبحت سوداء اللون كريهة الرائحة، تؤيد زعم من يشيعون بأنه توفي مسموماً. ويقول بركهارد إذا النجارين والمجدفين كانوا يتفكهون، ويجدفون وهم يجدون من الصعب عليهم حتى يحشروا الجثة المنتفخة في التابوت الذي أعد لها(111). ويضيف الثرثارون أنهم رأوا شيطاناً صغيراً ساعة حتى توفي الإسكندر يحمل روحه إلى الجحيم(112).


ذكراه

ابتهج أهل روما لموت البابا الأسباني؛ وانتشر الشغب في المدينة، وطرد "القطلانيون" منها أوقتلوا وهم في طريقهم إلى خارجها، ونهب الغوغاء بيوتهم، وحرق مائة بيت منها. ودخل المدينة جنود آل كولنا وأرسني المسلحون في الثاني والعشرين والثالث والعشرين من أغسطس غير عابئين باحتجاج مجمع الكرادلة. وفي ذلك يقول گوتشارديني الوطني الفلورنسي:

"وتجمع أهل روما بسرعة لا يكاد يصدقها الإنسان، وتزاحموا حول جثة الباب في كنيسة القديس بطرس، ولم يكن في مقدورهم حتى يشبعوا عيونهم من منظر ذلك الأفعوان الهالك الذي طمس على قلوب العالم كله، وأعمى بصائره بمطامعه التي تجاوزت جميع حد، وبغدره البغيض، وما أرتكبه من أعمال القسوة الرهيبة التي لا يحصى لها عدد، وفجوره الوحشي، وعرضه من أجل البيع جميع ما مقدس وغير مقدس دون تفرقة بين هذا وذاك(113).

ويتفق مكياڤلي مع جوتشيارديني فيقول إذا الإسكندر:

لم يؤثر عنه إلاّ الخداع، وإنه لم يكن يفكر في غير هذا طول حياته كلها، ولم يقسم قط إنسان أيماناً أقوى من أيمانه بإنجاز الوعود ثم ينقض هذه الأيمان فيما بعد، ولكنه مع هذا نجح في جميع شيء لأنه كان ملماً جميع الإلمام بهذا الجزء من العالم(114).

وقد بينت هذه الأحكام على فرضين أساسيين أولهما حتى القصص التي كانت تروى في روما عن الإسكندر صادقة، وثانيهما حتى الإسكندر لم يكن محقاً في سلوك السبل التي سلكها لاستعادة الولايات البابوية. ويشهجر المؤرخون الكاثوليك في الطعن على أساليب الإسكندر وأخلاقه، وإن كانوا يدافعون عن حقه في استعادة سلطان البابوية الزمني. ومن ذلك ما يقول باستور الأمين:

"إن الناس بوجه عام يصفونه بأنه حيوان لا إنسان، ويلصقون به جميع أنواع الجرائم الشنيعة. ولكن البحث النقدي الحديث يحكم عليه حكماً أعدل من هذا،وينفي عنه بعض ما يلصق به من أشنع التهم؛ غير أننا وإن كان م واجبنا حتى نكون حذرين في قبول القصص التي يرويها معاصروالإسكندر عنه دون درس وتحقيق، وإن كان الفكهون الحاقدون من الرومان قد وجدوا متعة لهم في أكل لحمه ميتاً دون رحمة، فوصفوا حياته في مطاعنهم الشعبية ونكاتهم الشعرية أوصافاً قذرة لا يصدقها إنسان، نقول إنه وإن كان من واجبنا حتى نكون حذرين في قبول هذا كله فإن ما ثبت عليه من هذه التهم ليضطرنا إلى رفض ما يبذل في هذا الأيام من محاولات ترمي إلى تبرئته، لأن في هذه المحاولات عبثاً بالحقيقة لا يليق... ويستحيل علينا من وجهة النظر الكاثوليكية حتى نتجاوز الحد اللائق في لوم الإسكندر وتعنيفه.

وكان المؤرخون البروتستانت كراماً في حكمهم إلى الإسكندر، فاصطنعوا معه اللين في بعض الأحيان. فقد كان وليام روسكوWilliam Roscoe من أوائل الذين نطقوا حدثة طيبة عن البابا وذلك في كتابه الشهير حياة ليوالعاشر وبابوية (1827):

"مهما تكن جرائمه، فإن الذي لا ريب فيه إنها قد بولغ فيها كثيراً، فليس ثمة من ينكر أنه قد صرف جهوده في حمل شأن أسرته، وأنه استخدم السلطة التي أسبغها عليه منصبه في فرض سيطرته الدائمة على إيطاليا في إنسان ابنه، ولكن يظهر أننا نظلم الإسكندر إذا وصمناه بقسط خاص غير عادي من السفالة والإسفاف في الوقت الذي كان فيه أمراء أوربا كلهم تقريباً يحاولون تحقيق مطامعهم بوسائل لا تقل إجراماً عن وسائله. فينا كان لويس ملك فرنسا، وفرديناند ملك أسبانيا يتآمران للاستيلاء على مملكة نابلي واقتسامها بينهما، ويستخدمان في ذلك أساليب من الغدر لا يمكن حتى نوفيها ما تستحقه من المقت واللعنات، فإن للإسكندر بلا ريب حتى يظن نفسه محقاً في كبح جماح البارونات المشاكسين، الذين ظلوا أجيالاً طوالاً يمزقون أملاك الكنيسة بالحروب الداخلية، وفي إخضاع صغار الأمراء في رومانيا، وهم الذين كانوا يعترفون له بحق السيادة عليهم، والذين حصل معظمهم على أملاكهم بوسائل لا نجد لها ما يبررها، وهي أبعد عن العدالة من الوسائل التي استخدمها هوضدهم. أما التهم التي يعتقد بصدقها كثيرون من الناس، وما يعزى إليه من الصلة الإجرامية بينه وبين أخته... فليس من العسير حتى نثبت بعدها عن الصواب. يضاف إلى هذا حتى رذائل الإسكندر كان يصحبها، وإن لم يعوضها، كثير من الصفات الطيبة العظيمة التي يجب ألاّ نم بها صامتين في حكمنا على أخلاقه... وإن أشد الناس عداوة لها لا ينكرون أنه ذوعبقرية فذة، وذاكرة عجيبة، وأنه كان فصيح اللسان، يقظاً، بارعاً في تصريف جميع شئونه(116)".

وقد أوجز الأسقف كريتن Creighton أخلاق الإسكندر وأعماله بما يتفق بوجه عام مع حكم رسكوعليه، وكان أكثر رأفة به من باستور(117). وثمة حكم آخر متأخر عن حكم هؤلاء جميعاً وهوأرحم به منهم ونعني حكم العالم البروتستانتي رتشارد گارنت Richard Garnett في تاريخ كمبردج الحديث:

"لقد كسبت أخلاق الإسكندر بلا ريب من بحوث المؤرخين المحدثين. وقد لكان من الطبيعي حتى يظهر بمظهر الظلم والفجور رجل اتهم بهذه الجرائم الكثيرة، وكان بلا ريب مصدر الكثير من الفضائح. غير أ، هذا الوصف أوذلك لا يليق به. لقد كان العامل الأساسي في أخلاقه كلها فطرته الغزيرة الفياضة. ويسميه سفير البندقية الرجل "الجسدي" وهولا يقصد بهذا حتى يعزوإليه أية نقيصة من النقائص الخلقية، بل يقصد أنه رجل حاد الطبع، عاجز عن السيطرة على عواطفه وانفعالاته النفسية. وكانت طبيعته هذه مبعث الحيرة للإيطاليين الهادئين غير دوي العواطف الجياشة من رجال الصنف الدبلوماسي الذي يكثرون بين الحكام ورجال السياسة؛ وقد أساءوا كثيراً إلى الإسكندر بعجزهم عن فهمه على حقيقته، مع أنه في واقع الأمر لم يكن أقل إنسانية من معظم أمراء زمانه بل كان يفوقهم كثيراً في هذا المجال. وكانت هذه الغريزة الجسدية العارمة مصدر كثير من الخير والشر فيه. ذلك أنها قد ساقته إلى شهوانية عارمة من نوع ما، وإن كان في نواح أخرى معتدلاً زاهداً، وسبب ذلك أنه لم تكن تقيده مبادئ أخلاقية قوية أوأفكار روحية مستمدة من الدين. أما في صورتها التي هي أدعى إلى الإجلال والتقدير، وهي حبه لأسرته فقد ساقته هذه النزعة إلى الاعتداء على جميع مبادئ العدالة، وإن لم يعمل حتى في هذه الناحية أكثر من قيامه بعمل ضروري محتوم لا يمكن أداؤه "بالماء المقدس" كما نطق أحد عماله. لكن دماثة أخلاقه ومرحه قد أبعداه عن الاستبداد بالمعنى العادي لهذا اللفظ... فقد كان في العادة يعنى بمصالح شعبه من الناحية المادية، ولهذا يعد من خير الحكام في زمانه، وكان في حكمه يضارع خير حكام تلك الأيام من الناحية العملية. غير حتى عدم تقيده في سياسته بالمبادئ الأخلاقية قد أفسد عليه ما كان يستطيع حتى يدركه ببصيرته القوية النفاذة، ذلك أنه كانت تعوزه الحكمة العليا التي تمكنه من حتى يدرك خصائص الفترة التي يعيش فيها ويتنبأ بمجريات أمورها، ولم يكن يعهد للمبدأ معنى"(118).

والذين لهم ما للإسكندر من إحساس مرهف بمفاتن النساء ورشاقتهن لا تطاوعهم نفوسهم على حتى يقذفوه بالحجارة بسبب عشقه وهيامه بالنساء، ذلك حتى ما يؤخذ عليه في هذه الناحية قبل حتى يرتقي عرش البابوية لم يكن فيه من الفضائح أكثر مما في مغامرات إينياس سلڤيوس Aeneas Sylius المحبب إلى المؤرخين، أويوليوس الثاني الذي أكرمته الأيام فغفرت له آثامه. ولم يسجل التاريخ حتى هذين البابوين قد عينا بعشيقاتهما وأبنائهما كما عنى الإسكندر بعشيقاته وأبنائه. والحق حتى الجوالذي كان يحيط بالإسكندر كان فيه من خصائص الأسرة والمنزل ما كان يجعله رجلاً خليقاً بالاحترام إلى حد ما، لوحتى قوانين الكنيسة وعادات إيطاليا في عصر النهضة، وألمانيا وإنجلترا في زمن الإصلاح الديني، قد أجازت زواج رجال الدين. ذلك حتى خطاياه لم تكن خطايا ارتكبها ضد الطبيعة البشرية، بل كانت ضد القواعد التي تلزم رجال الدين بأن يظلوا عزاباً، وهي القواعد التي رفضها نصف العالم المسيحي بعد قليل من ذلك الوقت. وليس في مقدورنا حتى نقول إذا صلته بجويليا فرنيزي كانت صلة جسدية؛ ومبلغ فهمنا حتى فائندسا، ولكريدسيا، وزوج جويليا لم يعترضوا قط على هذه الصلة؛ ولعلها لم تكن أكثر من المتعة البسيطة التي يجدها الرجل السوي فيما تستمتع به امرأة جميلة من جاذبين ومرح وحيوية.

ومن واجبنا حين نحكم على أعمال الإسكندر السياسية حتى نفرق بين غاياته ووسائله. فأما غاياته فقد كانت كلها غايات مشروعة- هي استعادة "ميراث الرسول بطرس" (وأهم ما فيه لا تيوم القديمة) من البارونات الإقطاعيين أصحاب النظام الفاسد المضطرب،وأن يسترد من الطغاة المغتصبين الولايات التي هي من أملاك الكنيسة من أقدم الأزمنة. وأما الوسائل التي استعان بها الإسكندر وسيزاري على تحقيق هذه الغايات فقد كانت هي بعينها التي استعانت بها جميع الدول الأخرى في ذلك الوقت وذلك المكان - الحرب، والدبلوماسية، والخداع، والغدر، وخرق المعاهدات، والتخلي عن الحلفاء. لقد كان هجر الإسكندر الحلف المقدس، وشراؤه الجنود الفرنسيين والمعونة الفرنسية بتسليم ميلان لفرنسا، من الجرائم الكبرى في حق إيطاليا؛ وأن هذه الوسائل لتشمئز منها نفوسنا إذا استخدمها البابا تعهد حتى يحافظ على مبادئ المسيح. وأياً كان الخطر الذي تتعرض له الكنيسة في حتى تصبح خاضعة لسلطان حكومة مسيطرة عليها - كما خضعت لفرنسا أيام وجودها في أڤنيون - إذا ما فقدت أملاكها، فقد كان أفضل لها حتى تضحي بسلطتها الزمنية كلها، وأن تعود فقيرة كما كان صيادوالجليل، من حتى تلجأ إلى الأساليب الدنيوية لتحقيق أغراضها السياسية. ذلك أنها حين لجأت إلى هذه الوسائل ووفرت لها ما يلزمها من المال قد كسبت دولة وخسرت ثلث العالم المسيحي.

ولنعد إلى سيزاري بورجيا فنقول إنه بعد حتى شفى شفاءً بطيئاً من السقم الذي قضى على حياة البابا، عثر نفسه محوطاً بما لا يقل عن عشرة أخطار لم يكن يتسقطها. ومن ذا الذي كان يتنبأ بأنه هووأباه سيعجزان كلاهما عن العمل في وقت واحد. فبينا كان الأطباء يحمونه استرد آل كولنا المخلوعون من رومانيا، تشجعهم البندقية يطالبون باستعادة إماراتهم؛ وكان غوغاء روما الذين أفلت الآن زمامهم بعد حتى توفي الإسكندر يتحفزون لنهب الفاتيكان في أية لحظة من اللحظات. وينهبون الأموال التي يعتمد عليها سيزاري في أداء رواتب جنده. فلم ير سيزاري بداً من حتى يرسل عدداً من الرجال المسلحين إلى الفاتيكان؛ وأرغم هؤلاء الكاردنال كسانوڤا Cassanuova بقوة السيف على حتى يسلمهم ما في الخزانة من الأموال؛ إلى غير ذلك عمل سيزاري ما عمله يوليوس قيصر قبل خمسة عشر قرناً من ذلك الوقت. فقد اتى إليه الجند بمائة ألف دوقة مضىاً، كما اتىوا إليه بصحاف وجواهر قيمتها ثلاثمائة ألف دوقة؛ وأوفد في الوقت عينه سفناً وجنوداً ليمنع بها الكردنال جوليانودلا روفيري أقوى أعدائه من الوصول إلى روما؛ وكان يحس بأنه إذا لم يستطع إقناع المجمع المقدس بانتخاب بابا من أنصاره فقد ضاعت جميع آماله.

وأصر الكرادلة على حتى يجلوجنود سيزاري وآل أرسيني وكولنا عن روما حتى يستطيعون حتى يختاروا البابا الجديد في جوخال من الإرهاب. ووافق الأطراف الثلاثة على هذا المطلب، فانسحب سيزاري ورجاله إلى تشفيتا كستلانا Civita Castellana، في الوقت الذي ولج فيه الكردنال جوليانوروما، وتزعم في مجمع الكرادلة القوى المعادية لآل بورجيا. وفي الثاني والعشرين من سبتمبر عام 1503 اختارت الأحزاب المتنافسة. في مجمع الكردنال فرانتشيسكوپيكولوميني Francesco Piccolomini بابا سقماة لجميع الأطراف المتنازعة، وتسمى باسم بيوس الثالث،تكريماً لعمه إبنياس سلفيوس. وكان بيوس رجلاً غزير الفهم طيب الخلق، وإن كان أيضاً أباً لأسرة كبيرة(119). وكان وقتئذ في الرابعة والستين من عمره مصاباً بخراج في ساقه. وكان من أصدقاء سيزاري ولذلك جاز له بالعودة إلى روما، ولكن بيوس توفي في الثامن عشر من شهر أكتوبر.

وأيقن سيزاري أنه لا يستطيع وقتئذ حتى يمنح انتخاب الكردنال دلا روفيري وهوبلا ريب أقدر رجل في المجمع المقدس. لهذا عقد سيزاري اجتماعاً خاصاً مع جوليانووأزالا في ظاهر الأمر ما كان بينهما من عداء: فقد وعد جوليانوبتأييد الكرادلة الأسبان (الأوفياء لسيزاري)، ووعده جوليانوإذا اختير للبابوية بتثبيته دوقاً على رومانيا وقائداً للجيوش البابوية. وابتاع جوليانوأصوات بعض الكرادلة الآخرين برشا بسيطة(120). وبذلك اختير جوليانودلا روفيري بابا (في 31 أكتوبر سنة 1503) واتخذ لنفسه اسم يوليوس الثاني كأنه يريد حتىقد يكون نفسه قيصراً، وأن يفوق الإسكندر. وأجل تتويجه حتى اليوم السادس والعشرين من نوفمبر لأن المنجمين تنبأوا باقتران بعض الكواكب في ذلك اليوم اقتراناً يبشر بالخير.

Detail of fresco Resurrection in the Borgia Apartments, showing Alexander VI humbly in prayer.

ولم تنتظر البندقية مطلع نجم سعيد، فقد استولت على ريميني، وحاصرت فائندسا، وكشفت عن نيتها في حتى تستولي على جميع ما تستطيع الاستيلاء عليه من رومانيا قبل حتى تتمكن الكنيسة من إعادة تنظيم قواها. وأمر يوليوس سيزاري بالتوجه إلى إمولا وتجيش جيش حديث لحماية الولايات البابوية. ووافق سيزاري على هذا وسار إلى أستيا معتزماً حتى يبحر منها إلى بيزا. لكن رسالة اتىت إليه من البابا وهوفي بيزا تأمره بأن يسلم ما في يديه من حصون رومانيا. وارتكب سيزاري في تلك الساعة خطأً موبقاً يوحي إلينا بأن السقم قد أفسد عليه رأيه إذ رفض حتى يطيع أمر البابا، وإن كان من واجبه حتى يفهم حق الفهم أنه أمام رجل لا يقل عنه في قوة إرادته إذا لم يفقه. وأمره يوليوس حتى يعود إلى روما؛ وأطاع سيزاري الأمر، فلمّا عاد قبض عليه في منزله. واتىه جويدوبلدوالذي أعيد في ذلك الوقت إلى أربينو، ثم عيّن فوق ذلك قائداً للجيوش البابوية ليرى سليل آل بورجيا الساقط؛ وأذل سيزاري نفسه أمام الرجل الذي خلعه ونهب أملاكه، وأطلعه على حدثة السر في الحصون، وأعاد إليه بعض نفائس الخط والستر المزركشة التي بقيت بعد نهب أربينو، وتوسل إليه حتى يتوسط بينه وبين يوليوس. ورفضت تشيزينا Cesena وفورلي حتى تطيعا حدثة السر حتى يطلق سراح سيزاري، ولكن يوليوس رفض حتى يطلق سراحه إلاّ بعد حتى يقنع قلاع رومانيا بالتسليم إلى البابا؛ وتوسلت لكريدسيا إلى زوجها حتى يساعد أخاها؛ ولكن ألفنسوا (ولم يكن وقتئذ قد جلس على عرش الدوقية بل كان فقط ولي عهد لها) لم يعمل شيئاً. فما كان منها إلاّ حتى لجأت إلى إزبلادست؛ ولم يكن حظها معها بأحسن من حظها مع أفنسو، ولعلها هي وألفنسوقد عهدا حتى يوليوس لن يتحول عن رأيه، فلم ير سيزاري آخر الأمر بداً من حتى يطلب إلى مؤيديه في رومانيا حتى يسلموا الحصون؛ وأطلق البابا سراحه، ففر إلى نابلي (19 إبريل سنة 1504).

ورحب به فيها جندسالوده كردويا (جندسالوالقرطبي) الذي أمنه على حياته أثناء مروره بها. وعادت إليه شجاعته أسرع من عودة بصيرته فنظم قوة صغيرة، وبينا كان يستعد إلى الإبحار بها إلى پيومبينوPiombino (بالقرب من لگورن Leghorn) إذ قبض عليه جندسالوبأمر فرديناند ملك إسبانيا؛ وكان يوليوس هوالذي دفع هذا "الملك الكاثوليكي" إلى العمل لأنه لم يشأ حتى يثير سيزاري في البلاد حرباً أهلية. ونقل سيزاري إلى أسبانيا في شهر أغسطس وظل يعاني مرارة السجن عامين كاملين. وحاولت لكريدسيا مرة أخرى حتى تطلق سراحه ولكنها لم توفق. كذلك دافعت عنه زوجته التي هجرها عند أخيها جان دالبرت Jean d'Albert ملك نابرة، ودبرت له الخطة للهرب، وخرج سيزاري من السجن مرة أخرى وأصبح طليقاً في نابرة في شهر نوفمبر من عام 1506. وسرعان ما واتته الفرصة ليرد لدا لبرت الجميل.ذلك حتى كونت لرين Leirn، وهومن أتباع الملك خرج على سيده، فتولى سيزاري قيادة جزء من جيش جان وهاجم به حصن الكونت في فيانا Viana. وخرج الكونت على رأس الحامية من الحصن وهجم على سيزاري، فصده هذا، وتعقب القوة المهزومة بتهور وقلة مبالاة؛ واتى المدد إلى الكونت وقتئذ، وهجم عدوه، وفر جنوسيزاري القلائل، ولم يثبت إلاّ هونفسه ورفيق له واحد، وحارب حتى أثخن بالجراح ومات في القتال (12 مارس سنة 1507) وهوفي سن الحادية والثلاثين.

وكانت هذه خاتمة شريفة تحيط بها الريب. ذلك أ، في حياة سيزاري بورجيا أشياء كثيرة لا تروقنا، نذكر منها كبرياؤه وتبجحه، وإهماله زوجته الوفية، ومعاملته النساء كأنهن أدوات لملذاته العابرة، وقسوته على أعدائه في بعض الأحيان - مثال ذلك حكمه بالإعدام على جوليوڤارنوGiulio Varno صاحب كامرينوCamerino وعلى ولديه؛وقتله فيما يظهر اثنين من أبناء مانفردي Manfredi؛ وهي قسوة تناقض جميع التناقض رأفة الرجل الذي يتسمى باسمه . وكان يعمل عادة بالمبدأ القائل إذا تحقيق أغراضه يبرر في رأيه جميع وسيلة يستخدمها لهذه الغاية، فالغاية في رأيه تبرر الوسيلة. لكننا نذكر مع هذا أنه كان يجد نفسه محوطاً بالأكاذيب، وأنه استطاع حتى يتفوق في الكذب على من عداه حتى كذب عليه يوليوس. ونكاد نجزم بأنه لم تكن له يد في مقتل أخيه جوفاني، ولكن أكبر الظن أنه هوالذي حرّض السفاحين على اغتال دوق بستشجيلي Bisceglie، ولعله كانت تنقصه - بسبب سقمه - القدرة على لقاءة مصاعبه بشجاعة وكرامة؛ وكان موته هوالعمل الوحيد الذي شرفت به حياته.

ولكنه حتى هوكان يتصف ببعض الفضائل، فما من شك في أنه كان ذا كفاية غير عادية مكنته من حتى يرقى هذا الرقي السريع، وأن يتفهم بهذه السرعة فنون الزعامة، والتفاوض، والحرب. ولمّا حتى عهد إليه بذلك الواجب الشاق، واجب استعادة سلطة البابا في الولايات البابوية، ولم يكن تحت لوائه إلاّ قوة صغيرة، قام بهذا الواجب بحركة سريعة مدهشة، ومهارة في الفنون العسكرية، واقتصاد في الوسائل.ولمّا عهد إليه حتى يحكم وأن يفتح، حبا رومانيا بأكثر ما استمتعت به منذ قرون من عدالة في الحكم ورخاء في السلم. ولمّا أمر بأن يطهر الكمبانيا من الأتباع العصاة المتمردين المشاكسين، قام بهذا العمل بسرعة يصعب على يوليوس قيصر نفسه حتى يبزه فيها؛ ولعله حين طافت هذه الأعمال العظيمة برأسه قد راوده الحلم الذي راود بترارك ومكيفلي: وهوحتى يهب إيطاليا، بالفتح إذا لزم الأمر، الوحدة التي تمكنها من حتى تقف في وجه قوتي فرنسا وأسبانيا المرتكزتين . ولكن فوزاته، وأساليبه، وقوته، وأعماله السرية الخفية، وهجماته السريعة التي لا يحصى لها عدد، جعلته سوط عذاب على إيطاليا بدل حتى تجعله عاملاً على تحريرها. ذلك حتى عيوبه الخلقية كانت سبباً في القضاء على ما أنجزه من الأعمال بقوته العقلية. وكانت مأساته الأساسية أنه لم يتفهم قط حتى يحب.

ولنقل مرة أخرى حدثة موجزة عن لكريدسيا: ألا ما أكبر الفرق بينها وبين أخيها الذي هوى من حالق مجده، في تواضعها، وهناءتها في سنيها الأخيرة. ذلك أنها،وقد كانت في روما مضغة في فم جميع نمام، قد أحبها أهل فيرارا ورأوا فيها مثلاً أعلى للفضائل النسوية(121). فقد حاولت فيها حتى تنسى جميع محن ماضيها ومآسيه؛ واستعادت مرح شبابها ولم تخرج في ذلك عن حدود الاعتدال والأناة، وأضافت إلى مرحها هذا اهتماماً كريماً بحاجات غيرها من الناس. وقد أثنى عليها أريستو، وتيبليوTibaldeo، وبمبووتيتو، وإركولي اسفوردسا في أشعارهم ثناء جنت منه أكبر الفائدة؛ فقد وصفوها بأنها "أجمل فتاة" ولم يشر أحد منهم إليها بسوء.ولعل بمبوأراد حتىقد يكون لها كما كان أبلار لإلواز Heloise، وقد أضحت لكريدسيا وقتئذ تجيد عدة لغات فتتحدث الإسبانية، والإيطالية، والفرنسية، وتقرأ "قليلاً من اليونانية وأقل منها من اللاتينية". ويقول بعضهم إنها كانت تقرض الشعر بهذه اللغات جميعاً(122)، وقد أهدى إليها ألدوس مانيتيوس Aldus Manitius الطبعة التي أصدرها من ديوان استرتسي Strozzi وأشار في المقدمة إلى أنها عرضت عليه حتى تمول مشروعه العظيم في الطباعة(123).

وقد وجدت بين هذه المشاغل الفهمية الكثيرة متسعاً من الوقت حملت فيه لزوجها الثالث ثلاثة بنين وبنتاً واحدة. وقد سر منها ألفنسوعلى طريقته الدافقة العارمة. من ذلك أنه لما نادىه الداعي إلى مغادرة فيرارا في عام 1506 أنابها عنه في حكمها، فقامت بواجبات الحكم فيها بحكمة وحسن بصيرة جعلتا أهل فيرارا يميلون إلى مسامحة الإسكندر إذ هجرها في وقت ما تشرف على شئون الفاتيكان.

وكرست جهودها في السنين الأخيرة من حياتها لتربية أبنائها وتعليمهم، ولأعمال البر والرحمة، وأضحت راهبة فرنسيسية من الطبقة الثالثة. ووضعت في الرابع عشر من شهر يولية عام 1519 طفلها السابع، ولكنه توفي قبل حتى يرى الضوء، ولم تغادر قط فراش السقم، حتى إذا كان اليوم الرابع والعشرون من ذلك الشهر ماتت وهي في سن التاسعة والثلاثين لكريدسيا بورجيا التي ظلمها الناس أكثر مما ظلمت هي نفسها.

المصادر

ول ديورانت. سيرة الحضارة. ترجمة بقيادة زكي نجيب محمود. Unknown parameter |coauthors= ignored (|author= suggested) (help)

انظر أيضاً

بوابة سيرة ذاتية
بوابة كاثوليكية
  • Borgia Apartment
  • The Devil's Charter
  • List of sexually active popes
  • Banquet of Chestnuts
  • List of popes from the Borgia family
  • 1494: How a Family Feud in Medieval Spain Divided the world in Half

هوامش

  1. ^ "Pope Alexander VI" in the 1913 Catholic Encyclopedia.
  2. ^ خطأ استشهاد: وسم <ref> غير سليم؛ لا نص تم توفيره للمراجع المسماة autogenerated2008
  3. ^ de la Bédoyère (1958), p. 94
  4. ^ Paintings of a Pope. Publisher: The Catholic Dormitory.

المصادر

Wikisource has original works written by or about:
Alexander VI
  • "Pope Alexander VI" in the 1913 Catholic Encyclopedia.
  • تحوي هذه الموضوعة معلومات مترجمة من الطبعة الحادية عشرة لدائرة المعارف البريطانية لسنة 1911 وهي الآن من ضمن الملكية العامة.


  • John Burchard, Diaries 1483–1492 (translation: A.H. Matthew, London, 1910)
  • Eamon Duffy, Saints & Sinners: A History of the Popes (Yale Nota Bene, 2002)
  • Peter de Rossa, Vicars of Christ: The Dark Side of the Papacy (Corgi, 1989)
  • Encyclopædia Britannica, 11th edition.
  • Borja or Borgia (in Spanish)
  • DIARIO BORJA BORGIA (Spanish)
  • "That the world may believe: the development of Papal social thought on aboriginal rights", Michael Stogre S.J, Médiaspaul, 1992, ISBN 978-2-89039-549-7
  • "The Historical Encyclopedia of World slavery", Editor Junius P. Rodriguez, ABC-CLIO, 1997, ISBN 978-0-87436-885-7
  • "Black Africans in Renaissance Europe", Thomas Foster Earle, K. J. P. Lowe, Cambridge University Press, 2005, ISBN 978-0-521-81582-6
  • "A violent evangelism", Luis N. Rivera, Luis Rivera Pagán, Westminster John Knox Press, 1992, ISBN 978-0-664-25367-7
  • "Indigenous peoples and human rights", Patrick Thornberry, Manchester University Press, 2002, ISBN 978-0-7190-3794-8
ألقاب الكنيسة الكاثوليكية
سبقه
إنوسنت الثامن
پاپا
1492–1503
تبعه
پيوس الثالث


خطأ استشهاد: وسوم <ref> موجودة لمجموعة اسمها "Note"، ولكن لم يتم العثور على وسم <references group="Note"/> أوهناك وسم </ref> ناقص

تاريخ النشر: 2020-06-07 18:54:01
التصنيفات: صفحات بأخطاء في المراجع, Pages with citations using unsupported parameters, مقالات مأخوذة من الطبعة الحادية عشرة لدائرة المعارف البريطانية, Persondata templates without short description parameter, مواليد 1431, وفيات 1503, أشخاص من چاتيبا, البابا إسكندر السادس, بابوات اسبان, أساقفة من بلنسية, أساقفة كاثوليك من القرن 15, أساقفة كاثوليك من القرن 16, أسرة بورجيا, Burials at Santa Maria in Monserrato degli Spagnoli, Cardinal-nephews, أساقفة-كاردينالات من ألبانو, أساقفة-كاردينالات من بورتو, Deans of the College of Cardinals, اسبان من القرن 15, إسپان من القرن 16, بابوية النهضة, صفحات تستعمل قالبا ببيانات مكررة, Articles containing non-English-language text

مقالات أخرى من الموسوعة

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

آخر الأخبار حول العالم

أنباء عن حصول "وحيد" على تعويض مالي كبير مقابل فسخ عقده مع الجامعة

المصدر: أخبارنا المغربية - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-08-13 00:23:24
مستوى الصحة: 74% الأهمية: 71%

مسؤول أوكراني: 5 صواريخ روسية تضرب مدينة زابوريجيا

المصدر: اليوم - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-08-13 00:23:35
مستوى الصحة: 52% الأهمية: 64%

جوائز عالمية للمطارات السعودية - أخبار السعودية

المصدر: صحيفة عكاظ - السعودية التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2022-08-13 00:22:58
مستوى الصحة: 52% الأهمية: 66%

المؤثرة صافية التازي تصدر جديدها الفني بعنوان « غنديرها » - Culturedumaroc

المصدر: Culturedumaroc - المغرب التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2022-08-13 00:23:56
مستوى الصحة: 49% الأهمية: 53%

مؤشرات الأسهم الأمريكية تغلق على صعود

المصدر: اليوم - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-08-13 00:23:44
مستوى الصحة: 47% الأهمية: 50%

حكم غير مسبوق في حق صاحب مقهى شيشة بطنجة وشركائه

المصدر: أخبارنا المغربية - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-08-13 00:23:25
مستوى الصحة: 63% الأهمية: 80%

إصابة شابين فلسطينيين برصاص الاحتلال في الضفة الغربية

المصدر: اليوم - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-08-13 00:23:42
مستوى الصحة: 54% الأهمية: 70%

"جون أفريك": تعديل حكومي مرتقب سيطيح بوهبي وميراوي

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-08-13 00:24:36
مستوى الصحة: 48% الأهمية: 69%

انخفاض أسعار النفط نحو 2%

المصدر: اليوم - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-08-13 00:23:37
مستوى الصحة: 52% الأهمية: 63%

لماذا يؤيد المغرب وحدة الصين الشعبية وسيادتها على تايوان؟

المصدر: موقع الدار - المغرب التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2022-08-13 00:23:59
مستوى الصحة: 51% الأهمية: 59%

غارسيا: كل لاعب يعرف ما أريده

المصدر: اليوم - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-08-13 00:23:45
مستوى الصحة: 46% الأهمية: 68%

وفاة طفل غرقا في حوض مائي ضواحي برشيد

المصدر: أخبارنا المغربية - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-08-13 00:23:20
مستوى الصحة: 69% الأهمية: 71%

ال دي جي و مغني الراب المغربي “ريد سوبا” يصدر « تحركي » - Culturedumaroc

المصدر: Culturedumaroc - المغرب التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2022-08-13 00:23:55
مستوى الصحة: 57% الأهمية: 62%

ميسي خارج قائمة المرشحين لجائزة الكرة الذهبية وبنزيمة أبرزهم

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-08-13 00:24:27
مستوى الصحة: 50% الأهمية: 61%

ميسي خارج قائمة المرشحين لجائزة الكرة الذهبية وبنزيمة أبرزهم

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-08-13 00:24:31
مستوى الصحة: 49% الأهمية: 65%

تحميل تطبيق المنصة العربية