لويس صابونجي
القس يوحنا لويس بن يوسف صابونجي (1838-1909) عالم لبناني سرياني الملة، كاثوليكي العقيدة، كان من أبرز أعلام النهضة الأدبية والفهمية والصحفية. نهض بأسبابها وحمل رسالتها عاليا، مربيا وصحفيا، شاعرا وسياسيا، خطيبا وفنانا، رحالة جوابة ، مؤرخا وفيلسوفا ولاهوتيا.
حياته
ولِد في المالكية، محافظة الحسكة. تلقى علومه في رومة، حيث نبغ في العلوم العقلية والنقلية على اخلافها، ونال رتبة دكتور في الفلسفة واللاهوت. كان رئيسا للطائفة السريانية في بيروت إبان الستينيات، استبحر في اللغات، جود منها السريانية والعربية والأرمنية، والهجرية. وأتقن اللاتينية والايطالية والانكليزية والفرنسية. وقد هجر مؤلفات تجاوزت العشرات بجميع هذه اللغات (عدا الأرمنية). ومن المثير حقا أنه نقل من اللاتينية الى الايطالية ونشر اثنى عشر كتابا من أشعار ڤرجيل الشاعر اللاتيني، وأنه حقق في "أصل العرق الأيرلندي" واضعا كتابه بالانكليزية ثم طبع في انكلترة، وأنه فهم اللغة الهجرية إلى أرباب الحكومة الأتراك (من بينهم تام باشا متصرف بيروت الذي أصبح فيما بعد صدرا أعظم). وضع لهم خطا سياسية – ادارية وقانونية – تشريعية بلسانهم. ومعظم تأليفه بالعربية تتناول مواضيع الفلسفة والأخلاق وفهم الجمال والقانون والأديان والمذاهب. ولكن بوصفه واحدا من كبار رعاة العروبة، اهتم صابونجي بالأحداث المصيرية والوقائع الدائرة في حياة عرب المشرق، نشارا آراؤه في الاصلاح ومحاربة الاستبداد في الدولة العثمانية. وليس مصادفة أبدا أنه عالج في أبحاثه التاريخية قضايا آنية وخطيرة، مثل "تاريخ فتنة حلب عام 1850" و"تاريخ فتنة لبنان وسورية سنة 1860" ولاحقا "تاريخ الثورة العرابية في الديار المصرية سنة 1882" وغيرها من الدراسات التاريخية غير المطبوعة.
وبصورة متوازنة لتسلمه مركز رئيس الطائفة السريانية أنشأ صابونجي في بيروت مدرسة عالية خاصة نهضت بأسباب التربية الحديثة، واسس مطبعة لنشر الخط في اللغات العربية والسريانية والهجرية. وأصدر صحيفتين أدبيتين فهميتين سياسيتين هما: "النحلة" و"النجاح" لم تعمرا طويلا بسبب مضايقات السلطات الهجرية، وقد أظهر مقدرة بارعة في فن الصحافة، وبرز خطيبا وسياسيا لا يبارى في ميدان الدفاع عن رقي الأقطار العربية وتقدم الأمة العربية . وقد أشار المؤرخ البارز فيليب الطرزي الى حتى الصحيفتين المذكورتين كانتا من أوائل الجرائد العربية التي عطلتها السلطات الهجرية بسبب "تجاوز الحدود"، والى حتى القس لويس صابونجي لم يتوان عن توجيه النقد اللاذع لرجال النهضة المحافظين، لا بل وأنه ندد بالعلامة بطرس البستاني وخطأه في بعض المسائل الفهمية لطول باعه في هذا المضمار. وقد تطرق الى مسائل دينية ومناظرات سياسية، فكان يشن حربا لا هوادة فيها ضد الرجعية الاقطاعية الاسلامية والمسيحية، وخاصة ضد الأرستقراطية المارونية الدينية والدنيوية "فثارت عليه سبب ذلك فتنة من الرعاع كاد يمضى فيها قتيلا". ، كانت سببا في ارتحاله من الشام وسفره إلى أوربة ومنها إلى أمريكة.
تعاون شلفون وصابونجي
كان يوسف الشلفون قد بتر روابطه مع عائلته المارونية التي حكمت ساحل لبنان على أيام الأمير بشير الثالث ومع العصبة المارونية، فنزل بيروت بعد احتجاب "لبنان" فأنشأ فيها "المطبعة الكلية" التي نشر فيها خطا دينية وفلسفية وجدلية وشعرية وتاريخية وفهمية وفنية وسواها. وقد خلف الشلفون بعض الآثار الفهمية نذكر منها: "تسلية الخواطر في لطائف النوادر" و"أنيس الجليس" و"عقود الدرر في أخبار مشاهير الجيل التاسع عشر" (لم يخرج الى دائرة الوجود). ومن اللافت للنظر حتى المطبعة المذكورة لم تكن بالنسبة للشلفون أداة لمضاعفة أرباحه، بل وسيلة ناجعة لتثقيف الناس وتنوير أذهانهم. وبوصفه واحدا من الشخصيات الناضجة فكريا في وسط رواد النهضة العظام، ومن المبشرين بالأفكار السياسية المناوئة للأتراك، والنزعة العثمانية، منذ عمله في جريدة "لبنان" كان الشلفون يعطي الأولوية لنشر الخط والأدبيات التي تساهم اسهاما فعالا في ايقاظ الوعي الاجتماعي لدى المواطنين السوريين عامة، واللبنانيين خاصة.
ليس من العسير أبدا التدليل على حتى التعاون بين صابونجي والشلفون لم يكن مجرد شركة عادية فجائية بين ناشرين، بل كان تعبير عن اتحاد هادف ومبدئي بين فهمين من أعلام النهضة ، جمعتهما أفكار اجتماعية وأهداف سياسية ومبادئ أخلاقية وقيم انسانية واحدة. هذا الاتحاد الذي التف حوله مستقبلا جيل تام من شباب النهضة المثقف ذي النزعة التحررية الراديكالية الذي شكل مع الروافد الأخرى تيارا مستقلا ومميزا في اطار حركة النهضة. واذن، فليس من باب المصادفة، حتى جريدة "النجاح" لسان حال الاتحاد الشلفوني – الصابونجي كانت تعد من أمهات الصحافة السياسية الحرة في المستقبل.
المصادر
- ^ نجاريان, يغيا (2005). النهضة القومية-الثقافية العربية. دمشق، سوريا: أكاديمية العلوم الأرمنية - الدار الوطنية الجديدة.