محمد يوسف عدس (1934 - 30 سبتمبر 2017) مترجم وخبير مصري في فهم المخطات.

ولد في سنة 1934 في قرية بهوت، بمحافظة الدقهلية وحفظ أجزاء من القرآن في كُتّاب القرية، وأمضى ثلاث سنوات في المدرسة الأولية، ثم انتقل إلى مدينة الزقازيق لإستكمال تعليمه في المدرسة الابتدائية حيث تخرج منها سنة 1948. التحق بمدرسة الزقازيق الثانوية لمدة عام، ثم انتقل إلى مدينة المنصورة، ليكمل تعليمه في مدرسة الملك الكامل الثانوية حيث حصل على شهادة الثقافة العامة سنة 1952، ثم حصل على الثانوية العامة من مدرسة المنصورة الثانوية سنة 1953. التحق بكلية الآداب جامعة القاهرة، قسم الدراسات الفلسفية وفهم النفس؛ وتخرج من الجامعة سنة 1957.

لم يكن عدد الطلاب في دفعته يزيد عن 25 طالبا مما جاز له بعلاقات حميمة ومناقشات مثمرة مع أساتذته، ومن أبرز هؤلاء الذين أسهموا في تشكيل بنائه المعهديّ، الدكاترة: أحمد فؤاد الأهواني وتوفيق الطويل، وزكي نجيب محمود، ويوسف مراد، ومصطفى الخشاب، وحسن الساعاتي، وعبد الهادي أبوريدة، وعثمان أمين، وزكريا إبراهيم، ومحمد مصطفى حلمي، وعبد المنعم المليجي، ومحمد عثمان نجاتي.

تقدّم لأول مسابقة في مصر لأمناء المخطات المدرسية النموذجية، وعُيّن في مدرسة طوخ الثانوية بمحافظة القليوبية سنة 1958، حيث قام بإدارة المخطة وتطويرها، وألحق بها مركزاً ثقافياً للنشاط الطلابي في المساء، وفى الإجازات الصيفية.

في أثناء عمله التحق بدراسة الماجستير في الفلسفة، ثم بالدبلوم العام للمخطات والمعلومات فور إنشائه بجامعة القاهرة: وكان من أبرز أساتذته الدكاترة: أحمد أنور عمر، وسعد محمد الهجرسي، وعبد الستار الحلوجي، ومحمد أمين البنهاوى.

تقدم لمسابقة العمل في المراكز الثقافية المصرية في الخارج، حيث انتدب مديراً للمركز الثقافى بـ مانيلا (الفلبين) سنة 1964، فمكث بها عاماً، وعلى إثر أزمة اقتصادية بـ مصر أغلقت المراكز الثقافية وعاد إلى مصر سنة 1965 مع جميع مديري المراكزالثقافية بالخارج. كانت صدمة وتداعيات هزيمة 1967 في وجدانه أكبر من احتماله فقرر الهجرة من مصر إلى أستراليا. وكان طلبه الإستنطقة من عمله والهجرة موضع رفض مستمر وتصادم مع وزير التربية والتعليم، لمدة سنتين، ناضل فيها بعناد وإصرار حتى قُبلت استنطقته وسُمح له بـ الهجرة في مايو1970.

بدأ في مدينة ملبورن عاصمة ولاية فكتوريا بأستراليا حياته، من نقطة الصفر، حيث شعر حتى جميع شيء هناك مختلف عما عهده في حياته السابقة، كأنه قد انتقل إلى كوكب آخر. وفى إبريل 1971 تمكن من الحصول على وظيفة مفهرس بمخطة جامعة "بنديجو"، وهى مدينة صغيرة على بعد مائة ميل من ملبورن، اكتسب فيها صداقة اثنين من الرجال المتميزين بسعة الثقافة : أحدهما دكتور "دى سيجموند" مدير مخطة الجامعة، والثاني هودكتور "كريج" وكيل الجامعة وعمدة المدينة؛ الأول تفهم الفلسفة الإسلامية وأعجب بفلاسفة المسلمين، وكان الثاني مهتما بدراسة التاريخ والمجتمع المصري، وكلاهما زار مصر والسودان وبلاد عربية أخرى. وكلاهما كان مع قدره في الفهم والمكانة على تواضع عظيم، وحب لعمل الخير، وقد رأيت دكتور كريج في يوم من أيام العطلة الأسبوعية يلبس (الأفرول) وينظّف بيديه الحديقة الأمامية لمستشفى المدينة، فلا غرابة حتى ينتخبه الناس عمدة لهم..!

كانت رغبته في تعلّم الجديد في فهم المخطات والمعلومات متأجّجة دائما. ولم يكن في جامعة بندجوما يشبع هذه الرغبة، فانتهز أول فرصة نشرت فيها المخطة القومية بأستراليا إعلاناً عن وظيفة في قسم الفهرسة بها، فتقدم إليه. وفى أواخر سنة 1974 انتقل مع وأسرته إلى كانبرا العاصمة الفدرالية ليتسلم الوظيفة الجديدة. وبالتفاهم مع إدارة المخطة سُمح له بالالتحاق بكلية كانبرا للدراسات العليا (جامعة كانبرا فيما بعد)، ومنحته المخطة حق الذهاب لحضور المحاضرات أثناء العمل اليومي بلا قيود، فمكث ثلاث سنوات يدرس: علوم المخطات، ونظم استرجاع المعلومات، وإدارة المؤسسات حتى تخرج سنة 1977.

يذكر أنه خلال هذه السنوات الثلاثة قرأ من الخط والمراجع أضعاف ما قرأه في حياته السابقة كلها. كان عضوا عادياً في الجمعية الملكية للمخطات والمعلومات الأسترالية، فلما تخرج أصبح مؤهلا للزمالة. وتبنت المخطة مشروعه لإنشاء أرشيف لشخصيات المستقبل؛ بجمع ماينشر عن الشباب المتميز في شتى المجالات بالصحف والمجلات، وإنشاء ملف خاص بكل واحد منهم تجمع فيه جميع القصاصات الصحفية، مما يشكل سيرة تراكمية لأخباره وتطورحياته وانجازاته.

في سنة 1980 أنتدبته منظمة اليونسكوخبيراً ليشرف على إنشاء وتجهيز مخطة جامعة قطر الجديدة، ووضع سياسة للتزويد وبرامج لتدريب الأمناء والعاملين بها، وإنشاء وسائل منهجية لتقييم الأداء الوظيفي.

وفى وقت لم يكن هناك شيء اسمه شبكة الإنترنت أنشأ بالمخطة نظاما إليكترونياً للاتصال بقواعد المعلومات العالمية بمركز لوكهيد ديالوج بـ كاليفورنيا، وذلك لخدمة الباحثين وطلاب الدراسات العليا، بالإطّلاع على أحدث الموضوعات والأبحاث الفهمية، وخلاصات للرسائل الجامعية في شتى المجالات. ولم يكن يوجد في العالم العربي حينذاك مايماثل هذا النظام إلا في مركز البحوث الفهمية بـ الكويت.

صدر له قرار أميرى خاص لتولى وظيفة مدير مخطات جامعة قطر في أواخر عام 1987 كما خصص الديوان الأميري لتنمية هذه المخطات ميزانية بلغت 11 مليون ريال في السنة. مكث في هذه الوظيفة ثلاثة أعوام، تطورت فيها المخطة تطوراً سريعاً وملحوظاً: فمن ناحية المقنيات- إرتفع مجموع الخط من 20 ألف مجلد سنة 1884 إلى 250 ألف مجلد، وارتفعت طاقة الفهرسة والإعداد الفني للخط إلى 37 ألف مجلد في العام وهى طاقة يندر وجودها في المخطات الكبرى وفقا للمستويات المعيارية المعروفة، وزادت مقتنيا المخطة من الدوريات الفهمية من 150 دورية باللغة العربية واللغات الأجنبية إلى ألفيْ دورية، وهونفس الرقم الذي كانت تفخر باقتنائه مخطة الجامعة الأمريكية بالقاهرة، وهى مخطة قديمة وعريقة. كما أضيف إلى مقتنيات المخطة الأعداد السابقة للمجلات العربية التي توقفت عن الصدور مثل: الرسالة، والثقافة، والمنار، وغيرها، وعدد كبير من المخطوطات العربية، والرسائل الجامعية، كما ضمت مجموعات المخطة أوعية أخرى للمعلومات كـ الميكروفيلم والميكروفيش، والتسجيلات، والشرائح المصورة. كانت هذه المواد تُجلب من شتى بقاع العالم، فقد أُنشئ بالمخطة قسم متخصص للتزويد يضم مجموعة من الخبراء المدربين، كانت مهمتهم درس ومتابعة مصادر الفهم في جميع مظانّها بشتى بقاع العالم. وأصدرت المخطة عدداً من الببليوجرافيات المطبوعة بمقتنياتها المتنوعة، لخدمة البحث الفهمى وطلاب الدراسات العليا.

صمم للجامعة برنامجا للدراسات العليا في المخطات والمعلومات، لتأهيل الراغبين من الخريجين للعمل في المخطات، وساهم مع أكاديميين آخرين بتدريس مادة "استرجاع المعلومات عن طريق البحث الآلي".

إسهامات ونشاطات

وفى أثناء عمله وخلال عشر سنوات قضاها في قطر، كانت له إسهامات ونشاطات عامة متعددة، في مجالات مختلفة:

أولاً - كان أحد الأعضاء المؤسسين لمشروع " إسهامات المسلمين في الحضارة الإسلامية" الذي استهدف اختيار مائة كتاب من أبرز الخط العربية التي أعتبرت ركائز هذه الحضارة في شتى مجالات الفهم الفهمية والفكرية، وإعادة نشرها وترجمتها إلى اللغات الحية الكبرى: الإنجليزية والفرنسية على وجه الخصوص، لتعريف العالم الغربي بحقيقة ما توصّل إليه العقل المسلم في تقدّم الحضارة العالمية. وقد اشهجر في اختيار هذه الخط عشرات من الخبراء والأكاديميين والمفكرين المسلمين في العالم. كانت تعقد لهم في جامعة قطر، بهذا الخصوص، ندوات دورية لمناقشة هذه الاختيارات والاتفاق على أهمها.

ثانياً – دعته الإذاعة القطرية لتقديم سلسلة من اللقاءات الأسبوعية مع مذيعيْن من أبرز الإعلاميين وأشهرهم حينذاك هما: يوسف حيدر السوري، وصلاح خليفة المصري، وقد استمرت حلقات هذه السلسلة لمدة عامين، وكان موضوعها الأساسي هوالقراءة، والتثقيف الذاتى. وقد دارت حول العناوين التالية :

لمَ يجب حتى تقرأ..،يا ترى؟ وماذا تقرأ..،يا ترى؟ وكيف تقرأ قراءة هادفة..،يا ترى؟ وكيف تستوعب.. وتلخّص ما استوعبتَ..؟.. وكيف تُنمِّى مهاراتك في القراءة..،يا ترى؟ وكيف تُفيّم وتختار الخط للاقتناء والقراءة..،يا ترى؟ وكيف تبحث في المخطات..؟،يا ترى؟ وكيف تستخدم المصادر المرجعية في البحث عن المعلومات..،يا ترى؟ وكيف تصنع لنفسك برنامجا للقراءة المستديمة..؟؟

ثالثاً- صدرت له مجموعة من الموضوعات في مجلة الدوحة و"مجلة التربية" القطرية، وصحيفة الشرق القطرية، وغيرها من الصحف والمجلات، كانت تدور معظمها حول: ،الاستخدام الأمثل لموارد المخطات، والتعريف بما طرأ من تقدمات في هندسة المعلومات، واستخدامها في مجالات التربية والتعليم، وتنمية التحصيل المعهدي لدى التلاميذ وتهيئة المعلّمين لعصر ثورة المعلومات وتدفقها.

رابعاً- في إطار اتحاد الدول الخليجية: أسهم في جميع لقاءات، ومناقشات عمداء المخطات الجامعية، وفى جميع الندوات التي انعقدت بهذا الخصوص، وقدّم فيها مقترحات وأوراق درس حول: إنشاء شبكة معلومات موحدة بـ دول الخليج، وخدمة استرجاع المعلومات عن طريق البحث الآلي المباشر، وإنشاء فهرس آلى موحّد لجميع مقتنيات مخطات الجامعات الخليجية، وإنشاء نظام تبادل الإعارة بين هذه المخطات.

خامساً - أسهم في مؤتمر الجامعة العربية ممثلاً لجامعة قطر(الذي انعقد في تونس عام 1987) لبحث أساليب ميكنة فهارس المخطات الجامعية في البلاد العربية.

سادساً - أُنْتُدِبَ في مهام استشارية من قِبل منظمة اليونسكوفي عدد من الدول العربية منها مصر: لزيارة مخطة الجامع الأزهر ومخطة جامعة الأزهر (في عهد الإمام الأكبر الشيخ جاد الحق) وذلك لدراسة الأوضاع في هاتين المخطتين واقتراح ما يلزم بشأن: أفضل الوسائل لنقل وصيانة الخط والمخطوطات الأثرية من مسقطها في المخطة القديمة إلى مبنى المخطة الجديد في شارع صلاح سالم، وتقديم مقترحات لتطوير المخطتين، وتحديث أساليب الخدمة المخطية بهما. ومنها عُمان: لبحث مشكلات مخطتى التليفزيون في جميع من مسقط وصلالة. واقتراح مايلزم لتطوير نظام تدفّق المعلومات، وأساليب تداول المواد المسجّلة بين الأقسام والإستديوهات المتنوعة بما يحقق السرعة والدقة وتجنب الأخطاء...! ومنها اليمن الجنوبية: لبحث نظم المعلومات في مخطة وزارة التربية والتعليم، ومخطة الجامعة، ومركز البحوث التربوية، واقتراح مايلزم لتطوير نظم المعلومات والخدمة فيها، واقتراح برنامج مرحلى لتقديم المساعدات المالية والفنية من جانب منظمة اليونسكوإسهاما منها في تطوير هذه المخطات. ومنها الأردن: لزيارة "مجلس التعاون الإقتصادي للدول العربية "، الذي كان لا يزال في مدينة عمّان، وذلك لدراسة نظام جمع المعلومات، وتحليلها، وبثها، وتدفق المعلومات بين الدول الأعضاء، واقتراح ما يلزم لتطوير هذا النظام، وما يمكن حتى تساهم به منظمة اليونسكوفي هذا الخصوص.

في يوليوسنة 1990 استنطق من عمله قبل حتى يصل إلى السن القانونية للتقاعد بأربع سنوات، لكي يتفرغ للكتابة التي يعشقها ويحلم بها من زمن طويل، بعيدا عن أسْر الوظيفة وقيودها. وقد تمحورت دراساته ومؤلفاته ابتداء من سنة 1992 حول الكشف عن مشكلات الأقليات المسلمة في العالم، وإبراز المعاناة والمظالم التي يتعرضون لها، ابتداء من الفلبين، ثم البوسنة والهرسك وكوسوفا والشيشان، وصدرت له خط في هذه الموضوعات، ويأتي في هذا الإطار تقديم شخصيات لعدد من المفكرين الإسلاميين لم يحظوْا بما يستحقون من اهتمام في العالم العربي وعلى رأسهم على عزت بيجوفيتش، الرئيس الأسبق لجمهورية البوسنة والهرسك، وأحد أكبر المفكرين الإسلاميين الإصلاحيين في القرن العشرين.

وفاته

توفي في 30 سبتمبر 2017 حيث مستقره في السنوات الأخيرة، بأستراليا.

أعماله

نشرت هذه الخط دار الشروق ودار المختار الإسلامي، ودار النشر للخط الجامعية، ومخطة الإمام البخارى للنشر والتوزيع، وذلك تحت العناوين التالية:

1. الإسلام بين الشرق والغرب، لعزت بيجوفيتش، (ترجمة).
2. الإعلن الإسلامي، لعزت بيجوفيتش،(ترجمة.)
3. البوسنة في قلب إعصار.
4. كوسوفا، بين الحقائق التاريخية والأساطير الصربية.
5. الحرب الشيشانية بين التأليف والتزييف.
6. محمد أسد: سيرة عقل يبحث عن الإيمان.
7. الإسلام بين الشرق والغرب لعزت بيجوفيتش (مختصر).
8. مذكرات على عزت بيجوفيتش (مختصر)
9. "الفلبين " نشرته دار المعارف سنة 1969 ضمن سلسلة "شعوب العالم" (نفذت طبعته).
10. "البؤساء": مجموعة من القصص الفلبينية القصيرة لللأديب الفلبيني "بيِينْفِِنيدوسانْتوس"نشر سنة 1984 ونفذت طبعته.
11. تجديد الفكرالديني في الإسلام لـ محمد إقبال: (تمت ترجمته بتكليف من مخطة الإسكندرية ضمن مشروع إعادة نشر مؤلّفات المفكرين الإصلاحيين في العالم الإسلامي)، (تحت النشر).
12. الدولة اليهودية، لثيودور هرتزل، صدرت طبعته الثالثة من مخطة البخارى،2009 م
13. The History of Israeli-Arab Conflict (1952-1975); an Annotated Bibliography. Cnberra College of Advanced Education, 1976.

خط تحت النشر بمخطة البخاري:

1. الإسلام والمسلمون في الفلبين. (15) الإسلام والمسلمون في آسيا الوسطى.
2. منطقات عن المفكر الإسلامي على عزت بيجوفيتش.
3. الوجه الحقيقي للإمبريالية الأمريكية
4. النهب المنظم لفقراء العالم: الشركات والتكتلات لاحتكارية. (19) الحرب البيولوجية والتحكم في البشر.
5. المترفون هم المفسدون، ومنطقات أخرى.

أما منطقاته فقد تعددت موضوعاتها وتنوعت، وبلغ عددها بضع مئات، منشورة في الكثير من المجلات والصحف الورقية، منها: جريدة الشعب، والمختار الإسلامي، والهلال، والمنار الجديد، ووجهات نظر. وفي الصحف الإلكترونية: المصريون، والـ عرب نيوز، ومسقط التاريخ للدكتور محمد موسى الشريف. وقد تطوّع بعض الأصدقاء بإنشاء مسقط خاص باسمه في شبكة الإنترنت، ولكنه لا يزال في فترة من التطوير والتجريب. قدّم عددا من المحاضرات واشهجر مع آخرين في ندوات حول موضوعات اهتمامه: في مصِر وأستراليا وبريطانيا. واستُدعى إلى عدد محدود من اللقاءات المتلفزة بمصر. وله مع الإعلام المصري (الرسمي) بالذات تجارب أشبه بقصص المغامرات، تستحق حتى تُروى!