نساء الجزائر (دلاكروا)
نساء الجزائر في الحرملك (بالفرنسية: Femmes d'Alger dans leur appartement) هي لوحة زيت على كنڤاة، رسمها اوجين ديلاكروا عام 1834.
اللوحة معروضة في اللوڤر، پاريس، فرنسا. عُضرت اللوحة لأول مرة في صالون پاريس، حيث نالت الشهرة العالمية. اشترها الملك لويس فيليپ وأهداها إلى متحف لوكسمبورگ، حيث كان في ذلك الوقت متحفاً للفن المعاصر. بعد وفاة الفنان عام 1874 نُقلت اللوحة إلى اللوڤر، حيث لا تزال هناك حتى الآن.
تشتهر اللوحة بإيحائاتها الجنسية؛ وتصور محظيات جزائريات في الحرملك يدخن الحشيش أوالأفيون على الأرجيلة. في القرن التاسع عشر، اشتهرت اللوحة بمحتواها الجنسي وسماتها الشرقية. لاحقاً أصبحت اللوحة مصدراً لإلهام الانطباعيين،وسلسلة من 15 لوحة رسمهم پيكاسوعام 1954.
وصف اللوحة
تصور اللوحة ثلاث نساء يجلسن على أرضية غرفة، بالإضافة إلى امرأة سوداء، لعلها خادمة. وأكثر ما يلفت الانتباه في المشهد هومنظر المرأة الجالسة إلى أقصى اليسار مستندةً إلى أريكة، إذ تبدوذات ملامح جميلة بنظراتها الحالمة وفستانها ذي الألوان الباردة والمتناغمة. أما المرأتان الجالستان إلى يمين اللوحة فتبدوان كما لوأنهما تتبادلان حديثا شخصيا، فيما تمسك إحداهن بالأرجيلة – وهومنظر نراه كثيرا في اللوحات التي تصوّر غانيات – بينما لفت الخادمة السوداء ظهرها كي تنظر إلى سيّدتها “في الوسط” وهي تهمّ بالخروج من الغرفة. ولعلّ أهمّ ملمح في هذه اللوحة هوحركة الألوان والأشكـال فيها وتلقائية شخوصها وتفاصيلها. “نساء الجزائر” اعتبرت دائما تحفة فنية من اللون والضوء والتفاصيل الدقيقة الأخرى التي برع ديلاكروا في رسمها لينقل إلينا عبرها صورة من صور الحريم في بيئتهن.
التاريخ
من الصعب فهم ما إذا كان، حقاً، قد قيض للرسام الفرنسي اوجين ديلاكروا، خلال رحلته الشهيرة التي قام بها إلى شمال أفريقيا، لا سيما إلى المغرب والجزائر، حتى يدخل الى قلب الحرملك ويرصد الحياة اليومية لنسائه. إذ حتى هذا كان أمراً بالغ الصعوبة، إذا لم يكن محالاً. ومع هذا فنحن نعهد حتى ديلاكروا رسم في لوحاته العربية تلك، عدداً كبيراً من النساء، ورصد شتى أنواع الثياب والديكورات الداخلية والمناخات، إلى درجة حتى كثراً من النقاد والمؤرخين نطقوا دائماً إذا ما في رسومه ينفع لملء متحف عن الثياب والعادات الشعبية وتفاصيل الحياة اليومية في ذلك الجزء من العالم، بقدر ما يمكنه حتى يزين أرقى المتاحف الفنية وأجملها. ومن المؤكد حتى لوحة نساء الجزائر تظل العمل - الذروة بين عشرات اللوحات والتخطيطات التي حققها ديلاكروا، خلال سفره أوبعد عودته. من هنا لمقد يكونوا مغالين أولئك الفنانون، من سيزان الى رينوار ومن ماتيس الى بيكاسو، الذين كان تأثير تلك اللوحة - بين أعمال أخرى لديلاكروا - كبيراً عليهم، هجريبة ولوناً واشتغالاً على التفاصيل وصولاً الى لعبة الظل والضوء. ونعهد حتى بيكاسوكان من الافتنان بهذه اللوحة الى درجة انه حاكاها أكثر من 15 مرة، قبل حتى يصل الى تحقيق لوحة له شهيرة هي الأخرى تحمل العنوان نفسه.
والحال إذا نساء الجزائر لا تعتبر قمة في لوحات ديلاكروا الاستشراقية وحدها، بل في عمله في شكل إجمالي. ومع هذا يبقى السؤال حائراً: هل حقاً تمكّن ديلاكروا إلى دخول الحرملك في الجزائر، حيث يروى أنه ذهل أمام روعة المشهد وراح، في سرعة مدهشة، يخط اسكتشات بالألوان المائية، وتخطيطات بالأسود والأبيض، ويختزن التفاصيل اللونية في ذاكرته، ما مكّنه بعد عودته الى فرنسا بعامين، من استحضار ذلك كله لإنجاز تلك اللوحة التي يبلغ ارتفاعها نحو180 سم وعرضها نحو230 سم. وتوجد الآن كواحدة من التحف الأساسية في متحف اللوفر الباريسي؟
الحقيقة إذا جميع ما في اللوحة ينبئ بأن ديلاكروا شاهد بعينيه ما رسم لاحقاً. وتقول حكاية سفره إلى الشمال الأفريقي على أي حال، أنه عانى طويلاً وانتظر فترة معينة من الوقت قبل حتى يتمكن من حتى يدعى إلى داخل الحرملك لمشاهدته، هوالذي كانت نفسه تتوق إلى ذلك منذ زمن بعيد. وهو«ما إذا أطلّ على المشهد الداخلي» بحسب ما روى لاحقاً رفيق له في الرحلة رافقه داخل الحريم أيضاً كما يبدو، حتى صرخ بإعجاب المندهش: «رباه كم إذا هذا المشهد رائع... إنه يظهر كما لوكان منتمياً الى زمن هوميروس». فهناك في ذلك الفضاء الأنثوي، المغلق تماماً على العالم الخارجي، والمجهول كلياً، والحميم الى أقصى درجات الحميمية، بدا لعينيه ذلك المشهد «الذي يظهر غير ذي علاقة على الإطلاق بالعالم الذي يحيط به» هنا «خيّل الى ديلاكروا انه عثر على جوهر جميع حقيقته وكل جمال وأعاد اكتشاف العصور العتيقة من جديد». وسيرى النقد الفرنسي دائماً حتى ما يعبق من هاته النساء الغارقات بين الحلم والواقع معلقات خارج الزمن، إنما هوذلك «الترف والهدوء والشهوانية» التي سيتحدث عنها بودلير لاحقاً.
والحال إذا الرابط بين ضروب البهاء الشرقي لدى هاته النساء، والسمات الإغريقية «التي تذكّر بتماثيل فيدياس» هي ما جعل من نساء هذه اللوحة، في نظر ديلاكروا، المثال الأعلى الأنثوي. إذا سحر نساء هذه اللوحة ينبعث من «ألف تفصيل وتفصيل» غير حتى الشغف الذي يثرنه يظهر نابعاً من جمال غامض تماماً ومجهول تماماً. ومن هنا لم يكن غريباً حتى يقول سيزان، مثلاً، عن هذه اللوحة، لاحقاً، إذا للبابوجات ذات اللون الأحمر فيها، مذاق الخمر حينما يصل الى أعلى الزلعوم». أما رينوار فكان يحلوله حتى يقول انه حين يقترب من اللوحة يشعر برائحة البخور تملك عليه شغاف فؤاده.
وكما أشرنا، لم يرسم ديلاكروا لوحته هذه، ميدانياً في المكان الذي رأى فيه المشهد ونساءه، بل إنه ما إذا أفاق من دهشته داخل الحريم حتى راح يخط جميع ما يراه مركّزاً على التفاصيل. ثم لاحقاً في باريس، جلس في محترفه، وراح يتأمل ما رسم ويقارنه بما اختزنته ذاكرته... لا سيما في مجالين أساسيين: اللون، وتوزيع الظل والنور على المشهد. وكان ما ساعده على الوصول الى النتيجة التي وصل إليها انه كان في ذلك الحين لا يزال تحت تأثير كمية الضوء واللون التي ملأت وجدانه وخياله خلال رحلته الأفريقية ككل. وهذا ما جعل السمات اللونية للوحة تبدوزاهية ونضرة، مقارنة مع العتمة التي كانت اعتادت الهيمنة على لوحاته من قبل... فهوهنا عمد الى استخدام ألوان صافية أساسية. ثم انه تحت تأثير مصدر الضوء الذي كان يتسلل الى الغرفة في شكل مدهش، ركّز على بريق التفاصيل في موادها المتنوعة وراح يوزع ذلك الضوء بدرجات متتابعة. إلى غير ذلك حتى المناطق الأكثر عتمة في الغرفة لم تعد غارقة في ذلك الظلام الذي كان يحلوللرسامين الهولنديين في الماضي، التعبير عنه بغية إبراز الجوانب المضيئة في المشهد: هنا صار جميع شيء واضحاً ويتضح أكثر وأكثر تحت التأثير المباشر للنور، ما خلق حيوية في اللوحة كانت هي ما أثار إعجاب مشاهديها على الدوام.
ومع هذا فإن هذه الجوانب اللونية والضوئية لم تكن جميع ما ميّز هذه اللوحة. إذ هنا، إذا كان ديلاكروا حقق عملاً «وثائقياً» (من حيث دقة التفاصيل وصولاً الى حدود الاتنوغرافيا)، وعملاً «رومانسياً» من ناحية المشهد نفسه وموضعة شخصياته وأوضح انبهار نظرة الرسام بما يشاهد، فإن الفنان حقق في الوقت نفسه عملاً كلاسيكياً خالصاً، يكاد ينتمي الى فنون عطر النهضة المشهدية كما تجلت متأخرة في المدرسة البندقية، التي كان واضحاً تأثر ديلاكروا بها على مدى تاريخه الفني. ولم يكن ديلاكروا نفسه بعيداً من الصواب حينما تحدث يوماً عن لوحته هذه مشروحاً حتى ما يحسّه هوفيها إنما هو«جمال وقوة الأمور التي فيها، معطوفة على إحساس معمّق بالحياة وجمالها». ومن هنا تمثل هذه اللوحة جوهر ما «تفهمه» ديلاكروا من رحلته «الشرقية» تلك، إذ حتى تلك الرحلة أتاحت له حتى يتوصل الى توليفة بين التنطقيد الكلاسيكية (التي تربى عليها كرسام) وبين الاستشراقية الغرائبية (التي كانت مزاجيته تتجه نحوها وتميل إليها منذ زمن). وهوعبر عن هذا كله حينما نطق في رسالة الى صديق له: «إن روما لم تعد في روما» إنها في أفريفيا الشمالية حينما اكتشف جميع ما كان يريد اكتشافه.
ونعهد طبعاً حتى نساء الجزائر لم تكن العمل الوحيد الكبير الذي عاد به ديلاكروا من رحلته العربية، إذ إذا هناك عشرات الأعمال، ومن بينها، حتى، لوحة أخرى عن «نساء الجزائر» أنفسهن... ناهيك بلوحات عدة صورت قادة مغاربة وأناساً عاديين، وناهيك أيضاً بأن التأثير الأفريقي ظل يصاحب ديلاكروا حتى سنواته الأخيرة. أما الرحلة التي قام بها ديلاكروا (1798-1863) الى شمال أفريقيا فبدأت في عام 1832 حينما اصطحبه الديبلوماسي شارل دي مورناي معه الى هناك، إذ كان في مهمة ديبلوماسية، ما أعطى لرسامنا فرصة حتى يرى ويدهش ويرسم، إذ تنقل بين مدن مغربية وجزائرية عدة قبل حتى يعود وقد امتلأ ألواناً وذكريات.
الحرملك
الامبراطورية، السلطة والجنس
انظر أيضاً
- پاريسيات في زي جزائري (الحرملك)، پيير-أوگوست رينوار، 1872.
الهوامش
- ^ Charles F. Stuckey thinks the pose of the rightmost sitting figure was the inspiration for the foreground figure in Paul Gauguin's When Will You Marry, a pose that evidently fascinated Gauguin judging by his several studies of it.
الحواشي
- ^ Hagen, p. 361
- ^ Women of Algiers" by Eugène Delacroix [Selected Works]". humanitiesweb.org.
- ^ Picasso: Challenging the Past National Gallery p 109-114
- ^ Stuckey, Charles F. (1988). "The First Tahitian Years". The Art of Paul Gauguin. with Peter Zegers. National Gallery of Art. p. 263. ISBN . LCCN 88-81005.
- ^ لوحة نساء جزائريات ... يوجين ديلاكروا، المهرجانات في سوريا
- ^ "«نساء الجزائر» لديلاكروا". وجوه بلا أقنعة، ابراهيم العريس.سبعة January 2011. Retrieved 22 May 2015.
المصادر
- اوجين ديلاكروا: Journal de Eugene Delacroix ... precede d'une etude sur le maitre par M. Paul Flat; notes et eclaircissements par MM. Paul Flat et Rene Piot ... E. Plon, Nourrit et cie., Paris 1893. (Various formats) Accessed on 13 September 2010
- Eugène Delacroix, Gilles Néret: Eugene Delacroix, 1798-1863: The Prince of Romanticism (Basic Art). Taschen GmbH, Cologne 2000, ISBN 978-3-8228-5988-9
- Marrinan, Michael (2009). Romantic Paris: Histories of a Cultural Landscape, 1800–1850. Stanford, California: Stanford University Press. ISBN 978-0-8047-5062-2.
- Rose-Marie Hagen, Rainer Hagen: What great paintings say, Volume 2 Taschen Verlag, Cologne 2002, ISBN 978-3-8228-1372-0. Google Books Accessed on 13 September 2010
وصلات خارجية
مشاع الفهم فيه ميديا متعلقة بموضوع Les Femmes d'Alger dans leur appartement. |
- Eugène Delacroix (1798-1863): Paintings, Drawings, and Prints from North American Collections, a full text exhibition catalog from The Metropolitan Museum of Art, which discusses The Women of Algiers