انتفاضة الإخوان

عودة للموسوعة

انتفاضة الإخوان

الإخوان يزحفون

انتفاضة الإخوان هي تمرد قام به إخوان من طاع الله في غرب وشمال الجزيرة العربية في الأعوام 1926 حتى تمت ابادتهم (عشرات الآلاف) عن بكرة أبيهم في 1930.

الوضع في الحجاز

قابلت إبن سعود، بعد غزوالحجاز، ضرورة إدارة بلد بلغ من التطور شأنا يفوق بكثير شأن نجد، بل وحتى الإحساء. فقد تكون الجهاز الإداري البيروقراطي في الحجاز وفقا للمعايير العثمانية وكان أرقى الأجهزة في الجزيرة. وعلى عهد الملك حسين صدرت حتى ميزانية تتضمن شرحا للنفقات، رغم أنه لم يجر التقيد بها، بطبيعة الحال. كما ظهرت هناك النواة الأولى لجيش نظامي، وافتتحت مدارس ثانوية. وصدرت صحيفة رسمية هي (القبلة) تنم كتاباتها عن دراية بالعالم الخارجي، وغالبا ما كانت تولي اهتماما كبيرا للأحداث في أوروبا، وتنشر أنباء عن الأشغال العمومية مثل توسيع شبكة الهاتف وتنظيف الشوارع. وقد استقر رأي عبدالعزيز على إبقاء الهيكل الإداري الذي أقامه الحسين وإبنه علي كما هو، على حتى يوظفه لخدمته.

وكان على إبن سعود حتى يوفق بين فهماء الدين في نجد والحجاز ويحمل فهماء مكة على التنازل لفهماء الرياض. وفي محاولة لإزالة الإشكالات عقد فهماء الرياض سلسلة من الاجتماعات مع زملائهم المكيين، زعموا بعدها أنه لاتوجد خلافات جدية بين الطرفين. وقد استمرت بعض الأشغال العمومية التي تولتها شركات خارجية وبدأت بتطبيقها على عهد الحسين.

عند غزوالحجاز كان إبن سعود يدرك أهمية التلفون والراديولتعزيز سلطته، وأهمية السيارات للأغراض الاقتصادية والعسكرية. غير حتى البدووالفهماء السلفيين كانوا يعتبرون التلفون والراديومنكرا من عملا لشيطان. وقد حل هذا الإشكال بعد حتى تليت عبر التلفون، ثم من الراديوآيات من القرآن.

كما اعتبر الإخوان السيارة من بدع المشركين، إذا لم تكن من عمل الشيطان. وقد أحرقت أول شاحنة ظهرت في مدينة الحوطة، وكاد سائقها يلقى المصير ذاته. ولم تكن الطائرة أوفر حظاً. إلا حتى احتياجات المجتمع العملية كانت أقوى من الجهل والتحجر الذهني، لذا فإن السيارة والراديووالتلفزيون أخذت تنتشر على نطاق متسع في مملكة ابن سعود. وبعد عقدين أوثلاثة أخذ فهماء الدين أنفسهم يمتطون الطائرات، إلا حتى الحظر ظل مفروضا على الحاكي والسينما، ورغم منع استيراد هاتين الآلتين فإنهما انتشرتا في البيوت الخاصة.

أدرك الملك حتى عليه إقامة اعتبار لمصالح وجهاء الحجاز. وعندما عين إبنه فيصل نائبا للملك في الحجاز (أغسطس 1926) أصدر في الوقت ذاته (التعليمات الأساسية للملكة الحجازية) بمثابة دستور. وقد حددت وضع نائب الملك ومجلس الشورى والهيئات الإدارية.

كان مجلس الشورى المؤلف عقب إعلان الدستور يضم كلا من الأمير فيصل بوصفه نائبا للملك وأربعة مستشارين وستة من وجهاء الحجاز. ولا شك في حتى جميع أعضاء المجلس من ممثلي الأرستقراطية الحجازية لمقد يكونوا من قبل مناصرين للحسين أوإبنه علي، وحتى إذا كانوا قد محضوهما التأييد فقد تخلوا عنهما. وفي عامي 1924 و1925 كانت توجد في مكة جمعيات لها وظائف استشارية تضم الوجهاء وفهماء الدين والتجار، وكان بوسعها حتى تطمح إلى الاستقلالية وتحمل مطالب إلى الملك. ولكن أيا من أعضاء هذه الجمعيات لم يعين في مجلس الشورى عام 1926، لذا فمن المنطقي الافتراض بأن نشاطها قد أثار انزعاج ابن سعود.

إن البون شاسع بين الجمعيات الأولى وبين مجلس الشورى المؤلف من أعضاء لا صوت لهم. لذا أحكم عبدالعزيز سيطرته على الحجاز دون منازع، واعترف به ملكا على الحجاز داخل البلد وفي العالم الإسلامي كله، لذا لم يكن بحاجة إلى ما يجمل به قابلة حكمه. وعلاوة على ذلك يظهر حتى عبدالعزيز أحس بأن دستور الحجاز قد يصبح قدوة يطمح إليها أهل نجد، لذا قام (وأد الوليد).

في الأعوام التالية صار لحكومة فيصل في الحجاز طابع حكومات الشرق الأوسط البيروقراطية بشكلها البدائي، ولكنها كانت بعيدة عن الحكم الملكي الدستوري. واعتمدت هذه البيروقراطية على الحجازين المتفوقين على النجديين من حيث مستوى التطور، رغم أنها عملت تحت إشراف الأمير فيصل ومستشاريه المقربين.


الإخوان بعد اخضاعهم الحجاز

سلطان بن بجاد

في الوقت الذي حاول عبدالعزيز ومجموعة من مستشاريه المتنورين إلى هذا الحد أوذاك توظيف الجهاز الإداري في الحجاز لمصلحته، كان الإخوان قد عقدوا العزم على تطهير الحجاز من البدع المنكرة وهدم القباب التي اعتبروها مخالفة للإسلام. ويمضى حافظ وهبة إلى حتى حماس الإخوان الجهلة للوهابية كان أكبر ما ابتليت به هذه الدعوة الإصلاحية على حد قوله. وقد قابل الملك الإقطاعي عبد العزيز، إثرة غزوة الحجاز معضلة التعامل مع الإخوان.

التدمير في مكة والمدينة

إذ حتى الإخوان أزالوا في مكة الشاهد المقام عند موضع ولادة النبي وهدموا منزلي خديجة وأبي بكر. وأشار جاك فيلبي الذي جاء موسم الحج عام 1931 إلى هدم جميع الأضرحة والقباب في الحجاز وذكر حتى ذلك سيجعل الأجيال القادمة تنسى الوقائع التاريخية المرتبطة بهذه الأماكن. وإلى جانب الدافع الأخلاقي الديني، تأصل لدى الإخوان العداء البدوي لكل مايجعله ويستأنس به الحضر في مدن الحجاز الذين اعتبروهم متنكرين للإسلام. ولما احتل الإخوان الطائف ومكة أخذوا يهشمون المرايا ويستخدمون أطر الأبواب والنوافذ كوقود للنار. ورغم حتى هذا واحد من طباع الغزاة المعتادة، إلا أنه كان تعبيرا عن حقد البدوالدفين على ترف المدن. وقد اقترنت نزعة الإخوة لدى الإخوان بالتعصب الديني والعادات البدوية.

في عام 1924 أمر خالد بن لؤي بإحراق كمية كبيرة من التبوغ العائدة ملكيتها لمستوردين مكيين أثرياء، فشكوه لعبدالعزيز الذي ألغى الأمر الصادر عن ابن لؤي ولكنه حرم استيراد التبغ مستقبلا. وفيما بعد جاز ثانية باستيراد التبغ. ولكن استمر إيقاع العقوبة بالمدخن. حينما أقصى خالد بن لؤي عن منصب حاكم مكة، عقب سقوط جدة في كانون الأول (ديسمبر) 1925، كان هذا يعني تصميم عبدالعزيز على عدم إبقاء المناصب الإدارية في الحجاز بيد قادة الإخوان وقبل ذلك، في أيلول (سبتمبر) من العام ذاته، حظر رسميا في مكة حمل الأسلحة النارية لتقييد تحركات الإخوان. كان عبدالعزيز يخشى تعدي الإخوان على الحجاج المسلمين وبالعمل فقد جرحوا عددا من الحجاج مما أثار احتجاج القناصل الأجانب، وحاولوا اغتال عدد من المسلمين العاملين في القنصليات الأجنبية. وسعى الملك لتوجيه طاقة الإخوان نحوغزوالمدن والموانئ الواقعة بين جدة وخليج العقبة، ولكن سرعان ما أصبح الحجاز كله تحت سيطرته فلم يعد لجنوده عمل يؤدونه.

قضية المحمل المصري 1926

في مطلع موسم الحج صيف عام 1926 وصل مكة المحمل المصري تصحبه الموسيقى، وعند اقترابه سمع الإخوان الذين كانوا بدون سلاح وليس عليهم سوى الإحرام، الموسيقى لأول مرة فاعتبروا ذلك ضربا من الزندقة واستبد بهم الغذب فهبوا ليمنعوا تقدم الجمل الذي يقل المحمل. وهنا منح ضابط مصري أمرا بإطلاق النار فقتل زهاء 25 شخصا. وعلى الفور أوفد عبدالعزيز الذي كان قريبا من المكان ولديه فيصل وسعود لتهدئة ثائرة الإخوان. وأمر الملك باحتجاز الضابط المصري ومنعه من مرافقة الحجاج علاوة على منع المحمل من دخول مكة، ولكنه لم يقدم على إيقاع عقوبة شديدة نظرا لانعقاد المؤتمر الإسلامي في مكة آنذاك. وقد انبترت العلاقات مع مصر إثر ذلك. غير حتى الإخوان ظلوا أمدا طويلا يلومون عبدالعزيز لأنه لم يعاقب (المشركين) المصريين على قتلهم 25 من الإخوان، وفيما بعد تذرع جميع من فيصل الدويش وسلطان بن بجاد بهذا الحادث معتبرينه السبب الأول للخلاف مع الملك، وأكدا على حتى ابن سعود لم يسمح للإخوان بهدم المحمل بل وبسط حمايته على (الصنم).

شرع الملك بتطبيق مايدعوإليه الممضى الوهابي بصرامة، وذلك لغرضين أولهما كسب رضا الإخوان وثانيهما تعزيز هيبته وسلطته. فإن المنبتر عن الصلاة يعاقب بالحبس مدة تتراوح 24 ساعة إلى عشرة أيام وبغرامة، وإذا ماعادوها فيحبس لمدة قد تصل إلى سنتين. والعقاب الصارم يطال جميع من يصنع الخمر أويبيعها. وقد حظر التدخين ولكن لم يرد ذكر للمتاجرة به.

واقترن هذا التقيد الصارم بالوهابية بممارسة العنف والتنكيل بالخصوم السياسيين لآل سعود. ويتعرض جميع من يشارك في اجتماع الغرض منه نشر الأفكار المنكرة والأخبار الكاذبة والأراجيف وكل من يشارك في اجتماعات مناوئة لسياسة الحكومة، لعقوبة الحبس لمدة تتراوح بين سنتين وخمس سنوات، أوالطرد من مملكة الحجاز. وكان ينبغي استحصال رخصة من السلطات لعقد أي اجتماع حتى وإن كان لأغراض حيرية. غير حتى التقيد الشديد بالأحكام الشرعية لم يدم أمدا طويلا. فبعد مغادرة الإخوان الحجاز خففت القيود المفروضة على المدخنين وصار بوسع الراغبين الحصول حتى على الخمر، ولم يعد أحد يهتم بطول الشارب.

المطوعون

أراد عبدالعزيز حتى يؤكد حرصه على نقاء الدين، ويحد في الوقت نفسه من تعسف الإخوان، فأسس صيف 1926 جماعة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تحت إشراف عالمين من آل الشيخ. وأمر إبن سعود الإخوان بأن يبلغوا الجماعة بكل منكر يرونه على ألا ينزلوا العقاب بالناس وفق هواهم.

وبالتدريج تحولت الجماعة إلى ما يشبه الشرطة الدينية، وفيما بعد وضعت هيئات الأمر بالمعروف التابعة للجماعة تحت إشراف مديرية الشرطة. وعهدت إلى الهيئات القضايا المتعلقة بالغش والخداع في الأعمال التجارية والامتناع عن إخراج الزكاة والإفطار العلني والخروج عن أصول الحج وسفك الدماء وتعاطي أوبيع الخمر. وعند صيف 1928 كانت الهيئات تساهم بنشاط في اجتماعات الحكومة وتشدد من رقابتها على أهالي الحجاز. وقد عثر عبدالعزيز هذه التجربة جديرة بأن تضم سائل أنحاء البلاد، فأسس في الرياض مديرية الأمر بالمعروف صيف عام 1929، حينما بلغت انتفاضة الإخوان ذروتها.

وقد ندد القيمون على الجماعة بالرئيس الهجري مصطفى كمال أتاتورك والملك الأفغاني أمان الله بسبب ما أجرياه من إصلاحات. ونطق تورباكولوڤ القنصل العام السوفييتي في جدة : (يصعب على المرء حتى يتسقط موقفا آخر إزاء كمال باشا وأمان الله من بلد يقوم وجوده ذاته على حساب الحرمين ويشكل جميع ابتداع خطرا يهدد المصالح المادية للأغلبية).

صارت هيئات الأمر بالمعروف أداة انتزع بواسطتها من الإخوان حق مراقبة تمسك الناس بأصول الدين. وقدمت الديمقراطية العشائرية، بشكلها لديني المتعصب، قربانا لجهاز الحكم في دولة إقطاعية مركزية. كانت تصرفات الإخوان تبدوللوافدين الأوروبيين وللمتفهمين من مستشاري الملك نوعا من الغلوفي التعصب وحتى الوحشية، غير أنها مع ذلك كانت تنم عن سعي الجماهير الواسعة من عرب الجزيرة إلى الحياة البسيطة التي دعت إليها الوهابية. وتمسكت الجماهير بالدعوة إلى المساواة التي تضمنتها الوهابية، وحاولت تحقيق مثلها عمليا وفق ماترتئيه. وقد اصطدمت طموحات الإخوان وممارساتهم بالمصالح العملية لعلية الإقطاعيين. لذا فإن تسمية هبات الإخوان بأنها رجعية سافرة تبدومغالاة في إبراز جانب واحد، بل وحتى غير صائبة، فقد كانوا رجعيين بنفس القدر الذي كانت عليه رجعية المشاركين في الانتفاضات الفلاحية في عصر الإقطاع بأوروبا، بكل ماشهدته من بطش وبأس. وعندما خابت آمال الإخوان وعادوا من الحجاز إلى هجرهم وقبائلهم في وسط الجزيرة، غدا واضحا حتى اشتباكهم مع دولة إبن سعود الإقطاعية المركزية بات وشيكا.


الفترة الأولى لانتفاضة الإخوان

صورة رسمت بخط اليد في يناير من عام 1930 لفيصل الدويش

بلغت العلاقات بين السلطة الإقطاعية المركزية والإخوان درجة الغليان بسبب تعاون عبدالعزيز مع الإنجليز عند رسم الحدود مع الكويت والعراق والأردن، وبسبب سياسته في الحجاز. فقد اعتبر الإخوان إذا غبنا أصابهم عند توزيع الغنائم في الحجاز، كما حتى موافقة عبدالعزيز على منع الغزوات على أراضي الكويت والعراق والأردن حرمهم من إمكانية تحسين أوضاعهم المادية عن طريق سلب المشركين. وفي ظروف تعمق أزمة تربية الإبل وتخلف الزراعة في الهجر، كان الغزوالمتستر بذرائع دينية يظهر للإخوان مخرجا طبيعيا يدفع عنهم غائلة الفقر والجوع. وأدى تسامح عبدالعزيز مع الشيعة في الإحساء والقطيف إلى زيادة الطين بلة.

من تناقضات حركة الإخوان حتى قادتها كانوا من شيوخ العشائر الإقطاعيين الطامحين إلى حتى يصبحوا حكاما إقطاعيين مستقلين. وبذا صارت حركة الإخوان الديمقراطية من حيث هجريبها وعدد من مطالبها، أداة لخدمة النزعة الإنفصالية الإقطاعية العشائرية. وكان من أبرز قادة الإخوان القائد العسكري والمقاتل الجسور، شيخ قبيلة مطير فيصل الدويش الذي عاد بعد سقوط جدة في أواخر عام 1925 إلى مقره في الأرطاوية مستاءا استياءا شديدا من عبدالعزيز، إذ أنه لم ينصب حاكما للمدينة المنورة كما كان يأمل. وأضيف إلى ذلك التناحر بين مطير وآل سعود الذي خفت بعض الشيء قبل عام 1925. يقول المؤرخ خالد الفرج : (إذا راجعنا تاريخ نجد وجدنا قبائل مطير دائما في صفوف أعداء آل سعود. وهم أول من تلقى طوسون باشا في الحجاز، ونقل حملته إلى القصيم. وانضموا إلى حملة إبراهيم باشا على الدرعية، وقاتلوا في صفوفه... وهم الذين هللوا لمقدم خورشيد باشا، وجاؤوا معه إلى الخرج محاربين. وكانوا أخيرا في صفوف إبن رشيد، إلى حتى ضربهم إبن سعود في سقطة جولبن فكسر شوكتهم). وحتى بعد انضمام فيصل الدويش إلى إبن سعود، فإن 150 رجلا مسلحا كانوا يصحبونه حدثا يقدم الرياض. وكان الملك، كما يقول حافظ وهبة، (يعتبره صديقا قديما وقائدا من عظام قوادة. وإذا جلس لايجلس إلا في جوار الملك... وإذا استأذن في الرجوع إلى الأرطاوية قدم للملك قائمة تبتدئ من حبال الآبار.. إلى السلاح والجوادي، ومابين ذلك من ملابس له ولأولاده وزوجاته).

وكان من المعارضين لأبن سعود ضيدان بن حثلين شيخ العجمان وهم من أشد وأقدم خصوم آل سعود ولم يقهروا وينضموا إلى حركة الإخوان إلا منذ عهد قصير، وكذلك شيخ عتيبة سلطان بن حميد بن بجاد رغم حتى عبدالعزيز بن سعود هوالذي ساعده على حتىقد يكون شيخا. وقد آمل إبن بجاد حتى ينصب حاكما للطائف ولكن كان للملك رأي أخر. وقد كانت عتيبة أقوى وأكبر قبائل وسط الجزيرة بعد عنزة. وفيما بعد انضم إلى الحركة المناوئة لإبن سعود واحد من مشايخ الدولة. وبذا فإن القبائل القاطنة إلى الشرق والشمال والغرب والجنوب الغربي من الرياض صارت معادية للسلطة المركزية. ومن المهم الإشارة ‘لى أننا لا نجد في معسكر المعادين لعبدالعزيز ممثلي القبيلة الأكثر بأسا وقوة وهي عنزة (باستثناء فخذ الرولة) وكذلك آل حرب، والقسم الأكبر من شمر. أي حتى انتفاضة البدولم تكن شاملة الأمر الذي أنقذ النظام الملكي.

في مطلع عام 1926 اجتمع فيصل الدويش وإبن حثلين وإبن بجاد في الغطغط وأعدوا قائمة بمآخذهم على عبدالعزيز، وصارت هذه القائمة أساسا للتهم التي وجهت للملك في الاجتماع العام الذي عقده زعماء الإخوان من مطير وعتيبة والعجمان في تشرين الثاني – كانون الأول (نوفمبر – ديسمبر) 1926 في الأرطاوية. وقد وجهت للملك سبع تهم: - سفرة إبنه سعود إلى مصر (إثر حادث المحمل).

- سفرة إبنه فيصل إلى لندن في (آب أغسطس) 1926 للتفاوض مع الإنجليز)، الأمر الذي يعني التعاون مع بلد الشرك.

- استخدام التلغراف والتلفون والسيارة في أراضي إسلامية. وكانت هذه النقطة خليطا من الاحتجاج الشعبي على تعزيز السلطة المركزية والعصبية البدوية.

- فرض رسوم جمركية على مسلمي نجد، وكان هذا في الواقع احتجاجا على تشديد استغلال السكان عن طريق الضرائب التي تجبي مركزيا.

- منح قبائل الأردن والعراق حق الرعي في أراضي المسلمين – وهذا انعكاس للصراع بين القبائل في سبيل الحصول على المراعي.

- حظر المتجارة مع الكويت. فلوكان سكانالكويت كفارا فإن على عبدالعزيز إعلان الجهاد ضدهم، وإن كانوا مسلمين فلا يجدر به الوقوف ضد المتاجرة معهم. - التسامح مع الخوارج (الشيعة) في الإحساء والقطيف. فقد أراد الإخوان لعدبالعزيز إما حتى يهديهم إلى الإسلام أويقتلهم.

شعر عبدالعزيز حتى استياء الإخوان قد يتخذ طابع انتفاضة صريحة، فغادر الحجاز على عجل وعاد إلى الرياض في كانون الثاني (يناير) 1927. وفي أواخر هذا الشهر نادى إلى العاصمة زهاء ثلاثة آلاف من الإخوان، وفي هذا الاجتماع قدم فيصل الدويش وإبن بجاد وغيرهما من زعماء الإخوان المنشقين بنودهم السبعة. لم تكن الانتفاضة قد اتخذت طابعا صريحا بعد، لذا أخذ إبن سعود يبحث عن حل وسط فوافق على تقليص الضرائب ولكنه رفض نبذ اللاسلكي والسيارة. بل أنه أقنع الحاضرين بمبايعته ملكا لنجد والحجاز فأصبح لقبه (ملك الحجاز ونجد وملحقاتها).

في شباط (فبراير) 1927 أصدر فهماء الرياض الذين أقلقتهم مطالب الإخوان فتوى اشتهرت فيما بعد. وقد سقطها 15 عالما الأمر الذي يشير على مدى تعقد الوضع. وتظاهر الفهماء بأن موقفهم محايد إزاء التلغراف، ولكنهم نصحوا الإمام بهدم مسجد الحمزة وإرغام الشيعة على دخول الإسلام أوطردهم من البلد. (نذكر بأن الوهابيين لا يعتبرون الشيعة مسلمين). وطالب الفهماء الملك بمنع شيعة العراق من الرعي في أراضي المسلمين. وطالب الفهماء بأن يعيد الملك الضرائب المستوفاة خلافا للشرع، ولكنهم أشاروا في الوقت ذاته إلى حتى فرض ضرائب غير شرعية ليس ببا كافيا لتصديع وحدة المسلمين. كما أكدوا على حتى الإمام هوالشخص الوحيد الذي يمكنه إعلان الجهاد.

في مطلع نيسان (إبريل) 1927 قرر عبدالعزيز حتى يعقد اجتماعا آخر لشيوخ القبائل وزعماء الإخوان، فوفد إلى الرياض مايزيد على ثلاثة آلاف من الإخوان، ولم يحضر ابن بجاد. وفي هذه المرة حاول عبدالعزيز عزل فيصل الدويش الذي اعتبره خصمه الرئيسي. ويبدوحتى عبدالعزيز تمكن في هذا اللقاء من استمالة فخذ من مطير وجعله معاديا لفيصل. لكن الحركة المعارضة لإبن سعود لم تقتصر على الإخوان. ففي صيف 1927 اكتشفت مؤامرة تهدف إلى اغتيال سعود بن عبدالعزيز في الرياض وعبدالله بن جلوى في الإحساء. وزعم حتى بين المتآمرين شقيق عبدالعزيز محمد وإبنه (إبن محمد) خالد.

لم يجرؤ فيصل على تحدي الملك جهارا، فأخذ يستعد لشن غزوات على العراق. وكان يأمل من وراء ذلك توزيع الغنائم على أتباعه وحمل الملك على مساندته أو، بخلاف ذلك، البرهنة على أنه لم يعد مجاهدا في سبيل الله. ظل الملك يترقب، إذ حتى (الحذر كان دوما السمة المميزة لعبدالعزيز بن سعود – كما يقول غلوب – وكان واثقا من قدرته على هزيمة خصومه من أمراء الجزيرة، ولكنه لم يكن مستعدا لخوض معارك حربية ضد بريطانيا. أما الإخوان فقد كانوا مستعدين لإيراد أقوال عبدالعزيز السابقة كحجة ضده. واعتبروا العراقيين خوارج وأعداء الله ونطقوا بأن أرواحهم وممتلكاتهم مباحة للإخوان باعتبارهم مؤمنين بالدين الحق. غير حتى عبدالعزيز كان مثالا للحذر والتبصر. ولئن أيد العصبية فقد كان ذلك لغرض وحيد وهواستخدامها كأداة لبلوغ مآربه، بينما لم يكن هوذاته متعصبا ابدا).

رغم حتى وضع إبن سعود في المملكة صار مهزوزا فإن الدبلوماسية البريطانية ظلت ترى فيه القوة العملية الوحيدة في الجزيرة، القوة التي تعتزم التعاون معها. وتخلت بريطانيا عن آمالها في فرض أوإبقاء الحماية على الحجاز ونجد وملحقاتها. وكانت مملكة الجزيرة المترامية الأطراف والقليلة السكان محاطة بمستعمرات أومحميات أوبلدان تابعة للندن. وقدر الإنجليز حتى المملكة، حتى وإن ظلت مستقلة، ليس بوسعها اتخاذ أية خطوات تضر بالمصالح البريطانية.

في آيار (مايو) 1927 أجرى المندوب البريطاني كلايتون مفاوضات مع عبدالعزيز في جدة، وفي العشرين من الشهر عقدت (معاهدة صداقة وحسن تفاهم) وقد ألغت هذه المعاهدة النافذة لمدة سبعة أعوام، اتفاقية عام 1915 واعترفت (بالاستقلال التام والمطلق) لممتلكات إبن سعود. ومن الناحية الشكلية لم تنص المعاهدة على أية امتيازات خاصة لبريطانيا، ولكن إبن سعود التزم بالاعتراف بأن لها (أي لبريطانيا) علاقات خاصة مع إمارات الخليج ومحميات عدن. ولم يعترف الملك بإلحاق العقبة ومعان بشرق الأردن، إلا أنه التزم بمراعاة الأمر الواقع لحين رسم الحدود بين الحجاز وشرق الأردن بشكل نهائي. وكانت المعاهدة نجاحا هاما للدبلوماسية السعودية وقننت استقلال الدولة الجديدة.

سرعان ما منح الإنجليز الإخوان ذريعة لغزوأراضي العراق. ففي أيلول (سبتمبر) 1927 أوفدت مجموعة من الشرطة العراقية إلى آبار البضية الواقعة على الأراضي العراقية على مقربة من الحدود لبناء مخفر هناك. وقد احتج عبدالعزيز استنادا إلى اتفاقية المحمرة والبروتوكول رقم واحد المسقط في العقير. وردت الحكومة العراقية بأن البضية تقع داخل العراق على بعد 80 ميلا عن الحدود، وأن المخفر للشرطة وليس للجيش، في حين حتى النجديين لمقد يكونوا يفرقون بين الشرطي والجندي. ولم يأبه الإنجليز باحتجاجات إبن سعود الذي طالب بإزالة المخفر، وذلك تحت ضغط الإخوان.

في ليلة السادس من تشرين الثاني (نوفمبر) 1927 أباد مطير جميع رجال الشرطة العراقيين باستثناء واحد. وتدخلت إلى جانب العراق الطائرات البريطانية التي ألقت قنابلها على البدو. وفي مطلع كانون الأول (ديسمبر) هاجم 300 من مطير أراضي الكويت إلى الشمال الشرقي من الجهراء. وفي 13 من الشهر طلب إبن الصباح مساندة الطائرات البريطانية لمجابهة الغزوات. ولكن إبن سعود كان قبل ذلك قد أبلغ الحكومتين العراقية والكويتية بأن هذه الغزوات تجري خلافا لأوامره. وفي 16 كانون الأول أعيد بناء مخفر البضية ورابطت فيه فصيلة من الجيش العراقي. ومن كانون الأول (ديسمبر) 1927 استخدمت الطائرات البريطانية على نطاق واسع ضد الإخوان، ولكن كان من الصعب في الصحراء تمييز الإخوان عن غيرهم، فادت الغارات إلى مصرع سكان مسالمين. وقد استمرت غزوات الإخوان حتى شباط (فبراير).

وقد نطق غلوب الذي عاصر تلك الأحداث وشارك فيها : (عام 1927 لم يعد إبن سعوند مسيطرا على الوضع سيطرة تامة. فقد اغتر الإخوان، إثر فوزاتهم في الحجاز، بقوتهم وزعموا حتى سيوفهم هي التي أعربت حدثة إبن سعود. وأدرك الإخوان أنهم عماد جيش الملك الذي لم يكن لديه قوات نظامية لضبطهم. وكانت الإنتفاضة الصريحة ضد إبن سعود صعبة، فهوالإمام ويحظى بتعاطف أهل نجد. ولكنهم اعتبروا حتى من الواجب المقدس محاربة الشيعة العراقيين، لإنهم خوارج ولكونهم تحت حماية الإنجليز. واتهم إبن سعود بالتسامح في الدين ورفض محاربة أعداء الله. ولم يكن النجديون، رغم مساندتهم لإبن سعود، مستعدين لاستخدام القوة بهدف منع الإخوان من شن الغزوات على العراق التي تعني الاصطدام ببريطانيا. ولم يكن بوسع إبن سعود حتى يعترف للدول الأخرى بأنه سيطر تماما عليهم كان ليعني تحمل مسئولية غزوات الإخوان. وقد أعطاه بناء مخفر البضية ذريعة لاتهام العراق والإخوان). وفي هذا الظرف آثر ملك الحجاز نجد الاستمرار في ترينه. وفي آذار (مارس) 1928 عاد مطير إلى هجرهم بعد غزوات موفقة.

في كانون الثاني (يناير) 1928 التقى حافظ وهبة بالمندوب البريطاني هنري دوبس في الكويت، بعد حتى حذر الإنجليز إبن سعود من حتى الطيران يفترض أن يستخم بكل ضراوة ضد الإخوان إذا لم يوقف الملك الغزوات. ولكن الإنجليز استمروا في تزويد الملك بالذخائر. وفي آذار (مارس) 1928 أعرب ناطق باسم الحكومة البريطانية في مجلس العموم حتى بلاده أعطت خلال الأشهر الأخيرة ثلاث مرات ترخيصا بتصدير الذخيرة إلى إبن سعود. في مطلع نيسان (إبريل) 1928 عقد في بريدة لقاء آخر مع الإخوان، ولكن فيصل الدويش وابن بجاد لم يحضرا إلى المدينة، بينما رفض عبدالعمزيز الالتقاء بهما في البادية. ووعد الملك الإخوان بأنه سيجري مفاوضات مع الإنجليز ويحتج على إقامة المخفر.

في آيار (مايو) 1928 جرت مفاوضات بين عبدالعزيز والمندوب البريطاني كلايتون، ولكنها لم تسفر عن شيء، كما لم يتمخض عن نتيجة اللقاء الآخر الذي عقد في آب (أغسطس) من العام نفسه. وقد أحس الإنجليز بأن بعدالعزيز أخذ يفقد السيطرة التامة على البلد. وأدرك الطرفان أنه لم يتبق لديهما سوى ستة أشهر يحل بعدها موسم الرعي الجديد الذي تعود فيه مناطق الحدود إىل حالة الفوضى.

أمضى عبد العزيز صيف عام 1928 كله في مكة يشن هجمات إعلامية ضد العراق، يظهر حتى الغرض منه إقناع الإخوان بتمسكه بأسول الدين. ويقول فيلبي (إن ابن سعود شعر بالحاجة إلى الحد من تعصب أتباعه. وكان يعهد حتى الحرب مع العراق. مع القوات البريطانية تعني كارثة، فقرر تحاشيها بأي ثمن. ولكنه كان يحس أيضا حتى الغليان في البادية بلغ حد تحديه لتسامحه مع المشركين).

وضع كبار زعماء الإنتفاضة الإخوانية خطط اقتسام ممتلكات إبن سعود. فقد استقر الرأي على حتىقد يكون فيصل الدويش حاكما لنجد وإبن بجاد حاكما للحجاز وتعطى الإحساء لإبن حثلين. ووعد نداء بن نهير، وهومن أبناء أحد أفخاذ شمر، بتنصيبه حاكما للحائل إذا ما انضم إلى قادة الإخوان ولكنه آثر التريث وظل وفيا لإبن سعود.

في أيلول (سبتمبر) 1928 عاد الملك إلى الرياض ووجد حتى بعضا من أفخاذ العجمان قد اتحد مع فيصل وإبن بجاد. أخذ الملك يعمل على عقد الجمعية العمومية للحضر والإخوان وحدد شهر تشرين الأول (أكتوبر) موعدا لها ولكن الجمعية لم تنعقد إلا فيستة كانون الأول (ديسمبر) 1928. جاء الجمعية العمومية زعماء الإخوان وشيوخ العشائر وأشراف المدن وفهماء الدين، وتجاوز العدد الإجمالي للحاضرين ومرافقيهم 800 شخص، وتغيب عن الجمعية فيصل الديش وسلطان بن بجاد وإبن حثلين، ولكن فيصل أوفد إبنه عزيز لحضورها. تحدث عبدالعزيز في الحاضرين طويلا وعدد منجزاته ومنها توحيد الجزيرة وإقامة صرح السلام.ثم لجأ إلى حركة مسرحية باقتراحه التنازل عن العرش شريطة حتى يبايع المجتمعون واحدا من آل سعود ملكا، ونطق أنه يفترض أن يساعد من يختارونه. وتحدث عبدالعزيز عن مفاوضاته مع الإنجليز ونطق حتى غزوات فيصل الدويش هي سبب تعنتهم.

عملت الحركة المسرحية عملها في الحاضرين، وخاصة سكان الحواضر وواحات نجد، الركيزة التقليدية لآل سعود، والذين كانوا يعهدون حق المعهد ما قد يعنيه بالنسبة لهم غياب عبدالعزيز وفوز فيصل الدويش وبان بجاد. ووسط صياح : (لانريد بك بديلا) أعرب جميع الحاضرين عمليا عن تأييدهم لسياسته و(إنكارهم) لزعماء الإخوان الثلاثة. ومن الواضح حتى المجتمعين كانوا يدركون حتى ابن سعود لايتنازل عن العرش طائعا، وأنه كان قد بلغمن القوة والذكاء حدا كبيرا وأصبح مستعدا لمحاربة الإخوان. وتيقن أعيان الحواضر من ضرورة محاربة الإخوان، وقد لعب دورا في ذلك السعي لحماية المصالح الطبقية في لقاءة البدوالثائرين، إلى جانب نفور الحضر من البدو. غير حتى الصعوبة تمثلت في حتى حركة الإخوان اتخذت طابعا دينيا وزعم قادتها الثلاثة أنهم حماة الدين الحقيقيون وأن عبدالعزيز يقدم مصالحه الشخصية على مصالح الإسلام ويتعاون مع الإنجليز الكفار.

مع بداية موسم الرعي غدا واضحا حتى الحرب الأهلية قائمة لامحالة، رغم حتى قبائل كثيرة اتخذت موقف متريث. وعوضا عن الوقوف جهارا ضد عبدالعزيز آثر زعماء الإخوان الثلاثة شن غزوات على العراق، لكن لايتهموا بالعصيان.

هاجم بن بجاد قرية الجميمة على الحدود مع العراق، وقتل كثيرا من التجار بينهم عدد من أهالي نجد، ثم هاجم شمر. وقد جعل الإخوان أكبر القبائل وهي عنزة وقبيلة حرب الحجازية تتألبان ضدهم. وحصل إبن سعود الذي كان قبل شهر فحسب مهتز الثقة بنفسه، على دعم من البدووالحضر في نجد. وأبدى فيصل الدويش كياسة سياسية أكثر من ابن بجاد فاقتصر على مهاجمة العراقيين متظاهرا بأنه من رعايا الملك الأوفياء ولم يبتر الأواصر معه بشكل لارجعة فيه، كما حتى الخلافات بينه وبين ابن بجاد تزايدت. وبعد مذبحة الجميمة وصل ابن سعود إلى القصيم حيث جهز حملة من المتطوعين النجديين الذين التحقوا بقواته عن طيب خاطر لأن المزارعين والتجار لم يشعروا بالأمان طالما استمر الإخوان البدوفي نهبهم وتقتيلهم. وسار في ركب ابن سعود فخذ من العتيبة على رأسه عبد الرحمن بن ربيعان منافس ابن بجاد، ومشاري بن بصيص من مطير ودليم بن براك من بني رشيد وعدد كبير من قبيلة حرب وكل شمر ونجد تقريبا وجزء كبير من قبيلة الظفير وجزء من عنزة الحجاز، وكذلك ولد سليمان وغيرهم. وصار جاء نجد العمود الفقري لقوات الملك. في مطلع آذار (مارس) 1929 بدأ ابن سعود حملته، وكان ابن بجاد وفيصل عند آبار السبلة.

جرت سلسلة من المفاوضات، وزار فيصل الدويش معسكر عبدالعزيز ثم عاد إلى جماعته. وفي اليوم الثاني، في 31 مارس 1929 نشبت معركة السبلة. حشد ابن سعود في الوسط مشاة من أهالي نجد، وجعل إخوانه وأبناءه على رأس مجموعات وبدأ الهجوم، وكان المتطوعون من البدوعلى الميمنة والميسرة. خسر الإخوان المعركة وأصيب فيصل الدويش بجرح بالغ في بطنه، وتقدم سعود بن عبدالعزيز على رأس مجموعة من أهالي الرياض وحرس الملك، ليكمل الفوزات. وتحمل جاء نجد العبء الأساسي في المعركة.

هرب فيصل الجريح إلى الأرطاوية وأوفد نساءه إلى الملك لكي يطلبن منه الرأفة والعفو. وحينما فهم عبدالعزيز بأن فيصل أصيب بجرح شديد لان وعفا. وبعث بطبيبه الخاص إلى فيصل. ويبدوحتى الغرض لم يكن المداواة فقط، بل فهم مدى خطورة الإصابة. وعلى أية حال فقد استوعب عبدالعزيز حتى فيصل لم يعد له وجود كمنافس له.

أما ابن بجاد فقد عاد بعد المعركة إلى الغطغط. وبعث إليه الملك رسالة يطلب منه فيها حتى يستسلم هووشيوخ القبائل الذين شاركوا في الانتفاضة. وقد انصاع ابن بجاد فحبس وسواه من زعماء الانتفاضة في سجن بالإحساء وهناك قضوا نحبهم. وأمر عبدالعزيز بتجريد هجرة الغطغط من السلاح وهدم بيوتها. وما زالت أنقاضها قائمة حتى اليوم.

اعتقد الملك حتى انتفاضة الإخوان قد قمعت، فقصد المدينة ثم مكة للحج في آيار – حزيران (مايو– يونيو) 1929.


الفترة الثانية من الانتفاضة

غير حتى فيصل الدويش ظل على قيد الحياة ولم تحبط عزائمه، فعاد إلى تدبير غزوات ضد العراق. ورغم عدم اشتراك ضيدان بن حثلين وقبيلته في معركة سبلة، إلا حتى ابن جلوى اعتبر تصرفات العجمان السابقة حجة كافية لضربهم. وأوفد عبدالله بن جلوى إبنه فهد لأسر ضيدان بن حثلين بالقرب من هجرته في الصرار. وقام فهد باستدراج ضيدان إلى لقاء في البادية حيث أسره. وحينما اكتشف الإخوان من جماعة ابن حثلين حتى زعيمهم لم يعد، طوقوا فورا معسكر فهد الذي أمر بقتل ضيدان وخمسة من صحبه. وتلت ذلك معركة اغتال إبانها فهد، بينما انضم إلى المتمردين نايف بن حثلين وهومن أقارب ضيدان وكان سابقا من المعارضين للإخوان. وأدرك زعماء هجرة الصرار حتى عبدالله بن جلوى سيعمل فور سماعه بمقتل إبنه على مهاجمتهم، لذا لموا ماشيتهم وحوائجهم ونزحوا إلى الشمال. ويقول ديكسون حتى الغدر بضيدان ألب بدوالمناطق الشمالية الشرقية من الجزيرة ضد عبدالعزيز رغم أنه لم يكن مسئولا عن ذلك. وعاد جمع كبير من العجمان الذين هجروا أراضي الكويت بضغط من الإنجليز، إلى الإحساء وانضموا إلى أفراد قبيلتهم.

بيد حتى حلول الصيف وضع حدا للمعارك الكبرى، وكان العجمان قد تمكنوا من الحصول على بعض العون من الكويت حيث اشتروا مؤنا وذخائر في أسواقها. واحتج عبدالعزيز فيما بعد لأن الإنجليز تغاضوا عن هذه المشتريات. ولكن كان في العراق والكويت من يتعاطف مع الثائرين لذا لم يكن بوسع افنجليز السيطرة على جميع الأمور. وازدادت قناعة الإنجليز من حتى تحقيق أهدافهم في الكويت والعراق والأردن يحتاج منهم حتى يساعدوا ابن سعود في قمع انتفاضة الإخوان وتوطيد نظامه.

انضم فيصل الدويش الذي قرر حتى يحمل راية الانتفاضة مجددا، إلى العجمان، وفي منتصف تموز (يوليو) عمل وإياهم على بتر الطريق بين الرياض والهفوف. وبترت عتيبة سبل الاتصال بين الحجاز ونجد. وفي البدء كان العجمان يرومون مهاجمة القطيف والمدن الساحلية في الإحساء ولكن العوازم اعترضوا طريقهم. هاجم العجمان العوازم لسلبهم ولكنهم ردوا على أعقابهم. وكانت تلك هزيمة نكراء مني بها العجمان ومطير لأن العوازم يعتبرون من (مجهولي النسب) أوالهتمان. دارت في البلد رحى حرب أهلية، وصار جامعوا الخراج عرضة للقتل في جميع مكان. ولم تعد طرق القوافل في الحجاز ونجد والإحساء آمنة.

عاد الملك إلى الرياض في تموز (يوليو) 1929 ومعه 200 سيارة لاستخدامها ضد المنتفضين. واتفق في الحجاز على شراء أربع طائرات وخطط لإقامة شبكة من محطات الإذاعة في البلد. ولم يُرسّى طلب إقامة الإذاعات على شركة ماركوني إلا في أواخر عام 1930، أما الطائرات فقد وصلت سواحل الإحساء في نهاية عام 1929 حيث انتفت الحاجة لاستخدامها ضد البدو. في أيلول (سبتمبر) قرر ابن سعود القضاء على الثائرين، ونادى أمراء القطيف والإحساء والقصيم وحائل إلى تزويده بالرجال والمال والسلاح، واستنفر أهالي نجد من بدووحضر، كما حصل على مؤازرة الهجر التي لم تنضم إلى فيصل الدويش.

أنزلت ضربة قوية بفيصل الدويش في أيلول (سبتمبر)، حينما ألحقت قوة يترأسها ابن مساعد، الهزيمة بقوات مطير بقيادة الشاب عزيز بن فيصل الدويش الذي اغتال هوونخبة من مطير في المعركة. وبعد بضعة أيام مني بالدويش بهزيمة أخرى، إذ حتى فخذا من عتيبة له علاقة بالإخوان هزم من قبل فخذ آخر من نفس القبيلة ظل مخلصا لعبدالعزيز وساندته وحدة بقيادة ابن لؤي من الخرمة.

انتهى أمر الانتفاضة. وفي تشرين الأول (أكتوبر) 1929 هرب فيصل إلى الكويت أملا في الحصول على حق اللجوء له ولرجاله ولإبقاء أفراد عائلته هناك وأخذ وعد من الإنجليز بعدم قصف مطير. ولكن الإنجليز ظلوا يسوفون ولم يعطوا أية ضمانات. منظمة هربا من ابن سعود. وكانت القوات العراقية محشدة إلى الشمال من الكويت، وقامت المصفحات البريطانية بطرد الإخوان ليعودوا إلى الأراضي السعودية.

وفي تشرين الأول (أكتوبر) 1929 أعرب عبدالعزيز حتى جميع من اشهجر في الفتنة يؤخذ ماله وجميع ما لديه من إبل وخيل وسلاح، وأن جميع من مالأ المنتفضين تؤخذ منه الذلول والفرس والبنادق، على حتى يقسم جميع ماينتزع من المنتفضين على المشاركين في المعارك إلى جانب الملك. وأمر بأن جميع هجرة غلب الفساد على أهلها يطردون منها... ولايسمح لفريق منهم بالاجتماع في مكان واحد.

في كانون الأول (ديسمبر) عام 1929 جمع عبدالعزيز قوة من جاء العارض والوشم والقصيم وبعض الأفخاذ الموالية له من مطير وعتيبة وحرب ووحدات من قبائل سبيع وقحطان والدواسر. وبدأ بمطاردة فيصل. وجرت اشتباكات أدت إلى هزيمة الإخوان. وفي أواخر الشهر ذاته بعث فيصل الدويش رسالة إلى عبدالعزيز يطلب فيها العفووالأمان. ورد الملك بأن فيصل لمي عد له الحق في العفو. غير حتى الممحررات استمرت بين الجانبين. وفي الوقت ذاته بعث فيصل رسالتين إلى ملك العراق المخلصين. ولكن الإنجليز كانوا يميلون إلى القضاء على الإخوان. وفي نهاية كانون الأول أصبحت فلول قوات الدويش محصورة بين قوات عبدالعزيز والقوات البريطانية على الحدود بين نجد والعراق والكويت. وكانت قوات عبدالعزيز ومدرعاته أكثر بكثير من المتمردين.

في إحدى المعارك هزم آل حرب نفرا من مطير ففر هؤلاء إلى الكويت. وحينما نما الخبر إلى فيصل عبر مطلع كانون الثاني 1930 حدود إمارة الكويت. وحالما فهم عبد العزيز بذلك خط إلى المقيم البريطاني في الكويت هارولد ديكسون Harold Richard Patrick Dickson ‏(1881-1959) يحتج على السماح للإخوان بالالتاتى إلى الكويت والعراق والأردن. وفي اليوم التالي تلقى تعهدا بأن المتمردين يفترض أن يطردون. ولكن لايستبعد حتى السلطات البريطانية والعراقية والكويتية كانت ترغب الإبقاء على زعماء الإخوان كأداة في يدها للضغط على ابن سعود.

استسلم فيصل الدويش وسواه من زعماء الإخوان إلى السلطات البريطانية في العاشر من كانون الثاني (يناير) 1930، فنقلوا بالطائرات إلى البصرة حيث وضعوا على متن بارجة بريطانية في شط العرب. وبعد يومين طالب عبدالعزيز بتسليم زعماء الإخوان. وكان ملك العراق فيصل يدعوإلى منح حق اللجوء للإخوان ولكن البريطانيين لم يتفقوا معه في الرأي. وصل إلى معسكر ابن سعود وفد بريطاني وجرت مفاوضات تم بعدها التوصل إلى اتفاق حول تسليم زعماء الإخوان للملك. ووعد الملك بالإبقاء على حياتهم، ومنع الغزوات على العراق والكويت. كما حتى عبدالعزيز تعهد بتعويض العراق والكويت عما ألحق بهما من أضرار ودفع عشرة آلاف جنيه تعويضا عن الخسائر التي سببتها غزوات الإخوان، وأن يعين في أي وقت مندوبين إلى المحكمة المشهجرة وفقا لاتفاقية بحرة.

في 27 كانون الثاني (يناير) نقل زعماء الإخوان الثلاثة إلى مخيم عبد العزيز حيث استقبل الملك عدوه اللدود المهزوم باللوم. ورفض فيصل الاعتراف بأنه ارتكب معصية أوخطأ. وقد نقل المعتقلون إلى سجن الرياض، وتوفي فيصل في الثالث من تشرين الأول (أكتوبر) 1931 في السجن. وظل حتى الرمق الأخير ثابت الجنان ومات وهويقسم بمحاسبة عبد العزيز في يوم القيامة. إلى غير ذلك آخر وأكبر ممثلي عهد انصرم. وسرعان ما توفي الباقون من زعماء الإخوان في السجن، ولعل السجانين قد أعانوهم في ذلك.

في يناير 1930 انتهت انتفاضة الإخوان عمليا. وبذا انهزمت وتلاشت حركتهم التي لعبت دورا هاما في تعزيز سلطة ابن سعود وغزواته. وتوقفت حتى عملية تحضر البدووانتنطقهم إلى الزراعة. وكانت للدولة الإقطاعية المركزية الغلبة على الحركة الشعبية للبدوالذين قاموا، بشكل غريزي، تشديد الاضطهاد ووقفوا ضد التطلعات الإقطاعية الانفصالية لزعمائهم.

أصبح بدوالجزيرة ولعقود طويلة تحت رحمة الماكنة العسكرية البيروقراطية. ولكن لايستطيع أحد حتى يجزم ويحدد بثقة الجانب الذي يسلتزمه البدوفي حالة الصراعات المحتملة مستقبلاً.

في 20 فبراير 1930 وصل عبدالعزيز إلى رأس تنورة، واستقبل على متن بارجة بريطانية حيث التقى المندوب السامي البريطاني في العراق فرانسس همفريز والملك فيصل. وخلال اللقاء الذي دام ثلاثة أيام تبادل العاهلان العتاب، ولكن المصالح المشهجرة كانت لها الغلبة في آخر الأمر، فاتفقتا على عقد معاهدة للصداقة وحسن الجوار سقطت بعد أسابيع بإلحاح من البريطانيين. وإلى بضع سنوات خلت كانت الأسرتان المالكتان تتحاربان في الحجاز الذي اعتبره الهاشميون ملكا متوارثا لهم. ولم تنس أسرة الشريف قط فقدانها مكة والمدينة والهزائم المنكرة التي ألحقها بها ابن سعود. بيد حتى متطلبات السياسة الواقعية كانت الأقوى. وقرر العاهلان تبادل الاعتراف بينهما كملكين للدولتين وتبادل المبعوثين الدبلوماسيين واحترام جميع طرف لحقوق العشائر والأراضي المشمولة بسيادة الطرف الآخر.

بدا حتى النظام السعودي قد أنجز بنجاح حل مشاكله الخارجية والداخلية، وصار بوسعه الخلود إلى عهد من الاستقرار النسبي. ولكن كان على ابن سعود حتى يمر، قبل حلول هذا العهد، باختبارين جديدين هما الحركات المسلحة في الحجاز وعسير والحرب مع اليمن، وإن لم يشكل خطرا جديا على سلطته.

المصادر

نطقب:تاريخ العربية السعودية

  1. ^ Dickson, Harold Richard Patrick (1881-1959) Lieutenant Colonel Colonial Administrator. "Fonds" (PDF). جامعة أكسفورد. line feed character in |author= at position 63 (help)
تاريخ النشر: 2020-06-09 00:34:16
التصنيفات: تاريخ السعودية, إخوان من طاع الله, عبد العزيز آل سعود, 1926 في السعودية, 1927 في السعودية, 1928 في السعودية, 1929 في السعودية, 1930 في السعودية, العلاقات السعودية العراقية, مملكة نجد والحجاز, العلاقات البريطانية السعودية, العلاقات البريطانية العراقية, مملكة العراق, تاريخ الكويت, فيصل الأول من العراق, العلاقات السعودية الكويتية, CS1 errors: invisible characters

مقالات أخرى من الموسوعة

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

آخر الأخبار حول العالم

الرئيس السيسي يدعو مجلس الشيوخ للانعقاد الثلاثاء 3 أكتوبر

المصدر: صوت الأمة - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-09-25 15:20:48
مستوى الصحة: 48% الأهمية: 65%

سوق الجملة يُغلق أبوابه بمناسبة المولد النبوي الشريف

المصدر: جريدة المغرب - تونس التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-09-25 15:14:48
مستوى الصحة: 57% الأهمية: 69%

وزير الداخلية يهنئ الرئيس السيسي بذكرى المولد النبوي الشريف

المصدر: صوت الأمة - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-09-25 15:21:13
مستوى الصحة: 47% الأهمية: 59%

مجموعة توحيدة بن الشيخ تحيي الذكرى 50 لإقرار قانون حق الاجهاض في تونس

المصدر: جريدة المغرب - تونس التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-09-25 15:14:36
مستوى الصحة: 51% الأهمية: 57%

علي الزيتوني رئيسا جديدا لجمعية قدماء لاعبي الترجي

المصدر: جريدة المغرب - تونس التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-09-25 15:14:44
مستوى الصحة: 54% الأهمية: 57%

كرة السلة: النجم الرادسي يتعاقد مع حمزة فضيلي

المصدر: جريدة المغرب - تونس التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-09-25 15:14:33
مستوى الصحة: 45% الأهمية: 58%

تحميل تطبيق المنصة العربية