فضيلة الشيخ سليم البشري المالكي المولود في محلة بشر من محافظة البحيرة عام 1832 ميلادي الموافق لعام 1248 هجري، هوشيخ الأزهر رقم 29.

نشأته ونسبه

هوفضيلة الإمام الشيخ سليم بن فراج بن السيد سليم بن أبي فراج البشري نسبه إلى (محلة بشر) إحدى قرى شبراخيت بمحافظة البحيرة. ولد بها عام 1248هـ/1832م، وقد عاش يتيمًا حيث توفي والده وهوفي السابعة من عمره، وكفله أخوه الأكبر السيد عبد الهادي البشري.

حياته الفهمية

لما بلغ التاسعة من عمره كان قد حفظ القرآن الكريم كله وجوده، ثم قدم إلى القاهرة واحتضنه خاله السيد بسيوني البشري، وهومن شيوخ ضريح السيدة زينب رضي الله عنها، وتفهم على يد خاله مبادئ العلوم، وظل معه مدة عامين، تفهم فيهما عليه وعلى غيره من الفهماء الذين كانوا يحاضرون بالمسجد، فدرس قراءات القرآن الكريم.

درس الشيخ سليم في أعرق جامعة إسلامية سنية ألا وهي جامع الأزهر الشريف وهوما زال تحت رعاية خاله، واتصل بكبار الفهماء وتلقى عنهم، فدرس الفقه المالكي (وكان ياخذ به معظم سكان منطقة البحيرة آنذاك) وظل يواصل الدراسة بالأزهر تسع سنواتٍ كاملة، وقد ترقى في المراتب الفهمية والروحية حتى نال تلك المنزلة الرفيعة وهي تولي مشيخة الأزهر.

توليه المشيخة

وبعد بضعة أعوام صدر الأمر بتعيينه شيخًا ونقيبًا للسادة المالكية، وهومن أكبر مناصب الأزهر، وظلَّ شيخًا للمالكية حتى لقي ربه، ولقد سقط عليه الاختيار ليكون شيخًا للأزهر، فاعتذر عن عدم قبول هذه المنصب الكبير، وبالغ في الاعتذار محتجًا بكبر سنه وضعف صحته، ولكنه أمام الإلحاح الشديد قبل المنصب، وصدر الأمر بتعيينه شيخًا للأزهر في 28 صفر 1317هـ/1901م، ولقد تولى الشيخ البشري منصب شيخ الأزهر مرتين: الأولى التي أشرنا إليها، ولبث فيها أربع سنوات تقريبًا، أظهر فيها سداد الرأي وقوة الحزم، ومضاء العزيمة، ما لا يتفق عادة لمن كان في سنه، واستنطق نتيجة اضطراب الأحوال وأمورٍ لم يقبلها - سنذكرها لاحقا- وذلك في 2 ذي الحجة عام 1320هـ -1904م، وعين بدلا منه الشيخ الببلاوي، وتم تعيينه مرة أخرى شيخًا للأزهر عام 1927هـ/1909م وظل فيها حتى وفاته عام 1335هـ .

شيوخه

من شيوخه الأعلام الشيخ الحناني والشيخ عليش والشيخ الباجوري وأمثالهم كثير.

وكان الحناني من شيوخ الشيخ البشري وأساتذته، وحدث أنه كان يقرا كتابًا من أمهات الخط على متقدمي الطلبة (الدراسات العليا)، وعندما وصل بشرحه إلى نصف الكتاب أدركه الفالج، وبقي الشيخ الحناني أشهرًا وهوفي فراش السقم، والطلبة في انتظاره، فلما أحسَّ بشيءٍ من الراحة طلب حتى يُحمَل إلى مجلس فهمه، ونطق لطلبته: إني ذاهبٌ وليست لي القدرة الآن على تحصيل الفهم، وإني مستخلفٌ عليكم إتمام درسي أجدر الناس به، وأمسك بيد الشيخ سليم البشري، وأجلسه في مجلسه، فأتم الكتاب على غرار شيخه.

تلاميذه

وظل يباشر التدريس بعدها، فظهر نبوغه وذاع أمره، وتهافتت عليه الطلبة، وتخرج على يديه جماعةٌ من كبار الفهماء منهم الشيخ محمد راشد إمام "المعية السنية" و"الحاشية الخديوية" والشيخ بسيوني البليباتي والشيخ محمد عهدة، وغيرهم من افاضل الفهماء، ونبغ الشيخ في علوم كثيرة، وبخاصةٍ في علوم الحديث نبوغًا كبيرًا أبلغه درجة كبار المحدثين واتجهت إليه انظار الباحثين من الفهماء والطلبة.

آثاره الفهمية وتأثيره

واصل الشيخ البشري حركة الإصلاح وإلقاء الدروس والتصنيف الفهمي، ولزم فراشه مريضًا مدة عامين كاملين، لم ينبتر فيهما الطلبة عن الذهاب إليه في بيته بحي (البغالة) بالسيدة زينب، فكان يلقي عليهم دروسه صباح جميع يوم، ولما أتم الله شفاءه عُيِّنَ شيخًا لمسجد السيدة زينب، فقرأ فيه أمهات الخط، والتفَّ حوله الطلبة، وتابعوا دروسه، وكثرت أعدادهم، ولما اتجهت النية إلى إصلاح الأزهر في عهد الشيخ حسونة النواوي كان في مقدمة الفهماء الذين سقط عليهم الاختيار لعضوية مجلس الأزهر، مع الشيخ محمد عبده والشيخ عبد الكريم سليمان وغيرهما من كبار الفهماء، وكان عضوًا بارزًا في المجلس، ومن مسببات تقديم استنطقته أنه وقع حتى اختار أحد الفهماء وهوالشيخ أحمد المنصوري شيخًا لأحد أروقة الأزهر، ولم يكن الحاكم راضيًا عن ذلك، وطلب منه العدول عن تعيينه، فأبى الشيخ الإمام الرجوع عن اختياره!! وكان جريئا عندما قدم استنطقته أول مرة، فلم يهجر تفهم الفهم ولم يحاول أحد حتى يزحزحه عن مكانه، وفي عهده طبق نظام امتحان الراغبين في التدريس بالأزهر، ونطق حدثته في عزة وإباء: " إذا كان الأمر لكم في الأزهر دوني فاعزلوه، وإن كان الأمر لي دونكم فهذا الذي اخترته، ولن أحيد عنه" وغضب الحاكم غضبًا شديدًاً وبخاصة أمام حاشيته فأوفد إلى الشيخ قائلا: "إن تشبثك برأيك قد يضرك في منصبك"، فرد الإمام عليه: " إذا رأيي لي ومنصبي لهم، ولن أضحي لهم بما يدوم في سبيل ما يزول" وقدم استنطقته، وعين الشيخ الببلاوي ثم الشيخ الشربيني بعده، ثم أعيد الشيخ حسونة النواوي، ثم صدر الأمر بإعادة الشيخ البشري مرة ثانية كما أشرنا سابقًا، وكان الإمام البشري حازمًا في إدارته، وعلى الرغم من الأعباء الكبيرة التي كان يتحملها في مباشرته لمشيخة المالكية ومشيخة الأزهر- فإنه ظل يباشر دروسه في الأزهر، كما ظل يباشر التدوين الرقمي والتصنيف وقيادة الحركة الإصلاحية بعزم وحسم، وظهرت آثار ذلك كلها في عهده حتى أصبح معظم مدرسي الرياضيات في عصره من فهماء الأزهر بعد حتى كادت صلة الأزهر بهذه العلوم تنبتر تمامًا. ومن أمثلة شجاعته واعتزازه بنفسه، أنه عقب استنطقته مضى في اليوم التالي إلى الأزهر ليلقي دروسه على طلابه، فقرأ تفهم "التفسير والحديث" الذي حضره يومئذ نحوخمسمائة عالم وباقي الطلبة الذين لم يحص عددهم.

وكان حريصا على لزوم بيته، ولم يخرج منه إلا لإلقاء الدروس، وساءت الأحوال في الأزهر واضطربت الأمور، فاضطر ولاة الأمر إلى اللجوء إليه ليعود إلى منصبه شيخًا للأزهر، ليعالج هذه الاضطرابات، فاشترط حتى تجاب جميع طلباته فورًا وهي : حتى تقوم الحكومة بإكرام الفهماء والطلبة والتوسع في أجورهم وأرزاقهم، ورد حقوقهم إليهم، فتقرر زيادة المرتبات للفهماء لعشرة آلاف جنيه سنويًا، أي ما يساوي اليوم عشرة مليارات جنيه توزع بالتساوي عليهم، وسهل أمورهم الحياتية كثيرًا.

وظل الإمام يكافح ويجاهد في النهوض بالأزهر حتى نال الحظوة لدى السلطان والحكومة فمنحه نيشان المجيدي الأول، وكذا الوشاح الأكبر من وسام النيل، ومن عادته الاستيقاظ مبكرًاً دائمًا، يتهجد ثم يوقظ أهله فيفطر ويلقي عليهم الدروس، ومن الغريب أنه لم يقبض مرتبه في حياته ولا مرة، ويهجر ذلك لمن يثق فيهم، وكل ما كان يقع في يده من بضعة جنيهات جميع شهر ينفقها على الفقراء.

مؤلفاته

وكما ذكرنا حتى الشيخ سليم البشري كان أحد رواد النهضة والتجديد في الأزهر وتحقق على يديه خيرٌ كثيرٌ، وكانت له مجموعةٌ من الحواشي في العقائد والنحووغيرهما، وهي تشهد له بالعمق والدقة، وذكر صاحب "كنز الجواهر" حتى للإمام البشري مؤلفاتٍ قيمةً خطها، ولكنه لم يذكر لنا هذه الخط، ولعلها مقدماتٌ لبعض الخط المهمة في علوم الحديث الذي اشتهر به مثل كتاب (هدي الساري) فهومقدمة ذات قيمة مسهبة لكتاب فتح الباري في شرح سليم البخاري، وكلاهما ـ لابن حجر ـ ونقل مقدمة ابن خلدون لكتابه (في التاريخ)، ونشير إلى بعض الخط التي صنفها:

• حاشية تحفة الطلاب على شرح رسالة الآداب.
• حاشية على رسالة الشيخ عيسى في التوحيد.
• المقامات السنية في الرد على القادح في البعثة النبوية رد فيها على الملحدين، مخطوط بدار الخط.
• عقود الجماعة في عقائد أهل الإيمان .
• الاستئناس في بيان الأعلام وأسماء الأجناس، وهومصنف في النحو، اعتمد عليه المدرسون في الأزهر.
• شرح نهج البردة.

وفاته

بعد حتى قام بنهضة فهمية وإصلاحية وحمل الكثير من العنت عن كاهل الفهماء والطلاب، وافته المنية ولقي ربه بعد حتى جاوز التسعين من عمره عام 1335هـ/1916 م، فحزن عليه كثيرًا عامة الناس وخاصتهم، ولقد رثاه شاعر النيل حافظ ابراهيم بقصيدةٍ بليغةٍ مؤثرةٍ نطق في مطلعها: أيدري المسلمون بمن أصيبوا = وقد واروا "سليما" في التراب هوى ركن "الحديث" فأيُّ قطبٍ؟!= لطلاب الحقيقة والصواب فما في الناطقين فم يوفي = عزاء الدين في هذا المصاب ؟ قضى الشيخ المحدث وهويملي = على طلابه فصل الخطاب ولم تنقص له "التسعون" عزمًا = ولا صدَّتْه عن دَرَكِ الطِلاب

انظر أيضاً

• شيوخ الأزهر

المصادر

وصلات خارجية

• http://www.eslam.de/arab/begriffe_arab/02ba/bischri.htm

نطقب:نادىة إسلام مصريون