پيتر بروغل الأكبر

عودة للموسوعة

پيتر بروغل الأكبر

بروغل Bruegel
لوحة بروغل الرسام والذواقة رسمها ح. 1565 ويـُعتقـَد أنها بورتريه ذاتي
وُلـِد Pieter Brueghel
ح. 1525
برِدا، في هولندا الحالية أوبري, في بلجيكا الحالية, دوقية برابنت
توفي 9 سبتمبر 1569
بروكسل, دوقية برابنت
القومية هولندي أوفلمنكي
مبعث الشهرة رسم بالزيت, طباعة
أعمال بارزة Dulle Griet (ح. 1562)
عرس الفلاح (1568)
الحركة عصر النهضة

پيتر بروغل الأكبر Pieter Bruegel the Elder (ح. 1525 -تسعة سبتمبر, 1569) كان رساماً من عصر النهضة الهولندي وطباعاً معروف بمشاهد الطبيعة والفلاحين (Genre Painting). وكانت كنيته 'بروغل الفلاح' لتمييزه عن باقي أعضاء أسرة بروغل, ولكنه أيضاً المعني عموماً إذا إذا لم يوضح سياق الحديث أي "بروغل" المشار إليه. وبدءاً من عام 1559 أسقط حرف 'h' من اسمه وبدأ يمهر لوحاته بإمضاء Bruegel.

هومصور لا يُعهد مسقط رأسه على وجه التحديد، فربما كان قرب مدينة بريدة Breda (في هولندة) أوقرب بري Breé (في بلجيكة)، تلقى بيتر بروغيل تعليمه في مدينة أنفرس Anvers، وصار عضواً في جمعية الحرفيين في عام 1551.

زار إيطالية ما بين عامي 1552 و1553 وتأثر بطبيعتها، ولاسيما جبال الألب الشاهقة ووديان الأنهار العريضة والمناظر البانورامية التي لم تكن معروفة لديه، وظهرت في لوحاته فيما بعد. كذلك كان تأثير هذه الرحلة الإيطالية فيه كبيراً على الصعيد الفكري، فقد خالط فيها شخصيات مهمة وتعرّف المعالم اليونانية واللاتينية والفنون المعاصرة.

عمل بروغيل عند عودته الى أنفرس رساماً لفناني الحفر العاملين لدى جيروم كوك Jérôme Coeck (مصور وحفار فلمنكي وصاحبُ أشهر مطبعة لأعمال الحفر في زمنه)، ونفذ لهم سلسلة من الرسومات التوثيقية من بينها رسوم لمراكب البحر ومناظر طبيعية ومشاهد فلاحية لها طابع نقدي، ومشاهد تصويرية تشرح القصص التعليمية الرمزية والأمثال، ومنها سلسلة رسوم تحمل اسم «الخطايا الأساسية الكبرى » (1556- 1557) وأخرى تحمل اسم «الفضائل السبع» (1559-1560). بعد هذه الفترة بدأ بروغيل يعمل في التصوير، وفي 1563 استقر في بروكسل حيث خالط الفهماء والفلاسفة من نادىة الحركة الإنسانية الذين اهتموا بإحياء أعمال القدماء من اليونان والرومان، كان يرتاد الأعراس الشعبية باستمرار لمتعته الشخصية وليزيد من اطلاعه واحتكاكه بأوساط العامة ولاسيما الفلاحين حتى أطلق عليه اسم بيتر الفكه أوالساخر وبيتر الفلاح.

وقد ظهرت جميع هذه المؤثرات، وخاصة تأثير فن جيروم بوش[ر] Jérôme Bosch في أعمال بروغيل؛ إذ عالج موضوعاته بأسلوب متميز لا يخلومن الفكاهة والغرائبية اللتين تحملان في طياتهما نظرة فلسفية عميقة للكون والحياة والبشر.

سيرته

كان هذا العصر مقفراً في فن الأراضي المنخفضة إذا استثنينا بروجل والنسيج المرسوم. وتذبذب فن التصوير بين تقليد الإيطاليين- في الأسلوب المهذب والألوان الغنية والأساطير الكلاسيكية والنساء العاريات والخلفيات المعمارية الرومانية- وبين الميل المتأصل إلى التصوير الواقعي لكبار الشخصيات وللأشياء العادية. ولم يحظ الفنانون بالرعاية من البلاط والكنيسة والنبلاء فحسب، بل نالوها باطراد من أغنياء التجار الذين عرضوا أجسادهم البدنية وألغادهم المتهدلة ليعجب بها الخلف، وأحبوا حتى يروا في الصور المناظر المألوفة والمشاهد الطبيعية لحياتهم العملية. وحلت روح الفكاهة، وحب "الجروتسك" أحياناً، محل الإحساس بالتسامي في فن كبار الفنانين الإيطاليين. وقد أنتقد ميكل أنجيلوما رآه افتقاراً إلى التمييز والسموفي الفن الفلمنكي فنطق: "إنهم لا يرسمون في فلاندر إلا ليخدعوا العين الظاهرة، أشياء تبهجك... حشائش الحقول، وظلال الأشجار، والكباري والأنهار... وأشياء صغيرة هنا وهناك... دون عناية بالاختيار أوالرفض"(12). ولا غروفالفن عند ميكل أنجيلوهوالاختيار ذوالدلالة لإبراز السمو، لا التمثيل غير المميز للواقع، وكانت طبيعته الوقور، المحبوسة في حذائه الذي لا ينزع وعزلته الكارهة للناس، محصنة ضد التأثر بجلال الحقول الخضراء وحرارة الحب العائلي.

أما نحن فإننا ننحني إنحناءة العهدان ليواكيم باتينير، ولولما صورته لوحته "القديس جيروم" من منظر طبيعي يذكرنا بأسلوب ليورنادودافنشي، ولجوس فان كليف على لوحته الجميلة التي رسم فيها اليانور البرتغالية، ولبرنيرت فان أورلي اللوحة "العائلة المقدسة" في البرادو، ولتصميماته للنسيج المرسوم، ولزجاجه المعشق في كنيسة سانت جودول ببروكسل؛ وللوكاس فإن ليدن لما حفلت به سنوه التسعة والثلاثون من حشد النقوش والكلشيهات الخشبية، ولجان فإن سكوريل على صورة المجدلية وهي تعتز بقارورة الطيب التي غسلت منها أرجل المسيح، ولأنطونيس مور على صوره القوية لدوق ألفا، وللكردينال جرانفيل، ولفيليب الثاني، ولماري تيودور، ولصورة ليست أقل شأناً من جميع أولئك، وهي صورته هو.

وليلاحظ القارئ كيف من الممكن أن هجرز فن التصوير بالأراضي المنخفضة في الأسر. من ذلك حتى جوس فان كليف ورث بعض مهارته لابنه كورنيليس، الذي رسم صوراً ممتازة قبل حتى يصاب بالجنون. كذلك نرى جان ماسيس الذي ورث مرسم أبيه كوينتين يؤثر رسم العاريات أمثال "يهوديت"، و"سوسنة والشيوخ"، وواصل ابنه كوينتين ماسيس الثاني هذه الحرفة، في حين خمل أخوه كورنيليس فنه إلى إنجلترا ورسم لوحة لهنري الثامن في شيخوخته وقد بدا منتفخ البدن بشع المنظر. ورسم بييتر بوربوس وابنه فرانس لوحات للأشخاص وصوراً دينية في بروج، ورسم فرانس بوربوس الثاني، وهوابن فرانس، لوحات في باريس ومانتوا. وكان هناك إلى هؤلاء بييتر بروجل "المضحك" وزوجته المصورة، وحماته المصورة، وأبناه بييتر بروجل "الجحيم" وجان بروجل "المخمل"، وحفدته المصورون، وأبناء حفدته المصورون...

أما بييتر بروجل الأب، الذي أصبحت شهرته من موضات عصرنا التي لا مهرب منها، فلعل اشتق اسمه من إحدى قريتين في برابانت اسمهما بروجل، وكانت إحداهما قريبة من هرتوجنبوش مسقط رأس هيرونيموس بوش. وربما رأى بييتر في كنائس هذه القرية عدة رسوم بريشة الرجل الذي أثر في فنه تأثيراً لم يفقه غير تأثير الطبيعة ذاتها. وحين ناهز الخامسة والعشرين (حوالي عام 1545) هاجر إلى أنتورب وتتلمذ لبييتر كوك، وربما أعانت محفورات كوك الخشبية للمناظر الطبيعية على تكوين ميل المصور الشاب إلى الحقول والغابات والمياه والسماء. وكان بييتر كوك هذا قد أنجب فتاة تدعى ماريا، كان بييتر يهدهدها بين ذراعيه وهي طفلة، وقد أصبحت فيما بعد زوجاً له. وفي عام 1552 اتبع التقليد الذي جرى عليه المصورون، ورحل إلى إيطاليا ليدرس التصوير، ثم عاد إلى أنتورب بكراسة تضخمت برسوم المناظر الإيطالية، ولكن لم يبد على أسلوبه الفني تأثير إيطالي واضح. وقد ظل إلى النهاية يهمل من الناحية الفهمية تلك الدقة في التشكيل، وفي توزيع الضوء والظل (الكياروسكيورو)، وفي التزويق (الكولورا تورا) التي أخذ بها الفنانون الجنوبيون. ولما عاد إلى أنتورب عاش مع امرأة كانت خليلة ومدبرة لبيته. وقد وعدها بأن يتزوجها إذا أمسكت عن الكذب. وكان يسجل أكاذيبها بثلمات يحدثها في عصا. وإذ لم يكن محتفظاً بعصا لذنوبه هو، فقد هجرها حين فاضت العصا بالثلمات. وفي أواسط أربعيناته (1560) تزوج ماريا كوك وقد بلغت السابعة عشرة، واستمع إلى دعوتها إياه للرحيل إلى بروكسل، ولم يكن باقياً له من العمر سوى ست سنوات.

ومع حتى رسومه حملت الناس على تلقيبه بـ "بروجل الفلاح" فإنه كان إنساناً مثقفاً قرأ هومر وفرجل وهوراس وأوفيد ورابليه، وفي الغالب إرزمس.(13) وقد وصفه كاريل ماندر (فازاري هولندة) بأنه "هادئ، منظم، قليل الكلام، ولكنه ممتع الحديث إذا كان في صحبة، يبتهج بإفزاع سامعيه.... بقصص الأشباح والأرواح المنذرة(14). وربما كان هذا علة لقبه الثاني "بروجل المضحك". وكانت فكاهته تميل إلى الهاتى ولكنه خفف بالعطف، وفي حفر معاصر يظهر في لحية كثة ووجه يحمل سمات التفكير الجاد(15). وكان أحياناً يقتدي ببوش في نظرته إلى الحياة على أنها اندفاع معظم النفوس إلى الجحيم دون مبالاة. وفي لوحته المسماة "دوللي جريت" صور الجحيم تصويراً بشعاً مشوشاً كما يعمل بوش نفسه، وفي لوحته "فوز الموت" لم يتخيل الموت نوماً طبيعياً لأجساد مكدودة، بل تقطيعاً بشعاً للأطراف والحياة- هياكل عظمية تهاجم الملوك والكرادلة والفرسان والفلاحين بالسهام والبلط والأحجار والمناجل- ومجرمين تدق أعناقهم أويشنقون أويوثقون إلى عجلة التعذيب- وجماجم وجثثاً هجرب عربة؛ هنا مثل مغاير آخر ل "رسيرة الموت" التي تسري وسط فن هذا العهد القاتم.

وتواصل صور بروجل الدينية هذا المزاج الجاد. فهي خلومن فخامة الصور الإيطالية ومن جمالها الرشيق على السواء، وليست سوى ترجمة جديدة لسيرة الكتاب المقدس بلغة المناخ والملامح والثياب الفلمنكية. وندر تكشف عن عاطفة دينية، وأكثرها معاذير لتصوير الجماهير. وحتى الوجوه في هذه الصور خلومن العواطف، فترى الناس المتدافعين بالمناكب ليشاهدوا المسيح وهويحمل صليبه وكأنهم لا يبالون بآلامه، إنما هم تواقون لاتخاذ موقف يشهدون منه المنظر بوضوح. وبعض هذه الصور أمثال من الإنجيل كصورة "الزارع"، وبعضها يقلد بوش فيتخذ الأقوال المأثورة موضوعاً له. فصورة "عميان يقودون عمياناً" ترينا صفاً من الفلاحين لهم عيون ذابلة. وفيهم قبح شنيع، يتلوبعضهم بعضاً في طريقهم إلى مصرف للمياه. ولوحة "الأمثال الهولندية"، توضح في صورة مكتظة واحدة، قرابة مائة من الأقوال المأثورة القديمة، بعضها تشم فيه عبير الحكم الرابليه. كان هم بروجل الأكبر تصوير جماهير الفلاحين، والمناظر التي تنتظم بخيرها وشرها على السواء أنشطة البشر العقيمة المغتفرة. ولعله افترض حتى في تصوير الجماهير سلامة، فلا حاجة به عند تصويرها لأن يميز الوجوه أويشكل الأجساد. وقد أبى حتى يصور شخصاً يجلس أويقف أمامه خدمة للفن أوللتاريخ ، وآثر حتى يظهر الرجال والنساء والأطفال يمشون ويجرون ويقفزون ويرقصون ويلعبون بكل ما في الحياة من ألوان الحركة والفطرة. وقد عاد إلى مشاهد طفولته، وأمتعه حتى يتأمل ويشارك في مباهج الفلاحين وولائمهم وموسيقاهم وأعراسهم. وكان في عدة مناسبات يصطحب صديقاً ويتنكران في زي مزارعين ليحضرا أسواق القرية وأفراحها، ثم يقدمان الهدايا للعروسين متظاهرين بأنها من أقربائهما(17). ولا شك حتى بييتر كان في هذه النزهات يحمل كراسته لأن بين رسومه الباقية كثيراً مما تظهر فيه وجوه الفلاحين وأحداث الريف. ولم يكن ذوقه يسيغ النبلاء الذين عثر مور وتيشان في تصويرهم مجلبة للربح الوفير، ولا كلف بتصويرهم. ولم يرسم سوى بسطاء الناس، بل إذا الكلاب التي رسمها كانت كلاباً حقيرة مهجنة كتلك التي تلقاها في أي زقاق بالمدينة أوكوخ بالقرية. لقد خبر الجانب المر في حياة الفلاح، وصور هذا الجانب أحياناً خليطاً محتشداً من الحمقى. ولكنه أحب رسم ألعاب الأطفال القرويين، ورقصات كبارهم، وصخب أفراحهم. وفي لوحته "أرض كوكين" ترى الفلاحين الذين أرهقهم الكد أوالحب أوالشراب منبطحين على العشب في الخلاء وهم يحملون بعالم سعيد. وكأن بروجل يقول لنا إذا الفلاح دون سواه هوالذي يعهد كيف من الممكن أن يلعب وكيف ينام، كما يعهد كيف من الممكن أن يشتغل وكيف يتزوج وكيف يموت. ولم ير أمام الموت غير عزاء واحد- هوأنه جزء لا يتجزأ من الطبيعة، تلك الطبيعة التي تقبلها في جميع صورها من جمال وقبح، ومن نمووانحلال وتجدد. والمنظر الطبيعي عنده يفتدي الإنسان، وسخف الجزء يغتفر في جلال الكل. لقد كان دأب المصورين من قبله- باستثناء ألتدورفر- حتى يرسموا المناظر الطبيعية خلفيات وملحقات للناس والأحداث. أما بروجل فقد جعل المنظر الطبيعي ذاته هواللوحة، وليس الإنسان فيها سوى عرض من الأعراض. ففي لوحته "سقوط إيكاروس" ترى السماء والمحيط والجبال والشمس وقد استغرقت انتباه المصور والمشاركين في اللوحة، أما إيكاروس فليس سوى ساقين غير ملحوظتين تغوصان في البحر بشكل مضحك. وفي لوحته "العاصفة" لا تكاد ترى الإنسان، فهوضائع عاجز بين حرب العناصر وبطشها.

ويبلغ فن بروجل وفلسفته قمتهما في اللوحات الخمس الباقية من مجموعة خططها لبيان تقلبات العام. ففي لوحة "حصاد القمح" يصور تخطيطياً بتر حزم القمح وتكديسها، وترى فيها العمال يتناولون غداءهم أويرقدون في إغفاءة في قيظ الصيف وسكون هوائه الواضحين. وفي لوحة "حصاد الدريس" يحمل الصبيان والبنات فاكهة الحقول الخريفية في سلال على رءوسهم، ويشحذ فلاح منجله، وتقلب الدريس نسوة أشداء، ويحمله الرجال إلى أعلى حمل العربة، وتمضغ الخيل طعامها في فترة راحة. ولوحة "عودة القطيع" نذير بقدوم الشتاء- فالسماء تكفهر والماشية تساق عائدة إلى مرابطها. وأجمل لوحات المجموعة هي "الصيادون في الثلوج"، وفيها ترى الأسطح والأرض بيضاء ناصعة، والمساكن تنتظم في منظور مدهش على طول السهول والتلال، والرجال يتزلقون ويلعبون الهوكي ويسقطون على الجليد، والصيادين وكلابهم ينطلقون لاقتناص الطعام، والأشجار عارية ولكن زقزقة العصافير في الأغصان تبشر بمقدم الربيع. أما لوحة "اليوم الكئيب" فهي الشتاء مكفهراً إكفهرارة الوداع. في هذه اللوحات بلغ بروجل قصاراه، ووضع سابقة لرسم مناظر الثلوج ليحتذيها فن الأراضي المنخفضة المقبل.

ولا يستطيع الحكم على هذه الصور في مرتبتها وأسلوبها الفنيين سوى رسام أوخبير. ويبدوبروجل قانعاً بأن يعطي أشكاله بعيدين، ولا يكترث لخلط الظل بمادتها، وهويهجر لخيالنا حتى يضيف لبعديه بعداً ثالثاً إذا لم يكن من هذا بد. واهتمامه بالحشود أكبر من حتى يتيح له الاهتمام بالأفراد، وهويجعل جميع فلاحيه تقريباً متماثلين، كتلاً غليظة من اللحم. وهولا يزعم أنه واقعي إلا في المجموع ، وهويضع الكثير من الناس أوالأحداث في لوحة واحدة بحيث يظهر أنه يضحي بالوحدة. ولكنه يقتنص الوحدة اللاشعورية- وحدة قرية، أوحشد، أوموجة من موجات الحياة.

فما الذي يريد حتى يقوله،يا ترى؟ أهوساخر فقط، ضاحك من الإنسان لأنه "فجلة مشعبة" غريبة الشكل، ومن الحياة لأنها اختيال غبي نحوالفناء،يا ترى؟ لقد كان يستمتع بما في رقص الفلاحين من هز عنيف، ويتعاطف مع كدهم، وينظر في مرح متسامح إلى نومهم المخمور. ولكنه لم يفق قط من تأثير بوش. فقد كان يجد لذة ساخرة كتلك التي وجدها ذلك "جيروم" المجرد من التقوى في تصوير الجانب المر من الكوميديا البشرية- المقعدين والمجرمين، المهزومين أوالداعرين، فوز الموت الذي لا رحمة فيه. ويبدوأنه كان يبحث عن الفلاحين الدميمي الخلقة، يرسمهم رسوماً ساخرة، ولا يسمح لهم أبداً بالابتسام أوالضحك، فإذا أضفى على جلافة وجههم أي تعبير فهوتعبير اللامبالاة الغبية، والحساسية التي محتها لطمات الحياة(17). وكان يثيره ويؤلمه ذلك الجمود الذي يحتمل به المحظوظون شقاء الأشقياء، وتلك السرعة والراحة التي ينسى بها الأحياء الأموات. وكان يحزنه منظور الطبيعة الشاسع- تلك السماء الهائلة التي تبدوتحتها جميع الأحداث البشرية غارقة في الضآلة، وتلوح الفضيلة والرذيلة، والنمووالانحلال، والشرف والخسة، مضيعة في عبث مترامٍ لا يفرق ولا يميز، والإنسان قد ابتلعه منظر العالم.

ولا ندري أهذه فلسفة بروجل الحقيقية أم أنها نادىبة فنه لا أكثر. كذلك لا ندري لم كف عن المعركة بهذه السرعة وقضى وهوبعد في التاسعة والأربعين (1569). ولعله لوأعطى في أجله لخفقت السنون من غضبه. وقد أوصى لزوجته بلوحة غامضة هي "الطريق المرح إلى المشنقة"، وهي تشكيل رائع في ألوان خضراء نضرة وزرقاء نائية، والفلاحون يرقصون قرب مشنقة القرية ومن فوقها حط طائر العقعق، ويرمز به للسان الثرثار.


أعماله

هناك نحو45 لوحة باقية محققة، ثلثهم في متحف تاريخ الفن في ڤيينا. وهناك عدد من أعماله الأخرى معوف أنها قد فُقِدت. وهناك عدد كبير من اللوحات. بروغل حفر بنفسه طبق واحد، صيد الأرانب، إلا أنه صمم الكثير من engravings and etchings، معظمهم دار النشر كوك.

أشهر أعمال بروغل هي التي استمدها من الفنون الشعبية (الفولكلور) ومن الأمثال الفلمنكية ومن الحياة الريفية كما هي الحال في سلسلة الأمثال Proverbes، التي استعرض فيها ملامح الجنون الإنساني ومآسي الحياة البشرية في مواكب استعراضية ساخرة (كرنفالية)، يسير فيها المجانين إلى جانب الشحاذين والعميان، ويتجاور فيها الشياطين والرهبان وكبار السن والرضع والرجال المشوهون وبنات الهوى، كما في لوحة «مارغويشوط بها الغضب».

خلط بروغل في اللوحات الدينية، العالم الدنيوي بما هومقدس. ففي لوحات «برج بابل» و«مذبحة الأبرياء» و«الصلب» و«عبادة المجوس» و«تعداد سكان بيت لحم» لا يوجد أي تمييز بين الأسرة المقدسة وبقية الشخصيات التي تمارس أعمال الحياة اليومية. أما لوحة «حمل الصليب» فتُظهر المشهد الديني الحزين ضمن حشد من الناس يتحرك من دون اهتمام بما يحصل، وكأن بروغيل يمثل بذلك لا مبالاة العالم إزاء مقتل الصالحين، وتكوين اللوحة في حد ذاته مثير للاهتمام: فمشهد حمل الصليب يظهر في الصعيد الثاني من اللوحة الذي يحتل المسيح مركزه وكأنه ينتمي إلى الواقع اليومي المعاصر، في حين تبدوالعذراء الباكية ويوحنا والقديسات المنتحبات في الصعيد الأول منها صوراً تنتمي إلى الوعي الجمعي المسيحي. ولا بد من الإشارة هنا إلى أهمية المعاصرة ومعناها في أعمال بروغيل، ففي الصور التي زيّن بها المخطوطات كان يمثل المسيحيين الأوائل في فلسطين وهم يرتدون ملابس من منطقة البلاد الواطئة، وهذا ليس ابتعاداً عن الدقة التاريخية في أعمال مصور كان يُعنى كثيراً بدقة التفاصيل، بقدر ما تعبير عن الرغبة في تأكيد استمرارية روح الإنجيل عبر الزمن.

وتعكس لوحات بروغل نظرة فلسفية خاصة للحياة والبشر لا تخلومن السوداوية الناجمة عن الشعور المرير بمأسوية الوجود، وهوما يتجلى بوضوح في لوحة «المكفوفين» (متحف نابولي)، ولوحة «الشحاذين» (متحف اللوفر). والواقع حتى الإنسان في نظر بروغيل لم يكن مجرد مفهوم ينظر إليه بالمطلق كما لدى المفكرين الإنسانيين في عصره، وإنما هوكائن حقيقي من لحم ودم، هوجزء من كون لا يخلومن العدوانية، كما يظهر في لوحة «العاصفة» الموجودة في متحف فيينة، ولوحة «كاره البشر» (متحف نابولي). أما لوحة «فوز الموت» فتصور جيشاً كاملاً من الأموات ينتشرون في الأرض وكأنهم يريدون الاستيلاء على الأحياء. لكن لقاء هذه السوداوية في تصوير فوز الموت، يتجلى فوز الحياة في اللوحات التي تصور عمل الفلاحين في الأرض، والإغفاءة السعيدة للحصادين بعد التعب، ومتعة تناول وجبات الطعام بنهم بعد الجوع. أما الأعراس والاحتفالات الراسيرة، فهي المعادل الفَرِح للحياة التي تقابل الموت وتتحداه، وهذا يظهر جلياً في لوحتي «مأدبة العرس»، و«رسيرة الفلاحين»، المرسومتين بألوان زاهية وبتكوينات دائرية مفعمة بالحيوية.

وإلى جانب هذه الأعمال «الواقعية» التي تمثلها لوحات الفلاحين، وتلك التي تشكل إرجاعاً غير مباشر إلى أحداث عصره (البؤس، الإصلاح الديني، السلطة الإسبانية)، تبرز لوحات مثل «سقوط إيكاروس» مستقاة من الأساطير، وأخريات مثل لوحة «أرض النعيم» ولوحة «معركة الكرنفال والصوم الكبير» ولوحة «طائر الهزار على المشنقة» مستمدة من التنطقيد الشفوية الفلمنكية أومن الأدب والمسرح، أومن مصادر أخرى غير معروفة ما زالت تثير الجدل بين المختصين.

ولبروغل أيضاً سلسلة من الأعمال تصور الشهور وسلسلة أخرى تمثل الفصول تحتوي على لوحات مثل «الصيادون في الثلج» في فيينة و«الحصاد» في نيويورك، و«الذبول» في براغ، إضافة إلى «عودة البتران» و«اليوم القاتم». وهي تظهر عبقريته في تصويره للمناظر الطبيعية وبراعته في نقل التفاصيل وفي تصوير المساحات الشاسعة والمناظر البانورامية التي لم تكن مألوفة في عصره.

شجرة العائلة

لبروغيل الأب أبناء وأحفاد برز منهم بيتر الثاني Pieter II، وعهد باسم بروغيل الشاب أوالجحيمي Bruegel d’Enfer، ويان الذي عهد باسم بروغيل المخملي Bruegel de Velours، وهذا الأخير أنجب ثلاثة أولاد يان الثاني Jan II وأمبروزيوAmbrosius وأبراهام Abraham. أما يان الثاني فقد أنجب يان باتيست Jan Batist، وكان خاتمة المصورين في الأسرة.

 
 
 
پيتر بروغل الأكبر
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
پيتر بروغل الأصغر
 
يان بروغل الأكبر
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
أمبروسيوس بروغل
 
يان بروغل الأصغر
 
آنا بروغل
 
داڤيد تنيرز الأصغر
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
يان پيتر بروغل
 
ابراهام بروغل
 
يان باپتيست بروغل
 


طالع أيضاً

  • قائمة الرسامين الفلمنكيين
  • Early Renaissance painting
  • Dutch and Flemish Renaissance painting
  • عصر النهضة في هولندا

المصادر


وصلات خارجية

Wikisource has the text of the 1911 Encyclopædia Britannica article بروغل، پيتر.
  • Bosch Bruegel Society
  • Paintings by Pieter Bruegel
  • Biography at the Web Gallery of Art
  • Web Gallery of Art: Paintings by Pieter Bruegel the Elder
  • Pieter Bruegel the Elder at Olga's Gallery
  • Pieter Bruegel the Elder in the "A World History of Art"
  • Complete list of paintings which includes all of the 100 proverbs from the painting, with explanation (in French).
  • www.all-art.org/early_renaissance About Pieter Brueghel the Elder
  • Timken Museum of Art's "Parable of the Sower" by Pieter Bruegel the Elder
تاريخ النشر: 2020-06-09 06:35:20
التصنيفات: Articles with hCards, Pages using infobox artist with unknown parameters, رسومات پيتر بروغل الأكبر, رسامون فلمنكيون, فنانو الطبيعة, رسامو عصر النهضة الفلمنكي, مواليد عقد 1520, وفيات 1569, أشخاص من بردا

مقالات أخرى من الموسوعة

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

آخر الأخبار حول العالم

رب نقيب لك لم تصوّت له

المصدر: صحيفة التغيير - السودان التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-09-02 12:23:30
مستوى الصحة: 46% الأهمية: 57%

تعثر شحنات القمح الروسية وسط زيادة صادرات أوكرانيا

المصدر: مصراوى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2022-09-02 12:22:47
مستوى الصحة: 56% الأهمية: 53%

وزير سنغالي سابق.. الأمم المتحدة تعتزم إرسال مبعوث أممي جديد

المصدر: مصراوى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2022-09-02 12:22:53
مستوى الصحة: 56% الأهمية: 55%

ارتفاع ضحايا حادث تصادم قطار بميكروباص بالشرقية لـ3 وفيات و9 إصابات

المصدر: اليوم السابع - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2022-09-02 12:22:40
مستوى الصحة: 32% الأهمية: 39%

بقاء خبراء الوكالة الدولية للطاقة الذرية في زابوريجيا الأوكر

المصدر: مصراوى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2022-09-02 12:22:50
مستوى الصحة: 52% الأهمية: 63%

نتيجة تقليل الاغتراب 2022.. ننشر رابط موقع التنسيق للتعرف على النتيجة

المصدر: اليوم السابع - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2022-09-02 12:22:37
مستوى الصحة: 42% الأهمية: 39%

رئيس الوزراء الأوكراني: هذه ليست حرب بوتين فقط

المصدر: مصراوى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2022-09-02 12:23:00
مستوى الصحة: 51% الأهمية: 64%

اليمن ينهي مشوار منتخب الناشئين السوداني في البطولة العربية

المصدر: صحيفة التغيير - السودان التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-09-02 12:23:29
مستوى الصحة: 55% الأهمية: 65%

إيران ترسل اقتراحا جديدا للاتحاد الأوروبي في إطار محادثات ال

المصدر: مصراوى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2022-09-02 12:23:08
مستوى الصحة: 49% الأهمية: 53%

اعتقال 12 فردا من جماهير فريق الجيش الملكي بمدينة وجدة

المصدر: أخبارنا المغربية - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-09-02 12:23:37
مستوى الصحة: 72% الأهمية: 71%

مصرع سيدة وابنتها وإصابة 10 فى اصطدام قطار بسيارة على مزلقان بالشرقية

المصدر: اليوم السابع - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2022-09-02 12:22:43
مستوى الصحة: 38% الأهمية: 35%

3 أزمات اجتماعية تنتظر "جراحة تشريعية" تحت القبة.. نقلا عن برلمانى

المصدر: اليوم السابع - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2022-09-02 12:22:42
مستوى الصحة: 45% الأهمية: 36%

مقتل عدد من المصلين في انفجار مسجد بمدينة هيرات الأفغانية

المصدر: مصراوى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2022-09-02 12:23:04
مستوى الصحة: 51% الأهمية: 57%

بدقة 8000 بكسل.. لقطات جديدة من حطام السفينة تيتانيك تذهل العالم.. فيديو

المصدر: اليوم السابع - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2022-09-02 12:22:39
مستوى الصحة: 34% الأهمية: 36%

القضاء يصدر حكمه في حق "بيدوفيل" اتُّهم بممارسة الجنس على تلميذات

المصدر: أخبارنا المغربية - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-09-02 12:23:36
مستوى الصحة: 65% الأهمية: 83%

إعلان حالة الطوارئ في ولاية ميسيسيبي وفتح سبع مراكز لتوفير ق

المصدر: مصراوى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2022-09-02 12:22:57
مستوى الصحة: 49% الأهمية: 67%

تحميل تطبيق المنصة العربية