جامع السلطان الأشرف برسباي يعد من أبرز المعماريات في العصر المملوكي، كما هومن أبرز رموز مدينة الخانكة الحالية.

تاريخ الجامع

تم تشييد هذا الجامع عام 841 هجرية 1437م، وبُني في الخانقاه (مدينة الخانكة حاليًا) بمصر (تبعد مسافة 15 كيلومتر شمال القاهرة)، في عهد السلطان الأشرف سيف الدين برسباي، وسمي باسمه (ويعهد الآن بين أهل مدينة الخانكة بمسجد الأشرف، والسلطان سيف الدين برسباي هومملوكي ارتقى في هرم السطلة حتى تولى عرش السلطنة في (8 من ربيع الآخر 825 هـ == 1 من أبريل 1422 م)،

ويرتبط تاريخ الجامع الأشرف بتاريخ مدينة الخانكة، حيث أنها مدينة شُيدت من أجل نذر سلطاني، حيث بناها السطان المملوكي الملك الناصر محمد قلاوون، حيث أصيب بوعكة أثناء رحلة صيد شمال القاهرة بالقرب من منطقة سرياقوس، ونذر لله حتى يجعل هذا المكان مباركًا إذا عافاه الله (فيجعل منه مكانًا للعبادة ببناء المساجد والتكايا ومتطلبات الجذب الديني)، وبالعمل حُمِل لقلعة الجبل (قلعة صلاح الدين الأيوبي) للعلاج، وتم له الشفاء، فخرج على رأس موكب يضم فهماء ومهندسين لتأسيس هذه المدينة عام 725 هـ، وبنى في هذا المكان خانقاة ومسجد وتكية وحمام (مغتسل)، وبمرور الأيام أصبح هذا المكان مكانًا لإيواء الصوفية والعباد وأيضًا الفقراء وعابري السبيل.

وفي عام 825 هـ تولى السلطان الأشرف برسباي الحكم (تحديدًا فيثمانية من ربيع الآخر 825 هـ = 1 من أبريل 1422 م أي بعد مائة عام من بناء الخانقاه وتأسيس مدينة الخانكة)، وكانت هذه بداية فترة جديدة (في مصر والشام) من النهضة الفهمية والفتوحات الخارجية، وخلال هذه الفترة عزم السلطان الأشرف برسباي على فتح قبرص، فمَرَّ السلطان الأشرف برسباي ومعه جيشه بمدينة الخانقاة، ليعيد تنظيم الجيش ترتيب صفوفه لفتح قبرص (التي صارت بؤرة الجيوش الصليبية ومقر انطلاقاتها للهجوم على الأسكندرية والشام) فتذكر السلطان أمر سلفه الناصر قلاوون، فيعيد التاريخ نفسه وينذر السلطان الأشرف برسباي نذرا لله بأن يبني بالخانقاة مسجدا ومسقى إذا نصره الله، متوسمًا في نادىء أهلها من الصوفية الدعم العون والتوفيق، وتم له النصر، فخرجت مصر كلها تحتفل بفتح قبرص والاستيلاء على عاصمتها وخرج السلطان على رأس موكب من الفهماء والمهندسين لبناء جامع السلطان الأشرف برسباي ليكون تحفة معمارية مملوكية تشهد للأجيال على عظمة العمارة الإسلامية.

وعلى نفس طراز وعمارة هذا المسجد يوجد مسجدين آخرين كلاهما بالقاهرة، تم بنائهما في عهد السلطان الأشرف برسباي ويحملان اسمه أحدهما بُني في سنة 826 هجرية 1424م بقرافة المماليك بالقاهرة وبه دُفن السلطان الأشرف برسباي، وبُني الآخر في 835 هجرية = 1432م بشارع المعز لدين الله عند تلاقيه بشارع جوهر القائد بالقاهرة.

فن عمارة المسجد

قد أبدع المهندسون في عمارة مسجد السلطان الأشرف، فالمسجد تعبير عن مصلى فسيح يتكون من صحن مكشوف (تبزغ الشمس داخل المسجد من خلال هذا الصحن فتضيء المسجد وتصل لكل جوانبه)، وتحيط بهذا الصحن أربعة أروقة (ترتفع الأروقة حوالي 40 سنتيمتر عن الصحن)، أكبر الأروقة هورواق القبلة الذي يشتمل على ثلاثة صفوف من العقود المحمولة على أعمدة رخامية ويتكون جميع من الرواقين الجانبيين من صفين كما يتكون رواق المؤخرة من صف واحد، هذا ويغطى رواق القبلة سقف من الخشب على شكل مربعات وطبال منقوشة ويكسوالجزء السفلى من حوائطه وزرة من الرخام الملون يتوسطها محراب رخامى يقوم إلى جواره منبر من الخشب طعمت حشواته بالسن.

والوجهة الرئيسة للمسجد تشرف على الطريق العام وبها المدخل الذي تغطيه مقرنصات جميلة ويحلى صدره أشرطة من الرخام الأبيض والأسود بأعلاها طراز مكتوب به تاريخ الفراغ من عمارة هذا المسجد سنة 841 هجرية وإلى يمين المدخل سبيل يعلوه كتاب وإلى يساره تقوم مئذنة مكونة من ثلاث طبقات مماثلة لمئذنة مسجده بشارع المعز لدين الله، وللمسجد ثلاث وجهات أخرى بمنتصف الوجهة الغربية منها مدخل آخر.

كان لهذا المسجد دورة مياه عتيقة منفصلة عنه لا زالت محتفظة بمعالم تخطيطها القديم.

وقد تعرض هذا المسجد للتصدع بسبب عوامل الزمن فضلا عن عدم العناية، إلا حتى إدارة حفظ الآثار العربية تداركت هذا المسجد وهوفي حالة تصدع شديد فقامت بترميمه وإصلاحه إصلاحًا شاملًا بحيث أصبح كما هوالآن.

ملحقات الجامع

الجامع يضم المسجد وبالإضافة إليه يضم عدد من الملحقات أهمها المخطة الضخمة، وهي جهة اليمين من الباب الرئيسي للمسجد ولها باب خشبي سميك طوله ستة أمتار وعرضه مترين ونصف المتر، ضمت المخطة عدداً من الخط التاريخية القديمة التي خطت في عهد السلطان الأشرف برسباي بواسطة الفهماء المعاصرين له والذين أثروا فترة ولايته فهمياً، مثل تاريخ المقريزي وفتح الباري لابن حجر العسقلاني ومؤلفات جلال الدين السيوطي فضلا عن خط أخرى، بعض هذه الخط احتفظت بها، كما يضم عدد من الغرف والأروقة المنفصلة والتي كانت تعد للتدريس وتحفيظ القرآن الكريم ودروس الفهم الشرعي،

سبيل الجامع

يوجد بمسجد السلطان الأشرف برسباي سبيل (مسقى) كبير وعتيق، ويعد من أبرز أسبلة العصر المملوكي، تم هدم بعضا منه بمرور الزمن ولكنه لا زالت آثاه موجودة حتى الآن، وهومكون من طابقين ويتضح به مكان المزملاتي (الشخص المعين من قبل منشئ السبيل لحمل المياه من فتحة البئر)، وكان سبيل الجامع يستخدم قديما في السقيا للمتصوفة وطلاب الفهم الذين يرتادون مدرسة الخانقاه ومساجد المدينة وأيضا لعابري السبيل والفقراء والمساكين ممن يرتادون التكايا ويحضرون الولائم بالمدينة بعد حتى صارت مركزا مدنيًا ودينيًا.

مدرسة الجامع

ضم مسجد السلطان الأشرف برسباي مدرسة لتعليم القرآن الكريم والعلوم الشرعية والعلوم والفنون والآداب الحياتية أيضاً، وهذا كان سمت مساجد وجوامع الدولة المملوكية، ويضم المسجد الكثير من الغرف الملحقة، كما تعلوبوابة المسجد الرئيسية مجموعة من الغرف التي خصصت لمريدي المسجد ولخدمه والعاملين عليه، وقد تشرفت بفهماء العصر المملوكي وخاصة الذين عاصروا السلطان الأشرف برسباي، فحظيت مدرسة المسجد بعلوم التفسير والفقه والتوحيد والسيرة والرقائق، خاصة من فهماء الصوفية الذين اشتهرت بهم المدينة خلال تاريخها، ولا زالت وزارة الأوقاف المصرية تقوم بتطبيق نشاطات دينية واجتماعية حتى الآن.

أئمة الجامع الأشرف

تولى مشيخة الجامع الأشرف الكثير من الفهماء منذ تشييده في عهد السلطان الأشرف برسباي، حيث خطب فيه الفهماء الذين ذاع صيتهم خلال فترة حكم السلطان الأشرف برسباي مثل المقريزي وابن حجر العسقلاني، فضلا عن جلال الدين السيوطي الذي تولى مشيخة الخانقاة لفترة طويلة (غير محدد تاريخيا أي الخانقاوات الثلاثة التي شيدها السلطان كانت مشيخة العالم السيوطي).

بعد ذلك تعاقب الكثير من الأئمة على مشيخة هذا المسجد، وفي العصر الحديث تشرف بزيارة المسجد الكثير من الفهماء مثل الشيخ محمد الغزالي والشيخ السيد سابق، كما تولى الخطابة فيه الكثير من أبناء الخانكة أمثال الشيخ محمد عبد المنعم البري رئيس جبهة فهماء الأزهر والشيخ محمد اللبان الأستاذ بجامعة الأزهر ووالشيخ أحمد المشتولي والشيخ محمد كمال فرح والشيخ سمير السمين والشيخ كمال سرور والشيخ حسن مفتاح وغيرهم، هذا فضلًا عن حفظة القرآن الكريم والحائزين على إجازات في قراءات القرآن الكريم مثل الشيخ عبد الله عمران وطارق البطاوي أحمد الحجار وإبراهيم خروب ومحمد النقيش ومحمد اللبان وصلاح مفتاح ويتولى الخطابة بالمسجد الآن الشيخ عبد العزيز عبد الغني وهومن أبناء مدينة الخانكة وله دروس خطب مسجلة بالمسجد الأشرف

مكانة جامع الأشرف

في العصر الحالي يعهد المسجد بين أبناء مدينة الخانكة بـ (الجامع الاشرف)، وللجامع مكانة كبيرة بين أهالي المدينة والمنطقة المحيطة به، حيث يفتخر الكثيرون بإقامة مناسباتهم الاجتماعية به مثل عقود الزواج وشعائر الجنائز، وأيضا صلاة الأعياد والمناسبات الأخرى، كما يقوم أهالي المنطقة بمزاولة الكثير من الأنشطة الدينية والاجتماعية والثقافية في المسجد، كما يستضيف الجامع الأشرف الكثير من أنشطة وزارة الأوقاف المصرية وبعض الجهات الرسمية والأهلية والخيرية الأخرى.

وحالياً يقوم المستشار عدلي حسين محافظ القليوبية (حيث تتبع مدينة الخانكة إدارياً في مصر لمحافظة القليوبية) بصلاة الجمعة الرابعة من جميع شهر بالمسجد تقديرا لمكانته، وذلك من أجل التواصل مع أهل المدينة، وتؤكد مثل هذه النشاطات على دور المسجد في الحياة العامة وتقدير أهل المدينة للمكانة التاريخية للمسجد

المصادر

• جامع الأشرف بمدينة الخانكة من مسقط جوجل الأرض
• المجلس الأعلى للشئون الإسلامية التابع لوزارة الأوقاف
• كتاب السلوك لفهم دول الملوك للعلامة المقريزي - صدر عن دار الخط - القاهرة 1972م.
• كتاب العصر المماليكي في مصر والشام للمؤرخ سعيد عبد الفتاح عاشور - صدر عن دار النهضة العربية- القاهرة 1965.
• منتدى خانكاوي (منتدى مدينة الخانكة)