معركة البحث عن حل


n كانت المناطق المطيرة في الجنوب الغربي من المملكة موطنا لمعظم السكان. هذا ما تؤكده الحقائق والخرائط الجغرافية، وكتب التاريخ. حقائق تحمل دلالات إستراتيجية، يعول عليها لإنقاذ المستقبل من العطش. فالناس تهوي أفئدتها، دوما، لموطن الماء، مانع العطش، ومحقق استمرار حياة الأجيال في المكان.

n المطر هو مصدر الماء المستدام في هذه المنطقة الإستراتيجية من بلدنا -حفظه الله-. وعليه أسس الأجداد مستوطناتهم القروية على قمم جباله الشاهقة والباردة، موطن المطر المستدام. سخّروا وجودهم لخدمة استدامة نزوله، وزيادة غزارته لتغذية المياه الجوفية. هذا حقق غايتهم النهائية: أمنهم المائي والغذائي عبر القرون. وكان شجر العرعر المحور الأهم لتحقيق تلك الغاية، وبها أصبح أهم أنواع الغطاء النباتي الإستراتيجي لبيئتهم.


n شكل شجر العرعر طوق النجاة من العطش. حقق عبر التاريخ نجاح وظيفة واستدامة عمل (دورة الماء) الطبيعية في بيئتهم. فالماء يتحول من سائل إلى بخار ثم من بخار إلى سائل، في حركة دوران لا تتوقف، وبشروط بيئية يجب استيفاؤها أولا، لتحقيق نجاح هذه الدورة السرمدية. ومن هذه الشروط الإستراتيجية انتشار الشجر في البيئة وبكثافة، لاستحلاب السحب لصالح البيئة وأهلها.

n تصبح البيئة طاردة لنزول المطر في غياب غابات الشجر. وقد تسيّد شجر العرعر المشهد في بيئتنا المطيرة، فأصبح معمرا مع العناية والاهتمام. وظلت التربة محور نجاح استدامته، كوعاء حامل لجذوره، فشكل أكثر من (60) بالمائة من شجر المنطقة المطيرة وغطائها النباتي.

n استمر قانون تبادل المنفعة بين الإنسان والبيئة، حتى تعاظمت هجرات أهل هذا الشريط الممطر في سبعينيات القرن الماضي، والمعروفة بمرحلة الطفرة. هجرة نحو الأماكن الإستراتيجية الحديثة. معها بدأت مرحلة من تعاظم مؤشرات التصحر: أهمها جرف تربة هذا الشريط المطير، بجانب انهيار وتهدم النظم الزراعية والبيئة والمائية التقليدية، مع حزم أخرى من الأسباب المؤثرة سلبا. ونتيجة لذلك اختلت شروط نجاح دورة الماء الطبيعية، فاحتبس المطر مع تفاوت غزارته بين سنة وأخرى. فهبطت مناسيب المياه الجوفية، وتعاظمت حرارة البيئة. أخيرا قل الماء المتاح.

n حتى مع فرح الناس بهطول الأمطار في بعض المواسم، تزيد الخطورة وتتفاقم مع كل زخة مطر. بسببها يتعاظم جرف التربة الثمينة والنادرة في شريطنا المطير. فهل نترك مياه الأمطار تزيد من أوجاع هذا الشريط الإستراتيجي؟

n إن موت شجر العرعر مؤشر على بداية ضياع دور ووظيفة هذا الشريط المطير، كخزان إستراتيجي للمياه الجوفية لصالح جميع مناطق المملكة. يتعاظم الوجع بسبب الإهمال، وعدم معرفة أهمية هذا الشريط البيئية. حتى الآن لم يحظ بالاهتمام المطلوب. اختفت معظم غابات شجر العرعر من الوجود، من مناطق جيزان، والباحة، وعسير، ومكة المكرمة. هذا الموت الجماعي لشجر العرعر نذير شؤم يجب أخذه بشكل جاد، ومسؤولية وطنية صارمة وحازمة.

n من خلال زيارة شخصية لمنطقة الباحة، بحكم انتسابي لها، وبعد غياب ربع قرن، لاحظت موت شجر العرعر يسري بسرعة عجيبة في المنطقة. موت لم يحفز اهتمام الجهات المسؤولة. فأسست رابطة إنقاذ شجر العرعر على (الواتساب) عام (2016م)، للتنبيه بهذا الموت. فانضم للرابطة العديد من أنصار البيئة والمهتمين من جميع مناطق المملكة. منهم بعض أبناء هذا الشريط الممطر. وهذا قدّم خارطة تؤكد أن شجر العرعر يتعرض لموت جماعي سريع في كل مناطقه، وأيضا يتعرض للإهمال، وللتجريف، وللتقطيع بدم بارد، سواء من الجهات الرسمية أو الأفراد.

n من خلال الزيارات المتكررة، ومن خلال نتائج المقارنة بالماضي، ومن خلال مؤشرات الواقع أيضا، اتضح وبشكل قاطع، أن موت شجر العرعر أشبه بإنذار صادم يعلن تفشي مرض التصحر. موت هذه المنطقة المطيرة زراعيا وبيئيا يعني فقد الخزان الإستراتيجي للمياه الجوفية. هذا يعني توقف تغذية المياه الجوفية، بجانب السحب الجائر، واحتياجاتنا المتزايدة من الماء.

@DrAlghamdiMH
تاريخ الخبر: 2021-12-21 23:45:54
المصدر: اليوم - السعودية
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 55%
الأهمية: 67%

آخر الأخبار حول العالم

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية