في التعريف نجد الاتفاقيات الإبراهيمية (بالإنجليزية Abraham Accords)، ويُشار إليها أيضًا باسم اتفاق إبراهيم أو الاتفاق الإبراهيمي، كل ذلك يعني مجموعة من اتفاقيات السلام التي عُقِدت بين الكيان الصهيوني ودول عربية برعاية الولايات المتحدة. استخدم الاسم أوّل مرة في بيان مشترك بين الكيان المحتل لفلسطين والإمارات العربية المتحدة والولايات المتحدة، صدر في 13 غشت 2020.
تحل هذه الأيام الذكرى الأولى لتوقيع النظام المغربي اتفاق التطبيع، وذلك بعد إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في تغريدة له في يوم 10 ديسمبر 2020 عن حدوث اتفاق بين المغرب والكيان الغاصب.
ترى كيف انعكس هذا التطبيع على الداخل المغربي وعلى القضية الفلسطينية وعلى الجوار؟
آثار التطبيع على النسيج المجتمعي
ظهر رئيس الحكومة سعد الدين العثماني مساء الثلاثاء الأسود 22 دجنبر 2020 في موقف حرج، خلال استقبال الملك محمد السادس للوفد الأمريكي الصهيوني، وقد جلس إلى جانب كل من جاريد كوشنير صهر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ومعه مستشار الأمن القومي الصهيوني مئير بن شابات، بعدما أسندت له مهمة توقيع اتفاق تطبيع العلاقات مع الكيان المحتل.
هذه الصورة التي أراد لها مهندسوها أن تكون احتفالية توجت سنوات طويلة من العلاقات السرية والعلنية للنظام المغربي، منذ أن نفذت مخابرات الاحتلال (الموساد) “عملية ياخين” بين نوفمبر 1961 وعام 1964، والتي هجر خلالها بشكل سري أكثر من 97 ألف يهودي مغربي عبر أوروبا إلى فلسطين المحتلة مقابل تعويضات مالية.
ولئن كان تطبيع دول عربية مثل مصر والأردن لم يتجاوز الأنظمة في الغالب الأعم، فإنه يراد للتطبيع المغربي أن ينفذ لمجالات حساسة واستراتيجية كالتربية والتعليم والبحث العلمي والتعاون الاستخباراتي والعسكري …
كل ذلك بهدف تمزيق النسيج المجتمعي للشعب المغربي وتقسيمه وتغيير عقيدته وقناعاته تجاه قضية مقدسة بالنسبة له، لارتباطها بتاريخ طويل من أمجاد المغاربة وحضورهم في أرض الإسراء والمعراج.
وقد نشطت البروباغندا الصهيونية في الدفع باتجاه حالة من التعاطف والتطبيع الشعبي مع ما يسمى “اليهود المغاربة” بطريقة فجة، تستبلد الوعي الشعبي وتسعى لغسل مخ المغاربة من جرائم الاحتلال.
في حين أن “اليهود المغاربة في فلسطين المحتلة” هم عبارة عن مجندون محتلون قتلة للشعب الفلسطيني، الواجب متابعتهم أمام العدالة الدولية لتقول فيهم كلمتها، ليذهبوا إلى السجن بتهم التهجير والقتل والاحتلال.
هم خاضعون للتجنيد الإجباري وللخدمة العسكرية، وقانونا تسقط عنهم الجنسية المغربية بموجب مقتضيات قانون الجنسية في فصله 19؛ الذي يقول بأن أي مغربي يقبل أن يؤدي الخدمة الوطنية في أي جيش في دولة أخرى تسقط عنه الجنسية تلقائيا.
آثار التطبيع على القضية الفلسطينية والجوار العربي
توقيع أنظمة الخذلان العربية على اتفاقيات التطبيع، اعتبر بمثابة ضوء أخضر للإجهاز على ما تبقى من حقوق الشعب الفلسطيني والدول العربية المحيطة.
ففي حين كانت الإدارة الأمريكية على عهد ترامب ترعى اتفاقيات التطبيع، كانت بالمقابل تشدد الخناق على القضية الفلسطينية بجملة قرارات: الإعلان في 6 ديسمبر2017 عن أن مدينة القدس عاصمة لدولة الاحتلال، وفي 14 مايو 2018 نقلت السفارة الأمريكية إلى القدس المحتلة، وفي 2 غشت 2018 تم وقف المساعدات الأمريكية للسلطة الفلسطينية، وفي 3 غشت 2018 تم قطع كامل المساعدات عن الأونروا، وفي 10 سبتمبر 2018 أغلق مكتب منظمة التحرير في واشنطن، وفي 25 مارس 2019 تم الاعتراف بسيادة دولة الاحتلال على مرتفعات الجولان السوري المحتل، وفي 18 نونبر2019 تم شرعنة المستوطنات القائمة على أراضي الضفة الغربية، وأعلنت الإدارة الأمريكية موافقتها على ضم وفرض سيادة الاحتلال على الأغوار والبحر الميت وتوسيع المستوطنات في الضفة الغربية لضم 33% منها، مما يؤدي إلى تصفية القضية الفلسطينية وإنهاء حق العودة وحلم إقامة الدولة الفلسطينية ولو على حدود 1967.
وقد كان المشترك بين دول التطبيع العربية التحجج بالدفاع عن القضية الفلسطينية من خلال التطبيع عملا بقول الشاعر: وَدَاوِنِــي بِــالَّــتِــي كَــانَــتْ هِــيَ الــدَّاءُ.
الآن بعد الذي جرى ويجري ترى الشعوب العربية النتائج رأي العين: فلا دولة فلسطين قامت ولا عودة اللاجئين تحققت ولا القدس تحررت ولا حتى المقدسات تمت صيانة حرمتها من دنس الصهيونية.
وتبقى أفعال المطبعين أصدق من أقوالهم، حيث نشطت التجارة والاستخبارات والتعاون العسكري مع الكيان المحتل كل ذلك على حساب الشعب الفلسطيني وحقوقه المشروعة.
آثار التطبيع على الجوار المغربي
أبرز أثر للتطبيع على الجوار المغربي يجسده التصريح الفتنة لوزير الحرب الصهيوني من الدار البيضاء، الذي ذكر الجزائر بالاسم حيث قال: “إسرائيل تعبر عن قلقها من دور الجزائر، التي أصبحت قريبة من إيران، والتي تقف وراء الحملة الأخيرة بهدف منع إسرائيل من الحصول على صفة مراقب في الاتحاد الأفريقي”.
هذا التصريح اعتبر صبا للزيت على نار الخلافات المستعرة بين البلدين الشقيقين، وأبرز تلاقيا موضوعيا بين النظام المغربي والكيان الغاصب ضد الجزائر في سابقة خطيرة تهدد أمن وسلامة المنطقة.
كل ذلك يدخل في إطار الدور الوظيفي للكيان الصهيوني الغاصب؛ والمتمثل أساسا في إذكاء نار الخلافات والحروب والصراعات بين الدول العربية والإسلامية، وتمزيق شعوبها ومنع أي إمكانية للتكتل وامتلاك أسباب القوة.
أما الدفع بمكاسب من هذه العلاقات التطبيعية القسرية والمفروضة على المغاربة بحجة الدفاع عن الوحدة الترابية للمغرب، فهو إهانة لشعبنا ولقضيتينا الفلسطينية والوطنية على حد سواء.
