افتتاحية الدار: الجزائر ترتعد من البنك الدولي..القوة الضاربة التي تخشى أوراق التقارير الدولية


الدار/ افتتاحية

المعطيات التي تضمنها تقرير البنك الدولي الحديث عن اقتصاد الجزائر خطيرة ومفيدة في الوقت نفسها. خطيرة لأنها تكشف عن فشل وعجز قد يؤدي قريبا إلى كارثة اجتماعية واقتصادية، ومفيدة لأنها تقدم للسلطات الجزائرية ملامح خارطة الطريق التي يمكن العمل عليها من أجل إنقاذ الوضع وبناء اقتصاد حديث ومنتج. لقد كشف التقرير عن معضلة بنيوية في الاقتصاد الجزائري تتمثل في اعتماده الكلي على صادرات المحروقات وغياب أي صادرات من قطاعات أخرى مع تعثر كبير في تطور القطاع النفطي الذي يعتبر عصب الاقتصاد الجزائري، إضافة إلى بطء نشاط البنوك والسياسات المالية واستمرار ارتفاع التضخم، وهي المؤشرات التي تقود كلها إلى اتساع دائرة الفقر في البلاد.

لا يمكن لعاقل أن يجادل في هذه المعطيات الاقتصادية الملموسة بالأرقام والتي بسطها البنك الدولي في تقريره السنوي الذي يشرّح فيه كما المعتاد اقتصادات العديد من بلدان العالم. ومن المفترض أن تثير مضامين هذا التقرير حالة استنفار سياسي داخل الجزائر من أجل الانكباب على معالجة هذه المعضلات الاقتصادية والعمل على إيجاد حلول لها، مثلما حدث في المغرب في مناسبات عديدة كان أشهرها تلك التي عرفت في 1995 صدور تقرير عن الوضعية الاقتصادية في المغرب، أدت بالملك الراحل الحسن الثاني إلى وصف الحالة الاقتصادية والاجتماعية بمرحلة “السكتة القلبية” ثم دعا إلى اتخاذ الإجراءات المالية والتقويمية اللازمة، التي سرعان ما سيتم تنزيلها في مرحلة حكومة التناوب.

هذا هو رد الفعل المنطقي عن مثل هذه التقارير الاقتصادية التي تضع الإصبع على الجرح. لكن هذا يحدث عندما تكون في دولة طبيعية ومع نظام عاقل. في حالة النظام الجزائري يأتي دائما رد الفعل خارج السياق. فبدل أن ينشغل الإعلام والخبراء والسياسيون في الجزائر ببحث ملاحظات البنك الدولي ومناقشتها واقتراح حلول عملية لها على المدى المتوسط والبعيد، يتجاوز جنرالات الجزائر هذا التفاعل الطبيعي ليشرعوا في إطلاق حملة دعائية تتهم المغرب بالوقوف وراء هذا التقرير، وبمحاباة البنك الدولي للدولة المغربية. ويمثل هذا الخطاب هروبا صارخا إلى الأمام ومن مواجهة الحقيقة الساطعة عن الفشل الذريع الذي حصده هؤلاء على كل الأصعدة. فرغم فوائض البترودولار الهائلة لم ينجح نظام العسكر في ومحتلّو قصر المرادية في بناء اقتصاد قادر على الأقل على إنتاج الحاجيات الغذائية الأساسية لمواطنيهم، ويغرقهم عاما بعد عام في أزمات التموين المخجلة بسبب نقص الحليب والزيت والبطاطس وغيرها.

إذا كان هذا الواقع المأساوي معروفا للجميع من الجزائريين وغيرهم، فما دخل المغرب في تقرير البنك الدولي الذي يعتبر مؤسسة مالية عالمية تساهم فيها قوى دولية من البلدان الغنية والمتقدمة؟ وإذا كانت الجزائر “قوة ضاربة” فعلا مثلما صرح بذلك الرئيس الجزائري في مناسبة سابقة فكيف فشلت القوة الضاربة في تحصين صورتها ولماذا تخشى من تقرير اقتصادي روتيني يصدر كل عام ويحلل اقتصادات العالم بأسره؟ إن رد فعل العسكر ينمّ عن أن مأساة الشعب الجزائري مضاعفة ومتجذرة. فهي ليست مجرد تبِعات أزمة اقتصادية واجتماعية خانقة يعيشها أبناء هذا الشعب بصفة يومية، وإنما هي أيضا أزمة خطاب متجاوز وتعذيب يومي بتصريحات كاريكاتورية تستفز مواطنيها قبل أن تستفز جيرانها.

وإذا كان نظام العسكر الجزائري يعتقد أن الحملات الإعلامية المغرضة التي أُطلقت لتتهم المغرب بالوقوف وراء صدور هذا التقرير ستنال منه وستلمّع صورة نظام متهالك كنظام الجزائر، فإنه واهم ويعيش خارج التاريخ بقدر كبير من الغباء السياسي والدبلوماسي المفضوح. فكيف يعقل أن تخاف القوة الضاربة من جارها الذي تدعى مرارا أنها تتفوق عليه على جميع الأصعدة وتنسب إليه اليوم قوة ضغط عالمية تخول له “فبركة” التقارير الاقتصادية على صعيد دولي؟ إنها القوة الهاربة فعلا.

تاريخ الخبر: 2021-12-29 14:29:54
المصدر: موقع الدار - المغرب
التصنيف: مجتمع
مستوى الصحة: 56%
الأهمية: 70%

آخر الأخبار حول العالم

هل يمتلك الكابرانات شجاعة مقاطعة كأس إفريقيا 2025؟

المصدر: موقع الدار - المغرب التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2024-04-29 00:25:42
مستوى الصحة: 56% الأهمية: 69%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية