في الطريق إلى يومي .. وبينما أبتسم كثيرًا للعابسين بمرآة سيارتي .. حينما تشتمني أبواقهم، أتساءل هل بلغت من الشعر عتيّا، ليأخذني من لحظتي المنذورة للعيش، إلى غفلتي المغدورة بالموت؟ وهل عليَّ وأنا ممسك بمقود سيارتي متنمّل اليدين أن أحصر بصري على درب سوداء سائلة تفضي بي إلى نفق مظلم، وترغمني على أن أشعل الأضواء أول الصباح، وأتلمّس كوب قهوتي دون أن أراه...!

إنها الطريق وقواعدها، والآخرون وسلامتهم قبل حتى استرسالك في الغي، فأنت مذنب بالتفريط، وآثم بعدم الانتباه، لكنه الشعر.. الشعر يأخذني إلى "برجٍ" شاهق يطلّ على الطريق فلا يعرف ساكنوه أسماءنا، ولا كيف نتهجّاهم من وراء زجاج،.. لوحة إعلانات تهتك ستر اللغة بحرف علّة لا يحذف،.. عامل الشجر الذي يسير على حدّ الموت بجوار الطريق، يقرئ الأغصان فصولها ويعدها بالمزيد من الربيع.. سائق متهوّر أو حتى "متحوّر" بين بطء محادثة تلفونية، أو محاولة احتيال على "ساهر" رغم انتشار سهره على جانبي الطريق، كل هذا وارد في بصر الطريق وتموجات النظر إليها، وليس هنا مكمن المشكلة، المشكلة في هذا الشاعر الذي يسكنني حدّ الهوس، ويشعلني حدّ النسيان، هذه الرغبة الغبيّة التي تصر علي أن أسير "مفهّي" متحرراً من عبودية الدرب، متبتلاً في مفرداتها ومن الوقت، إلى ما لي منه حرّاً أو كما أتوهم، فلا أرى حينها في البرج إلا فتاةً تدفع البرد عن حلمها الخجول بـ "حمّام" ساخن، ولا في تلك اللوحة التجارية المتجنّية على اللغة إلا إسناد كتابتها لمن لم يدرك لغتك وعذوبتها ومرجعياتها فيرسمها صماء خرساء كما أمليت عليه، ولا حتى ذلك العامل - الآيل للشجر أو الخطر لا فرق – إلا غريبًا يرعى شجرة ليس أولها الثمر وليس آخرها الظلال فيغبطه أو حتى يحسده فلاحٌ قديم لايزال يقيم بي ولم تشذّبه المدينة بعد، حتى ذلك المتهور والمتحفز للانقضاض على الغافلين أمثالي لا أرى فيه إلا بعض ما كنت عليه يوماً.. ثم أهرول في ممرات ذكرياتي المتعددة.. وأغيب مجدداً عن الطريق.

وسط كل هذا الزحام في خيالاتي الشاعرة، كيف سأتنبّه لحياة الطريق بينما تحملني القصيدة بسيارتها الفارهة، وأين سأقيم في سيارتي التي تعهّدت الوصول بي حيثما أريد إن أنا راعيتُ حقوقها عليّ، ولم أفعل، حتى هذه الطريق التي يتنازعها الجميع ليصلوا قبلي إلى غايات تعنيهم وحدهم، لن تعتني بي وحدي.. لهذا كله أريد سائقاً فلا مفرّ من أن يحملني سائق آخر بسيارتي، أو أن أترك هذه البضاعة الكاسدة المدعوّة "شعر" وأتعوّذ من الشيطان، وأنتبه لطريقي..!

فاصلة:

الدرب واسعةٌ.. وأضواء الطريق بلا عيون..!