قال إمام وخطيب المسجد الحرام الشيخ الدكتور فيصل بن جميل غزاوي -في خطبة الجمعة-: إنه من الفقه أن يكون المرء على بيّنة من أمره؛ يعرف متى يكون القرب من الشيء نافعاً مفيداً فيدنو منه، ومتى يكون القرب من الشيء ضاراً غير مفيد فينأى عنه.

وأضاف أن أعظم القُرْب القربُ من الله، وقد امتدح الله الذين يتنافسون في القرب منه مبيناً حالهم بأنهم: «يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ»، وقال تعالى: «وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ» يعني أن غيرهم دونهم في القرب من الله تعالى.

وأكد على أن القرب من الله هو القوّة الحقيقية التي يملكها العبد، قال تعالى في معرض الامتنان على نبيه موسى عليه السلام: «وَنادَيناهُ مِن جانِبِ الطّورِ الأَيمَنِ وَقَرَّبناهُ نَجِيًّا»، فإن ذلك القرب هو الذي أعان موسى عليه السلام على تخطّي كل ما أصابه في مواجهة فرعون والسحرة. وأوضح أنه على العبد أن يتعلم ما يقربه إلى الله ويجعله عزيزاً عنده؛ فثمة عبادات مشروعة تكون سبباً في قرب العبد من ربه، فالتوبة إلى الله من أجَلِّ ما يقرِّب المرءَ إلى مرضاة الله ويبعده عن مساخطه كما قال نبي الله صالح عليـه السـلام لقومـه: «فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُّجِيبٌ» أي إن ربي قريب ممن أخلص له العبادة ورَغِب إليه في التوبة، مجيبٌ له إذا دعاه.

وبيّن أن الدعاء شأنه عظيم؛ فلله قرب من عابديه وداعيه بالإجابة والمعونة والتوفيق قال سبحانه: «وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ»، ومن القرب المحمود أن يكون المرء أقربَ منزلة من النبي صلى الله عليه وسلم في الجنة قال صلى الله عليه وسلم: «إنَّ مِن أحبِّكم إليَّ وأقربِكُم منِّي مجلسًا يومَ القيامةِ أحاسنَكُم أخلاقًا». وتابع: مما عرف من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم العطرة وشمائله الكريمة أنه كان قريباً من الناس، يتجلى فيه جميل المعاشرة وأدب المخالطة فيحب لهم الخير ويحرص على نفعهم وقضاء حوائجهم وتفقد شؤونهم وإجابة دعوتهم والإصلاح بينهم والصبر على أذاهم والعفو والصفح عن إساءتهم، وقد بيّـن فضل ذلك العمل بقوله: «ألا أخبركم بمن يحرم على النَّار، وبمن تحرم النَّار عليه؟، على كلِّ هيِّن ليِّن قريب سهل»، أي كل قريب من النَّاس بمجالستهم في محافل الطَّاعة، وملاطفتهم قدر الاستطاعة، وكل حليم لين الجانب، سَمْحٍ في معاملة الناس.