نادرا ما تتصدر كازاخستان عناوين الصحف الدولية، لكنها فعلت قبل عدة أيام، عندما اجتاحت اضطرابات واسعة النطاق كازاخستان، حيث تصاعدت الاحتجاجات ضد ارتفاع أسعار الوقود في الأيام الأخيرة إلى ووصلت مظاهرات مناهضة للحكومة.

في ألماتي، أكبر مدينة في البلاد، ورد أن المتظاهرين أضرموا النار في القصر الرئاسي يوم الأربعاء الماضي، عندما اشتبكوا مع الشرطة. فيما قال الرئيس الكازاخستاني قاسم جومارت توكاييف - الذي أقال حكومته وأعلن حالة الطوارئ رداً على الاحتجاجات - إنه يعتزم "التصرف بأقصى قدر ممكن من الصرامة".

وقال مسؤولون يوم الخميس الماضي، إن عشرات المتظاهرين وضباط الشرطة قتلوا في اشتباكات، بينما بدأت منظمة معاهدة الأمن الجماعي، وهي تحالف عسكري تقوده روسيا  في إرسال قوات إلى كازاخستان بناء على دعوة من "توكاييف".

مع توجه الجمهورية السوفيتية السابقة نحو عدم الاستقرار .. ما الذي تعنيه هذه اللحظة للدولة الغنية بالطاقة في آسيا الوسطى؟ وكيف يمكن فهم الموقف الروسي من التدخل؟ وماتداعياته على الولايات المتحدة وأوروبا؟

الموقف الروسي

دعا "توكاييف" منظمة معاهدة الأمن الجماعي بقيادة روسيا (CSTO) للمساعدة، وسرعان ما تم الرد على نداءه من قبل الرئيس الحالي لمنظمة معاهدة الأمن الجماعي، رئيس الوزراء الأرميني نيكول باشينيان ، الذي قال إن قوات حفظ السلام ستُرسل "في ضوء التهديد للأمن القومي والسيادة" لكازاخستان، بينما ترى المعارضة الكازاخستانية أن تصرف "توكاييف" ستكلفه مصداقيته في الداخل - وأنه لا ينبغي الاستهانة بالقومية الكازاخستانية. فيما قد يؤدي وصول قوات حفظ السلام الأجنبية إلى تفاقم التوترات.

بالنسبة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الأحداث التي تتطور عبر حدوده الجنوبية تبد مقلقة. حيث تحافظ روسيا على علاقات وثيقة مع كازاخستان وتعتمد على قاعدة “بايكونور كوزمودروم” كقاعدة إطلاق لجميع مهام الفضاء المأهولة الروسية، مع حقيقة أن روسيا تعتمد غالبًا على الغاز الكازاخستاني تعويضاً للإنتاج الروسي غير الكافي.

بينما تمتلك الدولة الواقعة في آسيا الوسطى أيضًا أقلية عرقية روسية مهمة: حوالي 20 ٪ من سكان كازاخستان هم من أصل روسي.

حتى الآن التدخل العسكري الروسي غير مُرجح، لا سيما في ظل التعزيز العسكري الروسي الحالي حول أوكرانيا، مما أدى إلى تحويل مسار العديد من القوات الروسية المتمركزة عادة بالقرب من الحدود الكازاخستانية، ينشغل الكرملين بالحرب مع أوكرانيا، ومن المحتمل أن تكون الأحداث في كازاخستان مصدر إلهاء غير مرحب به.

من المُتوقع، أن تستخدم موسكو علاقاتها الشخصية القوية مع النخبة الكازاخستانية، إلى جانب صلاتها الرسمية عبر المنظمات الاقتصادية والأمنية الإقليمية، للحث على قمع الاحتجاجات، وإخمادها، مع تزايد احتمالات أن تستخدم موسكو هذه الفوضى كذريعة لاستعادة شمال كازاخستان، وهي موطنًا لمعظم الهيدروكربونات في البلاد.

فيما زعمت إحدى الصحف الروسية أنهم - بمعنى الغرب - أطلقوا ثورة ملونة لإلهاء عشية المحادثات الأمنية الروسية الأمريكية الكبرى، فىخر ما تريده موسكو هو اندلاع احتجاجات في دولة ضمن دائرة اهتمامها.

أهمية كازاخستان لـ "أوروبا والصين"

كانت كازاخستان دولة أوتوقراطية مستقرة إلى حد كبير منذ انهيار الاتحاد السوفيتي. لم نشهد احتجاجات بهذا الحجم منذ الثمانينيات. ومع ذلك ، فإن كازاخستان مهمة لاقتصاديات الدول في أوروبا - وإلى حد أقل - آسيا ، حيث مكنها هذا الاستقرار السياسي من أن تصبح مُصدرًا رئيسيًا للنفط والغاز الطبيعي والفحم. 

تعد كازاخستان أيضًا بلدًا مهمًا لعبور الطاقة لدول آسيا الوسطى المجاورة الغنية بالموارد، وصلت الاحتجاجات بالفعل إلى العمال في حقل تنكيز النفطي، على الرغم من أن الإنتاج لم يتأثر بعد. لكن إذا أصبحت هذه الاحتجاجات كبيرة بما يكفي لتعطيل إنتاج الطاقة أو عبورها ، فقد يكون لها آثار اقتصادية كبيرة.

 بالنسبة للمستثمرين الدوليين، قوضت الأحداث التي وقعت في الأيام القليلة الماضية سمعة كازاخستان كمكان آمن لممارسة الأعمال التجارية فيه، حيث سيؤدي قطع الإنترنت ونشر القوات في الشوارع إلى زعزعة هذا النوع من الشركات في قطاعي الطاقة والمعادن الذي تحتاجه كازاخستان بشدة.

الصين لديها مصلحة أقل في كازاخستان، ولكنها لا تزال مهتمة  باستقرارها، فهي تزود بكين عن ما لا يقل عن 5 في المائة من واردات الغاز الطبيعي الصيني، ومن المتوقع أن معاهدة الأمن الجماعي ومنظمة شنغهاي للتعاون - التي تضم الدول الثلاث أعضاء فيها - أن تلعب دورًا في هذه الأزمة في المستقبل. 

ما مدى قدرة تدخل واشنطن؟

قدرة حكومة الولايات المتحدة على التدخل في هذه الأزمة محدودة؛ فالولايات المتحدة لديها نفوذ ضئيل في كازاخستان، وليس لديها حتى سفير هناك في الوقت الحالي. بالإضافة إلى ذلك، فإن العديد من الأدوات التي تستخدمها الولايات المتحدة عادة في مثل هذا النوع من المواقف (مثل العقوبات) ليست مناسبة بشكل جيد لقضية كازاخستان.

فشركات الطاقة الأمريكية الكبرى مندمجة بعمق في الاقتصاد الكازاخستاني، والعقوبات المفروضة على هذه الصناعات ستخاطر بحدوث نقص في الإنتاج قد يؤثر على لأوروبيين (حلفاء أمريكا)،  بالإضافة إلى ذلك، نظرًا للحساسية الروسية للتصور بأن الولايات المتحدة تدعم ما يسمى بالثورات الملونة في المنطقة، فإن دعم المحتجين الكازاخستانيين قد يزيد التوترات مع موسكو، وهي خطوة غير مفيدة لواشنطن حالياً.