في 6 يناير/كانون الثاني الجاري، وصل آلاف الجنود ضمن التحالف الأمني بقيادة روسيا (CSTO) إلى كازاخستان، بطلب من رئيس البلاد، الذي تعهد بإعادة النظام وسط احتجاجات متواصلة تخللتها أعمال عنف أدت إلى مقتل عشرات.

في البدء، كانت تلك التظاهرات الغاضبة محاولة للاحتجاج على ارتفاع أسعار الوقود في دولة تعد الأغنى بالنفط في آسيا الوسطى، إلا أن ذلك لم يكن سوى القشة الأخيرة، فقد أججت تلك الاحتجاجات مظالم قديمة تتعلق بفساد وعدم مساواة منذ سنوات طويلة، ما عكَسه غضب المحتجين الذين أضرموا النيران في المباني الحكومية واشتبكوا مع قوات الأمن بالأيدي.

دفع ذلك رئيس كازاخستان قاسم توكاييف إلى السماح باستخدام الرصاص الحي ضد المحتجين، ولأول مرة منذ تأسيسها، يتم نشر قوات تابعة لمنظمة معاهدة الأمن الجماعي بقيادة روسيا CSTO في الدولة المحكومة بالحديد والنار منذ عقود.

وأثار إرسال نحو 2500 جندي تابع للمنظمة، مخاوف من استغلال موسكو للأزمة من أجل تعزيز نفوذها في كازاخستان.

وحول ذلك، علقت جنيفر بريك مورتازاشفيلي، الخبيرة بجامعة بيتسبرغ: "يشير ذلك إلى ابتعاد كازاخستان عن سياستها الخارجية المتعددة، إذ طالما سعت إلى خلق توازن بين علاقاتها بالصين وروسيا وأمريكا وأوروبا"، وفق حديثها لمجلة فورين بوليسي.

وتطرح المجلة ثلاث نقاط أساسية يجب معرفتها لفهم أبعاد نشر قوات التحالف الروسي في كازاخستان.

أولاً: المرة الأولى منذ 30 عاماً

تأسست منظمة معاهدة الأمن الجامعي في أعقاب انهيار الاتحاد السوفييتي عام 1992، وهي اتفاقية دفاع متبادل أخذت شكلها الحالي عام 2002، وحصلت على صفة مراقب في الأمم المتحدة عام 2004، إذ تضم طاجيكستان وقيرغيزستان وأرمينيا وبيلاروسيا وكازاخستان بالإضافة إلى روسيا.

تستند المعاهدة على مبدأ الدفاع الجماعي مثل حلف الناتو، ما يعني أن تعرض أي دولة من الدول الأعضاء إلى هجوم يُعد هجوماً على جميع أعضاء الحلف، كما تجري تلك الدول مناورات عسكرية مشتركة، وتسهل بيع وتبادل الأسلحة فيما بينها.

لكن رغم ما تنص عليه المعاهدة، يعتبر تدخل قوات الحلف في كازاخستان هو الأول من نوعه في تاريخ المنظمة الممتد 30 عاماً، ورغم تعرض بعض الدول إلى ظروف أكبر من الاضطرابات الحالية في كازاخستان، لم تستجب المنظمة وتنشر قواتها، وفق فورين بوليسي.

ورغم إشارة رئيس الوزراء الأرميني نيكول باشينان، الرئيس الحالي للمنظمة، إلى تدخل خارجي في كازاخستان موضحاً سبب إرسال الجنود، إلا أنه لا يوجد دليل واضح يؤكد تورط جهات أجنبية في تلك الاحتجاجات.

ثانياً: لماذا طلب رئيس كازاخستان دعماً خارجياً؟

رغم أن إرسال 2500 جندي حفظ سلام فقط إلى بلد مترامي الأطراف مثل كازاخستان، لا يوحي بخطورة ظاهرة، فإنه يضيء بضع نقاط هامة وفق مجلة فورين بوليسي.

تقول الخبيرة مورتازاشفيلي: "لا يجب النظر إلى عدد الجنود فقط، بل رمزياً، فعندما تطلب إحدى الدول من دولة أخرى أن تأتي وتطلق النار على مواطنيك، فإن ذلك يطرح أسئلة عميقة حول سيادة البلاد وسياستها الخارجية".

تشير مورتازاشفيلي أيضاً، إلى سؤال آخر أثير بمجرد مسارعة رئيس كازاخستان لطلب الدعم الخارجية، وهو "هل هناك صراع داخلي على السلطة، أو بصيغة أخرى، هل فقد توركاييف ثقته بالجيش؟".

تولى توركاييف رئاسة البلاد عام 2019 بعد تنحي سلفه نور سلطان نزارباييف، ووسط اضطرابات واسعة في النظام الذي يدير البلاد.

ويثير نشر قوات المنظمة مخاوف من احتمال بقاء القوات في البلاد، إذ إن قوات حفظ السلام الروسية عادة ما تظل في المكان الذي تدخله حتى بعد انتهاء سبب دخولها، مثل بقائها في المناطق الانفصالية داخل جورجيا ومولدوفا من التسعينيات وحتى الآن، وفق فورين بوليسي.

بدوره، حذر وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن كازاخستان، الجمعة الماضي، قائلاً: "أحد الدروس المستفادة من التاريخ الحديث، هو أن بمجرد السماح للروس بالدخول إلى منزلك، يصعب إجبارهم على المغادرة في كثير من الأحيان".

تجدر الإشارة إلى أن الجنرال الروسي أندريه سيرديوكوف، قائد قوات منظمة معاهدة الأمن الجماعي، تولى قيادة القوات الروسية أثناء ضم شبه جزيرة القرم بالإضافة إلى قيادته قوات بلاده في سوريا.

ثالثاً: هل ستؤثر تلك الخطوة على توازنات القوى؟

يصعب تحديد إذا كان نشر القوات الروسية سيؤثر على جهود كازاخستان في تحقيق التوازن بين روسيا والصين والدول الغربية، فلابد من الانتظار وقتاً أطول لمعرفة ذلك.

من جانبه، حاول الرئيس الكازاخستاني توركاييف إيصال رسائل مطمئنة قائلاً: "سياسة الترحيب بالاستثمارات الأجنبية ستظل استراتيجية أساسية بالنسبة إلى كازاخستان"، في سلسلة تغريدات يوم الجمعة الماضي.

وعلى جانب آخر، لفت السفير الأمريكي السابق لدى كازاخستان، وليام كورتني، إلى نقطة جانبية مثيرة للقلق، وهي "هل تتجمع القوات الروسية في المناطق الشمالية من كازاخستان، التي تضم عدداً كبيراً من السكان المنحدرين من أصول روسية".

فهل يسعي الكرملين عبر نشر قوات حفظ السلام الروسية، إلى إلقاء بالون اختبار لقياس قدرته على قلب الأحداث في المنطقة لصالحه دون التورط في المستنقع بشكل مباشر؟ هذا ما ستكشفه الأسابيع المقبلة.

TRT عربي - وكالات