حسب بيان وزارة الخارجية الأمريكية، لم تعُد الولايات المتحدة تدعم بناء مشروع خط أنابيب الغاز "إيست ميد" (EastMed)، إذ يتحول اهتمام واشنطن الآن إلى مصادر الطاقة المتجددة، الأمر الذي رأت معه وسائل إعلام يونانية أن هذه الخطوة تعود بالفائدة على تركيا بشكل أساسي.

وعلى الرغم من أن الإدارة الأمريكية السابقة كانت من أشد المؤيدين لهذا المشروع الذي يستثني تركيا ويتجاهل حقوقها بشكل صارخ، بحجة أن أوروبا بحاجة إلى تنويع احتياجاتها من الطاقة مقابل روسيا، فإن الإدارة الأمريكية الحالية رفضت بصمت دعم المشروع لكونه "مصدراً رئيسياً للتوتر" وشيئاً "يزعزع استقرار" المنطقة، بالإضافة إلى افتقاره إلى الجدوى الاقتصادية، ووجود تخوفات بيئية، ودعت إلى تركيز الجهود لربط المنطقة بشبكة الكهرباء، وفقاً لما زعمتة الإذاعة العامة اليونانية ERT.

ومنذ البداية عارضت تركيا مشروع خط خط أنابيب الغاز "إيست ميد" الذي كان يهدف إلى نقل الغاز الإسرائيلي إلى دول الاتحاد الأوروبي عبر عبر البحر الأبيض المتوسط ​​واليونان وقبرص الجنوبية، ورأت فيه استهدافاً حقيقياً لمصالحها وأمنها القومي. لكنها في نفس الوقت كانت ترى أن هذا المشروع غير واقعي ويصعب تنفيذه دون مشاركتها.

فشل المشروع بنظر وسائل الإعلام اليونانية

عرضت صحيفة "أفجي" اليومية اليونانية، المقربة من حزب المعارضة الرئيسي "سيريزا"، التطور على أنه إخفاق كبير في السياسة الخارجية لحكومة نيا ديموكترايا القومية المحافظة. وقالت الصحيفة إن الرفض القاطع من الولايات المتحدة يرجع فقط إلى الخصائص المناهضة للاقتصاد والبيئة لمشروع "إيست ميد"، كما كانت تجادل تركيا، إلى جانب التوترات التي كان سيسببها في المنطقة.

فيما أكدت "ديلي ريزوسباستيس"، الصحيفة الرسمية للحزب الشيوعي اليوناني (KKE)، أن الولايات المتحدة تعتبر المشروع المصدر الرئيسي للتوتر في المنطقة ، وبالتالي سحبت دعمها. وأضافت الصحيفة أن الولايات المتحدة استخدمت اليونان كورقة مساومة ضد تركيا.

علاوة على ذلك، اتهم حزب المعارضة اليساري (MeRA25)، بقيادة وزير المالية السابق يانيس فاروفاكيس في بيان، كلاً من حكومتي نيا ديموكترايا القومية الحالية وحكومة حزب "سيريزا" السابقة، بالكذب على اليونانيين بشأن عديد من مسائل السياسة الخارجية، بما في ذلك مشروع خط أنابيب الغاز "إيست ميد".

وقال الحزب في بيانه: "لقد حذّرنا منذ سنوات من أن المشروع لا يمكن إنجازه بسبب التكلفة المالية والبيئية"، كما زعم الحزب أن رغبة الولايات المتحدة في ترويج الغاز الطبيعي المسال في الأسواق الأوروبية كان من شأنها أن تقف عائقاً أمام تنفيذ هذا المشروع​​.

"فيتو" تركي منذ البداية

منذ بداية الحديث عن المشروع الذي كان يستثني تركيا ويتجاهل مصالحها شرقي المتوسط، عبَّرَت أنقرة عن غضبها وهدَّدَت أكثر من مرة بأن هذا المشروع لن يرى النور إلا إذا كانت جزءاً منه بشكل يخدم مصالحها ويُقِرّ بحقوقها وحقوق جمهورية شمال قبرص التركية في غاز شرقي المتوسط ويحترم مياههما الإقليمية، فضلاً عن احترام اتفاقية ترسيم الحدود البحرية مع الحكومة الليبية.

وفي عام 2020، وعقب توقيع اليونان وإسرائيل والإدارة القبرصية اليونانية صفقة لبناء خط أنابيب للغاز الطبيعي بطول 1900 كيلومتر في شرق البحر المتوسط بتكلفة قُدرت حينها بأكثر من 7 مليارات دولار، عادت أنقرة لتجدّد غضبها من المشروع الذي يمرّ عبر مناطق بحرية متنازَع عليها بين تركيا واليونان، في وقت كانت فيه إدارة ترمب من أقوى المؤيدين لهذا المشروع بجانب منتدى غاز شرق المتوسط ​​الذي يستثني تركيا، بحجة أن أوروبا بحاجة إلى تنويع احتياجاتها من الطاقة مقابل روسيا.

وعلى الرغم من أن عديداً من الخبراء كانوا يجادلون بأن التكلفة المقدَّرة لنقل الغاز الطبيعي ستكون أرخص بثلاث مرات إذا ما مرّ خط الأنابيب عبر تركيا، ورغم أن أنقرة وتل أبيب أعربتا عن رغبتهما في التفاوض بشأن نقل الغاز عبر تركيا، فإن المحادثات لم تبدأ قط.

ولم تكتفِ تركيا، التي تمتلك أطول خط ساحلي قاري في شرق البحر الأبيض المتوسط، بإظهار كرت "الفيتو" في وجه مشروع الأنابيب الذي يستثنيها، بل بدأت مؤخراً جهوداً دبلوماسية مع مصر وإسرائيل قد تنتهي بترسيم الحدود البحرية معهما، لتنهي بذلك صراع شرقي المتوسط لصالحها رغماً عن اليونان وحلفائها.

شبكات الكهرباء القارية

في الوقت الذي رفضت فيه الولايات المتحدة دعم مشروع خط أنابيب الغاز "إيست ميد"، أعلنت دعمها في المقابل لمشروع ربط شبكات الكهرباء لدول المنطقة، مشيرةً في بيانها إلى أن مثل هذه المشاريع لن تربط أسواق الطاقة الحيوية فحسب، بل وستساعد لعى إعداد المنطقة لانتقال الطاقة النظيفة.

وتُولِي الولايات المتحدة الأمريكية الآن مشاريع الطاقة النظيفة اهتماماً، مثل مشروع خط الربط الكهربائي (EuroAfrica) الذي ينقل الكهرباء تحت البحر الأبيض المتوسط من مصر إلى جزيرة كريت والبر اليوناني وصولاً إلى دول الاتحاد الأوروبي، الذي وقّعَت بمقتضاه مصر واليونان في أكتوبر/تشرين الأول الماضي اتفاقاً مبدئياً هو الأول من نوعه لبناء خط نقل كهربائي بين أوروبا وإفريقيا في جنوب شرق البحر الأبيض المتوسط.

كذلك يوجد مشروع آخر للربط الكهربائي بين قارَّتَي أوروبا وآسيا يقترح ربط شبكات الكهرباء الإسرائيلية والقبرصية والأوروبية.

TRT عربي