فضيلة الأمين العام: هذه أصول دعوة العدل والإحسان


بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وآله وصحبه وإخوانه وحزبه

كلمة فضيلة الأمين العام الأستاذ محمد عبادي في لقاء مع ثلة من قيادات الجماعة

بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ومن سار على دربهم إلى يوم الدين.

 لقد كان للانقطاع عن مجالس المومنين والمومنات الذي دام سنتين بسبب الوباء وطأة شديدة علينا، لأننا حرمنا من جنة الدنيا التي أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نرتع فيها بقوله “إذا مررتم برياضِ الجنةِ فارتعوا، قيل: يا رسول الله، وما هي رياضُ الجنةِ؟ قال: حلَقُ الذكرِ”، وحرمنا قيام الليل جماعة، وحرمنا من التملؤ والتملي في وجوه إخواننا كما كان يقول الإمام رحمه الله. رحم الله سيدي بو مدين الغوث الذي قال:  

      ما لذة العيش إلا صحبة الفقرا.. هم السلاطين و السادات و الأمرا

فاصـحبهم و تأدب في مجالسهم.. وخل حظك مهما خلفوك  ورا

ونحن نقول: ما لذة العيش إلا صحبة المؤمنين والمؤمنات.

نسأل الله أن يديم علينا هذه المجالس وأن ينفعنا بها، وأن يعيد على إخواننا بيوتهم المشمعة ظلما وعدوانا.

أود أحبتي أن أذكر نفسي، وأذكركم ببعض أصول هذه الدعوة المباركة التي أكرمنا الله سبحانه بالانضمام إليها، كي نستحضرها في كل وقت في سيرنا الفردي والجماعي إلى الله. لأننا إذا غفلنا عنها يوشك أن تضيع الدعوة ونضيع معها.

1- دعوتنا دعوة إلى الله سبحانه

دعوتنا هي دعوة إلى الله تعالى، والدعوة إلى الله تعالى غير الدعوة إلى الإسلام، فالدعوة إلى الإسلام هي الطريق إلى الدعوة إلى الله، أما الدعوة إلى الله فلا يقوم بها إلا من عرف الله ووصل إليه، والوصول إليه يعني العلم به، والعلم به يتم بمعرفة أسمائه وصفاته.

والوصول إليه يقتضي السير الحثيث والتوبة الدائمة. رحم الله الإمام المجدد الذي كان يعرف الجماعة بأنها جماعة تتوب إلى الله وتدعو الناس أن يتوبوا معها إلى الله، والتوبة معناها العودة إلى الأصل والرجوع إليه. فقد كنا مع الله في يوم ألست بربكم، ثم جيء بنا إلى عالم الدنيا لنشد الرحلة إليه سبحانه فالله سبحانه وتعالى لا يفصلنا عنه زمان ولا مكان، فهو أقرب إلينا من حبل الوريد، يقول سبحانه: وهو معكم أينما كنتم. فهو حاضر معنا والذي يحجبنا عنه ظلمات أنفسنا، فإذا تطهر الإنسان منها تأهل للدخول إلى الحضرة الإلهية. فالتلاؤم والتناسب شرط في التواصل لأن الضدين لا يجتمعان، فالله نور ولا يقرب إليه إلا من استنار قلبه. ألا ترى أن الله تعالى أمر الصحابة بالصدقة إذا رغبوا في مجالسة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا أيها الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة، وقال عز من قائل: خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم إن صلواتك سكن لهم، ليكون هناك تناسب بين الزائر والمزور، فالمزور صلى الله عليه وسلم طاهر مطهر وعلى الزائر أن يتطهر بالصدقة ليكون بينه وبين الحبيب انسجام.

السلوك إلى الله سير قلبي، قال ابن عطاء الله: “لولا ميادين النفوس ما تحقق سير السائرين”، إذ لا مسافة بينك وبينه حتى تطويها رحلتك.

السلوك يعني أن الطريق ضيقة وفيها منعرجات وعقبات. فالسلوك ترق في مدارج الإيمان يستوجب الزيادة في العمل، والزمن لا يسمح أن يكثر المرء من عبادة الجوارح أكثر مما يستوعب، لكن عبادة القلب ليست مظروفة بزمان فهي متاحة في كل وقت.

بيد أنه لابد من الحرص على جوهر العبادة وحقيقتها لا على مظاهرها وأشكالها كي نرتقي بها في مراتب القرب من الله. ومن نعم الله علينا أن هيأ لنا الصحبة الصالحة التي مهدت لنا الطريق لأن المصحوب قريب من الله والقرب منه قرب من الله، فما علينا إلا تعميق الصحبة والجماعة والصحبة في الجماعة بصدق الطلب والإكثار من الذكر حتى تكون دعوتنا إلى الله على بصيرة وبينة لا دعوى بدون برهان.

2. دعوتنا ربانية

الربانية تقتضي التجرد من الحول والقوة متابعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم الذي كان يقول في دعائه (اللهم إني أبرأ من حولي وقوتي إلى حولك وقوتك) وتقتضي نسبة ما يمن الله به علينا من خير إلى الله وحده، فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يناجي ربه فيقول (لبيك وسعديك، والخير كله بيديك، والشر ليس إليك، أنا بك وإليك، تباركت وتعاليت، أستغفرك وأتوب إليك).

فالرباني قائم بالله، يعطي لله، ويمنع لله، يحب في الله، ويبغض في الله، فهو لله ومع الله وإلى الله، ومعنى لله أن كل أعماله يقصد بها وجه الله، قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له.

  إلى الله تعني استحضار المرجع والمصير والنهاية، فهو وإن كان في الدنيا لكن فكره لا يحيد عن مشاهد يوم القيامة.

ومع الله تعني المراقبة الدائمة والحضور مع الله تعالى، ولا تتأتى هذه المراقبة إلا بالاستغراق في الذكر، فعلينا أن ننتقل من الذكر المحدد بالعدد أو الزمن إلى الذكر والتضرع الدائمين.

الربانية تتعارض مع حظوظ النفس والكبر والأنانية وحب الظهور وحب الرئاسة، لأن نفس الرباني قد فنيت في الله.

الدعوة الربانية يصنعها الله على عينه فهو الذي يحفظها ويكلؤها ويمكن لها، وما الحاملون لها إلا أدوات مسخرة بيد القدرة الإلهية عكس ما يقوم به الإنسان من أنشطة دعوية استنادا إلى قوته وتخطيطه، فتذهب جهوده هباء منثورا لأن صاحبها لم يمارسها بسم الله، وكل أمر لا يبدأ بسم الله فهو أقطع وأبتر وأجدم كما جاء في الحديث.

3. دعوتنا نورانية

القرآن والسنة نصوص يحفظها المؤمن والفاسق والفاجر لكن نورها لا يتشربه إلا المؤمن من خلال الصحبة والذكر، وبهذا النور يمشي في الناس يحيي به القلوب الميتة لا بالمواعظ الباردة والكلام الجاف، قال تعالى: أَوَمَن كَانَ مَيّتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا. (خيار عباد الله الذين إذا رؤوا ذكر الله).

هذا النور يغشى القلب فيورثه الرحمة، ويغشى العقل فيورثه الحكمة، ويسري في الجوارح فيدفعها للعمل والبذل بلا كلل ولا ملل، وبدون هذا النور تبقى دعوتنا شكلية لا تجد آذانا صاغية.

4. دعوتنا جهادية

الإمام رحمه الله يريد منا أن تكون أعمالنا كلها جهادية، ليس في مجال التدافع السياسي فحسب، ولكن نستفرغ الوسع والطاقة في كل أعمالنا، ذكرنا ينبغي أن يكون جهاديا وقراءتنا للقرآن كذلك ومجالسنا أيضا. كيف يتصور الجهاد في المجلس؟ يكون ذلك بالحضور المبكر، والإعداد الجيد، والسمت الحسن الذي يزيد في روحانية المجلس، مع الالتزام بأدب الحوار.

5. دعوتنا تجديدية

نعتبر الإمام رحمه الله من المجددين الذين بعثهم الله في هذا العصر ليعيدوا للدين صفاءه وحيويته وفاعليته. وأظن أن أهم مجال جدد فيه الإمام رحمه الله هو المجال التربوي. التربية قبله كانت قائمة على الصحبة الفردية فأرجعها إلى الأصل الذي كانت عليه زمن النبوة والخلافة الراشدة، فربط الصحبة بالجهاد وقرن الصحبة بالجماعة وفي الجماعة.

يستغرب الناس هذا التجديد لأنهم ألفوا الصحبة الفردية عبر قرون طويلة بسبب ما وقع في الأمة من الانكسار التاريخي، الذي نتج عنه تمزق عرى الدين مصداقا لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لتنقضن عرى الإسلام عروة عروة فكلما انتقضت عروة تشبث الناس بالتي تليها وأولهن نقضا الحكم وآخرهن الصلاة). الاستبداد والتسلط الذي فرضه الحكم العاض والجبري على الأمة دفع الربانيين إلى الالتجاء إلى الصحبة الفردية اضطرارا. سرعان ما نسي المسلمون أن الصحبة في عهد النبوة والخلافة الراشدة كانت مقرونة بالجهاد وبالجماعة.

 الحمد لله الذي وفّق الإمام رحمه الله الذي أرجعنا إلى الأصل وهو المنهاج النبوي الذي نتربى عليه ونحاول تطبيقه في كلياته وجزئياته.

نسأل الله تعالى أن يكرمنا بما كان يرجوه لنا الإمام وهو أن نكون من المحسنين الوارثين لرسول الله صلى الله عليه وسلم. هذه أحبتي بعض مميزات جماعتنا علينا استحضارها وتطبيقها حالا وقولا وعملا حتى نلقى الله تعالى وهو عنا راض، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

تاريخ الخبر: 2022-02-01 21:20:10
المصدر: الجماعة.نت - المغرب
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 50%
الأهمية: 63%

آخر الأخبار حول العالم

الحوار الاجتماعي.. التفاصيل الكاملة لاتفاق الحكومة والنقابات

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-04-29 18:27:00
مستوى الصحة: 49% الأهمية: 69%

الحوار الاجتماعي.. التفاصيل الكاملة لاتفاق الحكومة والنقابات

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-04-29 18:27:04
مستوى الصحة: 55% الأهمية: 59%

السجن 4 سنوات لصاحبي أغنية “شر كبي أتاي”

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-04-29 18:26:44
مستوى الصحة: 53% الأهمية: 52%

السجن 4 سنوات لصاحبي أغنية “شر كبي أتاي”

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-04-29 18:26:50
مستوى الصحة: 58% الأهمية: 52%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية