عشق استوطن قلوبنا لوطنٍ لا تشبهه الأوطان، تحكي لنا حدوده المترامية قصصاً من أمجادٍ ما زال ذكرها يعانق مجداً يكتبه قادتها بحروف مضيئة أبهرت العالمين.
وفي كل إجازة تدور فيها عجلات سيارتي ـ (غير الفارهة) جداً ـ أجد نفسي على قناعة أن السفر الذي أهواه لم يكشف لي بعد أسراراً من الجمال ما زالت تختبئ وراء مسافات طويلة وخطوط عريضة، ككنزٍ سياحي يحتاج للياقة أكثر، قد لا يمتلكها إلا متفرغ لهواية الاستمتاع بالحياة.
ورغم كل هذه الحميمية بيني وبين تراب الوطن (إنساناً ومكاناً) إلا أن في الرأس فكرة تدور، وفي القلب حديث يتجدد، لركوب الطائرة للمرة الأولى، والاتجاه نحو (من نحبهم، ويحبوننا)، نعم إنها مصر الشقيقة، أرض الكنانة الحبيبة، نحو النيل وبياض قلوب قاطني جنباته، وشاربي مياهه بشفاههم عذبة المنطق، الحديث عن مصر، هو التجرد من (الكبر) وزخارف الدنيا وبهرجتها الخادعة، وارتداء البساطة بملبسها الأنيق، وحكايات من الفن، لم ينته بوفاة (السيدة) وعبدالحليم، لتأكدي أننا سنلتقيهم هناك، من خلال المقاهي ودندنة الطيبين، أما صوت عبدالباسط والمنشاوي فلن يكلفنا سماعهما إلا الخروج لشوارعهم المزدحمة بالبسطاء بعد أداء صلاة الفجر في جوامعهم العتيقة.
حينما أصل هناك سأسأل عن المكان الذي كان يطل على شاشاتنا من خلاله (الشيخ الشعراوي) عند كل سحور، ولن أتنازل عن معرفة المكان الذي انبثق منه (العلم والإيمان) من خلال العالم الفيلسوف مصطفى محمود، أما الأهرام فباعتقادي أن أصغر مرشد سياحي سيأخذني إليها دون أن يستأذنني في ذلك.
وتبقى مصر ـ على الأقل ـ إلى هذه اللحظة هي المكان الذي تراودني نفسي ـ الضعيفة ـ بأن أشد الرحال إليه، كلما رأيت (منتخبهم) وهو يلعب كرة القدم بروح (حب الوطن) الذي يعطي الدروس بلا مقابل لكل من لا يقدر تراب وطنه، وموطأ قدم أمه وأبيه، نعم فمصر وطن للسعادة والحب نقرأه كل يوم من خلال أشقائنا المصريين العاملين معنا في (الطب والهندسة وحتى الكادحين الذين أعيتهم متاعب الحياة، لكنها لم تسقط من قلوبهم حب الوطن).
فريق كرة قدم جعلني أفكر بالتخلي عن بعض قناعاتي، مما يؤكد أن الرياضة فكرة سامية، وراقية، ورسالة معبرة عن الشعوب والأوطان لمن يحسن استغلالها.
توقيعي
السعودية ومصر تاريخ من الحب كتبته الأيام، وحفظته الأجيال، وترجمته المواقف.