لازال الجيش الملكي عالقاً في نفق طويلٍ لم يستطع الخروج منه، رغم تراكم السنوات التي ضلّ فيها الفريق طريق الألقاب والتتويجات، حيث أصبح وَاقِعُ النادي بمثابة أسطوانة مشروخة من فرط تكرُّرها كل موسم تقريباً، لتظل بذلك جماهير الـ"as far" الخاسر الأكبر في هذه المُعادلة.
لقد جرَّبت إدارة النادي العسكري الكثير من الوصفات لتجاوز الأزمة التي تقبع فيها منذ أكثر من 12 سنة؛ غيَّرت المُدرِّبين واستغنت عن لاعبين واستقدمت آخرين، ولو كان باستطاعتها لغَيّرت الأنصار والمشجعين، في الوقت الذي تُؤْثِر فيه تجاهل ضرورة إحداث ثورة على نفسها وسياستها في التسيير والتدبير.
في منظومة هذا النادي حَلَقةٌ مفقودة ومُعطّلة؛ ذلك أن الفريق يملك كل مُقوّمات النجاح من ميزانية سنوية مُحترمة وقاعدة جماهيرية عريضة وكذلك مدربين تعاقبوا عليه يملكون الخبرة اللازمة، غير أن العجلة لا تتحرّك والمجموعة تتعثّر في كل موسم، حتى أدمنت مسلسل الفشل والإخفاق.
في الواقع، لا ترتقي الأزمة التي يُعاني منها الجيش الملكي إلى مرتبة "مُعضلة" أو إشكال مُتشعّب؛ فالحل يظل بادياً للعيان وواضح بجلاء أمام المتابعين، لأن الاشتغال بذات السياسة رغم ثبوت عدم صوابها، يُسائل بالدرجة الأولى أصحابها والقائمين عليها من مسييرين وإداريين.
لم يعد المجال مسموحاً أمام فريق بقيمة ومرجعية الكتيبة العسكرية للتجريب والاختبار والمُقامرة، بل حتى التشخيص يبقى غير ذي جدوى لأن الدّاء مكشوف ولا سبيل للتغلب عليه إلا باجتثاته واستئصاله وضخّ دماء جديدة في الهيكلة الإدارية للنادي وكذلك ثقافتها في التدبير.
اعْتُبر الجيش الملكي من الأقطاب الأساسية للكرة الوطنية إلى جانب الوداد والرجاء الرياضييْن في سنوات خلت، والآن بات مُجرّد فريق متوسط يُنشّط المسابقات التي يخوضها، ويمكن القول بأن نهضة بركان احتل مكانه والتحق بفريقيْ العاصمة الاقتصادية في قيادة قاطرة الكرة المغربية، وتبقى هذه الأخيرة من المُتضرّرين لافتقادها نادياً كان من أركانها في العقود الماضية.
أمام النتائج السلبية التي حقّقها الفريق في المباريات الأخيرة، وبشكل عام في الموسم الحالي، لست من المُتواجدين في سِرْب الأشخاص الذين يُلقون كل اللائمة على المدرب البلجيكي، سفين فاندنبروك؛ هذا موقفٌ في نظري يعتريه القصور ولا يتّسم ببُعد النظر وشمولية التحليل.
توجيه الانتقاد إلى فاندنبروك كان سيكتسب مشروعية كبرى لو أنه أول الفاشلين في سِجِلّ الجيش الملكي خلال السنوات الأخيرة، والحال أنه ينضم إلى قائمة تعجُّ بالمدربين الوازنين الذين لم ينجحوا -لحدود الآن في حالة فاندنبروك- في تكييف النتائج مع طموحات الأنصار وتطلعاتهم.
لقد اسْتُهلك الكثير من الزمن المهدور في محاولة تشخيص أزمة الفريق العسكري، لكن قِلّة فقط هم من يثبتون على مبدأ حتمية تغيير إدارييه والاستفادة من كفاءات أخرى حتى لو كانت من داخل المجال الذي ينتمي إليه النادي، إذا كان هذا الأخير حريصاً على الحفاظ على صبغته العسكرية.
ليس أمام الجيش الملكي من حلّ سوى تغيير جِلده والتخلي عن مُقاربته الجامدة في التدبير، أما البحث عن الحلول السريعة فلن يقود الفريق إلى المسار الصحيح، وحتى لو قاده فإنه سُرعان ما سيعود إلى سابق عهده، مثلما عرفته المجموعة بعد قدوم فاندنبروك من نتائج جيدة في الموسم الفارط أفُلَ نجمها هذا الموسم.
إن منظومة الـ"as far" تُدار بتراتبية ينفرد بها من هم أعلى بكل السلط والصلاحيات، بدل توزيعها بمنطق أُفقي وبمبدأ الاختصاص، وهنا يُطرح التساؤل حول التقاعس عن تعيين مدير تقني يُنسّق بين الإدارة والطاقم التقني في جلب اللاعبين ورصد المواهب القادرة على تعزيز صفوف كل فئات الفريق، وتغييب معايير المصالح الخاصة في إبرام الصّفقات.
ما دامت سياسة الترقيع هي السائدة في منهجية عمل إدارة النادي العسكري، فإن أي صحوة على مستوى النتائج تظل مرحلية فقط وغير قابلة للصمود والاستمرار، والضحية يبقى هم الأنصار الذين وجب التنويه بإخلاصهم لفريقهم ومواصلة مواكبته رغم كل ما يتجرّعه من نكسات تبعث على التشاؤم واليأس.