بولس فهمي…خطوة نحو الدولة المدنية
بولس فهمي…خطوة نحو الدولة المدنية
خطوات جادة جرئية تسير عليها مصر نحو الدولة المدنية الحديثة التي لايمكن أن تقوم إلا في ظل تطبيق المواطنة كشرط أساسي لقيامها, والمواطنة هنا تعني المساواة في الحقوق والواجبات, ولا يمكن أن ينسحب تقديرنا لشيوع فكر البداوة وثقافة الصحراء, علي سلوك الدولة, ربما يكون ذلك الفكر معطلا, لأنه قائم في مستوياتها القاعدية, وأيضا الإدارية, نشجبه ونكشفه وندينه يوميا, لكن حينما تصدر قرارات كبري, مصيرية وليست شكلية, تتحدي ذلك الفكر علي شيوعه, لابد أن ندعم رأس الدولة ونمتن ونقر أن خطوات جادة تسير علي الطريق الصحيح.
أتذكر في هذا الصدد مقولة المستشار ماهر سامي- نائب رئيس المحكمة الدستورية, والمتحدث باسمها سابقا:-لايكفي أن يحمل الدستور بين ضفتيه نصوصا عظيمة ثم يتم تعطيلها أو عدم تنفيذها. فاليوم نجد تنفيذا جادا للدستور ينطلق من أرضية كفاءة الناس واستحقاقهم دون النظر إلي هويتهم الدينية, إذ أصدر الرئيس عبد الفتاح السيسي قرارا جمهوريا بتعيين المستشار بولس فهمي إسكندر, رئيسا للمحكمة الدستورية العليا اعتبارا من 9 فبراير الجاري. ليتحقق القرار التاريخي بتعيين أول قاض مسيحي الديانة رئيسا للمحكمة الدستورية عبر تاريخها الممتد أكثر من نصف قرن, وهو قرار يستحق الوقوف أمامه طويلا, فكما نشكو من توغل جذور التمييز علي مدار الأنظمة السابقة علينا الامتنان والاعتراف أن نظاما حاليا يغرس جذور المساواة التي لم تنبت في العهود الفئتة علي مدار سبعين عاما.
فقد منح التعديل الأخير للقانون رقم 78لسنة 2019 الحق لرئيس الجمهورية في اختيار واحد بين خمسة أعضاء-هم النواب الأقدم- رئيسا للمحكمة الدستورية العليا وهي الجهة الأرفع قضائيا في مصر وتوازي المحكمة الفيدرالية العليا في أمريكا.دائرة في مجلس اللوردات في بريطانيا, فانحازت القيادة السياسية للمواطنة, والأمر ليس بهين في ظل أجواء لم تنجح معها مصافي الشحن الطائفي منذ 2013 وحتي الآن.
وهنا لايمكن أن ننسي خروج المستشار بولس ضمن سبعة مستشارين من عضوية المحكمة الدستورية العليا, ضمن المحاولات الانتقامية التي مارسها الإخوان علي السلطة القضائية, ونظرا لخلافات الإخوان والرئيس المعزول آنذاك محمد مرسي, مع بعض قضاة المحكمة الدستورية العليا, تم استبعاد سبعة قضاة بموجب نص الدستور المعيب2012, والذي قلص عدد قضاة المحكمة الدستورية العليا من17إلي 11, وأعطي الحق للمشرع في وضع شروط اختيارهم, أي منح السلطة التشريعية تغولا علي السلطة القضائية, وهذا ما حصن في دستور 2014 بالمادة 194 التي تنص علي أن:رئيس ونواب رئيس المحكمة الدستورية العليا, ورئيس وأعضاء هيئة المفوضين بها, مستقلون وغير قابلين للعزل, ولا سلطان عليهم في عملهم لغير القانون. كان بين المستعبدين المستشارة تهاني الجبالي والمستشار بولس فهمي, الذي خرج منها متوليا رئاسة محكمة استئناف القاهرة, ثم جري تعيينه نائبا لرئيس المحكمة الدستورية العليا عام2014.
كان مشهد إقصاء قضاة الدستورية عدوانا حقيقيا علي السلطة القضائية لايمحوه إلا المشهد الحالي بتعيين أول رئيس مسيحي للدستورية العليا, نسأل الله أن ينسحب هذا الفكر المستنير علي القرارات في قطاعات الدولة كافة.
[email protected]