نعى الكاتب الصحفي سامي عبدالراضي، مدير تحرير جريدة «الوطن»، الكاتب الصحفي الكبير محمود الكردوسي، رئيس مجلس إدارة الجريدة وعضو مجلس الشيوخ، الذي توفي، قبل قليل، بعد رحلة قصيرة مع المرض عن عمر ناهز 64 عاما.

عبد الراضي: كل الكلام لا يكفي في نعي الأستاذ الكبير

وكتب عبدالراضي عبر حسابه الشخصي على موقع التواصل الاجتماعي «فيس بوك»، «كل الكلام لا يكفي في نعي الأستاذ الكبير محمود الكردوسي.. واحد من الذين يملكون قلماً ساحراً وكتابة من نوع خاص.. يفاجئك بجمل لا تتوقعها ولا تملك إلا القول: الله.. الله» .

وتابع: «اقتربت من الكردوسي قرابة 17 عاماً ..هي فترة العمل في المصري اليوم والوطن ..لا تراه إلا ناصحاً مبتسماً ..كاتب حريف ..مقالاته توجع.. هنا يكتب عن والدته.. لحظتها تسقط دموعك رغماً عنك.. حكاويها عنه ..عن بدايته في الصعيد زينا ..عن بلدته في شمال سوهاج ..عن أبوه التاجر ..عن المقهى الذي كان يسير قرابة ساعة حتى يصلها ..يتابع مباراة للأهلي والزمالك ..يتحدث معنا عن أول زيارة للقاهرة ..وأول يوم في الكلية ..وعن أول يًوم في الأهرام».

وواصل: «في جلسة الكردوسي تجد كلماته حاضرة ..أفكاره حاضرة ..مقدمات الملفات بيده وكأنها لوحة ..كان يكتبها بقلمه الحبر ..وكانت المتعة لنا متعتين ..متعة هذا الخط البديع ..ومتعة الكتابة ..مرة يؤلمك بقصة يكتبها ..ومرة تضحك مع رواية عن جلسة في الصعيد يحكيها عن بعض الأشخاص».

واستكمل: «في السنوات الأخيرة اقتربنا كثيراً ..وجمعتنا جلسات ..وتابعناه أيامه القاسية مع زراعة الكبد ..وعاد منها كما كان وأفضل ..وكانت بعض لحظات المرض تطارده وتقسو عليه ..كان يدخل المستشفى ..ويخرج بابتسامته وضحكته ونقول لبعضنا: الكردوسي هيموتنا كلنا وبعدين يموت».

وأضاف: «في المرة الأخيرة ..سقط فجأة بجلطة في المخ ..وفي اليوم الثاني كنت هناك أنا والصديق الدكتور محمد البدري ..كان على الأجهزة ..بغرفة العناية ..وأصر البدري أن يوقظه ..وقلت له سيبه ده تعبان ..واستيقظ وعرفنا..وكانت كلماته تخرج منه بصعوبة ..وامسكت بيده ..وقلت له: الزمالك كسب امبارح الطلائع. وخد الدوري ..ضحك ..وكنا نتبارى كثيرا في هذه النقطة ..وقلت له خلاص يا عم ..خدتوا الدرع بتاع الخمس سنين ..وقال لي البدري جملته الشهيرة: هيخرج منها ..وهيموتنا كلنا.. وضحكنا وغادرنا المكان» .

وتابع: «ولكن عندما التقيته في منزله بعد الخروج ..تأكدت أن كلمة البدري غير صحيح ..رأيت وجه أبي ..سمعت كلمات واحد من أهلنا الكبار عندما كان يرى الموت ويحدثنا عنه ..قال لي: بص يا سامي ..هي كده خلصت ..واضح إن دي هي المرة الأخيرة ..الموت قرب ومفيش حد هترجعه عني ..وشايف الموت في عيون ناس كتير».

كما أضاف: «شفت أمي وشفت أخويا ..وشفت حبايب كتير ..المرة دي صعب أرجع ..قلت له ..انت هتقوم ..وترجع ومكتبك مستنيك ..وهنعمل لك حفلة كبيرة وهنفرح..ضحك..ضحكة عادية ..عنوانها: أنا حافظك.. قبلت رأسه ويده.. وغادرت المكان ..وأمامي كل المواقف بيننا ..وضحكته المجلجلة ..وجمله التي حفظنا واخذنا منها الكثير ..وعناوينه التي تعلمنا ..ووجهه شبيه طمي النيل لا يفارقني».

واختتم: «رحيل الكردوسي صدمة ..رغم تأكدنا أن أيامه الأخيرة اقتربت.. يبقى الكردوسي مدرسة نادرة في الكتابة ..يظل معلماً كبيراً ..يظل باقيا برواياته وكتبه ..يظل بيننا بحكاويه النادرة ..يظل الكردوسي حياً رغم الموت ..ورغم الرحيل ..حياً يا حبيبي».