التعبيرية في الألحان القبطية:

تتميز الألحان القبطية بقدرة تعبيرية فائقة في التعبير بالنغمات والإيقاعات والمقامات عن كلمات هذه الألحان من جهة ،وعن الجو الروحي والطقس المحيط بهذه الألحان من جهة أخرى.

وهذا يعتبر إمتداداً لموسيقى قدماء المصريين التي كتب عنها عالم الآثار الألماني”أدولف إيرمان” و “بلاك فان” الإنجليزي أن الحركات التي كان يؤديها المغنيين أثناء الغناء والتي ظهرت في كثير من الصور للمغنيين والعازفين والراقصين كانت تساعد في التعبير عن معاني الأغاني[1].

ففي لحن “خريستوس آنستي” الذي يقال في عيد القيامة والخماسين المقدسة، تجد أن لحن جملة “ثاناتو ثاناتون باتيساس” والتى تعنى “بالموت داس الموت”، جاء معبراً عن التضاد والتقابل في كلمتى “الموت”.فعند كلمة ثاناتو الأولى كانت النغمات حادة وقوية لتعبر عن قوة موت السيد المسيح، بينما عند ثاناتون الثانية جاء اللحن بنغمات منخفضة غليظة ضعيفة منكسرة ليعبر عن موت الخطية الذى داسه موت السيد المسيح.

وفي لحن “ايس او بناجيو” : “واحد هو الآب القدوس” الذي يقال في القداس الالهي قبل تقدم الشعب للتناول، نجد أن نغماته جاءت تحذيرية لتنبيه هؤلاء المتقدمين للتناول من أن القدوس هو واحدٌ فقط، خشية أن يظن البعض أنهم قديسين[2] وتأكيدا لذلك جاءت قفلة اللحن صداحة قوية حادة مرتفعة تحذيرية.

وفي لحن “ايبارثينوس” اليوم البتول تلد الفائق الجوهر”، اللحن الذي يقال في ليلة عيد الميلاد، يبدأ اللحن كأنه الهمس ليعبر عن “سر” التجسد الذي تم إعلانه ليلاً للرعاة.

ولحن “تي هيريني انتي إفنوتي” “سلام الله” الذي يقال في الصيام الكبير جاء ناسكاً في ايقاعاته متقشفاً في نغماته غاية في البساطة ليؤكد حالة النسك والزهد والتقشف التى تعيشها الكنيسة.

فالألحان القبطية هي ألحان تعبيرية وإن كان لم يتم إكتشاف هذه العلاقة بين نغماتها وكلماتها والطقس المحيط بها إلا في القرن العشرين من خلال برنامج تليفزيوني بعنوان “ماوراء الألحان” قدمته قناة سات 7، وكتاب بعنوان “الألحان القبطية روحانيتها وموسيقاها”[3]، ورسالة ماجستير بعنوان “علاقة اللحن بالنص والطقس” تم تقديمها لمعهد الدراسات القبطية عام 2007.

القيادة:

القيادة في ألحان الليتورجيا داخل الكنيسة القبطية الأرثوذكسية هو موضوع له أهمية كبيرة لم يتطرق إليه أحد بالبحث إلا في ديسمبر 2013 عندما تم مناقشته في رسالة ماجستير[4] بالقاهرة.

فقد رأت الكنيسة في عهدها الأول ضرورة أن يكون هناك قائد وهو العريف او المرتل أو المُعلم الذي يقف كمايسترو ليقود هذه الألحان الكثيرة المتنوعة، خاصة لوجود “الشعب” وهو جمهور المصلين الذين يشاركون بالغناء فى بعض الألحان. إلا أنه بالرغم من هذا فالقيادة في الكنيسة القبطية تتم بشكل عفوى وتلقائى.

والقيادة هو فن عرفه قدماء المصريين حيث كتب “هانز هيكمان” رسالتين الأولى[5] سنة 1949 والثانية[6] سنة 1952 عن هذا الموضوع وذكر أن الحركات اليدوية كان يؤديها “القائد” للعازفين والمغنيين لإرشادهم الى النوتات الموسيقية للأغنية أو اللحن، ويسمى هذا الأسلوب Chieronomy اي “لغة اليد”، وقد إهتم الموسيقيون القدماء كثيراً بهذا الأسلوب.

وأهمية القيادة في الكنيسة القبطية تحددها سبعة بنود أساسية وهي:

أسلوب صياغة العمل الموسيقى:
فالموسيقى القبطية تحوى تغيرات ايقاعية، وانتقالات مقامية غزيرة وشديدة التعقيد، والقالب الموسيقى لمعظم هذه الألحان مركب وغير بسيط، والصياغة اللحنية بها يتخللها مقاطع أدليبية حرة الأداء، والعلاقة بين العبارات اللحنية والعبارات الإنشائية (اللفظية) متداخلة (staggered) وفى معظم الألحان وخاصة المصاغة باسلوب الميليسما تنتهي العبارة الموسيقية بينما العبارة اللفظية لا تنتهى فى ذات هذه العبارة الموسيقية بل تنتهى فى بداية العبارة الموسيقية التى تليها، وهكذا ليصبح اللحن مترابطاً كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضاً. وهذه سمة تميز الألحان القبطية عن سائر الألحان الأخرى. لذلك فالقيادة فى الموسيقى القبطية لها أهمية خاصة وطبيعة مميزة رغم انها أحادية النسيج الصوتي Monophonic

عدد الذين يؤدون العمل الموسيقى:
يتم أداء الألحان القبطية من خلال خورس بحرى وآخر قبلى، وبالرغم من أنه لا يوجد أوركسترا يعزف، إلا أنه يوجد جمهور الشعب والإكليروس الذى له مردات تجاوبية تحتاج قائد شديد الفراسة ليستطيع أن يوحّد أداء الشعب والإكليروس مع الخورسين القبلى والبحرى، من خلال إشارات واضحة محددة، هذا بخلاف وجود مرات فردية لشماس منفرد أو للكاهن، مما يتطلب دورا هاماً للقائد.

عزيزي القارئ سوف نكتفي بهذا القدر اليوم في السبعة البنود الأساسية التي تحدد أهمية القيادة في الكنيسة القبطية، على أن نستكمل باقي البنود السبعة في المقال القادم.