وحيداً بسنّ 92 عاماً، ووسط مشاعر كراهية متنامية يكنّها له القوميون الروس، على رأسهم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي بدأ تدخُّلاً عسكرياً في أوكرانيا يراه مراقبون محاولة لاستعادة أمجاد الاتحاد السوفييتي الذي انهار على يد غورباتشوف قبل أكثر من 3 عقود، يشاهد آخر رؤساء الاتحاد السوفييتي نهاية اليوم السابع من الحرب التي تستهدف موطنه الأصلي أوكرانيا، التي كانت تتبع الاتحاد السوفييتي وقتذاك.

وعلى الرغم من أن الغرب وبعض الروس يعتبرون ميخائيل غورباتشوف أهمّ شخصية تمكنت من تشكيل نصف القرن الأخير من تاريخ العالم، فإن معظم الروس وبعض أنصار الشيوعية حول العالم ينظرون إليه بطريقة مختلفة، إذ يرون فيه القائد السوفييتي الضعيف الذي دّمر الاتحاد السوفييتي وكان سبباً في سقوطه.

فمَن التسعيني الذي أثار الجدل طوال العقود الثلاثة الماضية؟ ولماذا انقسم الناس حول شخصيته؟ فهل هو أحمق غير مكترث، أم نبي الديمقراطية في روسيا؟ إليكم الحكاية كاملة في هذا التقرير.

نشأته وحياته السياسية

وُلد ميخائيل غورباتشوف في 2 مارس/آذار 1931 بقرية بريفولنو شمالي القوقاز، لعائلة روسية-أوكرانية من الفلاحين كانت هاجرت من مدينة تشيرنيهيف التي تقع شمال أوكرانيا اليوم. وفي مراهقته عمل مشغلاً لآلة الحصَّادة في الزراعة الجماعية، وهو الأمر الذي منحه دراية كافية بمشكلات إنتاج الغذاء التي كانت السبب في دخوله وتميزه داخل الحزب الشيوعي.

وفي عام 1955 تَخرَّج في جامعة موسكو الحكومية بشهادة في القانون، وبينما كان في الجامعة انضمّ إلى الحزب الشيوعي، ومن بعدها أصبح فعَّالاً فيه، فبدأ يتسلق السلم السياسي داخل الحزب بعد تعيينه سكرتيراً للحزب بإقليم ستافروبول عام 1970، ثم عُيّن أول سكرتير للمجلس السوفييتي الأعلى في 1974.

فيما عُين عضواً داخل المكتب السياسي في عام 1979. وفي نهاية السنوات الثلاث التي تلت موت الرئيس ليونيد بريجنيف، التي تخللها تغيرات كبرى وإعادة ترتيب للمناصب داخل الحزب، رشح المكتب السياسي غورباتشوف ليتولى منصب الأمين العامّ للمجلس السوفييتي.

وفي مارس/آذار 1985 شغل غورباتشوف منصب الأمين العامّ للحزب الشيوعي السوفييتي، واقترح في فبراير/شباط 1990 إلغاء دور القائد الشيوعي والسماح بتشكيل أحزاب سياسية، إضافة إلى انتخاب رئيس للاتحاد السوفييتي. وفي مارس/آذار من العام ذاته وافق مجلس نواب الشعب على تعيينه رئيساً للاتحاد السوفييتي ليكون أول وآخر من شغل هذا المنصب.

دقّ آخر مسمار في نعش الاتحاد السوفييتي

مر أكثر من 3 عقود على تفكُّك الاتحاد السوفييتي على يد غورباتشوف. (AFP)

في مقابلة نادرة له أجراها مع مراسل BBC في موسكو عام 2016، قال ميخائيل غورباتشوف إن حلّ الاتحاد السوفييتي كان "جريمة وانقلاباً"، مضيفاً أن الاتحاد السوفييتي انهار عام 1991 بسبب "الخيانة". ومتحدثاً عن اللحظة التي تغير فيها العالم قال، اليوم الذي انهارت فيه القوة العظمى السوفييتية، قال غورباتشوف: "ما حدث لاتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفييتية كان درامياً".

بحلول ربيع عام 1991 وقع غورباتشوف بين اتجاهين قويين كانا يضيّقان عليه مجال المناورة. من ناحيةٍ كان المحافظون والرجعيون داخل الحزب يحاولون عكس سياساته، ومن ناحية أخرى أراد تقدميون إنشاء نظام كامل متعدد الأحزاب ودفع البلاد نحو إصلاحات الاقتصاد المنهار.

وفي أعقاب محاولة الانقلاب الفاشلة التي نفّذتها مجموعة من المحافظين في الحزب الشيوعي حاولت احتجازه وهو يقضي إجازة في شبه جزيرة القرم، صدم ميخائيل غورباتشوف مواطني الاتحاد السوفييتي والعالم أجمع عندما خرج بخطاب تليفزيوني عشية 25 ديسمبر/كانون الأول 1991 قدّم فيه استقالته وأعلن حلّ الاتحاد السوفييتي.

لماذا يكرهه الروس ويحبه الغرب؟

بالنسبة إلى بوتين كان غورباتشوف وسيطاً للغرب الذي اعتبره وحي الديمقراطية الروسية، لكن ما عرفه بوتين على وجه اليقين هو أن غورباتشوف لم يكن بطلاً لشعبه، فقد احتقر كثير من الروس غورباتشوف باعتباره مدمر إمبراطوريتهم، ودعموا بوتين كمرمّم لها، رغم عدم رغبتهم في العودة إلى الشيوعية، لكنهم يلومونه على الطريقة التي انهى بها اتحادهم.

وعلى الرغم من مرور أكثر من 30 عاماً على قراره حلّ الاتحاد السوفييتي، ما زال غورباتشوف يعيش واقعاً مزدوجاً، إذ أُعجبَ واحتفل به في واشنطن ولندن وبرلين، ونبذ في موسكو وسانت بطرسبرغ وفلاديفوستوك.

ويطالب البعض بانتظامٍ بمحاكمة غورباتشوف ويُصِرّ عديد من الشخصيات العامة البارزة، بمن فيهم بعض المقربين من الرئيس فلاديمير بوتين، على أن تعلن روسيا رسمياً أن ميخائيل غورباتشوف مجرم لتحريضه على انهيار الاتحاد السوفييتي.

لكن ذلك لا يعني بالضروره عدم إعجاب بعض الروس به، الذين يحبونه لاستحداثه سياسات الانفتاح (الغلاسنوست)، جنباً إلى جنب مع إعادة الهيكلة (البيريسترويكا)، اللتين ساعدتا معاً للتخلص من أسوأ أشكال قمع النظام الشيوعي، بالإضافة إلى إنهاء الحرب الباردة.

TRT عربي