تقليل كلفة حتمية المواجهة في ظل استمرار حالة عدم القابلية للحكم


بكري الجاك

كتبت من قبل، عن أن معسكر الانقلاب به أربعة أطراف (الجيش وبقايا الإسلاميين كواجهة لكارتيل منظومة الصناعات الدفاعية، الجنرال دقلو ودعمه السريع في القتل و النهب، قوى سلام جوبا، بعض القوى الاجتماعية المتطلعة إلى أي جيفة سلطة ومال)  بينها مصالح متضاربة ومتنافسة وأنه في ظل غياب آلية تدير مصالح هذه المجموعات بشيء من التوازن فالنتيجة الطبيعية هي سيادة حالة توازن الضعف، وعدم قدرة أي طرف في اتخاذ موقف جوهري يغير في معادلة توزن الضعف الكبرى بين قوي الثورة والتغيير والقوي الانقلابية المتمسكة بالسلطة ولكنها غير قادرة على بناء نظام سياسي أو حتى الحكم نفسه بمعنى إدارة شؤون الناس وليس بمعنى التسلط.

وأيضا حاججت من قبل؛ أن معسكر قوى الثورة به أطراف سياسية ذات تجارب وقدرات وربما رغبة في الوصول إلى حلول وسطى لا تبعد العسكر بالكامل من السلطة لكنها عاجزة عن فرض هذه الارادة السياسية لأن قواعدها، ناهيك عن بقية الشارع، لا تدعم هذا التوجه. هذا بالإضافة إلى أن المزاج الثوري العام ونضج الحراك الثوري، بقيادة لجان المقاومة وبقية القوي الثورية، قد توصل إلى نتيجة مفادها؛ أن أي عملية سياسية لا تؤثر على المعادلة الرئيسية، أي خروج القوات النظامية بكافة تشكيلاتها من السياسة والاقتصاد واحتكامها إلى سلطة دستورية تحدد مهامها وفق عقد اجتماعي جديد وعقيدة وظيفية جديدة في الدولة السودانية المنشودة، سوف لن تقود الي سلطة مدنية أو تأسيس دولة أو انتقال ديمقراطي.

في طرف هذه القوى أيضاً الحركات المسلحة (الحركة الشعبية وحركة تحرير السودان) الللتين انخرطت قواعدهما في لجان المقاومة والحراك الثوري، لكنهما أصبحتا خارج دائرة التأثير السياسي وفي انتظار من يلقي لها بطرف أي مبادرة. هذا المعسكر أيضاً يعاني من حالة توازن ضعف داخلي وليس به طرف يستطيع القيام بأي خطوة سياسية كبيرة تحدث اختراقاً في حالة توازن الضعف الكبرى التي تعني عمليا أنه ليس بمقدور طرف  من قطبي الصراع صرع الطرف الآخر بشكل نهائي. هذا لا يعني طبعا، أن استمرار الفعل المقاوم غير مجد، بل العكس أن الفعل المقاوم الحالي هو الفعل الوحيد الذي يغير في هذه المعادلة على المدى الطويل ومنه تنبع أهمية وحيوية استمراره وتوسعه وانخراط الريف والهوامش فيه.

 

الأهم الآن هو يجب أن نفكر في المآلات في حالة استمرار وضعية عدم القابلية للحكم هذي لفترة أطول، هذا تحديدا لأن مسألة فرض عقوبات على حميدتي من قبل الإدارة الأمريكية باتت مسألة وقت ليس إلا في ظل التطورات الأخيرة و الحرب العبثية التي تشنها روسيا على أوكرانيا في ظل عزلة دولية و ادانة شعبية.

واجبنا في قوي الثورة هو تقليل كلفة هذه المواجهة القادمة بين قوات الدعم السريع و الشعب السوداني بأجمعه، فمن ناحية منطقية ليس أمام الجنرال دقلو إلا استخدام الشعب السوداني كرهينة في تفاوضه للخروج  من ما سيأتي أو التلويح باستخدام عنف شامل ليس في السودان وحسب بل عنف يطال دول مثل افريقيا الوسطى والنيجر ومالي وتشاد، وربما ستتم محاولة تغيير الحكومة في تشاد بواسطة قوة داعمة لحميدتي ومدعومة بواسطة الروس عن طريق الدعم السريع الروسي، أعني شركة فاغنر. كيف سترد فرنسا على التدخلات الروسية في مناطق نفوذها التقليدية هذا أمر متروك لصراع جيوبلتيكي كبير  قادم في المنطقة، لكن ليس غريبا على المخابرات الفرنسية تصفية الخصوم كما حدث من قبل مع زعيم حركة مسلحة.

كما هو معلوم، فإن فكرة بوتين هي الحصول على أكبر احتياطيات من الذهب كما أوردت صحيفة التلغراف، وهذا ما ظللنا ننبه له منذ وقت ليس بالقصير في محاولة للتخلص من جزء من احتياطيات بلاده النقدية من الدولار واليورو، وفي هذا تتوافق روسيا مع الصين في التصور العام لكيفية إضعاف الغرب عموما وأمريكا تحديدا، حيث لا يمكن  أن يتم ذلك في ظل التجارة الدولة والتشابكات الاقتصادية التي تعتمد على الدولار كسلعة ووسيلة للتبادل الدولي و اليورو إلى حد ما. فمعركة الاقتصاد السياسي العالمي جعلت الروس يفكرون بالاتجاه نحو الذهب وخلق أنظمة Kleptocracy  فاسدة تعمل على نهب ثراوات شعوبها لتحقيق هدفين: أولها إضعاف الدول التي تدور في فلك الغرب وجعلها غير قابلة للحكم، وثانيهما استخدام هذه الدول كمخالب في إثارة الصراعات لإضعاف الغرب واستخدامها ك bargaining chips  أي كروت للمراهنة في القضايا الكبرى.

خلاصة القول، إن هذا واقع في غاية التعقيد داخليا وخارجيا، وعلينا الاستعداد والتفكير في تقليل كلفة هذه المواجهة باستنفار كل الطاقات لوقف الدعم السريع من ابتلاع ما تبقى من المؤسسة العسكرية الرسمية وبقية جهاز الدولة أو استخدامه كواجهة لعملياته القادمة اذا أتت هذه العقوبات التي هي لا محالة قادمة، و مثل هذا العمل يتطلب استراتيجيات منها ما هو سياسي ومنها ما هو اجتماعي، السياسي يتمثل في توحيد التوجه الثوري ورؤية ناضجة للعالم والإقليم، وأيضا يجب أن يشمل تثوير وإدماج أطراف مهمة أخرى في المجتمع. أما الاجتماعي، فهو التفكير في شحذ همم من تبقت فيهم همم في هذه القوات النظامية من جيش وشرطة وغيرها للتوقف عن الدخول في دوامة أخري واسعة من العنف.

بكري الجاك

3 مارس 2022

تاريخ الخبر: 2022-03-04 15:22:11
المصدر: صحيفة التغيير - السودان
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 51%
الأهمية: 65%

آخر الأخبار حول العالم

رئيس ريال مدريد يهاتف مبابي عقب التتويج بالدوري الفرنسي

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-04-29 15:26:13
مستوى الصحة: 58% الأهمية: 63%

الشعباني: "سنواجه فريقا متمرسا في نهائي الكونفدرالية"

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-04-29 15:27:20
مستوى الصحة: 55% الأهمية: 57%

سانشيز يتراجع عن قرار الاستقالة ويقرر البقاء في منصبه

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-04-29 15:26:31
مستوى الصحة: 52% الأهمية: 53%

سانشيز يتراجع عن قرار الاستقالة ويقرر البقاء في منصبه

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-04-29 15:26:37
مستوى الصحة: 48% الأهمية: 50%

الشعباني: "سنواجه فريقا متمرسا في نهائي الكونفدرالية"

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-04-29 15:27:21
مستوى الصحة: 59% الأهمية: 60%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية