رسمت الجائحة خطا واضحا بين الشركات الرابحة والخاسرة، حيث سجلت الشركات الأكثر قدرة على استغلال الطلب المتزايد على الخدمات الرقمية والتطبيقات المتعلقة بالصحة نموا قياسيا خلال العام الماضي.
لكن هذا العام، يظهر تصنيف "فاينانشيال تايمز ستاتيستا" للشركات الأوروبية الأسرع نموا أن مشهد الشركات الناشئة، بشكل عام، لا يزال قويا للغاية. للحصول على مكان في القائمة، كانت الشركات بحاجة إلى معدل نمو سنوي مركب 36.5 في المائة كحد أدنى من الإيرادات في الفترة ما بين 2017- 2020 - متقدما بفارق ضئيل على الرقم نفسه في تصنيف العام الماضي.
سجلت الشركات الكبرى معدل نمو سنوي مركب يزيد على 400 في المائة خلال الفترة، التي تدخل في المرحلة الأولية من الاضطراب الناجم عن عمليات الإغلاق المتتالية.
منذ ذلك الحين، استمرت قطاعات مثل التكنولوجيا في الازدهار. يصف ستيوارت تشابمان، المؤسس المشارك لمجموعة "مولتن فنتشرز" للاستثمار في رأس المال الاستثماري ومقرها لندن، في 2021 بأنه "عام ازدهار لقطاع التكنولوجيا الأوروبي حيث تجاوز رأس المال المستثمر 100 مليار دولار".
يضيف أن الجائحة أدت إلى تسريع الاتجاهات الحالية، مثل الاستخدام المتزايد للحوسبة السحابية، لكن "الأهم من ذلك، أنه شجع الابتكارات الجديدة لتلبية احتياجات السلوك المتغير".
الحاجة إلى التعايش مع كوفيد- 19 هي التي أحدثت تغييرا في المجتمع والاقتصاد لا يحدث الا مرة واحدة كل جيل - تغيرت الطريقة التي يعمل بها الناس ويعيشون ويتسوقون ويأكلون ويتواصلون - الشركات التي وفرت الخدمات الرقمية كانت أكبر المستفيدين.
يقول دوم هالاس، المدير التنفيذي للتحالث من أجل الاقتصاد الرقمي "كواديك" وهي جماعة ضغط ناشئة مقرها لندن، "كانت الجائحة بمنزلة عامل تسريع واضح لشركات التكنولوجيا - ليس فقط في الأماكن الواضحة مثل الصحة الرقمية بل أيضا على نطاق أوسع مع ارتفاع مستويات التبني العام لجميع أنواع التكنولوجيا".
ازدهرت شركات الرعاية الصحية على وجه الخصوص. تضاعف عدد الشركات الناشئة في التصنيف التي تركز على الرعاية الصحية تقريبا، من 25 قبل الجائحة إلى 44 الآن.
من بين الشركات الأسرع نموا في الفترة ما بين 2017- 2020، جاءت "كيلو هيلث" في المرتبة الثانية، وهي شركة استثمارية ومطورة من ليتوانا في مجال تطبيقات الرعاية الصحية. في المملكة المتحدة، من ضمن الشركات التي تركز على الصحة "ثريفا"، التي تحتل المرتبة السابعة، إضافة إلى "فارمسي 2 يو" و"دوكتيفاي".
معظم الشركات عالية النمو المدرجة في القائمة تعمل في قطاع التكنولوجيا، الذي وفر سبلا لخدمة العملاء العالقين في المنزل، بينما اكتشفت بعض الشركات الأخرى جماهير جديدة مستعدة للتعلم والترفيه عن بعد. "أونلي فانز"، منصة اجتماعية تستلزم الاشتراك وتشتهر بتقديم محتوى للبالغين، شهدت فترة من النمو المذهل، حيث انتقلت من أربعة موظفين فقط في 2017 إلى 800 موظف في 2020، وحققت معدل نمو سنوي مركب نحو 400 في المائة.
يقول أمرابالي جان، الرئيس التنفيذي للمنصة، "’أونلي فانز‘ جزء من روح العصر. ما زلنا نحقق نموا ملحوظا، حيث يختار صناع المحتوى والمعجبون من جميع الفئات منصة أونلي فانز للاعتراف بإمكاناتهم وتحقيق الدخل من المحتوى الخاص بهم".
أثبتت الاستدامة والأهداف البيئية أيضا أنها قاعدة آمنة للنمو.
شركة سوابي الفنلندية الناشئة، التي تعمل على تجديد الهواتف الذكية القديمة، هي الشركة الأعلى تصنيفا، حيث تهتم بشكل كبير في إعادة التدوير وتقليل النفايات الإلكترونية.
استفادت شركات أخرى من معالجة الاضطراب في سلاسل الإمداد العالمية. خلال الجائحة، واجه المصنعون وشركات السلع الاستهلاكية خسائر فورية في المبيعات، حينما حالت مشكلات سلاسل الإمداد دون تسليم المنتجات الرئيسة. لكن من خلال توفير الخدمات اللوجستية وخدمات الإمداد في جميع أنحاء العالم، أصبحت مجموعة "أو سي آي " ومقرها لندن ثالث أسرع الشركات نموا في التصنيف.
على الصعيد الإقليمي، لا تزال دول أوروبا الغربية تفتخر بأكبر عدد من الشركات سريعة النمو. لكن تشابمان يقول إن المدن في جميع أنحاء القارة - "ليس فقط لندن وبرلين وباريس، ولكن لشبونة وبوخارست وستوكهولم وهلسنكي" - تتنافس الآن على الموارد ورأس المال.
في المملكة المتحدة وأيرلندا، زاد عدد الشركات ذات النمو المرتفع في التصنيف من 135 شركة العام الماضي إلى 159 شركة في الوقت الحالي. هذه الشركات تتضمن أكثر الشركات الموصى بها استثماريا مثل "راسبيري بي آي" - شركة صناعة الكمبيوتر الصغير التي يشاع أنها تسعى إلى الإدراج في سوق الأسهم هذا العام - وشركة هايبروبتك للاتصالات، التي تزود المنازل في المملكة المتحدة بشبكات النطاق العريض عالي السرعة.
شركة بوكست التي تقدم خدمات صيانة أنظمة التدفئة عبر الإنترنت، وشركة مونبج الذي يقدم بطاقات التهنئة عبر الإنترنت، وشركة جوهنري التي توفر بطاقات الخصم فيزا المدفوعة مسبقا وتطبيق تثقيف في المجال المالي للأطفال، تبرز بقوة أيضا.
تظهر شركات مثل "جوهنري" أيضا مكانة المملكة المتحدة الصاعدة باعتبارها رائدة في مجال التكنولوجيا المالية في أوروبا.
يرجع ذلك جزئيا إلى هذه القوة في الخدمات المالية، وفي التكنولوجيا الصحية، احتفظت لندن بمكانتها باعتبارها مدينة أوروبية رائدة للشركات الناشئة والشركات الكبرى، مع 81 شركة من أسرع الشركات نموا، مقارنة بـ71 شركة في العام الماضي. يضعها ذلك في مرتبة متقدمة على أقرب منافستيها، باريس وميلانو، اللتين لديهما نحو 30 شركة في كل منهما.
يقول وزير لندن، بول سكالي، إن موقف المدينة هو "شهادة على روح المبادرة الرائعة لأعمالنا".
استمر الأداء القوي لعاصمة المملكة المتحدة حتى 2021. تقول كاثرين لويس لا توري، الرئيسة التنفيذية لبنك الأعمال البريطاني المدعوم من الدولة، "شهدنا نموا قياسيا في الاستثمار في الأسهم في جميع أنحاء المملكة المتحدة على مدار الـ12 شهرا الماضية، مع نمو قوي بشكل خاص في لندن".
برنت هوبرمان، الرئيس التنفيذي في شركة فاوندرز فاكتوري الناشئة ومؤسس مشارك لشركات مثل متجر التجزئة عبر الإنترنت ميد.كوم، يعتقد أن نجاح لندن المستمر يرجع إلى المزيج المناسب من الظروف، "رأس المال الذكي والموهبة وإمكانية الوصول إلى الأسواق".
يجادل بأن هذه المكانة من المحتمل أن تستمر من خلال المهارات الناشئة في مزيد من المجالات الأكاديمية والعلمية مثل التكنولوجيا الحيوية، والتكنولوجيا الصحية، وتكنولوجيا المناخ، وتكنولوجيا الفضاء والذكاء الاصطناعي.
يضيف هوبرمان أنه، "سيكون من الرائع رؤية حكومة المملكة المتحدة تحقق نجاحا أكبر وتجذب المواهب العالمية للانتقال إلى المملكة المتحدة"، إضافة إلى تشجيع الشركات الكبيرة على العمل بشكل وثيق مع الشركات الناشئة.
إلا أن التمويل يشكل تحديا محتملا. يقول هالاس من كواديك، "الخطر الذي يلوح في الأفق هو المسار الضيق من الشركات الناشئة التي تزيد استثماراتها، كيف نتأكد أن هناك شركات كافية يتم توليدها - داخل العاصمة وخارجها - للوصول إلى مرحلة النمو هذه في المستقبل".