«اصحى يا نايم»: «المسحراتى» فى الغناء المصرى.. من الفاطميين حتى العصر الحديث

«المسحراتى» هو أيقونة رمضان بالنسبة للمصريين، هو رمز البهجة والاحتفال بالشهر الكريم، ورغم تغيرات الزمن والحداثة التى دخلت على كل تفاصيل حياتنا، فقد ظلت وظيفة «المسحراتى» الذى يطوف الشوارع كل ليلة فى رمضان، لإيقاظ الناس من أجل تناول وجبة السحور، باقية، وهو أكبر دليل على أصالة المصريين التى لن يمحوها أى مؤثرات أو ثقافات مغايرة. وأرّخت الفنون الشعبية المصرية منذ العهد الفاطمى لوظيفة «المسحراتى»، مرة عن طريق الشِعر ومرة عن طريق الغناء، وغيرها بأشكال فنية أخرى، وهو ما نحاول استعراض ملامح منها عبر الاستعانة بكتابات الباحثين والشعراء الذين تناولوا فكرة «المسحراتى» فى التاريخ المصرى.

«ابن نقطة» أول من استخدم «الطبلة»

كشف الكاتب الصحفى محمد العسيرى، فى كتابه «لولى ومرجان»، عن أن القاهرة عرفت «المسحراتى» عام ٨٥٣ هجريًا، عندما قرر الوالى «إسحاق بن عقبة» تعيين شخص يوقظ الناس ليتناولوا وجبة السحور.

وقال «العسيرى» إنه فى زمن الحاكم بأمر الله كان الناس ينامون من بعد صلاة العشاء، ولذلك عيّن الحاكم رجلًا يتولى مهمة إيقاظهم بعد أن تعب جنوده من تلك المهمة، وسموه «المسحراتى».

وذكر أنه فى فترة حكم الظاهر بيبرس طلب من صغار علماء الدين القيام بتلك المهمة، من خلال الدق على أبواب البيوت، وبعد نصف قرن من تلك الحقبة، اشتهرت فى التاريخ شخصية «ابن نقطة» الذى أصبح نقيبًا للمسحراتية، وهو أول من استخدم الطبلة فى عمله مع الغناء.

الإذاعة المصرية أنتجت أعمالًا لتوثيقها 

أدت الإذاعة المصرية دورًا مهمًا فى توثيق وظيفة المسحراتى فى الفلكلور المصرى، وعملت على إنتاج الكثير من الأعمال الفنية، التى تتناول تلك الفكرة، ومنهم عبده السروجى الذى غنى أغنية من كلمات إبراهيم رجب ومحمد الموجى.

ومن كلمات تلك الأغنية: 

«يا مؤمنين بالله..

يا موحدين بالله..

قوموا كفاية نوم..

هيه الحياة كام يوم..

بالصلاة والصوم.. يرضى علينا الله..

يا مؤمنين بالله.. يا صايمين رمضان

باب السما مفتوح.. وطالب الغفران»

بيرم وجاهين وشكوكو منحوا الوظيفة بُعدًا فنيًا

أسهم الشاعر بيرم التونسى فى توثيق وظيفة «المسحراتى»، عبر كتابة عدد من الأغنيات التى تتناولها، حيث ألّف للمطرب محمد فوزى أغنية تحمل اسم «المسحراتى» وكتب للمطرب عباس البليدى أغنية تحمل نفس الاسم.

وكتب «بيرم» هو وصلاح جاهين بعض الحلقات للإذاعة عن «المسحراتى»، وحين بدأ التليفزيون المصرى بثه أوائل ستينيات القرن الماضى، تمت الاستعانة بالفنان محمود شكوكو ليؤدى دور «المسحراتى» فى الاستعراضات التى أُنتجت حينها.

حداد وقاعود والصاوى حوّلوا الفكرة إلى أغانٍ خالدة

فى عام ١٩٦٤، اتفق الشاعر فؤاد حداد مع الإذاعة المصرية على كتابة أعمال شعرية عن «المسحراتى»، ورشحت له الإذاعة بعض الملحنين، لكن «حداد» رفض كل الترشيحات واختار الملحن سيد مكاوى.

وبعد وفاة الشاعر فؤاد حداد، قرر الملحن سيد مكاوى عدم استكمال أغانى «المسحراتى» لكن مع إلحاح الأصدقاء عليه، قرر الاستعانة ببعض الشعراء لاستئناف الكتابة، ومنهم فؤاد قاعود الذى كتب له بعض الحلقات، وجاء بعض أغانيها كالتالى:

«اصحى يا نايم اصحى 

وحّد الدايم وقول نويت

بُكرة إن حييت

الشهر صايم

والفجر قايم 

اصحى يا نايم وحّد الرزاق

كريم الأصل يظهر فى الشدايد

وسنين العفاف عند الغنايم

يهم يطول ما يسأل عن فوايد لفعل الخير ودفع المظالم 

ولجل القوم يحلّق ع الفوايد

ويتبخر إذا وجبت غرايم 

ومين كسبان إذا اتنصب الميزان

كريم النفس ولا الألعبان

اصحى يا نايم وحّد الرزاق».

كما استكمل الشاعر عمرو الصاوى كتابة «المسحراتى» وألّف ٣٠ حلقة قدمها التليفزيون المصرى عام ١٩٨٨.

كما قدمت إذاعة «صوت العرب ١٠ حلقات لـ«المسحراتى» من تأليف الشاعر جمال بخيت، بصوت المطرب لطفى بوشناق، وضم «بخيت» القصائد فى ديوانه «مسحراتى العرب».

نجل فؤاد حداد: حلقات والدى نجحت لأنها اقتربت من وعى الناس

قال سليم حداد، نجل الشاعر الراحل فؤاد حداد، إن المسحراتى الشعبى كان موجودًا قبل أن يكتب عنه والده، لافتًا إلى أن الفنان محمود شكوكو أدى «المسحراتى»، وألّف بيرم التونسى أغانى عنه، أما فؤاد حداد فأخذ التيمة فقط وبنى عليها.

وأضاف: «كان المسحراتى القديم يُلقى كلامه فى شكل غنائى، وكان يوقظ الناس بأسمائهم، لكن فؤاد حداد جعل للمسحراتى رؤية مغايرة، حاول بها أن يستنهض الشعب المصرى ويذكره بثقافة المقاومة وغيرها، كما حاول التذكير ببعض رجال السياسة والمفكرين، وكان ذلك خطه فى كل أشعاره».

وواصل: «المسحراتى نجحت لأن فؤاد حداد نجح فى كتابة مقدمة القصيدة بشكل مميز وكذلك وسطها وجزؤها الأخير، وهو لم يأت بشىء غريب عن الناس، هو ليس (مسحراتى أفرنجى) هو مصرى عربى، واعتمد على التيمات الموجودة، لكنه وظفها بروح فؤاد حداد وطوّر ما كان موجودًا».

وقال: «اختياره سيد مكاوى للتلحين أفاد العمل، وهناك فنانون شباب كثر بنوا عليها فيما بعد وفشلوا لأنهم لم يخرجوا من عباءة حداد، أنا لا أذهب لتقديم نفسى للناس بشىء ناجح، مسحراتى حداد كان ناجحًا لذا لم يستطع أحدهم تقليده أو البناء عليه فيما بعد».

وأكد أنه «حين كتب حداد (المسحراتى) لم يكن هناك أى صعوبات أو مشكلات، هو قدّم ٣ حلقات، واختار سيد مكاوى للتلحين»، مضيفًا: استخدم «حداد» المفردات العامية التى تصل لوعى رجل الشارع العادى، فيعيها تمامًا، وبالتالى وصلت الأغنيات للجميع.

واختتم بأن «حداد نجح فى الكتابة، لأنه احتك بجميع الأطياف وتعامل معهم، فضلًا عن ثقافته وحفظه القرآن الكريم ووعيه بالشعر العربى القديم وثقافته الفرنسية وقدرته على ابتكار مفردات مختلفة».

أحمد مجاهد: عاشت لأنها تتناول حياة المصريين من كل جوانبها

أكد الدكتور أحمد مجاهد، أستاذ النقد الأدبى، أهمية الاعتراف بقيمة العمل الجماعى المشترك فى إنتاج «المسحراتى»، وقال: «على الرغم من عبقرية فؤاد حداد فإن الكيميا الخالدة فى التعاون بينه وسيد مكاوى، كانت السبب الرئيسى فى نجاحها». وأضاف «مجاهد» أن «المسحراتى» قبل كتابة فؤاد حداد لها كانت مختلفة تمامًا و«من بعده جاء الكثير من الشعراء وحاولوا كتابة المسحراتى، لكنها لم تكن أبدًا بنفس مستوى ما قدمه حداد».

وأرجع نجاح «مسحراتى حداد» لعوامل عديدة، منها: «اختراع القالب، وهو ليس اختراعًا صرفًا لكن تيمة مأخوذة من التراث الشعبى المصرى».

وقال: «فؤاد حداد مزج فى قصيدة المسحراتى فنيًا بين شيئين، أولًا الموال وثانيًا قصيدة شِعر العامية، فكان هذا المزج إضافة للتوليفة السحرية مع سيد مكاوى التى تضم مقاطع ثابتة وأخرى متغيرة، من أسباب النجاح».

وأضاف: «هناك جزء ثابت فى تسحيرة كل يوم، بحيث يعمل نوعًا من أنواع التراكم الجمالى على مستوى الكلمات واللحن مع المستمع، وكان فى نفس الوقت هناك جزء متغير كل يوم، يجذب المستمع للاستماع دائمًا لكل تسحيرة جديدة».

ولفت إلى أن التغيير فى الموضوعات كان سببًا رئيسيًا أيضًا من أسباب نجاح «المسحراتى»، لأن «حداد» كان قادرًا من خلال متابعته كل ما يحدث فى الواقع المصرى على إضافة الجديد، فمثلًا تناول حرب أكتوبر، كانت التسحيرات كلها عن الحرب، وكان أيضًا يتعرض لكل الأشياء الحياتية التى تهمنا فى المراحل المختلفة، وله مثلًا تسحيرة عن البيروقراطية، من كلماتها: 

«اسمع حكايتى مع استمارة

راكبه حمارة أول ما راحت

راحت لحسنى قالت يا حوستى

هو أنت فاطر قال كنت فاكر

مش حانسى تانى خليك مكانى»

وقال إن «حداد» كان عبقريًا على المستوى السياسى، فتناول مثلًا الدارسين المصريين فى البلاد الغربية، فى قصيدته، فقال: 

«مسحراتى منقراتى أنا بسحر المبعوثين أولاد يا رب فى ألمانيا غرب وألمانيا ش

لأجل أن يعودوا متأسسين يسلملى عوده الواد أمين

بدأ الرسالة بنستعين وثم قال حبلى متين

أخبارى سارة أنا خدت ذرة ونظام مجرة ومهندسين

وأنا بذاكر طول عمرى فاكر وطن ودين فى المغربية تمد بيا إيدى اليمين

على طبقنا لولا فراقنا أنا مش حزين بأفطر معاكم وأسمع دعاكم آمين آمين

ما أشربش إلا الماء وإلا فى إزاز ياسين وختام كلامى أبعت سلامى للأجمعين

نحن نلقن العلم حقًا وكويسين».

تاريخ الخبر: 2022-04-02 21:21:18
المصدر: موقع الدستور - مصر
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 54%
الأهمية: 62%

آخر الأخبار حول العالم

36 رياضيا في فريق اللاجئين بأولمبياد باريس

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-02 21:26:19
مستوى الصحة: 60% الأهمية: 54%

36 رياضيا في فريق اللاجئين بأولمبياد باريس

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-02 21:26:14
مستوى الصحة: 51% الأهمية: 60%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية