روسيا وأوكرانيا: قبل ماريوبول اختبرت حلب وغروزني الآلة العسكرية الروسية المدمرة

صدر الصورة، Getty Images

التعليق على الصورة،

أبنية سكنية في ماريوبول تضررت في القصف الروسي

تحاصر القوات الروسية مدينة مايوبول الأوكرانية الواقعة على ساحل بحر آزوف منذ عدة أسابيع وسط حملة قصف عنيفة غير مسبوقة.

ورغم أن المدينة التي كان عدد سكانها قبل الحرب الروسية على أوكرانيا التي انطلقت في فبراير/ شباط الماضي نحو 400 الف نسمة تراجع عدد السكان إلى 150 الف نسمة ولا زالت تقاوم المحاولات الروسية للاستيلاء عليها.

لا يعرف العدد الحقيقي للقتلى لصعوبة القيام بحصر عددهم لكن عددهم بالآلاف حسب الأمم المتحدة.

وتظهر صور الأقمار الصناعية للمدينة دمارا واسعا شمل مختلف مناحي الحياة بما فيها المشافي والمدارس وحتى المسارح. وتحول 90 في المئة من المباني والمنشآت في المدينة إلى أنقاض.

وقال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إن الحصار لن يرفع عن المدينة إلا باستسلامها للقوات الروسية.

تخطى مواضيع قد تهمك وواصل القراءة
مواضيع قد تهمك
  • ماريوبول: لماذا تحظى المدينة الساحلية بأهمية كبيرة ضمن خطط روسيا في أوكرانيا؟
  • روسيا وأوكرانيا: من الشيشان إلى سوريا إلى أوكرانيا، موسكو ترد على المقاومة بالقوة المدمرة
  • رمضان قديروف: الصوفي والجندي المخلص لبوتين
  • روسيا وأوكرانيا: حكايات مدنية من تحت القصف والحصار الروسي لمدن أوكرانية

مواضيع قد تهمك نهاية

لكن ما تتعرض له هذه المدينة على يد الجيش الروسي ليس بالأمر الجديد أو الحالة الفريدة، فقد مارس الجيش الروسي نفس التكتيك في كل من مدينة حلب السورية عام 2016 وقبلها في عاصمة جمهورية الشيشاني غروزني عام 2000، فماذا جرى في المدينتين؟

صدر الصورة، Maxar

التعليق على الصورة،

أحد أحياء ماريوبول قبل وبعد الهجوم الروسي

مدينة أشباح

في أعقاب انهيار الاتحاد السوفييتي عام 1991 سعت جمهورية الشيشان الواقعة في جنوب روسيا أُسوة بغيرها من جمهوريات الاتحاد السوفييتي الأخرى إلى الاستقلال وعلت الأصوات التي تنادي بذلك. وبعد عامين من التوتر والاضطرابات في الجمهورية التي بالكاد كان يبلغ عدد سكانها وقتذاك 1.5 مليون نسمة شنت روسيا عملية عسكرية برية ترافقت بحملة واسعة من القصف الجوي وبالمدفعية الثقيلة أدت إلى مقتل الآلاف من المدنيين والمقاتلين الشيشان.

تخطى البودكاست وواصل القراءة
البودكاست

تابوهات المراهقة، من تقديم كريمة كواح و إعداد ميس باقي.

الحلقات

البودكاست نهاية

وأصبحت عاصمة الشيشان غرزوني مدينة أشباح. فلم تسلم بناية سكنية واحدة في المدينة التي كانت تضم قبل الحرب نحو 400 ألف نسمة وغالبيتهم من الروس.

واستمرت العملية العسكرية ضد الشيشان مدة عامين وفشلت المحاولات المتكررة للقوات الروسية في اقتحام غروزني والسيطرة عليها حيث كان يتحصن فيها بضغ مئات من المقاتلين الشيشان الذين كانوا يتصيدون المدرعات والآليات العسكرية الروسية في شوارع وأزقة المدينة.

اضطر الرئيس الروسي السابق بوريس يلتسن عام 1996 إلى التوقيع على اتفاقية سلام مع الجانب الشيشاني وتم بموجبها سحب القوات الروسية من الشيشان وحصلت الأخيرة على حكم ذاتي بصلاحيات واسعة لكن في إطار جمهورية روسيا الاتحادية.

بعد ذلك بثلاثة اعوام وبينما كان يلتسين في طريقه إلى ترك منصب الرئاسة تم تكليف الرئيس الحالي فلاديمير بوتين بمنصب رئيس الوزراء في أغسطس/آب 1999 وبات سيد الكرملين عمليا.

ودشن بوتين عهده بحملة عسكرية عنيفة لا هوادة فيها على جمهورية الشيشان في محاولة لاستعادة هيبة روسيا وللانتقام من المقاتلين الشيشان عن الهزيمة التي ألحقوها بالجيش الروسي عام 1996.

بدأت الحملة في أكتوبر/ تشرين الأول 1999 بحصار مدينة غروزني التي كان يتحصن فيها ما بين 4 إلى 5 آلاف مقاتل شيشاني متمرس وسط مئات آلاف المدنيين.

صدر الصورة، Getty Images

التعليق على الصورة،

تعرضت غروزني لدمار شبه كامل عام 2000

وبعد أشهر من الحصار والقصف المدفعي والجوي والصاروخي دخلت القوات الروسية مدينة غروزني وهبط فيها بوتين في طائرة عسكرية مقاتلة في مارس/ آذار 2000 للتأكيد على انتصار روسيا في حربها ضد المقاتلين الشيشان.

كتب مراسل بي بي سي السابق أندرو هاردينغ ما يلي عما شاهده عندما دخل مدينة غروزني في أعقاب سيطرة القوات الروسية عليها:

"وصلت القوات الروسية الى مركز المدينة التي دمرتها للسيطرة عليها. في الضواحي شاهدنا ميلا بعد ميل من الدمار الشامل، لم يسلم منزل أو مسكن واحد من التدمير. هناك حفر هائلة في كل مكان. معظم الشوارع مازالت خطيرة للغاية ولا يمكن دخولها. اكتشفت القوات الروسية آلاف الألغام والشراك المتفجرة. بدت المدينة وكأننا أمام مشهد سينمائي لمرحلة الحرب العالمية الثانية وباتت الساحة الرئيسية في المدينة التي كانت تضم أبنية سكنية بارتفاع 12 و15 طابقاً خاوية على عروشها".

المدينة الأكثر دماراً

وقالت الأمم المتحدة لاحقا إن غروزني كانت المدينة الأكثر دماراً على وجه الأرض منذ الحرب العالمية الثانية.

ونقلت صحيفة واشنطن بوست عن الجنرال غينادي تروشيف، أحد كبار القادة العسكريين الروس الذي قادوا العمليات في الشيشان، قوله انه جال في المدينة ولم يتمكن من العثور على بناء سليم ليتخذ منه مقر قيادة له وأضاف أن "المدينة مجرد أنقاض".

وكتب مراسل صحيفة نيويورك تايمز مايكل جوردان من مدينة غروزني في 12 فبراير / شباط 2000 ما يلي: "الجنود الروس لم يستعيدوا السيطرة على المدينة بل محوها عن الوجود، من الصعب جدا العثور على أي مبنى غير مدمر في مركز المدينة بفعل التفجيرات أو القصف أو اطلاق النار". ونقل المراسل عن أحد القادة العسكريين الروس الذين يتولون المسؤولية عن العديد من الحواجز الأمنية المنتشرة في المدينة قوله: " المدينة غير قابلة للإصلاح ومن الأفضل بناء مدينة جديدة".

ما واجهه من بقي على قيد الحياة من سكان المدينة من انتهاكات وعمليات قتل بدم بارد واغتصاب وأعمال نهب وثقتها منظمة هيومان رايتس ووتش التي كتبت في 29 فبراير/ شباط 2000 في تقريرها الذي حمل عنوان "جرائم الحرب في الشيشان والموقف الغربي منها" أن القصف المستمر لم يكن بالنسبة للعديد من أبناء الشيشان "سوى بداية مرحلة من الرعب. بمجرد اتصالهم بالقوات الروسية واجهوا مخاطر أكبر. وثقت هيومن رايتس ووتش حتى الآن ثلاث مذابح واسعة النطاق على يد القوات الروسية في الشيشان. في ديسمبر / كانون الأول 1999 قتلت القوات الروسية 17 مدنياً في قرية خان يورت أثناء قيامها بعمليات نهب وحرق العديد من المنازل المتبقية واغتصاب العديد من النساء. لقد وثقنا ما لا يقل عن خمسين جريمة قتل، معظمها لرجال ونساء كبار السن، على يد جنود روس في منطقة ستاروبروميسلوفسكي في غروزني منذ أن سيطرت القوات الروسية على تلك المنطقة، قتل مدنيون أبرياء بالرصاص في منازلهم وباحات منازلهم. في إحدى الحالات قُتل ثلاثة أجيال من عائلة زوبايف بالرصاص في باحة منزلهم".

وقال مسؤول في الإدارة الشيشانية الموالية لموسكو في عام 2005 ان حربي الشيشان، 1994-1996 و1999-2000 أسفرت عن مقتل ما بين 150 الى 160 الف شخص ما بين عسكري ومدني، بينهم حوالي 100 ألف روسي ما بين عسكري ومدني.

وقالت البيانات العسكرية الروسية إن عشرة آلاف عسكري روسي قتلوا في الحربين بينما أشارت التقديرات المستقلة إلى ضعف ذلك العدد.

صدر الصورة، GEORGE OURFALIAN

التعليق على الصورة،

حي الجديدة القديم في حلب

نموذج آخر

في عام 2012 دخلت قوات المعارضة السورية الأجزاء الشرقية من مدينة حلب، كبرى المدن السورية والعاصمة الإقتصادية والصناعية للبلاد، وباتت المدينة مقسمة بين القسم الغربي الذي ظل تحت سيطرة الحكومة والقسم الشرقي الذي تحصنت فيه المعارضة ولم تتغير خطوط التماس كثيرا حتى أواسط 2015.

حلب من أقدم حواضر العالم إذ لم تتوقف فيها الحياة منذ آلاف السنوات والأحياء القديمة منها ذات طابع معماري فريد وجميل وكانت هذه الأحياء تمثل مساحة واسعة من المدينة التي كان عدد سكانها قبل اندلاع الحرب أكثر 2.2 مليون نسمة.

إلى جانب قلعتها التاريخية المترامية الأطراف كان "سوق المدينة" الأثري المسقوف المجاور والفريد بأزقته الضيقة ومتاجره الصغيرة المتنوعة يجذب مئات آلاف السياح سنويا قبل الحرب.

وكانت المدينة القديمة خط المواجهة بين الطرفين ولحق دمار واسع بالنسيج المعماري والأبنية القديمة فيها.

لكن موازين القوى تغيرت لصالح الحكومة السورية في النصف الثاني من عام 2015 بعد أن ألقت روسيا بثقلها العسكري إلى جانب حكم الرئيس بشار الأسد، حيث بدأت الطائرات الروسية بشن عشرات الغارات الجوية يوميا انطلاقاً من قاعدة حميميم الجوية الروسية في سوريا وفي بعض الأحيان كانت تشترك في الهجمات على مواقع المعارضة القاذفات الاستراتيجية انطلاقاً من قواعدها في روسيا إلى جانب الهجمات الصاروخية للبوارج الحربية الروسية الراسية في البحر المتوسط وبحر آزوف.

صدر الصورة، KARAM AL-MASRI

التعليق على الصورة،

حي باب الحديد الأثري في حلب

بحلول اواسط عام 2016 تمكنت القوات الحكومية وبدعم جوي روسي من فرض الحصار على القسم الشرقي من مدينة حلب الذي كان يضم نحو ربع مليون شخص وقطعت عنه كل الإمدادات وسط حملة قصف عنيفة شملت مختلف مناحي الحياة فيها، من مدارس ومستشفيات ومراكز صحية ومخابز وأسواق.

وفي شهر اغسطس/ آب 2016 شنت القوات الحكومية عملية عسكرية برية ضخمة للسيطرة على المدينة وترافق ذلك مع حملة قصف جوي لا سابق لها من حيث الكثافة والضخامة.

وفي أكتوبر/ تشرين الأول 2016 أعلنت روسيا عن وقف لاطلاق النار لمدة 3 أيام وبنهاية ذلك في 22 أكتوبر تجددت الاشتباكات العنيفة وتعرضت معظم أحياء القسم الشرقي من المدينة ومن بينها الأحياء القديمة للتدمير.

وبمرور الوقت وسعت القوات الحكومية من رقعة سيطرتها وبحلول12 دسمبر/ كانون الأول 2016 خسرت المعارضة تسعين في المئة من المساحات التي كانت تسيطر عليها وبعد ذلك بيوم قالت روسيا إن المعارضة واقفت على الخروج من المدينة إلى المناطق التي تسيطر عليها في إدلب.

وقال مدير هيئة الأثار والمتاحف في سوريا مأمون عبد الكريم إن حلب باتت تشبه المدن الأوروبية التي عانت من الدمار خلال الحرب العالمية الثانية.

وكان الدمار الذي شهدته الأحياء الشرقية من المدينة شديدا لدرجة بدا كما لو أنها تعرضت لزلزال عنيف.

وقالت الأمم المتحدة إن صور الاقمار الصناعية أظهرت أن 33500 بناء سكني في المدينة قد لحقه الدمار.

صدر الصورة، JOSEPH EID

التعليق على الصورة،

بقايا سوق المدينة الأثري

وقال رئيس لجنة الأمم المتحدة للتحقيق بشأن سوريا سيرجيو بينيرو في تقريره النصف سنوي الصادر في مارس/ آذار 2017 والذي غطى النصف الثاني من عام 2016 إن الحصار الذي تعرضت له الأحياء الشرقية من المدينة "كان من الانتهاكات الأكثر خطورة للقانون الدولي، والتي ارتكبتها كل الجهات المتحاربة".

وأضاف "التدمير ليس بشيء جديد في الحرب السورية، لكن حجم ما حصل في حلب غير مسبوق". ومضى يقول: "من دون تحديد أي أهداف عسكرية دقيقة، نفذت القوات السورية والروسية غارات جوية يومية على شرق مدينة حلب، ما أسفر عن وقوع مئات الخسائر في الأرواح. تشير عمليات القصف المتكررة التي طالت المستشفيات والمدارس والأسواق من دون أي إنذارات مسبقة بقوة إلى أن حصار المدينة واستهداف البنى التحتية المدنية شكلا جزءاً من استراتيجية متقنة لإجبارها على الاستسلام".