لم يكمل أي رئيس وزراء ولايته في باكستان، ولم يشكل عمران خان نجم الكريكيت السابق البالغ من العمر 69 عاماً استثناء.

فقد أطاح البرلمان برئيس الوزراء الباكستاني عمران خان مساء السبت بعد تصويت بحجب الثقة عنه لينهي ولايته التي خيم عليها تدهور الوضع الاقتصادي ومؤشرات على أنه فقد ثقة الجيش.

قبل ستة أيام فقط اعتقد خان أنه نجا من هذا المصير عبر حصوله على قرار بعدم طرح المذكرة على التصويت وحلّ البرلمان، لكن المحكمة العليا تدخلت في اللحظة الأخيرة وقضت بأن كل هذه العملية غير دستورية.

"النمر المحاصر" يقتحم السياسة

لفت خان الذي اشتهر بوسامته وجاذبيته انتباه العالم لأول مرة أوائل السبعينيات من القرن الماضي باعتباره لاعب كريكيت سريعاً وصاحب مهارات مميزة.

وصار أحد أفضل اللاعبين في العالم وبطلاً في باكستان المجنونة بالكريكيت، وقاد فريقاً من النجوم على نحو غير متوقع إلى النصر عام 1992، وحثّ لاعبيه على اللعب بحماس "النمور المحاصرة".

وبعد اعتزاله لعبة الكريكيت في ذلك العام اشتهر بعمله الخيري، إذ تمكن من جمع 25 مليون دولار لافتتاح مستشفى للسرطان تخليداً لذكرى والدته، قبل أن يقتحم عالم السياسة بتأسيس حزب "حركة الإنصاف" عام 1996.

وعلى الرغم من شهرته فقد ظل الحزب غير مؤثر في الحياة السياسية الباكستانية، إذ لم يفز بمقعد آخر غير مقعد خان لمدة 17 عاماً.

تخلل تلك الفترة لحظات درامية، ففي عام 2007 أفلت خان من وضعه رهن الإقامة الجبرية بالقفز من فوق جدار وسط حملة قمع على شخصيات المعارضة من قبل الحاكم العسكري آنذاك الجنرال برويز مشرف.

عام 2018 انتصر عمران خان أخيراً مسجلاً صعوداً نادراً لبطل رياضي إلى قمة السياسة (AFP)

وعام 2011 بدأ خان جذب حشود ضخمة من الشبان الباكستانيين الذين أصيبوا بخيبة أمل من الفساد المستشري وانقطاعات الكهرباء المزمنة وأزمات التعليم والبطالة.

وحصل على دعم أكبر في السنوات التالية بعد أن ترك مغتربون باكستانيون متعلمون وظائفهم للعمل في حزبه، كما انضم إلى حملته الانتخابية مشاهير من فناني البوب ​​والممثلين.

في عام 2018 قال خان أمام حشد من مئات الآلاف من المؤيدين إن هدفه تحويل باكستان من دولة بها "مجموعة صغيرة من الأثرياء وبحر من الفقراء" إلى "مثال لنظام إنساني، نظام عادل، من أجل العالم، ومثال لما يمكن أن تكون عليه دولة الرفاه الإسلامية".

في ذلك العام انتصر أخيراً مسجلاً صعوداً نادراً لبطل رياضي إلى قمة السياسة، ومع ذلك، حذر المراقبون من أن خطابه هو أكبر أعدائه إذ تسبب في رفع سقف توقعات مؤيديه إلى مستويات عالية.

"الفتى المستهتر" يتحول إلى مصلح

وُلد عمران أحمد خان نيازي عام 1952، وهو ابن لمهندس مدني، وصف نفسه بأنه طفل خجول نشأ مع أربع شقيقات في أسرة حضرية ثرية من البشتون في لاهور، ثاني أكبر مدن باكستان.

وبعد حصوله على تعليم متميز في لاهور، ظهرت خلاله مهاراته في لعبة الكريكيت، انتقل إلى جامعة أكسفورد التي تخرج فيها بدرجة علمية في الفلسفة والسياسة والاقتصاد.

ومع سطوع نجمه في لعبة الكريكيت اشتهر في لندن أواخر السبعينيات بصورة "الفتى المستهتر"، وفق وكالة رويترز.

في عام 1995 تزوج جيميما جولدسميث ابنة رجل الأعمال جيمس جولدسميث، ثم انفصل الزوجان عام 2004 بعد أن أنجبا ولدين، كما انتهى زواجه القصير الثاني من الصحفية التلفزيونية ريهام نيار خان بالطلاق.

غير أن زواجه الثالث من بشرى بيبي الزعيمة الروحية التي عرفها خان خلال زياراته لضريح يعود إلى القرن الثالث عشر في باكستان، عكس اهتمامه العميق بالصوفية.

وبمجرد وصوله إلى السلطة شرع خان في خطته لبناء دولة "رفاه" على غرار ما قال إنه نظام مثالي يعود تاريخه إلى العصور الأولى للعالم الإسلامي.

وعينت حكومته عدداً من المسؤولين في مناصب رئيسية على أساس المؤهلات وليس المصالح السياسية، وسعت لإصلاح التوظيف في الجهاز الحكومي ونظام الخدمة المدنية.

ولدعم الاقتصاد المُصاب بالشلل أجرى خان تحولاً كبيراً في السياسة وحصل على خطة إنقاذ من صندوق النقد الدولي لباكستان ووضع أهدافاً طموحة وإن لم تتحقق، لتوسيع نطاق تحصيل الضرائب.

لكن حملته لمكافحة الفساد تعرضت لانتقادات شديدة باعتبارها أداة لتهميش المعارضين السياسيين.

فشل إقليمي؟

أما على المستوى الإقليمي فلم تحقق جهود عمران خان الرامية إلى تحويل باكستان إلى فاعل رئيسي نجاحاً كبيراً أيضاً.

فقد تراجعت علاقات إسلام أباد مع واشنطن والدول الأوروبية، لا سيما تحت تأثير خطاباته اللاذعة ضد الإسلاموفوبيا التي يعتبر أنها تختبئ في الغرب وراء ستار حرية التعبير.

تقاربت باكستان من الصين، أما الزيارة الرسمية لعمران خان إلى موسكو في نفس يوم اندلاع الحرب في أوكرانيا، فعادت عليه بانتقادات واسعة.

رغم كل ذلك من غير المرجح أن يختفي خان من الساحة السياسية تماماً، فقد وصف أحد حلفائه قرار المحكمة العليا بأنه انقلاب قضائي وقال خان إنه سيواصل القتال "حتى النهاية"، داعياً أنصاره للاحتشاد في الشوارع ورفض ما سماه "مؤامرة خارجية" لمخالفته السياسات الأمريكية.

وبذلك ينضم خان إلى قائمة طويلة من رؤساء الحكومات المنتخبين الذين أخفقوا في استكمال فتراتهم في المنصب، فلم يكمل أي منهم فترة ولايته منذ استقلال البلاد عام 1947.

TRT عربي - وكالات