صدرت هذا الأسبوع عن دار جاليمار الفرنسية، رواية تحمل عنوان "حرب"، للكاتب الفرنسي لويس فردينان سيلين، وهي الرواية التي تنشر لأول مرة. 

وقال الناقد الجزائري بو داود عمير، أن رواية “حرب”، قد استخرجت، مع أعمال أخرى، من داخل حقيبة ممتلئة بمخطوطات سيلين، كان قد أعلن عن العثور عليها العام الماضي أمام مفاجأة الجميع، وقد أثار اكتشافها جدلا واسعا وحدثا أدبيا مثيرا.

وأضاف “بو عمير”، في منشور له عبر حسابه الرسمي بالفيسبوك: نفس الدار ستصدر السنة الجارية عملين آخرين، من بين المخطوطات.في سنة 1944، فرّ الكاتب الفرنسي سيلين من فرنسا، ليستقر به المقام في الدنمارك. كان مواطنوه يبحثون عنه لإعدامه، بتهمة الخيانة والتعامل مع ألمانيا النازية. ترك كل شيء من ورائه. سرعان ما اقتحم مجهولون منزله في فرنسا، سرقوا جميع أغراضه، واستولوا خاصة على آلاف النسخ من مخطوطات أعماله الأدبية، لم ينشر أغلبها. عبثا كان يستجدي ويصرخ ويطالب باسترجاع مخطوطاته الثمينة، لكن دون جدوى. مات سنة 1961، وفي قلبه غصة على ضياع مخطوطاته كما اعترف أقاربه. أيام قليلة فقط قبل وفاته كتب في حسرة: "لقد أخذوا كل شيء، سرقوا مني كل شيء، أخذوا معهم كل شيء.. آه.. أريدهم أن يعيدوا لي مخطوطاتي".

و يعتبر الكاتب الفرنسي لويس فردينان سيلين (1894-1961) أحد أبرز الروائيين الفرنسيين في القرن العشرين، لكنه كان مغضوبا عليه في بلده فرنسا، بسبب اتهامات بالعمالة للألمان، وبسبب كتاباته المعادية لليهود. كما تعتبر روايته المهمة: "رحلة إلى آخر الليل"، واحدة من روائع الأدب الفرنسي والعالمي، تحقق دائما المراتب الأولى كواحدة من أفضل الأعمال الروائية في تاريخ الأدب الفرنسي، ترجمت إلى اللغة العربية، تحت عناوين مختلفة: "رحلة إلى أقاصي الليل"(ترجمة حسن عودة)؛ "رحلة إلى آخر الليل" من ترجمة عاصم عبد ربه؛ "رحلة إلى صميم الليل" للمترجم المغربي سعيد بوكرامي.هذه الرواية التحفة، اعتبرتها الفيلسوفة الفرنسية سيمون دي بوفوار أهم رواية فرنسية، مضيفة: "لقد حفظنا عن ظهر قلب مقاطع كاملة منها، كانت فوضويتها قريبة من فوضويتنا نحن، لقد كتبها سيلين نكاية في الحرب، في الاستعمار، في الرداءة، في التعابير الشائعة، في المجتمع، بأسلوب أخّاذ فتننا جميعا".

ــ "رحلة إلى آخر الليل" وصف لعلاقة الإنسان بموته الشخصي

وكانت دار مصر المحروسة قد طرحت النسخة العربية، لرواية "رحلة إلى آخر الليل"، للروائي الفرنسي لويس فردينان سيلين، بترجمة قدمها عاصم عبد ربه، والذي يشير في مقدمته لترجمة الرواية إلي أنه: يمكن التعامل مع رواية “سيلين” باعتبارها وصفاً لعلاقة الإنسان بموته الشخصي، في كل صورة من صور البؤس الإنساني.

 فاستخدام الإنسان لعلاقته بموته الشخصي – الذي يمنحه الوجود الراهن معنىً مرعباً- ليست بالممارسة الجديدة أبداً: لا تختلف جذرياً عن التأمّل الرهباني أمام جمجمة. ومع ذلك، تكمن عظمة "رحلة إلى نهاية أو أقصى الليل" في عدم إثارتها أو استدعائها لشعور الشفقة، وهذا ما يجعلها تنفي العبودية المسيحية التي ربطت الشعور بالبؤس: ما عاد الشعور بالبؤس اليوم، ومن دون قبول أشكاله الأكثر انحطاطاً – من القذارة إلى الموت، ومن الكلبية إلى الجريمة- بحاجة لإذلال الكائنات الإنسانية أمام قوة فائقة، ذلك لأن الشعور بالبؤس قد كف أن يكون شيئاً خارجياً أو أرستقراطياً، لكنه بؤس معاش؛ كما أنه لم يعد يستند إلى سلطة إلهية، حتى وإن كانت أبوية: على العكس من ذلك، لقد تحوّل إلى مبدأٍ لأخوة تتعاظم كلّما أصبح البؤس ضارياً، كذلك يغدو الفرد الذي يشعر به أكثر صدقاً، كلّما اعترف بانتمائه له، ليس من خلال الجسد أو البطن، ولكن عبر الحياة برمتها.

إن ما يصون "رحلة إلى نهاية الليل" ويمنحها دلالتها الإنسانية يكمن في المبادلة العملية للحياة مع أولئك الذين يُلقي بهم البؤس خارج الإنسانية – مبادلة للحياة والموت، للموت والانحطاط: ثمة نوع محدّد من الانحطاط قائم في أساس الأخوة، حينما تكون الأخوة بمثابة التخلّي عن المطالبات بالشعور الشخصيّ، وبالتالي تتبنى مطالبات البؤس والشعور به، أي وجود العدد الأكبر.