انتهت الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية الفرنسية بتأهل كلٍّ مِن زعيمة اليمين المتطرّف مارين لوبان والرئيس المنتهية ولايته إيمانويل ماكرون إلى الدور الثاني المزمع إجراؤه في 24 أبريل/نيسان الجاري. بينما حلّ جان لوك ميلونشون، مرشح أقصى اليسار، ثالثاً بنسبة 22% وبفرق طفيف يفصله عن لوبان صاحبة المركز الثاني، وبالتالي حُرم خوض الدور القادم من الانتخابات.

وبلغ مجموع الأصوات التي حصل عليها ميلونشون ما يفوق 7.7 مليون صوت، كسبها من خريطة سياسية صوّت لصالحه فيها 34% من الشباب ما بين 18 و24 سنة و31% من الشباب ما بين 25 و34 سنة، كما تصدّر السباق في أغلب المدن الكبرى من بينها ستراسبورغ ومارسيليا وحلّ ثانياً في باريس. وبالتالي يصحّ قول عدد من المراقبين إن هزيمة زعيم "فرنسا الأبية" لم تكن بذلك السوء، بل نجح في جعل حزبه ثالث قوة سياسية في البلاد.

ومع الهزيمة، تُحيي هذه الأرقام التي حصل عليها ميلونشون آمال وصول اليسار إلى الحكم، من باب الانتخابات التشريعية المقبلة في 12 و19 يونيو/حزيران المقبل. فبحسب الدستور الفرنسي، إذا نجحت هذه الأحزاب في تشكيل حكومة "تعايش"، ستكون قادرة على كبح سياسات الرئيس المفتقر للأغلبية البرلمانية حينها، وتنفّذ سياساتها بقوة المؤسسة التشريعية.

الطريق إلى حكومة "تعايش"

رجَّح عدد من المحللين السياسيين أن أحد أسباب عدم وصول ميلونشون إلى الدور الثاني من الانتخابات هو التفكك الذي عرفه اليسار الفرنسي، وعدم اتحاد المرشحين اليساريين الآخرين في دعم حملته التي أجمعت استطلاعات الرأي كلها على قدرتها على تحقيق اختراق انتخابي كبير.

وإحصائياً، حاز مرشح الخضر يانيك جادو نسبة 4.6% ما عادل 1.62 مليون صوت، وحصل فابيان روسيل مرشح الحزب الشيوعي على نسبة 2.3% وهو ما عادل 802 ألف صوت، وآن هيدالغو مرشحة الحزب الاشتراكي حصلت على نسبة 1.6% ما عادل 616 ألف صوت، وحلّ كلٌّ مِن فيليب بوتو مرشح "الحزب الجديد المناهض للرأسمالية" وناتالي آرتو مرشحة حزب "النضال العمالي" أخيراً بنسب 0.8 و0.6%، أي ما عادل على التوالي 269 و197 ألف صوت.

وكان من الممكن لهذه الكتلة من الأصوات، التي تعدّت مجتمعة 3.5 مليون صوت، أن لا تسد فجوة 420 ألف صوت التي تقدمت بها لوبان عن ميلونشون فقط، بل أن تضع هذا الأخير في المقدمة بأزيد من 11.2 مليون صوت.

غير أن هذه الأرقام، ومن ناحية أخرى، تُحيي آمل هذا اليسار خلال الانتخابات التشريعية المقبلة في شهر يونيو/حزيران المقبل، إذ تضعه ثانياً بفارق طفيف عن اليمين المحافظ ممثلاً بـ"فرنسا إلى الأمام" والحزب الجمهوري اللذين حصلا على 11.4 مليون صوت مجتمعين. وبذات الكيف تجعل اليسار متقدّماً على اليمين المتطرّف متمثلاً بحزب "التجمع الوطني".

وعلى هذا الأساس تقول أصوات من داخل اليسار الفرنسي إن معركة كبح جماح سياسات ماكرون غير الاجتماعية وصعود اليمين الشعبوي العنصري لم تنتهِ بعد، بل تفتح رهاناً جديداً على اليسار فيه، أن يضع نصب عينيه البرلمان ويشكّل حكومة "تعايش" يضيق الخناق على سياسات أي رئيس يجري اختياره في الدور القادم.

وأحد أبرز تلك الأصوات هو أدريان كاتنينز، النائب البرلماني وثاني رجل في حركة "فرنسا الأبية"، والذي صرّح عقب صدور نتائج الانتخابات الأخيرة بأن حركته تريد "فرض التعايش" على إيمانويل ماكرون خلال الانتخابات التشريعية. وأردف في حديث له لإذاعة فرانس أنترن قائلاً: "عندما نرى نتائج أمس، نخلص إلى اللجوء للانتخابات التشريعية من أجل تحقيق ما هو ضروري، لأن إيمانويل ماكرون قد لا يكون له أغلبية في الجمعية الوطنية".

ما حالة "التعايش"؟

يحدد المشرّع الفرنسي حالة التعايش السياسي في أن تكون الحكومة ورئيس الجمهورية من حزبين أو تحالفين متعارضين، وفي هذه الحالة تتضاعف قوة البرلمان في تقرير السياسات العامة، مقابل إضعاف الرئيس وعرقلة سياسته.

وذلك راجع لما ينصّ عليه الدستور الفرنسي من صلاحيات لرئيس الجمهورية، التي تتلخّص في قيادة القوات المسلحة وتمثيل البلاد داخل المجتمع الدولي. في حين يُفرض على الرئيس التوقيع على المراسيم وإصدار القوانين بشكل مشترك مع الحكومة.

وشهدت الجمهورية الخامسة ثلاث حالات تعايش، اثنتان في عهد الرئيس الاشتراكي فرانسوا ميتران، حيث تولّى الحكومة بين 1986 و1988 رئيس الوزراء الجمهوري جاك شيراك، وبعدها رئيس الوزراء المحافظ إدوارد بيلادور ما بين 1993 و1995. والتعايش الثالث كان خلال الولاية الأولى لجاك شيراك ما بين 1997 و2002، حيث تولّى رئاسة الوزراء الاشتراكي ليونيل جوسبان.

TRT عربي