في وقت أعلنت فيه المراكز الأمريكية لمكافحة الأمراض والوقاية منها أن التدخين يعد أحد أبرز أسباب الإصابة بالأمراض القاتلة والخطيرة، وأنه يتسبب بوفاة نحو 10 ملايين شخص سنويا، تشير الإحصائيات والأبحاث الرسمية إلى أن نحو 11 % من المراهقين الذين تتراوح أعمارهم بين 13 و15 عاما حول العالم مدخنون.

وقد حذرت منظمة الصحة العالمية التابعة للأمم المتحدة من أن 9 من كل 10 مدخنين يبدأون بالتدخين قبل بلوغهم 18 عاما.

وأوضحت المنظمة الأممية في تقرير لها صدر في 31 مايو 2020 بمناسبة اليوم العالمي للامتناع عن تعاطي التبغ، إلى أن تقديراتها تشير إلى أن أكثر من 40 مليون مراهق تتراوح أعمارهم بين 13 و15 عاما قد بدأوا بالفعل بتدخين التبغ في ذلك العام.

وأكد باحثون أن معظم المدخنين يكتسبون هذه العادة في سن المراهقة، وأن بيانات لدراسات أجريت على المراهقين في 61 دولة توصلت إلى أن نصف تلك الدول تشهد معدل تدخين يصل إلى 15 % على الأقل لدى الفتيان، و8 % على الأقل لدى الفتيات.

وحسب دراسات المراكز الأمريكية فإن التدخين يقتل واحدا من 6 أشخاص عام 2020، أي حوالي 10 ملايين متوفى في كل عام بسبب التدخين، 70 % منهم يقطنون دول العالم الثالث.

أسباب الاندفاع

يفسر مدير برنامج مكافحة التدخين في نجران أحمد حسين آل صياح أسباب اندفاع المراهقين نحو التدخين، ويقول «تختلف أسباب تدخين المراهقين من حالة إلى أخرى، ويلعب التقليد دورا هاما في هذا الجانب، ونجد في بعض الأحيان بعض التصرفات الخاطئة التي يقوم بها أحد أفراد الأسرة مثل وضع السيجارة في فم الطفل كي يقلده».

وأضاف «90 % من المدخنين بدأوا التدخين في سن 18 عاما وما قبلها بسنة أو 2 أو 3، وبعضهم يتعرض للتدخين السلبي وهو أصغر لأنه يتعرض للدخان من الأبوين المدخنين أو من المحيطين به».

وتابع «كذلك فإن من أهم أسباب تدخين الصغار، أولا: أن يتوهم بعض المراهقين أن التدخين يظهرهم بمظهر الأقوياء، ويمنحهم شعورا بالرجولة، وأنه يساعدهم على الانتماء إلى مجموعات اجتماعية، ويشعرهم بأنهم يشغلون مكانة أرفع اجتماعيا.

وثانيا: تقليد الأهل والأصدقاء وحب الاستطلاع ونوع من الفضول ومحاولة اكتشاف ما هو التدخين.

وثالثا: الضغوط النفسية والقلق تجاه شؤون فردية أو عائلية تدفع المراهقين للتدخين ظنا منهم أنه يقلل التوتر والقلق والانفعال، وأنه يريح ويهدئ الأعصاب في لحظات الغضب والاكتئاب.

ورابعا: الإحساس بعدم تقدير الذات وعدم الثقة بالنفس.

اختلاف الحالات

يبين آل صياح أن ثمة أسباب أخرى تقود المراهقين إلى التدخين، وهي تختلف في حالة عن الأخرى، ومنها أن هناك من يدخن كنوع من رده الفعل تجاه البيئة العائلية التي يعيشها والتي تتسم بالعنف، وربما يبدأ التدخين نتيجة الأبوين وغياب الحوار الأسري وغياب القدوة السليمة، وربما كذلك المصروف الزائد ورفقاء السوء.

ويضيف «تعد وسائل التواصل الاجتماعي والمجلات والدعايات والأفلام السينمائية والمسلسلات التلفزيونية من مغريات التدخين بالنسبة للمراهقين، حيث تظهر السيجارة مرادفا للبطولة والقوة والانتصار».

ظاهرة مقلقة

يصف الدكتور رعد الغامدي أخصائي علاج إدمان التبغ والتدخين في مجمع إرادة والصحة النفسية بالرياض تدخين الصغار بأنه مشكلة مقلقة، ويقول لـ«الوطن» معلقا على الأمر «التدخين عند الأطفال مشكلة مقلقة على صعيد الأسرة، وعلى صعيد تعزيز الصحة العامة الذي تسعى إليه الجهات الصحية، وكما أن الجهات الصحية تهتم بعلاج المدخنين فإنه أيضاً ينتظرها دور أهم وأكبر هو الوقاية من التدخين، فالتحديات التي تواجه العملية العلاجية كثيرة وكبيرة، بينما الوقاية هي الأهم والأسهل».

وأضاف «ليست لدي إحصائيات رسمية عن انتشار التدخين عند الفئات العمرية الصغيرة من المراهقين، إلا أن ما أصادفه من استشارات على مستوى أقاربي وأصدقائي يجعلني متأكدا أن تدخين الأطفال أصبح، أو في طريقه ليصبح ظاهرة».

إدمان الإلكترونية

يشير الدكتور الغامدي إلى انتشار السيجارة الإلكترونية أيضا، ويقول «كما نعلم جميعاً فإن التدخين هو إدمان على مادة النيكوتين الموجودة في التبغ، وينبغي أيضاً أن ندرك أن هناك ما يسمى بالسيجارة الإلكترونية وفيها يستخدم محلول يحتوي على مادة النيكوتين، وهي تسبب إدمانا مثلها مثل التدخين الكلاسيكي».

ويضيف «من مسببات انتشار هذا النوع من التدخين (السيجارة الإلكترونية) سهولة إخفائها عن الأهل، وعدم وجود رائحة الدخان التقليدي التي تفضح من يدخن، إضافة الى وجود ما يسمى بالنكهات في محلول النيكوتين والتي تعطي مذاقا مغريا لفئات الأطفال من كلا الجنسين، بل هي مغرية للجميع دون استثناء».

ويتابع «تتفنن شركات صناعة التبغ في تصنيع سيجارة إلكترونية على هيئة فلاش ميموري أو قلم أو أي جهاز صغير يستطيع الطفل أن يوهم ذويه بأنه شيء آخر وليس سيجارة».

ويوضح «لا يختلف إدمان السيجارة الإلكترونية عن إدمان التقليدية، لا من حيث درجة الإدمان ولا ناحية المضار الصحية بسبب محاليل النيكوتين التي تحتوي على زيوت ومواد مجهولة تبين أنها قد تتفوق في شدة الضرر على السيجارة التقليدية، وأنا لا أريد هنا ربط إدمان الأطفال بالسيجارة الإلكترونية وحدها، فهناك مدمنون على السيجارة التقليدية ويعلم ذووهم ذلك ويستسلمون للواقع، حيث لا ينكشف أمر الطفل إلا بعد أن يكون توغل في الإدمان، بل أن الأطفال يستغلون ذويهم المدخنين ويتخذونهم مثالا على أن التدخين أمر طبيعي وعادي، ومن الحقوق المشروعة بمفهوم»ليش فلان يدخن وأنا ما أدخن"

تصنيف مزعج

يعدد الدكتور رعد بعض الأسباب التي يرى أنها تؤدي إلى التدخين، ومنها حسب رأيه الفضول واللعب، وتقليد الأقران و/أو الأقارب، وسهولة الحصول على التبغ، وغياب الرقيب.

وفي معرض حديثه عن نتائج إدمان التدخين، يقول: ربما نركز كثيراً على النتائج الصحية التي يعلمها أغلب الناس، إلا أن مشكلة التدخين أكبر وتشمل تأثيرات أخرى اجتماعية ونفسية، فالمدخن يبدأ بتصنيف نفسه مع فئة معينة من الأصدقاء (أو الأقارب) ويبدأ يتأثر بهم وبما لديهم من سلبيات أخرى، بل يصبح مع اشتداد إدمان النيكوتين غير قادر على ممارسة حياته الاجتماعية والنفسية والفكرية إلا بوجود السيجارة، وهذه مشكلة، وعندما يصل الطفل المدخن إلى هذا الحال يصبح من الصعب عليه الدراسة دون تدخين، ويصعب عليه أن يكون مرتاحا اجتماعياً ونفسياً بعيدا عن مادة النيكوتين، وهو ما يؤثر على نموه النفسي والشخصي.

عملية علاجية

يختتم الدكتور رعد بالحديث عن العملية العلاجية من التدخين، ويقول: العملية العلاجية وإن كانت محفوفة بالصعوبات، إلا أنه لا خيار آخر سواها، ولا بد من الإصرار عليها وتكرار محاولات الإقلاع حتى يتحقق المطلوب.

وتابع: هناك وسائل طبية مساعدة متوفرة لدى عيادات الإقلاع عن التبغ، وهي لصقات النيكوتين وحبوب مص النيكوتين «المعروفة باسم لوزنج» ولدى المعالجين في هذه العيادات توصيات طبية ونفسية واجتماعية تسهّل على الراغبين في الإقلاع، ولا يتبقى سوى أن يأخذ الأهل الخطوة ويقوموا بمراجعة عيادات الإقلاع عن التدخين لإنقاذ ما تبقى من الصحة.

التنشئة الأسرية

ترى الدكتورة بينه موفق المري، أخصائي نفسي عيادي أول مجمع إرادة والصحة النفسية بالرياض أنه انتشرت في الآونة الأخيرة مقاطع لأطفال صغار يدخنون فيها على حد سواء السجائر الإلكترونية أو التقليدية، وهنا يكون التساؤل عن السبب ومن هو المسؤول».

وتحاول الدكتورة المري الإجابة عن هذا السؤال، بقولها «من أهم وأول الأسباب، التنشئة الأسرية فأي قصور أو تساهل أو استهتار من الأبوين تجاه الطفل يكون هو العامل خلف هذا السلوك الذي تم من خلال (التعلم بالقدوة)، وبرأيي فإن هذا يعد جُرما يحاسب عليه القانون ولا يقبله عقل أو دين أو عرف، حيث إن الطفل لا يعلم مدى الخطورة وإنما يتعلم ويقلد ويحاكي من هم أكبر منه ظناً بأنه تصرف طبيعي، بل البعض يعزز ذلك السلوك للطفل من باب الشهرة أو الفكاهة، دون أن يدرك أنه يدمر مستقبل الطفل على جميع الأصعدة سلوكياً وصحياً، كما لا نتجاهل دور السوشيل ميديا في نشر مقاطع لا تتناسب مع جميع الفئات العمرية ممن يحملون الأجهزة دون حدود أو قيود أو مرعاة أو متابعة أبوية، فبعض الأطفال يتابع ويقلد المشاهير ويتأثر بجميع سلوكياتهم من باب التعلق أو الرغبة في أن يصبح مثلهم!».

وتكمل «نحن كمتخصصين نفسيين نحرص كل الحرص على توعية الوالدين بمدى أهمية الخمس السنوات الأولى في حياة الطفل لتربيته بشكل سليم وزرع القيم التي تكون بعد الله سبباً في تشكيل طفل سوي وواع لا يسعى خلف المظاهر أو التقليد، وإنما يمتلك من الأسس السليمة ما يبقيه ناجحا اجتماعياً ومدرك معرفياً أين تكمن المنفعة والضرر، لذا أرجو من الجميع أن يعوا أن أطفالنا أمانة، وأننا على الأمانات مسؤولون».

40 مليون طفل بين 13 و15 عاما مدخنون

10 ملايين شخص سنويا يتوفون بسبب التدخين

70 % من هؤلاء المتوفين من مواطني العالم الثالث

11 % من المراهقين بين 13 و15 عاما حول العالم مدخنون

15 % من المدخنين مراهقون فتيان

8 % من المدخنين المراهقين فتيان

1.3 مليار شخص دخنوا التبغ في كل أنحاء العالم عام 2020

20 % من سكان العالم فوق 15 عاما سيكونون مدخنين عام 2025

أسباب تدخين الصغار

ـ محاولة تقليد الآخرين

ـ الحرص على الظهور بمظهر الأقوياء

ـ حب الاستطلاع ونوع من الفضول

ـ الضغوط النفسية والقلق تجاه شؤون فردية أو عائلية

ـ الظن أن التدخين يقلل التوتر والقلق والانفعال

ـ الاعتقاد أنه يريح ويهدئ الأعصاب

ـ الإحساس بعدم تقدير الذات وعدم الثقة بالنفس

ـ رد فعل تجاه البيئة العائلية المتسمة بالعنف

ـ غياب القدوة السليمة

ـ المصروف الزائد

ـ رفقاء السوء

ـ ترويج وسائل الإعلام والتواصل والأفلام للتدخين