عثمان بشرى لـ«التغيير»: الشعر سؤال دائم عن الوجود وماهيته


«ما هو الشعر، الشعر؟ إن لم يكن سؤالاً دائماً عن الوجود وماهيته، عن الحياة وتصاريفها عن الجمال وغموضه الواضح ووضوحه المخاتل».. هكذا رد الشاعر السوداني عثمان بشرى على سؤال «التغيير» بشأن تساؤلاته العميقة في نصوصه، وأجاب «الكائن الخلوي» على محاور لامست تجربته الشعرية الممتدة في الإفادات التالية:

التغيير- حوار: عبد الله برير

* «الكائن الخلوي» قصيدة بين الفصيح ذي المضامين والمفردات المكثفة والدارجي البسيط، ماذا بينهما؟

لا فصام بينهما عندي- دارجاً كان أو فصيحاً ولأن اللغة هي محمول تعبيري، ولأن الحالة المزاجية تتكون وفق الظروف النفسية المحيطة والمناخ والبيئة اللذين يشكلان بالدرجة القصوى لحظة الإنفجار المثلى، تظل أدواتي في الكتابة- بالضرورة- رهينة لهذه أو تلك، أما مسألة الكثافة ومحمولاتها، فهي بالتأكيد ليست قصدية وليست نخبوية، هي ببساطة مطلقة تمثل الذاكرة ومشهديتها التراكمية، معياراً دائم التمرّد على القوالب الجاهزة والملاكة بالتالي تنتخب بعادية، ما يناسبها من مفردات ذات فخامة ما، حسب رأي كثير من المتلقين، والنقاء، ذوي الحساسية والأذن المهذبة. أما الدارجة ولأنها لغة وسطية وسيطة تظل تنهل وتعتصر نخبها، من هذا الهصار. هنا وهناك بين الموروث والبيئي، والمبذول اليومي من خطاب.

* رؤية البرزخ محطة فارقة في مسيرتك لا تقل عن «توما»، هل من الممكن أن نسميها تجربة مختلفة؟

«توما» لم تكن مرحلة، هي حالة تجريب مستمرة صاحبت كل مشروعي الشعري دارجي وفصيح، منذ العام 1989م وحتى الآن، هي محاولة تخليق ليس بالجديد كلية ولكنها عملت وبجسارة لفض القول الفصامي لدى العامة، بأن الفصحى باعتبار أنها لغة مركزية ذات قوالب صارمة، منضبطة، لها تصانيفها الصرفية المحددة، والدارجة لغة وسطية عامة، وسهلة، ليست لها دلالاتها واستعاراتها ومجازاتها العميقة في تكثيف الصورة أو المشهد الشعري، ذلك الذي يمكن أن تنتجه الفصحى ذات الكثافة التعبيرية ببيانها المتعدد.. أعود وأقول إن مشروع «توما» كان وسيظل هو حالة «توليفة» متجاسرة للزج بين الفصيح والدارج في متون النصوص لخلق توتر حميم ينتج ويتوالد ويتناسل من خلال هذا الحراك، حوار ما «ديالوج- مانالوج» سمي من قبل النقاد في ستينيات القرن المنصرم بـ«المسرحة الشعرية» وليس الشعر المسرحي وشتان ما بينهما.. أما ما يخص تجربة رؤية البرزخ، فكما أسلفت أنها من ضمن المشروع «أي توما»، ولكنها أخذت منحىًّ وجودياً يسبر في غور ما هو ورائي وعرفاني في صيرورة الحياة والإنسان وما بعد ذلك.

* ماذا  بين الشاعر الراحل محمد محيي الدين وعثمان بشرى إنسانياً وشعرياً؟

يا لهذا الفقد المستمر. يا لتلك الآمال والطموحات…. لست قادراً على قول شئ أكثر من أننا فقدنا كثيراً ما كان ومن كانوا سيضيفون كثيراً وينيرون هذا الظلام في المشهد الثقافي والمعرفي والفني. كان بيننا مشروع تأجل كثيراً في تحقيق «مسرحة شعرية» ظل هو يحرضني عليها ولكنه السودان، وإنها المشيئات والأقدار، والحمد لله على ما أراد.

* قلت إن النص الشعري في حالة تغيير وليس رهين للحظة وهو «شواف»، ما الذي يمنح النص الخلود والتجاوز؟

التمرد. التمرد الواعي والحساسية القادرة على التقاط ما هو متوفر بين ظهرانينا وأمام أعيننا وفي أنفسنا ونغفل عنه. أما مسألة الخلود من عدمه فهي رهينة جرأة التمرد نفسه في الأخذ من زبدة العناصر والأشياء لخلق حيوات شعرية كلما تقادمت كلما ولدت من جديد، هنا يكمن الشوف والتبصر.

* مجتزأ «محننة بالسليقة واحبك انايبايوتك»، أرهق الناس وقيل إنه تكاثف مفردات عظم عليهم استقبال أمطاره، ما تعليقك؟

لم يرهق أحداً لكن هنالك من أراد أن يرهقكم به. بدليل أنك قلت «محننة بالسليقة» لكأنك تقول لي ماذا عنه. وهذا ليس نصاً، إنه “مجتزأ” من نص طويل كتب في العام 1996م، وإنه يعالج ذات الموضوع الذي تحدثت عنه أي «المسرحة الشعرية» وقامت مجموعة «شوف المسرحية» بقيادة الاستاذ/ حاتم محمد علي وعادل شوف وطارق علي بعمل سيناريو له وأدائه على خشبة مسرح المركز الثقافي الفرنسي، كتجريب جديد لاقى قبولاً واستحساناً كبيراً وقتها.. وبعد أكثر من عشرين عاماً يقوم أحد الملتاثين والمرعوبين من دور الفنون وبالأخص الشعر وتحديداً إبان الحراك الثوري في العام 2018م، ولأنني وغيرى من شعراء الحراك وكانت أدواتنا الشعرية فاعلة فيه، قطع هذا المجتزأ الذي من غير النص عموماً يمثل حالة الارتباك الذي قلت عنه، وكان القصد من هذا الموتور واضحاً، «أي النيل من صاحب النص». على النص مبذول كاملاً في العديد من المنصات، يمكن لمن أرهق من هذا المجتزأ أن يبحث عنه بعنوان «فيما يخص البحر.. وليس محننة بالسليقة».

* الأسئلة عن المصير

تجي نمشي وين

وبعدين معاك

انتي قايلة الجنة وين

هل الشعر ذروة سنامه التساؤلات؟

وما هو الشعر، الشعر؟ إن لم يكن سؤالاً دائماً عن الوجود وماهيته، عن الحياة وتصاريفها، عن الجمال وغموضه الواضح ووضوحه المخاتل، ما الحب ما السلام وما الإنسانية، بل لماذا يمشى الشر متهبعاً بديناً بينها ويتجشأ كل هذا الوجود المتحرِّق الآن؟ إن نصاً بغير هذا السؤال ليس بشعر، إنه قصيد أو نظم بديع امتلك صاحبه قدراً وافراً من الألفاظ والمعاني وزج بها في البياض.

تاريخ الخبر: 2022-05-13 00:22:23
المصدر: صحيفة التغيير - السودان
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 56%
الأهمية: 51%

آخر الأخبار حول العالم

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية