شيرين أبو عاقلة.. عندما يكون الموت على مسافة قريبة
معاذ زكريا المحامي
خلال مشوارها الإعلامي الذي استمر لربع قرن؛ استطاعت الراحلة شيرين أبو عاقلة أن تنقل للعالم بكل مهنية وتجرّد صوت المقاومة الفلسطينية في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي؛ وهي الرسالة التي نذرت حياتها من أجلها؛ تقول شيرين: “ليس سهلاً ربما أن أغير الواقع، لكنني على الأقل كنت قادرة على إيصال ذلك الصوت إلى العالم”.
لاكثر من خمسة وعشرين عاماً ظلت الراحلة تنقل عبر قناة الجزيرة الفضائية معاناة شعبها مع سلطات الاحتلال الإسرائيلي؛ معرِّضة نفسها للصعاب والمخاطر؛ واقفة بشموخ على مسافة قريبة من الموت؛ فكان أن ألفها المشاهد في عدد من دول العالم العربي؛ بل أن البعض اعتاد طلتها عبر الصباح وهي تنقل من أرض الميدان تطورات الأحداث في القدس ورام الله؛ والبعض حفظ عن ظهر قلب تلك الجملة التي كانت تختم بها تقاريرها الصحفية المميّزة وبلهجتها المحلية المحببة (شيرين أبو عاقلة- الجزيرة- القدس المحتلة- فلسطين).
أن تكون لك قضية تدافع عنها أمر جيد ومحمود؛ فالحياة بلا قضية لا معنى لها؛ ولقد كانت قضية فلسطين هي قضية شيرين الكبرى؛ والتي أفنت زهرة شبابها في خدمتها دون كلل أو ملل؛ متحديةً كل الأهوال المحيطة بمهنة كثيراً ما تكون شديدة الخطورة كمهنة الصحافة؛ رافضة مغريات الحياة وزخرفها في سبيل الدفاع عن قضية آمنت بها؛ ونذرت روحها من أجلها؛ وتشاء الأقدار أن تفقد الإعلامية اللامعة حياتها وهي تؤدي عملها؛ عن طريق رصاصة “جبانة” أطلقت من بندقية “جبانة ” يحملها شخص “أكثر جبناً”؛ متوهماً بذلك أنه استطاع إسكات صوتها وللأبد؛ ولكن هيهات
“فالوحش يقتل ثائراً؛ والأرض تنبت ألف ثائر”- محمود درويش.
رحلت شيرين جسداً وستبقى أثراً؛ وأيقونةً للصمود والبسالة التي قلّما نرى مثلها هذه الأيام.
“يا لها من حياة عظيمة؛ ويا له من موت أعظم”.
إغتيال شيرين حرك مشاعر الآلاف حول العالم؛ وسلّط الضوء أكثر على قضية فلسطين العادلة؛ التي ربما تراجع التعاطف معها في السنوات الماضية؛ وكأنما قدر شيرين أن تنافح عن قضية شعبها في الحياة والممات؛ حتى وهي جسد مسجّى على نعش.
بيانات الإدانة والشجب على عملية الاغتيال جاءت من عدد من دول العالم والمنظمات الحقوقية؛ ولكن كان لافتاً الموقف الأمريكي الذي بدا باهتاً ودون التوقعات؛ خصوصاً وأن الراحلة تحمل الجنسية الأمريكية؛ فليس من السهل على الولايات المتحدة الأمريكية إدانة حليفتها التاريخية “إسرائيل”، لذلك فهي تفضل التحقيق في الحادث بعيداً عن المحاكم الجنائية الدولية؛ وهذا الأمر ربما يطرح تساؤلات- بحسب البعض- حول إزدواجية المعايير الأمريكية.
يقول الشاعر أبو تمام: “السيف أصدق أنباءً من الكتب”؛ ولكن سيرة ومسيرة الراحلة شيرين؛ وسير الكثير من الصحفيين قبلها؛ والذين واجهوا الموت بكل بسالة وجلد وهم يؤدون رسالتهم السامية تؤكد أن “القلم والكتاب أصدق وأقوى من السيف والسلاح”.
