ليست السياحة وحدها الضحية .. بل الشارع المصري أيضا
ليست السياحة وحدها الضحية .. بل الشارع المصري أيضا
واقعة تحرش بعض الصبية المصريين بفتاتين أجنبيتين في منطقة أهرامات الجيزة خلال إجازة عيد الفطر الأسبوع قبل الماضي تعد فضيحة أخلاقية بجميع المقاييس, علاوة علي إلحاقها أضرارا لا يستهان بها بصناعة السياحة التي تعد من أهم مصادر الدخل القومي… فللأسف الشديد تزامن مع تلك السقطة صدور بيان من وزارة الخارجية الأمريكية يحذر رعاياها من زيارة مصر لاهتزاز معايير الأمان بها, ولست أدري إذا كانت قد صدرت تحذيرات مماثلة من دول أخري, لكنني متأكد أننا لا نملك ترف الإساءة إلي سمعة بلادنا أو المساس بالدخل السياحي جراء هذه الانفلاتات الغوغائية غير المسئولة.
ولا يستقيم أن يبادر البعض بالتماس الأعذار لمرتكبي هذه الحماقات بمقولة إنهم صبية في مقتبل العمر; لأن ذلك لا قيمة له إزاء العبث بمعايير الأمان والسلامة المحتم توفرها لزوار مصر من السائحين الأجانب -ناهيك عن حتمية توفرها لسائر المصريين أيضا- إذا أردنا الحفاظ علي سمعة بلادنا كقبلة سياحية معترف بها عالميا… وغني عن القول إنه مهما بلغت مقومات الجذب السياحي عندنا سواء أثرية أو تاريخية أو شاطئية أو ترفيهية أو غيرها, فإن كل ذلك يتضاءل وتضمحل قيمته إذا غابت معايير الأمان والسلامة عنه, فالسائح الذي يخطط لقضاء إجازة ويستمتع بزيارة معالم في بلد ما لن يغض البصر عن تحذيرات تصله سواء رسميا من الأجهزة المسئولة في بلده أو حتي منقولة بواسطة مواطنيه الذين سبقوه تتحدث عن احتمالات تعرضه لمضايقات أو تحرش أو سرقات أو نصب أو احتيال, وسيقوم بالقطع بالبحث عن مقصد سياحي في بلد آخر يضمن فيه الاستمتاع دون تهديدات.
صحيح أن الواقعة الكارثية التي أتناولها هنا لم يهرب مرتكبوها من صولجان العدالة, ففور تداولها عبر مواقع التواصل الاجتماعي في صورة مقطع مصور يسجل ما تعرضت له السائحتان من مضايقات وتحرش لفظي وفعلي -وهو مقطع قام بتصويره المرشد السياحي المرافق لهما- تحركت وحدة الرصد والتحليل بمكتب النائب العام وطلبت تحريات الشرطة حول الواقعة وتأكدت من صحتها وحددت مرتكبيها وعددهم ثلاثة عشر من الصبية وتم استدعاؤهم والتحقيق معهم واعترفوا بارتكاب تلك التجاوزات… وقررت النيابة حبس المتهمين, وتبع ذلك أمر النائب العام, المستشار حمادة الصاوي, بحبس ثلاثة منهم وإيداع العشرة الباقين إحدي دور الملاحظة… أقول صحيح أن ذلك تم, لكنني وقفت أبحث عن شيء آخر افتقدته في ثنايا هذا المسلسل البغيض: أين كانت شرطة السياحة من كل ذلك؟… لماذا لم نسمع عنها ولماذا لم يظهر أفرادها في فيلم الفيديو الذي قام بتصويره المرشد السياحي والذي يسجل مطاردة أولئك الصبية للسائحتين اللتين كانتا تجريان رعبا وهربا أمام ترويعهم لهما وطلبا للنجاة من التحرش بهما بالأيدي… نحن نعرف منذ زمن أن المواقع الأثرية والسياحية مدعومة بأجهزة أمنية مدربة ومؤهلة للقيام بمهام تأمين النظام والسهر علي راحة السائحين والزوار وضمان سلامتهم, ويطلق علي أفرادها شرطة السياحة… كما نعرف أن تواجدها يكون بشكل ثابت ومستمر في تلك المواقع علي مدار العام, كما يتم تكثيفه في الأعياد والمناسبات التي تشهد كثافة زائدة من جانب المترددين وخاصة من المصريين… لكن بالرغم من ذلك وفي واقعتنا هذه لا يتحدث أحد عن وجود أو تدخل لشرطة السياحة لردع هؤلاء الصبية الغوغاء, ولم يذكر أحد أنها قامت بالقبض عليهم أو اتخاذ الإجراءات الكفيلة بتقديمهم للعدالة… إنما انحصر الأمر في فيلم الفيديو وتداوله عبر وسائط التواصل ورصد الوحدة التابعة لمكتب النائب العام له وبالتالي قيامها بمباشرة مسئوليتها القانونية بشأنه.
وأنا هنا أتناول ذلك لأرفع صوتي إلي السيد وزير الداخلية متطلعا أن يصدر تعليماته بالتحقيق مع القائمين علي جهاز شرطة السياحة في منطقة الأهرامات محل هذه الواقعة وفي تاريخ حدوثها لرصد أي تقصير حدث وحساب المسئولين عنه… ويؤسفني أن أسجل أن تعليق المسئولين بوزارة السياحة عندما تواصلنا معهم كان: هذا الأمر مضي عليه زمن ويفضل عدم إثارته وعدم التذكير به, الأفضل الحديث عن برامج التنشيط السياحي!!!… لكن للأسف يجب أن ندرك أنه بمقدار تعرية ذلك التجاوز الكارثي وتسليط الضوء علي ما نتخذه من خطوات لمعاقبة مرتكبيه ومحاسبة المقصرين فيه, نكون دافعنا عن سمعة مصرنا العزيزة وأعدنا الأمان والسلامة لسائر زوارها وسائحيها.
وقبل ذلك كله, وحتي بعده, تظل هناك كلمة أخيرة تدمي قلبي: أين كانت الأخلاق والرجولة والشهامة والنخوة في الواقعة التي نحن بصددها؟… إننا ونحن نستبيح ونستهين بما فعله أولئك الصبية لا نقتل صناعة السياحة وحدها, إنما نخلع عنا هذه المعايير أيضا… ولم لا؟.. ألسنا نتركها تتآكل لتشكل انفلاتا فوضويا بات سمة من سمات شارعنا المصري تتعرض له كل يوم الفتاة والمرأة المصرية؟!!