حسن أوريد لـ”الأيام”: المدرسة المغربية لم تدخل العصر الرقمي وبقيت حبيسة القرن 19


  • حاوره: أمين الركراكي

يعرض المفكر حسن أوريد في حواره هذا مع “الأيام” قراءته الخاصة لواقع المدرسة المغربية في الوقت الراهن، ليبرز التحديات التي تواجه المغرب في سعيه للارتقاء بمنظومته التربوية واللحاق بركب الدول المتقدمة في هذا المجال. ويدعو إلى إخضاع منظومة التعليم لهندسة جديدة تنهل من السوسيولوجيا التربوية وتعيد ترتيب أولوياتها وفق معطياتنا وواقعنا، متوقعا أن ندخل محطة جديدة من الإصلاح بعد محطتي ما بعد الاستقلال والميثاق الوطني للتربية والتكوين. كما يفكك أوريد أبرز القضايا الشائكة المرتبطة بالموضوع من خلال قراءة عميقة للرهانات الكبيرة المعلقة على هذا القطاع.

 

ما هو موقع منظومتنا التربوية بين نظيراتها في العالم؟

> يبدو أن مشاكل التعليم متشابهة في العالم العربي. ربما قد يكون الوضع مأساويا لو أن وضعية وأزمة التعليم كانت قسرا على المغرب، لكن هناك قضايا مشتركة داخل هذا الفضاء، ومما يدل على ذلك هو التقييمات الدولية في شتى سبل المعرفة سواء القراءة أو الرياضيات أو العلوم، أو وضع الجامعات حيث يوجد العالم العربي في مستويات متدنية وغير مشرفة. إذن هناك واقع لا يقتصر على المغرب لذلك يبدو لي بأنه لربما ينبغي أن يكون هناك تشخيص عام على مستوى العالم العربي. فهذا في اعتقادي أساسي. وهذا التشخيص ينبغي أن يستحضر جوانب سياسية وثقافية.

من ناحية أخرى، من دون شك أن المنظومة التربوية والتعليم بصفة عامة هي عملية معقدة وتتداخل فيها عناصر عدة خارج مسار التعليم، مثل وضعية المجتمع وثقافته وسوق الشغل وهي كلها قضايا توجد خارج المنظومة التربوية، لكن ينبغي علينا أن نقر بأن هناك جهودا بذلت في ما بخص البنيات الأساسية فالمدرسة والجامعة المغربية من حيث البنيات المادية تطورت، وهذا لا جدال فيه. لكن في الوقت نفسه فالموارد البشرية لم تواكب سواء من حيث العدد أو من حيث النوعية وهناك مشكل آخر بالتبعية وهو التدبير. إلى الآن هناك مشكل ما يسمى بالحكامة وعلاقة الوزارة بالأكاديميات إلى آخره… وهذا في اعتقادي أساسي ولا بد أن ينصرف الجهد إلى فرض ميكانيزمات جديدة للتدبير مع تمكين الأكاديميات من استقلالية أكبر من حيث التدبير الإداري. لكن أكبر مشكل يجب أن ينصرف إليه هو محتوى ما يدرس والمناهج وكيف تدرس. أعتقد أن هذا هو ما ينبغي أن يكون جوهر الإصلاح التربوي.

بالحديث عن المناهج. في خضم الجدل الذي أثير قبل سنوات حول الدارجة في المقررات اعترفت الوزارة المعنية بكونها لا تراقب المناهج الدراسية بقدر اهتمامها بصفقات الكتب فقط.

> فوجئت حينما طرحت قضية بعض المواد خاصة القراءة ولم أكن على علم بطريقة تهييء الكتاب المدرسي، بطريقة طلب العروض كما لو كان الحال يتعلق ببنايات قسم مدرسي، والحال أننا نبني الإنسان ولابد أن يكون ذلك من مسؤولية وزارة التربية الوطنية من خلال مفتشين أكفاء لهم معرفة دقيقة بالمناهج التربوية ولهم كذلك رؤية مجتمعية، والحال أن الكتاب المدرسي حسب ما انتهى إلي يتم عن طريق طلب عروض ويوزع حسب المناطق بحيث إنه ليس عاما لذلك ربما تدخل في العملية اعتبارات مادية.

الكتاب المدرسي مسألة مهمة جدا، بالأخص في دولة فتية ولا ينبغي، في اعتقادي، أن يخضع لاعتبارات مادية فلابد من تهييئ مفتشين ولجان كما كان الأمر ساريا من قبل فالكتب التي كانت موجودة في الستينيات من وضع جهابذة ورجال دولة ومثقفين وبالأخص في الابتدائي والثانوي.

ما هي أبرز الإشكاليات التي لم تعالجها كل البرامج والمخططات بما فيها الاستعجالية من الاستقلال إلى اليوم؟

> في اعتقادي، هناك محطتان أساسيتان. المحطة التي أعقبت الاستقلال وقامت على المبادئ الأربعة المعروفة: تعميم التعليم وتوحيده وتعريبه ومغربته، وكانت رد فعل ضد المنظومة الاستعمارية التي كانت تزجي تعليما متشظيا وغير معمم وغير معرب. وتبدت سوءات هذه المنظومة في التسعينيات مع بعض الإصلاحات مع مناظرة إفران 1 وإفران 2 أو تعريب بعض المواد، لكن المحطة الأساسية كانت سنة 1995 في خطاب مشهور للمغفور له الحسن الثاني بمناسبة عيد الشباب حينما وقف على اختلال المنظومة التربوية واعتبرها من مسؤولياته الكبرى ولا يمكن أن يترك الحبل على الغارب، فكانت انطلاقة من أجل التفكير وهو الأمر الذي أفضى سنة 1999 إلى تبني الميثاق الوطني للتربية والتكوين. وأهمية هذه المحطة هي أنها وقفت على تشخيص واقع المدرسة المغربية لكنها لم تفض لعلاج، أولا لأنها بقيت في إطار ترضيات هوياتية ولم تفرز طموحا جماعيا يعكس ما الذي نريده من المدرسة المغربية كقاطرة للمجتمع المغربي. فهذه قضايا غائبة في الميثاق واقتصرت فقط على الشغل وخضعت للمنطق النيوليبرالي الذي كان سائدا حينها، ثم أضيفت بعض الإصلاحات مثل المخطط الاستعجالي لكنها باءت كلها بالفشل. ونحن الآن ربما على مشارف محطة ثالثة ينبغي لها أن تقف على محطتي ما بعد الاستقلال وما بعد الميثاق وتتجاوزهما.

ويبدو لي أن الرؤية الاستراتيجية وقفت عند عنصر مهم وهو أن المدرسة لا يجب أن تبقى عبئا على المجتمع والحال أنها ينبغي أن تكون قاطرة. أقف باختصار شديد على ثلاثة عناصر لم يقف عندها الميثاق أو لم يحسمها. أولا: غياب طموح جماعي. ثانيا: لم يحسم قضية اللغة التي تبقى معقدة وإشكالية في المغرب. ثالثا: الحكامة (GOUVERNANCE) في توزيع متكامل بين وزارة التربية الوطنية والأكاديميات وكذلك عناصر أخرى ينبغي أن تضطلع بدور مواكب سواء كانت وزارة الثقافة أو وزارة الشباب والرياضة أو عناصر أخرى، وحتى وزارة الداخلية، ففي اعتقادي أن مسؤولية المدارس يجب أن تكون من مسؤولية الجماعات المحلية وليست وزارة التربية الوطنية التي ينبغي لها أن تبني الإنسان.

هل دخلت المدرسة المغربية العصر الرقمي وما هي كلفة التأخير في اعتماد الوسائل التكنولوجية الحديثة؟

> المدرسة المغربية لم تدخل العصر الرقمي بعد، ولكن بغض النظر عن هذا الجانب لابد من تفكير جديد لما أسميه هندسة جديدة لأن المدرسة المغربية حتى الآن لم تتخلص من مخلفات مدرسة القرن 19 بمعلم وأقسام ومصطبة واختبارات ومفتش. هذه المنظومة أصبحت متجاوزة، لذلك علينا أن نعيد التفكير في وضعية القسم والطاولات والمدرس بل حتى أدوات المعرفة مثل المحفظة، فكل هذه الأمور أصبحت متجاوزة الآن، إذ يمكن للتلميذ أن يتعلم من خلال لوحة إلكترونية. وحتى التقييم لابد أن نتجاوز شكله القديم القائم الذي يستخدم أسماء ذات طابع مُنَفِر مثل الاختبار أو الامتحان أو المفتش. لا بد من تقييم واقع المدرسة ليس من خلال أمور إدارية بل وفق أدوات جديدة وهي التي تضطلع بها السوسيولوجيا التربوية التي تأخذ بها كل الدول. وهذا يبدو لي غائبا إلى الآن في ما يخص المدرسة المغربية. من داخل الهندسة التي أنادي بها لابد من تعليم مواز أو مواكب إلى جانب المدرسة كما هو الحال في جميع الدول، فالوزارة تقوم دون أدنى شك بمسؤولية كبرى في ما بخض التعليم وهو ما يبدو الآن من ربط الجمع بين وزارتي التربية الوطنية والرياضة وهذا مؤشر إيجابي في نظري.

كورونا كشفت مجموعة من الحقائق عن منظومتنا التربوية. ما هي قراءتك لواقعنا المغربي على ضوء ما استجد بعد كورونا؟

> كورونا أفرزت واقعا جديدا واعتُبِر أنه يمكن الاستعاضة عن هذا الواقع أو الإشكالات التي طرحها بالتعليم عن بعد. وهذا التعليم، في تصوري، وقد نبهت إلى ذلك، لا يمكن أن يكون بديلا عن علاقات مقربة بين المعلم والمتعلم. فالتعليم عن بعد يكون مكملا وليس بديلا. لا يمكن للتعليم عن بعد أن يكون خيارا في المراحل الأولى مثل الابتدائي والثانوي. أعود لمسألة الهندسة لأضيف مسألة تتعلق بتبني التعليم ما قبل المدرسي وهذا شيء إيجابي جدا كجزء من المنظومة التربوية، فقد أثبتت الدراسات أن التلاميذ الذين يملكون قابلية للتعلم والاستيعاب هم الذين تلقوا تعليما ما قبل المدرسة. والحال أن التعليم ما قبل المدرسي هو روض لحراسة الأطفال ولا يدخل في دائرة التعليم ومن الضروري أن يكون جزءا من المنظومة التربوية وهو ما يبدو لي أنه تم.

هذا يحيلنا إلى ما سبق أن ذكره المفكر الراحل المهدي المنجرة بخصوص غياب الرؤية.

> يبدو لي أن هناك وعيا بأن المسألة التربوية ليست تقنية، فلو كانت كذلك لعهدنا بها في نهاية المطاف إلى خبراء دوليين مثلا. لكن كل دولة ينبغي أن تفرز رؤية لمدرستها بناء على واقعها وطموحها الجماعي. والطموح الجماعي أصبح ساريا وقد تم تبنيه في ما يسمى بالنموذج التنموي الجديد. تبنيه شيء إيجابي لكن الأهم هو أجرأته وتفعيله. الوعي بالمشكل خطوة مهمة فالتشخيص نصف العلاج، وهناك وعي بأعطاب المدرسة المغربية وبغياب رؤية. وهذا في اعتقادي قد يكون مؤشرا لتجاوز هذه الأعطاب.

ولكن الارتباط التاريخي بفرنسا جعلنا حبيسي تجربتها في مجموعة من المجالات بما فيها التعليم دون الانفتاح على تجارب أخرى رائدة سواء أوروبية أو أسيوية مثلا…

> تابعت مؤخرا ورشة لاستقراء تجارب كندية أو بلجيكية أو إماراتية أو سنغافورية. ولا يمكن أن نذخر أي جهد من أجل الاستفادة من أي تجربة أو محاولة سابقة، على ألا نظل حبيسي تجربة واحدة. فكل تجارب الإصلاح كانت استنساخا للتجربة الفرنسية. يمكن أن نستفيد من دول كانت في مثل وضعنا وانتقلت إلى وضع أخر مثل البرتغال التي لا نقف كثيرا عندها، أو تركيا، وهي دول قريبة منا كانت تشكو من اعتلالات شبيهة بوضعنا، وقطر لديها تجربة رائدة مثلا في التعليم الابتدائي. لا أدري ما يمكن أن نستفيده من تجارب بلجيكا وكندا إلا أن كان من باب التنوع الثقافي فأنا شخصيا لا أدري، فالتنوع في اعتقادي يجب أن ندبره وفق واقعنا لأنه لا يطرح مثلما يطرح بالنسبة للفلامانيين والوالونيين في بلجيكا.

الاستفادة من التجارب لا تعفي من بناء مدرسة مغربية يبنيها مفكرون وأطر مغاربة فقضية المدرسة ليست قضية المربين بل كذلك الذين يشتغلون في الشأن العام لأنها ليست منصرفة عن هذا الأخير.

هل كان البعد الاستشرافي حاضرا عن وضع المخططات أم أن التدبير كان يقتصر على المدى المتوسط في كل مرة؟

> أنا شخصيا توقفت عن قراءة هذا الجانب لأن الأمر أصبحت فيه تخمة وتضخم في ما يخص الإصلاحات، ودخلنا في ما يسميه بيير بورديو طقوس الإصلاح التي تفرغ الإصلاح من محتواه، لذلك لا أستطيع الحديث عن الرؤية الاستراتيجية أو المخطط الاستعجالي. أنا أبارك مثلا ما تقوم به وزارة التربية الوطنية من حيث الاهتمام بوضع المعلم، فهذا مدخل أساسي للإصلاح فقد اعْتُبِر لفترة أن الإصلاح يمكن أن يكون عن طريق المتعلم من خلال المحفظة، وهذا غير مجد. الطريقة التي تأخذ بها الآن وزارة التربية الوطنية الأمور إيجابية من منظوري في ما يخص ولوج رسالة التعليم وليس الوظيفة فقط، وكذلك التدرج والتكوين المستمر والارتقاء بالأوضاع المادية. فالتعليم ينبغي أن يكون خيارا وليس لمن «تقطع به الحبل» وهذا مدخل إيجابي أتمنى أن ينجح.

بدأ الحديث مؤخرا الحديث عن اللغة الإنجليزية كخيار بديل لأنها تفتح آفاقا أرحب بدل اللغة الفرنسية….

> في هذه النقطة تطورت رؤيتي، أظن أن اللغة الإنجليزية تفرض نفسها ولكن ينبغي أن يكون ذلك في يسر فلا يمكن أن نقطع بصفة نهائية. الوقت الذي يصرف في تعليم اللغات كبير مقابل نتيجة ضئيلة جدا لذلك أظن أننا ينبغي أن ننفتح على اللغة الإنجليزية فهذا خيار استراتيجي.

تاريخ الخبر: 2022-05-20 15:17:46
المصدر: الأيام 24 - المغرب
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 60%
الأهمية: 70%

آخر الأخبار حول العالم

توقعات أحوال الطقس اليوم الأربعاء

المصدر: موقع الدار - المغرب التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2024-05-01 12:25:10
مستوى الصحة: 57% الأهمية: 66%

المنتخب المغربي يتوج بلقب البطولة العربية لكرة اليد للشباب

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-01 12:25:49
مستوى الصحة: 56% الأهمية: 50%

الأمم المتحدة تحذر من هجوم إسرائيلي "وشيك" على رفح بجنوب قطاع غزة

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-01 12:26:20
مستوى الصحة: 59% الأهمية: 61%

الأمم المتحدة تحذر من هجوم إسرائيلي "وشيك" على رفح بجنوب قطاع غزة

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-01 12:26:16
مستوى الصحة: 52% الأهمية: 65%

المنتخب المغربي يتوج بلقب البطولة العربية لكرة اليد للشباب

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-01 12:25:57
مستوى الصحة: 55% الأهمية: 57%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية