موسيقية الألحان القبطية (٢٨)


تاريخه وماله وماعليه (٢)

عزيزي القارئ، أتحدث معك في هذه السلسلة عن التدوين الموسيقي للألحان القبطية وتاريخه وماله وماعليه، وهذا هو المقال الثاني منه.

فقد بدأت واحدة من أكثر المجهودات طموحا في هذا المجال من قِبل الموسيقي الإنجليزي “إرنست نيولاند سميث” الذي جاء إلى مصر بدعوة ورعاية راغب مفتاح لغرض تدوين موسيقى الخدمات القبطية. وفي الفترة من 1926-1936 دَوَن -بعد الاستماع إلى أفضل المرتلين الأقباط- نحو ستة عشر مجلداً من الموسيقى، والتي تشمل ليتورجية القديس باسيليوس الكبير كاملةً وبعض الألحان الهامة الأخرى والمردات المحفوظة للأعياد الخاصة. (المجلد الأول يضم وحده أكثر من 100 صفحة).

ولأنه شعر بأن الزخرفة الكثيرة في الموسيقى القبطية هي في المقام الأول “أطلال عربي” لذا مال “سميث” إلى تجاهل معظم الزخارف اللحنية، وبالتالي فإن مدوناته رسمت خطوط لحنية بسيطة، وكَيفَها على التوقيعات الغربية مستخدماً دليل المقامات الغربية، ومع ذلك فقد كانت هذه المدونات لهذا الجزء من الموسيقى القبطية الذي يخلو من الزخارف، كانت تحظى بتأييد عند مقارنتها مع عمل العلماء المحدثين، وكان الجزء الأساسي الأكبر من تدويناته يوفر الكثير من المواد التي تستخدم لدراسات المقارنة والتحليل[1].

إن جميع المدونين السابقين الذين ليس لديهم ميزة أجهزة تسجيل لم يكن لهم أية وسيلة لمقارنة ما سمعوه مع ما دونوه. وبالتالي فإن العديد من تعقيدات الإيقاع والتجويد لم يتم إدراكها ولا توضيحها بدقة حتى عام 1950 عندما بدأ علماء موسيقيون من المهتمين بالعمل مع الأشرطة، صاروا قادرين على كتابة تدوينات بأكثر تفصيل ودقة، ومن بين هؤلاء العلماء كان “هانز هيكمان” و”رينيه مينار”، وقد عمل كلاهما على حدة ومعا في كتابة بعض ألحان قصيرة. وهكذا صار “مينار” -عن طريق إبطاء الشريط- قادرا على السماع وبالتالي كتابة الزخارف بمزيد من الدقة أكثر مما كان ممكنا من قبل. وأثناء قيامه بذلك لاحظ أن نظام التدوين الغربي لا يمكن أن يبين بالفعل كل الفروق الدقيقة في الإيقاع والتعبيرات الكامنة في الموسيقى القبطية، واقترح إستخدام بعض الإشارات القديمة كالمستخدمة في تدوين الغناء الجريجوري عله يكون مفيدا.

بعد توجيهات هيكمان، تمكن علماء في معمل “علم الموسيقى العِرقي” في جامعة “هامبورج” من توظيف المعدات الصوتية الأكثر حداثة التي مكنتهم من تسجيل الذبذبات الدقيقة للموجات الصوتية، مدونةً بذلك الفروق المعقدة في التجويد والتنغيم في الموسيقى القبطية إلى أقرب ربع نغمة.

وفي عام 1967 ذهبت “إيلونا بورساي” Ilona Borsai إلى مصر لجمع مواد للدراسة والتحليل. وخلال فترة قصيرة من دراسات الإثنوميوزيكولوجي ethnomusicological، أصبحت قادرة على نشر نحو سبعة عشر مقالاً تحتوي على مدونات وملاحظات لجوانب من الموسيقى القبطية لم يتم التطرق إليها من قبل.

وفي عام 1969 جاءت مارجيت توث من المجر الى القاهرة لدراسة الموسيقى القبطية وشأنها شأن نيولاند سميث فقامت بالعمل مع راغب مفتاح مستخدمةً التسجيلات التي جمعها ودونت قداس القديس باسيليوس كاملاً. باستخدام أساليب جديدة للتسجيل وإعادة الإستماع، وإنتهت من تدوين التفاصيل هائلة، حيث لم يتم تدوين الزخارف المسموعة فقط، ولكن أيضا النغمات الإضافية التي لا يمكن ملاحظتها إلا على سرعة بطيئة، إلا أن هذه التدوينات من فرط ماتحويها من تفاصيل أصبحت غير مقروءة لدي شريحة كبيرة من الموسيقيين، كما انها كانت ميكانيكية التدوين (حيث تم تدوينها باستخدام الميلو جراف) وبالتالي لم تعكس روح اللحن، وتم تدوينها باسلوب غربي فلم تدون الميكروتون بالطريقة المشابهة لتدوين الربع تون بمدونات الموسيقى العربية التي تعتبر هي الأقرب من حيث الطبيعة، والتي إستقرت طرق التدوين ونظام الأرماتورة فيها منذ زمن ليس بقريب.

في أواخر 1970s، بدأت ماريان روبرتسون من الولايات المتحدة في العمل أيضا مع الأشرطة في تدوين مقتطفات من قداس القديس باسيليوس وخدمات أسبوع الآلام. لم تدون روبرتسون الزخارف بنفس التفاصيل مثل توث، لأنه بإعتبارها متخصصةً الى حدٍ كبير في الموسيقى التي تغنى بالكورال، والتي الزخارف فيها الى حد ما تكون غير واضحة المعالم بسبب الإنفرادية التي لكل مغني. إن الظاهرة الناتجة عن التغير في إرتعاشات الصوت والزخارف للمرتلين قد ساعدت في تفسيرات النصوص المصاحبة للألحان.

وفي عام 1976 إستطاع نبيل كمال بطرس، وهو مدرس آلة الكمان في كلية التربية الموسيقية بجامعة حلوان وعضو في فرقة الموسيقى العربية الكلاسيكية، أن يُكمل رسالة الماجستير بعنوان “الموسيقى القبطية وعلاقتها بالموسيقى الفرعونية ” والتي قدم فيها تدوين مقارن وتحليل لأحد الألحان تم غنائها من عدد من الكورالات المختلفة.

على الرغم من أن التدوين الغربي لم يكن مصمماُ لتدوين الموسيقى القبطية، إلا أنه قد يكون هو الشكل الذي في نهاية المطاف يمكن ان تُكتب عليه هذه الموسيقى القديمة القادمة من الشرق الأدنى.

بمقارنة التدوينات المختلفة للعلماء المخلصين، ربما يستطيع الإنسان أن يدرك على الأقل مدى التعقيد والتنوع في الموسيقى القبطية التقليدية[2].

عزيزي القاريء مازال للحديث عن موضوع التدوين الموسيقي للألحان على النوتة الإعتيادية، بقية في المقال القادم، وإلى أن نلتقي لك مني كل محبة وتقدير.

تاريخ الخبر: 2022-05-24 09:21:20
المصدر: وطنى - مصر
التصنيف: غير مصنف
مستوى الصحة: 53%
الأهمية: 65%

آخر الأخبار حول العالم

الإمارات تستنكر دعوة نتنياهو لها للمشاركة في إدارة غزة

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-12 15:26:02
مستوى الصحة: 54% الأهمية: 69%

الإمارات تستنكر دعوة نتنياهو لها للمشاركة في إدارة غزة

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-12 15:25:55
مستوى الصحة: 56% الأهمية: 67%

توقعات أحوال الطقس غدا الاثنين

المصدر: موقع الدار - المغرب التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2024-05-12 15:25:14
مستوى الصحة: 46% الأهمية: 55%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية