الرأي اليوم
الاستقامة والالتواء في خطاب البرهان
صلاح جلال
(1)
* الاستقامة لغةً عكس الالتواء أو الإعوجاج مثل الخط المستقيم، فكل ما فيه التواء خرج من الاستقامة إلى الإعوجاج، أي محاولة لمخاطبة الجمود الخطر الراهن في البلاد يعتبر إيجابية، لقد استمعت إلى خطاب الفريق أول البرهان، ففي بداية الخطاب وصف حال السودان بالسوء ومواجهة مخاطر وجودية تهدد سلامة الأرض ومصالح المواطنين، وصف فيه حقيقة واستقامة لكنه انطوى على التواء ومخاتلة وهو أن سبب هذه المخاطر هو مصادرة العملية السياسية الانتقالية في اكتوبر بالقوة، ثم تناول عدداً من القضايا الهامة منها مخاطبة مطلب الشعب بخروج القوات المسلحة من العملية السياسية وانتظار نتيجة التفاوض بين القوى المدنية من خلال المبادرة الثلاثية، هنا جمع الخطاب بين الاستقامة وهو مطلب خروج القوات المسلحة من العمل السياسي.
(2)
* والالتواء أن سلطة الانقلاب هي حكومة الأمر الواقع Goverment of the day لا يمكن إنهاء الانقلاب دون تفاوض مباشر مع الانقلابيين الذين يصادرون السلطة ويمارسون الحكم فعلياً في البلاد، بالتالي الحديث عن خروج القوات المسلحة من العملية السياسية وادعاء الحياد وهي سبب الأزمة، في هذه المرحلة فيه فهلوة سياسية والتواء لا تخطئه العين، الإستقامة أن يتم التفاوض مع قيادة القوات المسلحة لإنهاء الانقلاب وإلغاء كل قراراته ومن ثم مناقشة الوضع الدستوري الجديد الذي تخرج فيه القوات المسلحة والأجهزة الأمنية من العملية السياسية وتقام سلطة مدنية كاملة.
(3)
* هناك استقامة والتواء آخر في حديث الفريق البرهان؛ الاستقامة تتمثل في ضرورة وحدة الجبهة المدنية المقاومة للانقلاب، والالتواء أن تشمل الوحدة الحاضنة السياسية للانقلاب وهي تتكون من فلول الإنقاذ وأعداء الثورة وهي حاضنة تأتمر بأمر قيادة الانقلاب، وبالتالي يصبح الفريق البرهان ومؤيديه هم العامل الحاسم في وحدة الجبهة المدنية لاستلام السلطة بالتوافق، وهذا يقود لإنهاء الانقلاب بشروط الانقلابيين وهو ما لن يوافق عليه الشارع الثوري، وما أسميناه بعملية ذات مصداقية لإنهاء الانقلاب واستعادة الانتقال الديمقراطي
بمعنى خطاب البرهان ما يظهره من مرونة باليمين يصادرها بالشمال للانطلاق لعملية سياسية متحكّم فيها وهي أحد أهم أهداف الانقلاب.
(4)
* الالتواء والاستقامة الرابعة في خطاب البرهان الإشارة لشباب الثورة والإعتذار عن قمع الدولة للمواكب السلمية والوعد بالقبض على قتلة المتظاهرين السلميين وتقديمهم للمحاكمات العادلة والقصاص، هذا يعتبر من مطالب الثورة وأسس الاستقامة ولكن الخطاب وضع هذا القصاص على قدم المساواة مع تجاوزات افتراضية قام بها المتظاهرون ضد الأجهزة الأمنية وفي هذا التواء واضح لتمييع قضية العدالة والمساواة بين الظالم والمظلوم في قضية العدالة وفي نفس الوقت الدعوة للتعاون مع شباب الثورة. خطاب البرهان (يشرّك ويحاحي).
(5)
* خلاصة القول إنهاء الانقلاب لن يتم دون طريقين؛ إسقاط الانقلاب بالعصيان المدني والإضراب العام أو التفاوض المباشر مع سلطة الانقلابيين، أي محاولة إلى تمييع هذه الفقرة بالحديث عن خروج قيادة الانقلاب من العمل السياسي وإسناد هذه العملية للتفاهم البيني للمجتمع المدني وآلية المبادرة الثلاثية قبل التوصل لصيغة حاسمة تنهي الانقلاب، تقف دليلاً على عدم جدية لإنهاء الانقلاب ومراجعة قرارات 25 اكتوبر المتسبّب الرئيسي فيها القائد العام للقوات المسلحة ولا علاقة لها بالثلاثية أو الأحزاب، بالتالي خروج القوات المسلحة من عملية التفاوض لإنهاء الانقلاب هي (الملوص) في أبهى صوره لن يشترية أحد، إنهاء الانقلاب يتم بالتفاوض مع من قام بالانقلاب، غير ذلك يفتح الله.
(6)
** ختامة
خطاب الفريق البرهان يمكن اعتباره حجراً في بٍركة راكدة للاستفادة من بعض موجهاته لصياغة إعلان مبادئ يوقع بين قيادة القوات المسلحة وقوى الثورة لإنهاء الانقلاب يؤسس إعلان المبادئ على خروج القوات المسلحة بعد إنهاء الانقلاب من السياسة والعودة للثكنات ومخاطبة قضية العدالة الجنائية والتكميلية، والتأسيس لعملية دستورية جديدة لحكم مدني كامل على مستوى السيادة ومجلس الوزراء ومن ثم توسيع التفاوض ليشمل قوى وطنية ومجتمعية أوسع لمناقشة بقية أجندة الانتقال.
(7)
* الشعب السوداني الآن يعرف بوضوح ما يريد، حكومة مدنية ديمقراطية انتقالية بقيادة ثورية تكمل مهام الانتقال وتقود البلاد لانتخابات عامة حرة عادلة وشفافة.
الصبح إن مرق ما بتعيقو سحابة
والفجر إن شرق ما بتمنعو الدبابة
5 يوليو 2022م
