الدار/ افتتاحية
بانعقاد اجتماع المجلس الوزاري الذي ترأسه جلالة الملك محمد السادس أول أمس الأربعاء تكون أهم مشاريع حكومة عزيز أخنوش قد وُضعت على سكة التنفيذ العملي بإطلاق الورش الكبير لإعادة هيكلة قطاع الصحة وورش إصلاح مجال الاستثمار وتحفيزه. وبذلك ينضاف مشروع القانون الإطار المتعلق بالمنظومة الصحية الوطنية ومشروع القانون الإطار بمثابة ميثاق الاستثمار إلى برامج ومشاريع إصلاح المنظومة التربوية التي أعلن عنها رئيس الحكومة في جلسة المساءلة الشهرية المنعقدة مؤخرا أمام مجلس المستشارين.
ويكتمل بهذه المشاريع المثلث الإصلاحي الكبير الذي وعدت الحكومة في بداية ولايتها بالتركيز عليه. ثلاثة قطاعات حيوية ومتشابكة ستشهد إطلاق مشاريع مهيكلة: التعليم والصحة والتشغيل. فمشروع القانون الإطار المتعلق بالمنظومة الصحية الوطنية يختزل رؤية الحكومة التي بلورتها بعد خبرة جائحة فيروس كورونا المستجد وتداعياتها التي كشفت حجم الخصاص الهائل في مجال الرعاية الصحية.
تستجيب الحكومة من خلال هذا المشروع للإرادة الملكية التي انبثقت عن هذه التداعيات عندما قرر جلالة الملك محمد السادس إطلاق مشروع لتعميم الحماية الاجتماعية والتغطية الصحية على كافة المواطنين المغاربة. كما أن هذا المشروع يعبر عن التزام الحكومة السياسي تجاه البرامج والوعود التي أطلقتها خلال فترة الحملة الانتخابية وفي التصريح الحكومي الأول الذي تم تقديمه أمام البرلمان.
لقد عاشت هذه الحكومة ضغوطا إعلامية غير مسبوقة مباشرة بعد تنصيبها حيث لم يتردد المهتمون بالشأن العام في محاسبتها على كل ما قدمته من وعود انتخابية أو حكومية. بل إن بعض المراقبين اعتادوا على الوقوف عند كل سطر أو فقرة من فقرات التصريح الحكومي أو برنامج الحزب الذي يقود الحكومة سعيا وراء إثبات التراجع أو التأخير.
لكن الحكومة تؤكد اليوم من خلال مخرجات اجتماع المجلس الوزاري أنها تعمل في صمت وأن الزمن الحكومي وزمن التدبير لا علاقة له بالضرورة بالزمن السياسي والإعلامي. فهذا المشروع المتعلق بالمنظومة الصحية ليس مجرد قرار أو مرسوم يتطلب الصياغة والتوقيع وانتهى الأمر، بل هو نص قانوني مهيكل وثوري سيعيد بناء المنظومة الصحية على أسس جديدة ومتينة. ومثل هذه القوانين تتطلب جهدا كبيرا على مستوى توضيح الرؤية وتحديد الوسائل والتمويل وسبل التنزيل.
بل إن حكومة عزيز أخنوش التي لم تكمل بعد سنتها الأولى نجحت في الاستجابة لهذا الورش الكبير بسرعة تكاد تكون قياسية، في الوقت الذي كانت مثل هذه النصوص والإصلاحات تستنزف من الحكومات السابقة ولاية كاملة قبل خروجها إلى حيز التنفيذ.
وما ينطبق على مشروع قانون المنظومة الصحية الوطنية يصدق على مشروع القانون الإطار بمثابة ميثاق للاستثمار. هذا النص الذي عرض على أنظار جلالة الملك في المجلس الوزاري سيعين الحكومة على الوفاء بوعدها في مجال التشغيل الذي التزمت من خلاله بخلق مئات الآلاف من مناصب الشغل، بالنظر إلى التحفيزات التي يقدمها والتسهيلات التي يمتع بها المستثمرين سواء من رواد المقاولات الكبرى أو الصغرى والمتوسطة. إن المصادقة على هذين المشروعين والتي يرتقب أن تتم في اقرب الآجال ستسمح لهذه الحكومة بتنفيذ برامجها ووعودها في إطار جدولة زمنية معقولة بالنظر إلى أن ولايتها السياسية لا تزال في بدايتها.
هناك ما يكفي من الوقت أمامها للشروع في التنفيذ والتنزيل، وللإثبات بالملموس أنها تقود حكومة إنجاز وفعل في ظرفية اقتصادية واجتماعية صعبة جدا، لا تتيح للكثير من الحكومات هوامش المناورة والمبادرة. لقد كان رئيس الحكومة عزيز أخنوش محقا عندما قال مؤخرا أمام البرلمان إن من السهل على المسؤول السياسي أن يتذرع بالأزمة العالمية ويركن إلى اللافعل ويحول كل الاعتمادات المتوفرة نحو سياسة دعم جديدة، ويوقف كل المشاريع والأوراش. لكن هذه الحكومة لا تفكر بهذا المنطق، بل إنها تحاول جاهدة أن تخرج من قلب الأزمة بمكتسبات جوهرية جديدة للمغاربة تضمن تمتيعهم بحقوق لطالما كانت تمثل في الماضي حلما بعيد المنال كالحماية الاجتماعية والتغطية الصحية.
