عادت الأسر الجزائرية لصناعة أجواء البهجة والفرحة في منازلها، مُحاولة تناسي تبعات فيروس كورونا، وذلك من خلال تنظيم حفلات الأعراس، إذ تفضّل غالبية العائلات فصل الصيف لإقامتها نظراً لتزامنه مع العطلة وذلك ضماناً لحضور أكبر عدد من المدعوين.
وللأعراس الجزائرية تقاليد وتفاصيل خاصة قد تميزها عن بقية الدول العربية، ومنها تقليد"التصديرة"، فهي واحدة من ثوابت حفلات الزفاف في الجزائر، وركن مقدس بالنسبة للعروس وأهلها، وتُعتبر من أهم تحضيرات العروس الجزائرية والتي قد يستغرق التحضير لها أشهراً.
تشكيلة متنوعة
و"التصديرة" من التقاليد الجزائرية القديمة التي مازالت إلى الآن، وهي عَرض لتشكيلة من الألبسة التقليدية تتراوح بين أربعة إلى سبعة ألبسة متنوعة من مختلف مناطق الجزائر، تبدأ بلباس كل عروس لباسا يمثل منطقتها التي تنحدر منها حين خروجها من المنزل وتُستكمل بألبسة من مناطق أخرى من الوطن طيلة الحفل، قبل أن تختم بالفستان الأبيض.
واللافت أن كل لباس تقليدي للعروس يتناغم مع وصلة موسيقية خاصة به، كما قد يتشارك أفراد من العائلة والأصدقاء مع العروسة في ارتداء نفس اللباس، ما يشكل ديكوراً جميلاً من التراث التقليدي الجزائري.
وتختلف طريقة التحضير لـ"التصديرة" من عروس لأخرى، فهناك فتيات يفضلن اقتناء ألبسة جاهزة تباع في محلات شعبية خاصة باللباس التقليدي والتي تكون أسعارها متباينة حسب الأقمشة التي خيطت بها ونوعية الطرز والأدوات المستخدمة في عملية التزيين.
أما الفئة الأخرى من العرائس فيخضن رحلة طويلة مع خياطتها، بالاتفاق مع خياطة متخصّصة في صناعة الألبسة التقليدية، إذ يكون التصميم من اختيار العروس وهي التي تشارك في مراحل خياطته من اختيار للقماش وصولاً إلى الشكل النهائي للفساتين التقليدية.
ويثير هذا التقليد الكثير من النقاشات أوساط الأسر الجزائرية، إذ ترى إيمان في "التصديرة" دعامة للتعريف بتنوع العادات والتقاليد تعكس أصالة كل منطقة من الجزائر، شريطة أن" تكون دون مغالاة وألا تصبح وسيلة للتباهي بين الأسر، وتفادي التقليل من شأن من يعجز عنها، ترى فاطمة في حديث مع "العربية.نت"، أن التصديرة "واحدة من العادات القديمة التي يجب التخلص منها، لأنها تستهلك من العروس جهداً مادياً ومعنوياً يمكن الاستثمار فيها في أمور عملية أهم في الحياة الزوجية".
الكاراكو والشدة التلمسانية
ومن بين الأزياء التقليدية الجزائرية التي ترتديها العروس "الكاراكو"، وهو لباس عاصمي ظهر في القرن الخامس عشر، وكان حكراً على الطبقة البرجوازية من مدينة الجزائر في الأعراس وحفلات الختان، ليصبح اليوم أهم قطعة تلبسها المرأة تخطف بها الأنظار في المناسبات.
ويتكون الكاراكو من قطعتين؛ الأولى غالبا ما تكون سترة مخملية من القطيفة مطرزة بخيوط ذهبية تدعى "الفتلة" و"المجبود" على الصدر والرقبة واليدين، يطغى عليه التطريز التقليدي بخيوطه الذهبية. أما القطعة الثانية فهي قطعة قماش تصمم بطريقة أسهل من الأولى وأخف ليكون على العموم من قماش الساتان، وقد يكون أيضا على شكل تنورة أو على شكل سروال يدعى الأول "الشلقة"، وهناك المدور والقصير العصري.
البلوزة الوهرانية
وفي الغرب الجزائري، تشتهر مدينة وهران، ثاني أكبر مدينة بعد العاصمة الجزائرية بـ "المنصورية" أو "البلوزة الوهرانية" التي تُشكل جزءًا من ثقافة وتاريخ مدينة وهران الضارب في جذور التاريخ، وهي عبارة عن فستان طويل من قماش حريري وبأكمام قصيرة، يتم تزيينه بحبيبات برّاقة تعطيه جاذبية، تلسبه النساء في المناسبات والأفراح.
كذلك نجد في الخزانة الجزائرية للألبسة التقليدية اللباس التلمساني الذي ترتديه النساء في الحفلات والأعراس ويعتبر أيضا موروثا ثقافيا جزائريا وعالمياً صنفته منظمة "اليونسكو" ضمن التراث الإنساني المشترك، وهو عبارة عن لباس يتكون من 12 قطعة ويزن قرابة 15 كيلوغراما، وهناك أيضاً الجبة القبائلية التي تشتهر كثيرا في منطقة القبائل شرقي الجزائر.
ترويج في المحافل الدولية
ومؤخراً تسعى الجزائر للتعريف أكثر بتراثها الحضاري في كل المناسبات المحلية والدولية، إذ تميزت الدورة الـ19 من ألعاب البحر الأبيض المتوسط التي استضافتها مدينة وهران غرب العاصمة الجزائرية في الفترة الممتدة من 25 يونيو إلى 6 يوليو الماضي، بحضور لافت للألبسة التقليدية التي أبرزت التنوع الثقافي الجزائري ارتداها مرافقون للوفود المشاركة في الحفل الافتتاحي، وأثناء توزيع الميداليات على الفائزين.
ويقول الناشط السياحي المهتم بالتراث العمري قابش، إن اللباس التقليدي الأصيل من المقومات الثقافية المعبرة عن انتماء الحضارة لأعرافها التراثية التي تبرز قيم صمودها وارتقاءها في التمسك بهوية الذات، والتعريف بتقاليد المنطقة التي تنبع على تشريفها لتتميز بتنوعها التراثي الذي يروي المبادئ المحافظة لتعاقب الأجيال.
